قال الله تعالى: ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 70 - 76].
الوقفات التدبرية:
١- ﴿ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ﴾ وهذا من جهلهم، وإلا فقد جاءهم بالحق أول مرة، فلو أنهم اعترضوا أيَّ بقرة لحصل المقصود، لكنهم شددوا بكثرة الأسئلة؛ فشدد الله عليهم. [السعدي].
2- ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِىَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾
قوة القلب المحمودة غير قسوته المذمومة، فإنه ينبغي أن يكون قويا من غير عنف، ولينا من غير ضعف. [ابن تيمية].
٣- ﴿ وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلْأَنْهَٰرُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ ﴾ إن من الحجارة ما هو أنفع من قلوبكم؛ لخروج الماء منها، وترديها، قال مجاهد: ما تردى حجر من رأس جبل... إلا من خشية الله؛ نزل بذلك القرآن. [القرطبي].
٤- ﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا۟ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ ﴿ مِن بعد ما عقلوه ﴾؛ أي: عرفوه وعلموه. وهذا توبيخ لهم... ودل هذا الكلام أيضا على أن العالِم بالحق المعاند فيه بعيد من الرشد؛ لأنه علم الوعد والوعيد ولم ينهه ذلك عن عناده. [القرطبي].
التوجيهات:
١- الاستجابة للأوامر الشرعية بعد كثرة طرح الأسئلة المتكلفة نوع من التعنُّت أو التقوى الكاذبة، ﴿ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا۟ يَفْعَلُونَ ﴾.
٢- الله قادر على إظهارِ ما تخفيه من الذنوب؛ فلا تجعله أهون الناظرين إليك، ﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَٱدَّٰرَْٰٔتُمْ فِيهَا ۖ وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾.
٣- المعاصي هي سبب قسوة القلب.
العمل بالآيات:
1- ميزان القلب خلواته» انفرد بنفسك منشغلًا بعبادة من العبادات؛ فالله تعالى يعلم ما تُخفي وما تُظهر، ﴿ وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾.
٢- احذر طول العهد بمرققات القلوب، واعمل اليوم عملًا يرقق قلبك؛ ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِىَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾.
٣- أرسل رسالة أو مقالًا عن بعض نماذج النفاق المعاصرة، ﴿ وَإِذَا لَقُوا۟ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ قَالُوٓا۟ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوٓا۟ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِۦ عِندَ رَبِّكُمْ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾.
معاني الكلمات:
﴿ لاَ ذَلُولٌ ﴾: غَيْرُ مُذَلَّلَةٍ لِلْعَمَلِ.
﴿ مُسَلَّمَةٌ ﴾: خَالِيَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ.
﴿ لاَ شِيَةَ ﴾: لَيسَ فِيهَا عَلاَمَةٌ مِنْ لَوْنٍ يُخَالِفُ لَوْنَهَا.
﴿ فَادَّارَأْتُمْ ﴾: تَدَافَعْتُمْ تُهَمَةَ الْقَتْلِ.