حدث في السنة التاسعة من الهجرة (1)
وفيها تسعةٌ وأربعون حدثًا:
1- في المحرَّم من هذه السنة: كانت سرية عُيينة بن حصن - رضي الله عنه - إلى بني تميم، فَسَبَوا منهم سبيًا، فجاء رؤساؤهم إلى النبي - صلى لله عليه وسلم -، فنادوه من وراء الباب: يا محمد، فنزلت فيهم صدر سورة الحجرات.
الشرح:
بعث رسول الله - صلى لله عليه وسلم - عُيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم في خمسين فارسًا من العرب، ليس فيهم مهاجريٌ ولا أنصاري، فكان يسير الليل ويكمن النهار، فهجم عليهم في صحراء، فدخلوا وسرحوا مواشيهم، فلما رأوا الجمع ولَّوا، وأخذ منهم أحد عشر رجلًا، ووجدوا في المحلة إحدى وعشرين امرأة وثلاثين صبيًا، فجلبهم إلى المدينة، فأمر بهم رسول الله - صلى لله عليه وسلم - فحُبسوا في دار رملة بنت الحارث، فقدم فيهم عِدَّة من رؤسائهم؛ عطارد بن حاجب، والزِّبرقان ابن بدر، وقيس بن عاصم، والأقرع بن حابس، وقيس بن الحارث، ونعيم بن سعد، وعمرو بن الأهتم، ورباح بن الحارث بن مجاشع، فلما رأوهم بكى إليهم النساء والذراري فعجلوا وجاءوا إلى باب النبي - صلى لله عليه وسلم -، فنادوا: يا محمد اخرج إلينا، فخرج رسول الله - صلى لله عليه وسلم -، وأقام بلال الصلاة وتعلَّقوا برسول الله - صلى لله عليه وسلم - يكلمونه، فوقف معهم، ثم مضى فصلى الظهر، ثم جلس في صحن المسجد، فقدَّموا عطارد بن حاجب فتكلم وخطب، فأمر رسول الله - صلى لله عليه وسلم - ثابت بن قيس بن شماس فأجابهم، ونزل فيهم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الحجرات: 4]، فرَّد عليهم رسول الله - صلى لله عليه وسلم - الأسرى والسبي[1].
2- وفي صفر من هذه السنة: بعث رسولُ الله - صلى لله عليه وسلم - عبد الله بن عوسجة - رضي الله عنه - إلى بني حارثة بن عمرو يدعوهم إلى الإسلام فأبوا.
الشرح:
قيل أنَّ رسول الله - صلى لله عليه وسلم - بعثه إلى بني حارثة بن عمرو بن قُريط، يدعوهم إلى الإسلام، فأخذوا الصحيفة فغسلوها، ورقعوا بها أسفل دَلْوهم، فدعا عليهم النبي - صلى لله عليه وسلم - [2].
3- وفي صفر من هذه السنة: كانت سرية قُطْبة بن عامر - رضي الله عنه - إلى خثعم بناحية بيشة فغنموا وأسروا، ولكن قُطبة قُتِل.
الشرح:
قال ابن سعد - رحمه الله -:
قالوا: بعث رسول الله - صلى لله عليه وسلم - قُطبة في عشرين رجلاً إلى حي من خثعم، بناحية تَبالة، وأمره أن يشنَّ الغارة، فخرجوا على عشرة أبعرة يعتقبونها، فأخذوا رجلاً فسألوه، فاستعجم[3] عليهم، فجعل يصيح بالحاضرة ويحذِّرهم، فضربوا عنقه، ثم أقاموا حتى نام الحاضر، فشنُّوا عليهم الغارة فاقتتلوا قتالاً شديدًا حتى كثرت الجرحى في الفريقين جميعًا، وقُتِل قطبة بن عامر فيمن قُتل، وساقوا النَّعم والشاء والنساء إلى المدينة[4].
4- وفي صفر من هذه السنة: قدم وَفْدُ عُذرة على رسول الله - صلى لله عليه وسلم -، وأسلموا.
الشرح:
قال ابن سعد - رحمه الله -:
قالوا: قدم على رسول الله - صلى لله عليه وسلم - في صفر سنة تسع وفد عُذرة اثنا عشر رجلاً، فيهم حمزة بن النعمان العُذري، وسُليم وسعد ابنا مالك، ومالك بن أبي رباح، فنزلوا دار رملة بنت الحارث النجَّارية، ثم جاءوا إلى النبي - صلى لله عليه وسلم -، فسلموا بسلام أهل الجاهلية، وقالوا: نحن إخوة قصي لأمه، ونحن الذين أزاحوا خزاعة وبني بكر عن مكة، ولنا قرابات وأرحام، وسألوا رسول الله - صلى لله عليه وسلم - عن أشياء في أمر الدين، وأسلموا[5].
5- وفي ربيع الأول من هذه السنة: كانت سرية الضحاك بن سفيان الكلابي - رضي الله عنه - إلى بني كلاب بالقُرْطاء.
الشرح:
بعث رسول الله - صلى لله عليه وسلم - جيشًا إلى القرطاء عليها الضحاك بن سفيان بن عوف بن أبي بكر الكلابي، ومعه الأَصْيَد بن سلمة بن قرط، فلقوهم بالزُّج، زج لاوة، فدعوهم إلى الإسلام فأبوا، فقاتلوهم فهزموهم، فلحق الأصْيدُ أباه سلمة، وسلمة على فرس له، فدعا أباه إلى الإسلام، وأعطاه الأمان، فسبَّه وسبَّ دينه، فضرب الأصيد عرقوبي فرس أبيه، فلما وقع الفرس على عرقوبيه ارتكز سلمة على رمحه في الماء، ثم استمسك حتى جاءه أحدهم فقتله، ولم يقتله ابنه[6].
