حدث في السنة التاسعة من الهجرة (5)
31- وفي هذه السنة: تُوفِّيت أُم كلثوم رضي الله عنها بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
قال ابن سعد - رحمه الله -:
خرجت أم كلثوم إلى المدينة لما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع فاطمة وغيرها من عيال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتزوجها عثمان بعد وفاة أختها رقية، في ربيع الأول سنة ثلاث، وماتت عنده في شعبان سنة تسع ولم تلد له. اهـ[1].
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: شَهِدْنَا بنتَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: "هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفْ[2] اللَّيْلَةَ؟" فَقَالَ أبو طَلْحَةَ: أَنَا، قَالَ: "فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَا، فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا فَقَبَرَهَا"[3].
قال ابن حجر رحمه الله:
هي أم كلثوم زوج عثمان، رواه الواقدي عن فليح بن سليمان بهذا الإسناد، وأخرجه ابن سعد في "الطبقات"، في ترجمة أم كلثوم، وكذا الدولابي في "الذرية الطاهرة"، وكذلك رواه الطبري والطحاوي من هذا الوجه، ورواه حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس فسماها رقية، أخرجه البخاري في "التاريخ الأوسط"، والحاكم في "المستدرك". قال البخاري: ما أدري ما هذا، فإن رقية ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر لم يشهدها، قلت (ابن حجر): وَهِمَ حماد في تسميتها فقط. اهـ[4].
32- وفي هذه السنة: تُوفّي سهيل بن بيضاء الفهريُّ وصلَّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
الشرح:
قال ابن عبد البر رحمه الله:
خرج سهيل مهاجرًا إلى أرض الحبشة، حتى فشا الإسلام وظهر، ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فأقام معه حتى هاجر، وهاجر سهيل، فجمع الهجرتين جميعًا، ثم شهد بدرًا، ومات بالمدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد.
روى الدراورديُّ عن عبد الواحد بن حمزة، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء في المسجد. اهـ[5].
33- وفي هذه السنة: قُتِل مَلِكُ الفُرْس، ومَلَّكوا ابنته (بوران) عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة".
الشرح:
عَنْ أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ فَارِسًا مَلَّكُوا ابْنَةَ كِسْرَى، قَالَ: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً"[6].
34- وفي هذه السنة: فُرضَت الصدقات، وفرَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم عمّاله على الصدقات.
الشرح:
قال ابن إسحاق رحمه الله :
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث أُمراءه وعماله على الصدقات إلى كل ما أوطأ الإسلام من البلدان، فبعث المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة إلى صنعاء، فخرج عليه العنَسْي وهو بها، وبعث زيد بن لبيد، أخا بني بياضة الأنصاري إلى حضرموت وعلى صدقاتها، وبعث عدي بن حاتم على طيِّئ، وصدقاتها وعلى بني أسد، وبعث مالك بن نويرة على صدقات بني حنظلة، وفرق صدقة بني سعد على رجلين منهم، فبعث الزبرقان بن بدر على ناحية منها، وقيس بن عاصم على ناحية، وكان قد بعث العلاء بن الحضرمي على البحرين، وبعث علي بن أبي طالب – رضوان الله عليه إلى أهل نجران، ليجمع صدقتهم ويقدم عليه بجزيتهم[7].
35- وفي هذه السنة: قدم ضمام بن ثعلبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، ثم عاد إلى قومه، فدعاهم إلى الإسلام، فما أمسى ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلَّا مسلمًا.
الشرح:
عن أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِي الْمَسْجِدِ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ فَقَالَ: لَهُمْ أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، قُلْنَا لَهُ: هَذَا الرَّجُلُ الْأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا ابْنَ عبد الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "قَدْ أَجَبْتُكَ" فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي سَائِلُكَ يَا مُحَمَّدُ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَا تَجِدَنَّ فِي نَفْسِكَ، قَالَ: "سَلْ مَا بَدَا لَكَ" فَقَالَ الرَّجُلُ: نَشَدْتُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ الله أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ نَعَمْ" قَالَ: فَأَنْشُدُكَ الله الله أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ نَعَمْ" قَالَ: فَأَنْشُدُكَ الله الله أَمَرَكَ أَنْ تَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنْ السَّنَةِ؟ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ نَعَمْ" قَالَ: فَأَنْشُدُكَ الله الله أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ نَعَمْ" فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي وَأَنَا ضِمَامُ بن ثَعْلَبَةَ أَخُو بني سَعْدِ بن بَكْرٍ[8]، فانطلق ضمام فأتى بعيره فأطلق عقاله، ثم خرج حتى قدم على قومه، فاجتمعوا إليه، فكان أول ما تكلم به أن قال بئست اللات والعُزَّى، قالوا: مَهْ يا ضمام! اتق البرص، اتق الجذام، اتق الجنون؟ قال: ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إن الله قد بعث رسولاً، وأنزل عليه كتابًا استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به، وما نهاكم عنه، قال: فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلَّا مسلمًا.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة([9]).
36- وفي هذه السنة: قدم وفد بني أسد على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
قدم عشرة رهط من بني أسد بن خزيمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أول سنة تسع، فيهم حضرمي بن عامر، وضرار بن الأَزْوَر، ووابصة بن معبد، وقتادة بن القايف، وسلمة بن حبيش، وطلحة بن خويلد، ونقادة بن عبد الله بن خلف[10].
37- وفي هذه السنة: قدم وفد الداريين مِن لَخْمٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
قدم وفد الداريين على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من تبوك، وهم عشرة نفر، فيهم تميم ونُعيم ابنا أوس بن خارجة بن سواد بن جُذيمة بن درَّاع بن عدي بن الدار بن هانئ بن حبيب بن نُمارة بن لخم، ويزيد بن قيس بن خارجة، والفاكهة بن النعمان، وجبلة بن مالك، وأبو هند والطيب ابنا ذرٍّ، وهانئ بن حبيب، وعزيز ومُرَّة ابنا مالك بن سواد، فأسلموا[11].
38- وفي هذه السنة: قدم وفد بَهْراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
قدم وفد بَهْراء من اليمن وهم ثلاثة عشر رجلاً، فأقبلوا يقودون رواحلهم حتى انتهوا إلى باب المقداد بن عمرو ببني جُديلة، فخرج إليهم المقداد فرحب بهم، وأنزلهم في منزل من الدار، وأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلموا وتعلَّموا الفرائض وأقاموا أيامًا، ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُودعونه، فأمر بجوائزهم وانصرفوا إلى أهلهم[12].
39- وفي هذه السنة: قدم وفد بني البَكَّاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
وَفِدَ من بني البَكَّاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع ثلاثة نفر: معاوية بن ثور بن عبادة بن البَكَّاء، وهو يومئذ ابن مائة سنة، ومعه ابن له يقال له: بشر، والفُجيع بن عبد الله بن جندح بن البكاء، ومعهم عبد عمرو البكائي، وهو الأصم، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزل وضيافة وأجازهم ورجعوا إلى أهلهم[13].
40- وفي هذه السنة: قدم وفد بني فزارة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، وكان ذلك سنة تسع، قدم عليه وفد بني فزارة بضعة عشر رجلاً، فيهم خارجة بن حصن، والحُرُّ بن قيس بن حصن وهو أصغرهم، على ركاب عجاف، فجاءوا مُقرِّين بالإسلام، وسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بلادهم، فقال أحدهم: يا رسول الله أسنتت بلادنا، وهلكت مواشينا، وأجدب جنابنا، وغرث عيالنا، فادع لنا ربك، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فدعا لهم فمطرت[14].
(الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية)
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|