حدث في السنة السابعة من الهجرة (1)
وفيها تسعة وعشرون حدثًا:
1- في المحرم من هذه السنة: ردَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول.
الشرح:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: رَدَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أبي الْعَاصِ بن الربيع، بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ، ولَمْ يُحْدِثْ شيئًا[1] أي بعد ست سنين من الهجرة.
2- وفي المحرم من هذه السنة: كانت غزوة ذي قَرَد على الراجح.
الشرح:
وذو قرد: اسم ماء على بعد يوم من المدينة.
عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - وهو يحكي قصة الحديبية، ومبايعته للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات قال: ثُمَّ خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا، بَيْنَنَا وَبَيْنَ بني لَحْيَانَ جَبَلٌ، وَهُمْ الْمُشْرِكُونَ، فَاسْتَغْفَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِمَنْ رَقِيَ هَذَا الْجَبَلَ اللَّيْلَةَ، كَأَنَّهُ طَلِيعَةٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ، قَالَ سَلَمَةُ: فَرَقِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَبَعَثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِظَهْرِهِ مَعَ رَبَاحٍ غُلَامِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا مَعَهُ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ بِفَرَسِ طَلْحَةَ أُنَدِّيهِ مَعَ الظَّهْرِ[2]، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا عبد الرَّحْمَنِ الْفَزَارِيُّ قَدْ أَغَارَ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَاقَهُ أَجْمَعَ وَقَتَلَ رَاعِيَهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَبَاحُ خُذْ هَذَا الْفَرَسَ فَأَبْلِغْهُ طَلْحَةَ بن عُبَيْدِالله وَأَخْبِرْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَغَارُوا عَلَى سَرْحِهِ[3]، قَالَ: ثُمَّ قُمْتُ عَلَى أَكَمَةٍ[4]، فَاسْتَقْبَلْتُ الْمَدِينَةَ فَنَادَيْتُ ثَلَاثًا يَا صَبَاحَاهْ، ثُمَّ خَرَجْتُ فِي آثَارِ الْقَوْمِ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ، وَأَرْتَجِزُ أَقُولُ:
أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ
وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ[5]
فَأَلْحَقُ رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَصُكُّ[6] سَهْمًا فِي رَحْلِهِ حَتَّى خَلَصَ نَصْلُ السَّهْمِ إِلَى كَتِفِهِ، قَالَ: قُلْتُ: خُذْهَا
أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ
وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ
قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُ بِهِمْ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ أَتَيْتُ شَجَرَةً فَجَلَسْتُ فِي أَصْلِهَا، ثُمَّ رَمَيْتُهُ فَعَقَرْتُ بِهِ، حَتَّى إِذَا تَضَايَقَ الْجَبَلُ فَدَخَلُوا فِي تَضَايُقِهِ عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَجَعَلْتُ أُرَدِّيهِمْ بِالْحِجَارَةِ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ كَذَلِكَ أَتْبَعُهُمْ، حَتَّى مَا خَلَقَ الله مِنْ بَعِيرٍ مِنْ ظَهْرِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي وَخَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَهُ ثُمَّ اتَّبَعْتُهُمْ أَرْمِيهِمْ حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً وَثَلَاثِينَ رُمْحًا يَسْتَخِفُّونَ وَلَا يَطْرَحُونَ شَيْئًا إِلَّا جَعَلْتُ عَلَيْهِ آرَامًا مِنْ الْحِجَارَةِ يَعْرِفُهَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ حَتَّى أَتَوْا مُتَضَايِقًا مِنْ ثَنِيَّةٍ فَإِذَا هُمْ قَدْ أَتَاهُمْ فُلَانُ بن بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ، فَجَلَسُوا يَتَضَحَّوْنَ - يَعْنِي: يَتَغَدَّوْنَ - وَجَلَسْتُ عَلَى رَأْسِ قَرْنٍ، قَالَ الْفَزَارِيُّ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَى، قَالُوا: لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبَرْحَ[7] وَاللَّهِ مَا فَارَقَنَا مُنْذُ غَلَسٍ يَرْمِينَا حَتَّى انْتَزَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيْدِينَا، قَالَ: فَلْيَقُمْ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ أَرْبَعَةٌ، قَالَ: فَصَعِدَ إِلَيَّ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ فِي الْجَبَلِ، قَالَ: فَلَمَّا أَمْكَنُونِي مِنْ الْكَلَامِ، قَالَ: قُلْتُ: هَلْ تَعْرِفُونِي، قَالُوا: لَا وَمَنْ أَنْتَ، قَالَ: قُلْتُ: أَنَا سَلَمَةُ بن الْأَكْوَعِ، وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لَا أَطْلُبُ رَجُلًا مِنْكُمْ إِلَّا أَدْرَكْتُهُ وَلَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكَنِي، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَنَا أَظُنُّ[8]، قَالَ: فَرَجَعُوا فَمَا بَرِحْتُ مَكَانِي حَتَّى رَأَيْتُ فَوَارِسَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ، قَالَ: فَإِذَا أَوَّلُهُمْ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ عَلَى إِثْرِهِ أبو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ وَعَلَى إِثْرِهِ الْمِقْدَادُ بن الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: فَأَخَذْتُ بِعِنَانِ الْأَخْرَمِ، قَالَ: فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، قُلْتُ: يَا أَخْرَمُ احْذَرْهُمْ لَا يَقْتَطِعُوكَ حَتَّى يَلْحَقَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ، قَالَ: يَا سَلَمَةُ إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتَعْلَمُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ فَلَا تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ، قَالَ: فَخَلَّيْتُهُ فَالْتَقَى هُوَ وَعبدالرَّحْمَنِ، قَالَ: فَعَقَرَ بِعبد الرَّحْمَنِ فَرَسَهُ وَطَعَنَهُ عبدالرَّحْمَنِ فَقَتَلَهُ وَتَحَوَّلَ عَلَى فَرَسِهِ، وَلَحِقَ أبو قَتَادَةَ فَارِسُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِعبد الرَّحْمَنِ فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ فَوَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لَتَبِعْتُهُمْ أَعْدُو عَلَى رِجْلَيَّ حَتَّى مَا أَرَى وَرَائِي مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا غُبَارِهِمْ شَيْئًا حَتَّى يَعْدِلُوا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى شِعْبٍ فِيهِ مَاءٌ، يُقَالُ لَهُ: ذَو قَرَدٍ لِيَشْرَبُوا مِنْهُ وَهُمْ عِطَاشٌ، قَالَ: فَنَظَرُوا إِلَيَّ أَعْدُو وَرَاءَهُمْ فَخَلَّيْتُهُمْ عَنْهُ - يَعْنِي: أَجْلَيْتُهُمْ عَنْهُ- فَمَا ذَاقُوا مِنْهُ قَطْرَةً، قَالَ: وَيَخْرُجُونَ فَيَشْتَدُّونَ فِي ثَنِيَّةٍ[9]، قَالَ: فَأَعْدُو فَأَلْحَقُ رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَصُكُّهُ بِسَهْمٍ فِي نُغْضِ كَتِفِهِ، قَالَ: قُلْتُ: خُذْهَا
أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ
وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ
قَالَ: يَا ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ أَكْوَعُهُ بُكْرَةَ[10]، قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا عَدُوَّ نَفْسِهِ أَكْوَعُكَ بُكْرَةَ، قَالَ: وَأَرْدَوْا[11] فَرَسَيْنِ عَلَى ثَنِيَّةٍ، قَالَ: فَجِئْتُ بِهِمَا أَسُوقُهُمَا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: وَلَحِقَنِي عَامِرٌ بِسَطِيحَةٍ فِيهَا مَذْقَةٌ مِنْ لَبَنٍ وَسَطِيحَةٍ فِيهَا مَاءٌ[12]، فَتَوَضَّأْتُ وَشَرِبْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي حَلَّأْتُهُمْ عَنْهُ فَإِذَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَخَذَ تِلْكَ الْإِبِلَ وَكُلَّ شَيْءٍ اسْتَنْقَذْتُهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَكُلَّ رُمْحٍ وَبُرْدَةٍ وَإِذَا بِلَالٌ نَحَرَ نَاقَةً مِنْ الْإِبِلِ الَّذِي اسْتَنْقَذْتُ مِنْ الْقَوْمِ، وَإِذَا هُوَ يَشْوِي لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله خَلِّنِي، فَأَنْتَخِبُ مِنْ الْقَوْمِ مِائَةَ رَجُلٍ فَأَتَّبِعُ الْقَوْمَ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ مُخْبِرٌ إِلَّا قَتَلْتُهُ[13]، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فِي ضَوْءِ النَّارِ، فَقَالَ: "يَا سَلَمَةُ أَتُرَاكَ كُنْتَ فَاعِلًا"، قُلْتُ: نَعَمْ وَالَّذِي أَكْرَمَكَ، فَقَالَ: "إِنَّهُمْ الْآنَ لَيُقْرَوْنَ فِي أَرْضِ غَطَفَانَ"، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ، فَقَالَ: نَحَرَ لَهُمْ فُلَانٌ جَزُورًا، فَلَمَّا كَشَفُوا جِلْدَهَا رَأَوْا غُبَارًا، فَقَالُوا: أَتَاكُمْ الْقَوْمُ فَخَرَجُوا هَارِبِينَ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كَانَ خَيْرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أبو قَتَادَةَ وَخَيْرَ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ"، قَالَ: ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سَهْمَيْنِ سَهْمَ الْفَارِسِ وَسَهْمَ الرَّاجِلِ فَجَمَعَهُمَا لِي جَمِيعًا، ثُمَّ أَرْدَفَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ[14] رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَالَ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ، قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ لَا يُسْبَقُ شَدًّا[15]، قَالَ: فَجَعَلَ يَقُولُ أَلَا مُسَابِقٌ إِلَى الْمَدِينَةِ هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ؟ فَجَعَلَ يُعِيدُ ذَلِكَ، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُ كَلَامَهُ، قُلْتُ: أَمَا تُكْرِمُ كَرِيمًا وَلَا تَهَابُ شَرِيفًا، قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله بِأبي وَأُمِّي ذَرْنِي فَلِأُسَابِقَ الرَّجُلَ، قَالَ: "إِنْ شِئْتَ". قَالَ: قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَيْكَ وَثَنَيْتُ رِجْلَيَّ فَطَفَرْتُ[16] فَعَدَوْتُ، قَالَ: فَرَبَطْتُ[17] عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ أَسْتَبْقِي نَفَسِي[18]، ثُمَّ عَدَوْتُ فِي إِثْرِهِ فَرَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ، ثُمَّ إِنِّي رَفَعْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ، قَالَ: فَأَصُكُّهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَالَ: قُلْتُ: قَدْ سُبِقْتَ وَاللَّهِ، قَالَ: أَنَا أَظُنُّ، فَسَبَقْتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ[19].
وكانت غزوة ذي قرد قبل الحديبية بثلاث كما ذكر ذلك سلمة - رضي الله عنه - كما سيأتي في غزوة خيبر - إن شاء الله- ورجح ذلك أنها كانت في السنة السابعة قبل خيبر بثلاث[20].
(الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية)
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|