شركات السيارات الأوروبية تدرس تحركات "غير مسبوقة" لمواجهة أزمة وجودية
تفكر "فولكس واجن" و"رينو" و"ستيلانتس" في خطوة لا يمكن تخيلها، حيث تستكشف التحالف مع الشركات المنافسة لصنع سيارات كهربائية أرخص والتصدي للتهديدات الوجودية.
ووفقا لـ "بلومبرغ"، ففي الوقت الذي تكشف فيه الشركات الصينية المنافسة، وشركة "تسلا" عن نقاط ضعف تنافسية في أكبر شركات صناعة السيارات في السوق الشاملة في أوروبا، أصبح من الواضح أن هناك ضرورة لاتخاذ خطوات عاجلة، وأن النهج المعتاد للعمل يعد خياراً خاسراً.
هناك "اعتراف تام بأنه في المستقبل، ستضع الشركات غير المؤهلة لمواجهة المنافسة الصينية نفسها في مأزق"، وفقا لما قاله كارلوس تافاريس، الرئيس التنفيذي لشركة" ستيلانتس - الشركة التي أُنشأت من اندماج "فيات" الإيطالية و"بي إس إي" الفرنسية في 2021 - خلال مقابلة الأسبوع الماضي. وكان "تافاريس" قد أشار في وقت سابق إلى أن صناعة السيارات في أوروبا تواجه أزمة حادة إذا لم تتكيف مع الوضع الراهن.
تباطؤ المبيعات
وسط التباطؤ في وتيرة تبني السيارات الكهربائية، يناقش المسؤولون التنفيذيون في قطاع السيارات، أفكارا تراوح من تجميع موارد التصنيع إلى تجميع الشركات عبر الحدود الأوروبية للتنافس بشكل أفضل في التحول الذي يحدث مرة واحدة في الجيل. وتعد الأشهر المقبلة حاسمة.
بدلا من أن تستبعد السيارات الكهربائية السيارات التقليدية التي تعمل بالوقود وتحل مكانها، يتوقع أن تشهد مبيعات السيارات الكهربائية هذا العام أبطأ معدل نمو تشهده منذ 2019، وفقا لـ "بلومبرغ إن إي أف"، مع تعزيز التوقف غير المتوقع لزخم المبيعات المنافسة بين شركات السيارات.
حتى بالنسبة إلى شركة "تسلا"، كان للتباطؤ - الذي أدى إلى تخفيضات كبيرة في الأسعار - تأثيرا كبيرا، وأدى تراجع السهم بنسبة 20 % هذا العام إلى محو 150 مليار دولار من قيمة الشركة السوقية، أي أكثر من ضعف قيمة "فولكس واجن".
تشمل الرياح المعاكسة للقطاع تخلي الحكومات عن الحوافز، وتراجع شركات التأجير عن تبني السيارات الكهربائية بسبب تكاليف الإصلاح المتضخمة، وإحباط المستهلكين بشكل متزايد من سياسات المناخ التي تؤثر في جيوبهم. وقد تؤدي الانتخابات في الولايات المتحدة وأوروبا إلى تأجيج الآراء المعادية للسيارات الكهربائية، حيث تقترب من أن تشهد نقطة تحول.
تدخل قواعد الاتحاد الأوروبي الأكثر صرامة لخفض الانبعاثات حيز التنفيذ في 2025، ما يعني أن الشركات المصنعة بحاجة إلى بيع مزيد من السيارات التي تعمل بالبطاريات أو مواجهة غرامات باهظة.
في أسوأ سيناريو غير محتمل، قد تواجه "فولكس واجن" عقوبات تزيد عن ملياري يورو (2.2 مليار دولار) إذا فشلت في تقليل انبعاثات أسطولها بشكل كاف، وفقاً لحسابات "بلومبرغ" المستندة إلى بيانات الشركة والبيانات التنظيمية.
مع تفاقم الضغوط على شركات صناعة السيارات الأوروبية لبيع المزيد من السيارات الكهربائية، تدخل الشركات المصنعة المدعومة من الحكومة الصينية السوق بنماذج غالبا ما تكون أفضل وأرخص.
اضطرابات واسعة
على سبيل المثال، تم طرح "دولفين" التابعة لشركة "بي واي دي" بسعر أقل بنحو سبعة آلاف يورو عن سيارة "فولكس واجن" (id.3) المجهزة بالمثل، التي وصفتها شركة صناعة السيارات الألمانية في الأصل بأنها "بيتل" عصر السيارات الكهربائية.