6- وفي ربيع الأول من هذه السنة: قدم وفدُ بليّ، فنزلوا على رويفع بن ثابت البلوي - رضي الله عنه -.
الشرح:
عن رويفع بن ثابت البلوي قال: قدم وفد قومي في شهر ربيع الأول سنة تسع، فأنزلتهم في منزلي ببني جديلة ثم خَرَّجتهم حتى انتهينا إلى رسول الله - صلى لله عليه وسلم - وهو جالس مع أصحابه في بيته في الغداة، فقدم شيخ الوفد أبو الضباب فجلس بين يدي رسول الله - صلى لله عليه وسلم -، فتكلم، وأسلم القوم وسألوا رسول الله - صلى لله عليه وسلم - عن الضيافة وعن أشياء من أمر دينهم، فأجابهم، ثم رجعت بهم إلى منزلي، فأقاموا ثلاثًا، ثم جاءوا رسول الله - صلى لله عليه وسلم - يودعونه، فأمر لهم بجوائز كما كان يجيز قبلهم، ثم رجعوا إلى بلادهم[7].
7- وفي ربيع الآخر من هذه السنة: كانت سرية علقمة بن مُجَزّر المدلجي - رضي الله عنه - إلى الأحباش بجُدَّة، فهربوا.
الشرح:
قال ابن سعد - رحمه الله -:
قالوا: بلغ رسول الله - صلى لله عليه وسلم - أنَّ ناسًا من الحبشة رآهم أهل جُدَّة، فبعث إليهم علقمة بن مُجزَّر في ثلثمائة، فانتهى إلى جزيرة في البحر، وقد خاض إليهم البحر فهربوا منه، فلما رجع تعجل بعض القوم إلى أهليهم فأذن لهم[8].
وعَنْ أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قال: بعث رسول الله - صلى لله عليه وسلم - عَلْقَمَةَ بن مُجَزِّرٍ عَلَى بَعْثٍ، وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَأْسِ غَزَاتِهِ، أَوْ كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، اسْتَأْذَنَتْهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْجَيْشِ، فَأَذِنَ لَهُمْ وَأَمَّرَ، عَلَيْهِمْ عبد الله بن حُذَافَةَ بن قَيْسٍ السَّهْمِيَّ، فَكُنْتُ فِيمَنْ غَزَا مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْقَدَ الْقَوْمُ نَارًا لِيَصْطَلُوا أَوْ لِيَصْنَعُوا عَلَيْهَا صَنِيعًا، فَقَالَ عبد الله -وَكَانَ فِيهِ دُعَابَةٌ- أَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَمَا أَنَا بِآمِرِكُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا صَنَعْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكُمْ إِلَّا تَوَاثَبْتُمْ فِي هَذِهِ النَّارِ، فَقَامَ نَاسٌ فَتَحَجَّزُوا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّهُمْ وَاثِبُونَ قَالَ: أَمْسِكُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّمَا كُنْتُ أَمْزَحُ مَعَكُمْ، فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صلى لله عليه وسلم - فَقَالَ: "مَنْ أَمَرَكُمْ مِنْهُمْ بِمَعْصِيَةِ الله فَلَا تُطِيعُوهُ"[9].
8- وفي ربيع الآخر من هذه السنة: كانت سرية علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلى الفُلْس، صَنَم طَيِّئ، فهدموا وأسروا وغنموا.
الشرح:
بعث رسول الله - صلى لله عليه وسلم - عليَّ بن أبي طالب في خمسين ومائة رجل من الأنصار على مائة بعير وخمسين فرسًا، ومعه راية سوداء ولواء أبيض إلى الفلس ليهدمه، فشنُّوا الغارة على محلَّة آل حاتم مع الفجر، فهدموا الفُلْس وحرقوه، وملأوا أيديهم من السبي والنَّعم والشاء، وفي السبي أخت عدي بن حاتم، وهرب عدي إلى الشام ووجد في خزانة الفُلْس ثلاثة أسياف، وثلاثة أدرع، واستعمل رسول الله - صلى لله عليه وسلم - على السبي أبا قتادة، واستعمل على الماشية والأموال عبدالله بن عَتيك[10].
9- وفي ربيع الآخر من هذه السنة: كانت سرية عكاشة بن محصن - رضي الله عنه - إلى الجناب، أرض عُذْرة وبَلي.
الشرح:
ذكرها ابن سيد الناس[11]، وقال: سرية عُكَّاشة بن محصن إلى الجناب أرض عُذْرة وبلي، وكانت في شهر ربيع الآخر سنة تسع من الهجرة.
10- وفي رجب من هذه السنة: بعث رسول الله - صلى لله عليه وسلم - طلحة بن عُبيد الله - رضي الله عنه - إلى بيت سُويلم اليهوديِّ ليحرقه على مَن فيه مِن المنافقين الذين يُخذِّلون عن رسول الله - صلى لله عليه وسلم -، ففعل.
الشرح:
بلغ رسول الله - صلى لله عليه وسلم - أن ناسًا من المنافقين يجتمعون في بيت سُويلم اليهودي، يُثبِّطون الناس عن رسول الله - صلى لله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فبعث إليهم النبيُّ - صلى لله عليه وسلم - طلحة بن عُبيد الله في نفر من أصحابه، وأمره أن يُحرِّق عليهم بيت سويلم، ففعل طلحة فاقتحم الضحاك بن خليفة من ظهر البيت، فانكسرت رجله، واقتحم أصحابه فأفلتوا[12].
(الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية)
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|