قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ * وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾ [البقرة: 62 - 69].
الوقفات التدبرية:
١- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ هذه طريقة القرآن: إذا وقع في بعض النفوس عند سياق الآيات بعض الأوهام، فلا بد أن تجد ما يزيل ذلك الوهم؛ لأنه تنْزيل مَن يعلم الأشياء قبل وجودها، ومَنْ رحمتُه وسعت كل شيء، وذلك -والله أعلم- أنه لما ذَكر بني إسرائيل وذَمَّهم، وذَكر معاصيهم وقبائحهم، ربما وقع في بعض النفوس أنهم كلهم يشملهم الذم، فأراد الباري تعالى أن يبين من لم يلحقه الذم منهم بوصفه. ولما كان أيضًا ذكر بني إسرائيل خاصة يوهم الاختصاص بهم؛ ذكر تعالى حكمًا عامًا يشمل الطوائف كلها؛ ليتضح الحق، ويزول التوهم والإشكال. [السعدي].
٢- ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ﴾ المراد بالقوة: الجد والاجتهاد، وعدم التكاسل والتغافل. [الألوسي].
٣- ﴿ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ لا تكون موعظة نافعة إلا للمتقين، وأما من عداهم فلا ينتفعون بالآيات. [السعدي].
٤- ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ﴾ قال الماوردي: إنما أُمروا -والله أعلم- بذبح بقرة دون غيرها؛ لأنها من جنس ما عبدوه من العجل؛ ليهون عندهم ما كان يرونه من تعظيمه، وليعلم بإجابتهم ما كان في نفوسهم من عبادته. [القرطبي].
٥- ﴿ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ في هذا الجواب تبرؤ وتنزه عن الْهُزْءِ، وهو المزاح الذي يخالطه احتقار واستخفاف بالممازح معه؛ لأنه لا يليق بعقلاء الناس فضلا عن رسل الله عليهم السلام. [طنطاوي].
٦- ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾ لو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة، ولكنهم شدّدوا فشدَّد عليهم. [ابن كثير].
التوجيهات:
١- على المسلم أن يتمسك بدينه بقوة، وألا يكون سريع التنازل عن شيءٍ منه أمام الأحداث والمصائب، ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ﴾.
٢- ما يحصل لغيرك من عقوبة فيه عبرةٌ وعظةٌ لك، ﴿ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾.
٣- اذكر فضل الله ورحمته عليك بهذا الإسلام، واشكره على ذلك؛ فلولاه لكنت من الخاسرين، ﴿ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾.
العمل بالآيات:
1- حاول أن تكون أكثر جدية، وأعلى همةً، ثم تأمل الفرق في النتائج ﴿ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾.
2- أرسل رسالة لمن حولك تذكر فيها أن المعصية بتحايل أكثر جلبًا لسخط الله من المعصية بلا تحايل، ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾.
معاني الكلمات:
﴿ وَالصَّابِئِينَ ﴾ قَوْمٌ بَاقُونَ عَلَى فِطْرَتِهِمْ فِي أَوْقَاتِ الْفَتَرَاتِ.
﴿ الْطُّورَ ﴾ جَبَلٌ بِسَيْنَاءَ.
﴿ خَاسِئِينَ ﴾ مَنْبُوذِينَ.
﴿ نَكَالًا ﴾ عِقابًا شدِيدًا يَرْدَعُ المُعاقَبَ عَنِ العَوْدِ لِلْجِنايَةِ، ويَرْدَعُ غَيْرَهُ عَنِ ارْتِكابِ مِثْلِها.
﴿ فَارِضٌ ﴾ مُسِنَّةٌ هَرِمَةٌ.
﴿ بِكْرٌ ﴾ صَغِيرَةٌ فَتِيَّةٌ.
﴿ عَوَانٌ ﴾ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْمُسِنَّةِ وَالصَّغِيرَةِ.
﴿ فَاقِعٌ ﴾ شَدِيدَةُ الصُّفْرَةِ.