وستؤكد الشركة الصينية على طموحاتها الأوروبية من خلال عرض عديد من الموديلات الكهربائية في معرض جنيف للسيارات الأسبوع المقبل، بما في ذلك سيارة رياضية متعددة الاستخدامات تنافس سيارة "جي كلاس" من مرسيدس.
يهدد فشل شركات صناعة السيارات الأوروبية في التوصل إلى خطة بديلة بحدوث اضطرابات في صناعة توظف 13 مليون شخص وتمثل 7 % من اقتصاد الاتحاد الأوروبي.
تعليقا على ذلك، قال هولغر كلاين، الذي يرأس شركة "زي إف فريدريشافين" الألمانية المصنعة لقطع غيار السيارات، التي توظف 165 ألف شخص في جميع أنحاء العالم: "أنفقنا المليارات كصناعة لجعل التنقل من خلال السيارات الكهربائية ممكنا"، وأضاف: "السؤال الآن هو: هل لدينا المعايير الصحيحة لذلك؟"
كان لوكا دي ميو، الرئيس التنفيذي لشركة "رينو"، يدافع عن تحالف مشابه للشراكة التي أثمرت عن شركة أوروبية لصناعة الطائرات للتنافس مع شركة "بوينغ" من خلال تجميع الأصول في ألمانيا وفرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة.
وجادل المدير التنفيذي بأن وجود شركة على غرار "إيرباص" في قطاع السيارات سيساعد في تقاسم التكلفة الهائلة لإنشاء سيارات كهربائية رخيصة، مع الاستفادة منها في الوقت نفسه.
ازداد الاهتمام بتقاسم التكاليف على نطاق أوسع في أواخر العام الماضي، عندما قدمت "رينو" مفهوما لسيارة كهربائية مناسبة للتنقل داخل المدينة التي ستكلف أقل من 20 ألف يورو، أي نصف سعر سيارة (id.3) من فولكس واجن.
وتعد مبادرة "دي ميو" مستوحاة من سيارات "كي" اليابانية. يصنع عديد من الشركات السيارات الصغيرة الشهيرة، كما تحصل تلك الشركات على معاملة تفضيلية من المنظمين في البلاد.
منصة مشتركة
إضافة إلى ذلك فقد بدأت مناهج جديدة ومختلفة في الظهور. حيث ناقش "تافاريس"، رئيس "ستيلانتس" علنا اهتمامه بعمليات الاندماج والاستحواذ، بينما يركز الآخرون بشكل أكبر على أشكال التعاون الأقل تعقيدا.
قلل "دي ميو" من أهمية التكهنات بشأن اندماج كبير الأسبوع الماضي، مشددا لتلفزيون "بلومبرغ" على أن المرونة والقدرة على التكيف في صناعة السيارات أكثر أهمية من حجم الشركة. وأكد أن المحادثات حول إنشاء منصة سيارات كهربائية مشتركة لا تزال قائمة.
في هذا الإطار، قال "دي ميو"، الذي عمل سابقا في "فولكس واجن" وكذلك "فيات": "نحن منفتحون جدا على مشاركة هذا النوع من الاستثمار لأن كسب المال من السيارات الصغيرة يعتبر صعبا جدا". مضيفا " نحاول إيجاد طريقة مناسبة لتحقيق ذلك".
يمكن أن يمتد التغيير في أوروبا ليصل إلى الولايات المتحدة، حيث تقوم شركة "جنرال موتورز" وشركة "فورد موتور" أيضا بتقليص الاستثمار في السيارات الكهربائية، وأشارت كل من الشركتين إلى انفتاحها على الشراكات مع الشركات الأخرى.
وتدرس إدارة الرئيس جو بايدن منح الشركات المصنعة مزيدا من الوقت للتحول إلى السيارات الكهربائية، حسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" خلال عطلة نهاية الأسبوع.
ارتفاع التكاليف
مع تراجع شركات صناعة السيارات التقليدية عن خططها الاستثمارية، أعادت المزيد من الأموال إلى المساهمين، ما يشير إلى أن نقص الموارد ليس هو المشكلة. وأنفقت "جنرال موتورز" و"فورد" و"ستيلانتس" مجتمعة 22.7 مليار دولار لإعادة شراء الأسهم ودفع أرباح العام الماضي، في حين اقترحت "رينو" الأسبوع الماضي أكبر مدفوعات للمساهمين في خمسة أعوام.
