من أخلاق معركة بدر الكبرى: الكرم
تعدَّدت المواقف الدالة على الكرم في غزوة بدر، ومن أبرز هذه المواقف:
وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسرى وحُسْن تَعامُل الصحابة معهم، فقد روى ابن هشام نقلاً عن ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل بالأُسارى فرَّقهم بين أصحابه، وقال: ((استوصوا بالأُسارى خيرًا)).
وكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو مصعب بن عمير في الأسارى، فقال أبو عزيز: وكنت في رَهْط من الأنصار حين أَقبَلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدَّموا غذاءهم وعشاءهم، خصُّوني بالخبز وأكلوا التمرَ؛ لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرةُ خبز إلا نفحني بها، فأستحي أن أردَّها على أحدهم، فيردها عليَّ ما يَمَسها[1]، وكان الخبز لديهم أجود من التمر؛ لكثرة التمر عندهم، وقلة الطحين والخبز.
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المعركة القتلى فنُقِلوا عن مصارعهم التي كانوا بها إلى قليب بدر [2]؛ ليُدفَنوا فيها، وقد كانت هذه هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القتلى؛
روى عمر بن يعلى بن مرة عن أبيه قال: "سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة، فما رأيته مرَّ بجيفة إنسان إلا أمر بدفنه، لا يسأل: أمسلم هو أم كافر؟"[3].
قال السهيلي: "فإن قيل: ما معنى إلقائهم في القليب وما فيه من الفقه؟ قلنا: كان في سنته في مغازيه إذا مرَّ بجيفة إنسان أمر بدفنه لا يسأل عنه مؤمنًا كان أم كافرًا، فإلقاؤهم في القليب من هذا الباب، غير أنه كَرِه أن يَشُق على أصحابه؛ لكثرة جيف الكفار أن يأمرهم بدفنهم، فكان جرُّهم إلى القليب أيسر عليهم"[4].
"وهو موقف إنساني كريم لا يفعله إلا أولو العزم من الرسل، فطالما أهانوه، وسَبُّوه، وأذاقوه وأصحابَه العذابَ ألوانًا، وهم الذين أخرَجوهم من ديارهم وأهليهم وأموالهم، ولكنها إنسانية الإسلام تعلو عن الأحقاد والانتقام"[5].
ولما طرحوهم ولم يبقَ إلا أمية بن خلف، وكان بدينًا فانتفخ في درعه فملأها، فذهبوا ليُخرِجوه فتزايل لحمه، فأقَروه وحفروا له، وألقوا عليه التراب حتى واروه[6].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|