لم يكن من المفترض أن تسير الأمور على هذا النحو، عندما وافق الاتحاد الأوروبي العام الماضي على خطط لوقف بيع السيارات الجديدة ذات محركات الاحتراق بدءا من 2035.
هناك عدة أسباب لتوتر الآراء تجاه السيارات الكهربائية. حيث حصل المستهلكون على برمجيات مشوهة ونفقات تشغيل عالية بشكل غير متوقع. بسبب تعقيدات الصيانة، يكلف التأمين على السيارات الكهربائية أكثر من السيارة التقليدية، ما يعادل ضعف المبلغ في المملكة المتحدة، على سبيل المثال. لكن القدرة على تحمل التكاليف قد تكون أكبر عقبة أمام المشترين العاديين.
يتوقع أن يكون الركود مؤقتا فقط، مع تحسن تكنولوجيا البطاريات والبنية التحتية للشحن، وفقا لكولين ماكيراشر، المحلل في "بلومبرغ إن إي أف".
تحديات كبيرة
ومع ذلك، يسبب عدم التوافق بين التوقعات والواقع تحديات كبيرة. حيث سرحت "فولكس واجن" في مركزها للسيارات الكهربائية في مدينة "تسفيكاو" بشرق ألمانيا، أكثر من 200 عامل مؤقت وخفضت ساعات العمل في أحد خطوط التجميع الخاصة بها.
قد تكون المحادثات حول التعاون في مجال السيارات الكهربائية حاسمة بالنسبة إلى شركة "فولكس واجن"، حيث تكافح شركة السيارات العملاقة على الرغم من الاستثمارات الضخمة. في أعقاب فضيحة الديزل عام 2015، وضعت أكبر شركة لصناعة السيارات في أوروبا ما يمكن وصفه بأنها الخطة الأكثر طموحا للسيارات الكهربائية تحت قيادة الرئيس التنفيذي آنذاك هربرت ديس، لكن برمجيات السيارات أسهمت في تأخير النماذج الكهربائية الرئيسة، ما أسهم في الإطاحة به في 2022.
تراجع خليفته أوليفر بلوم عن عديد من المبادرات، بما في ذلك إلغاء إنشاء مصنع بقيمة ملياري يورو في ألمانيا. وطلب المسؤولون التنفيذيون من العمال الاستعداد لخفض إضافي في التكاليف هذا العام.
التخلص من السيارات التقليدية
ما لم تتمكن شركات صناعة السيارات في أوروبا من إعادة الاستراتيجيات إلى مسارها الصحيح، فإنها تخاطر بالتخلف عن الركب أكثر، وقد يعني الجهد المبذول للوفاء بالقواعد التنظيمية تسليم مزيد من الأموال إلى "تسلا" لدعم شراء أرصدة الانبعاثات، التي ستمنح الشركة ربحا خالصا.
قد يكون لدى شركات السيارات فرصة أخيرة. حيث تعمل كل من "فولكس واجن"، و"ستيلانتس"، و"رينو" بشكل مستقل على طرازات تكلف 25 ألف يورو أو أقل، في حين تخطط "مرسيدس" و"بي إم دبليو" لطرح العديد من السيارات الكهربائية الجديدة ذات التكنولوجيا المحسنة بحلول منتصف العقد.
قد يكون الملاذ الأخير هو النداءات من أجل مزيد من الحماية التجارية والتنظيمية. يرجح أن يراجع الاتحاد الأوروبي خططا للتخلص التدريجي من السيارات التقليدية، وتستعد الشركات المصنعة بالفعل لجهود ضغط منسقة بعد فترة وجيزة من الانتخابات البرلمانية الأوروبية في يونيو، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. فتحت المفوضية الأوروبية بالفعل تحقيقاً في مدى دعم الصين لصناعة السيارات الكهربائية، ما قد يؤدي إلى فرض تعريفات إضافية في وقت مبكر من يوليو.
في حين أن تأخير نهاية السيارة ذات محرك الاحتراق قد يوفر فترة من الراحة، إلا أنه لن يحل المشكلات التنافسية التي تعيق انتقال أوروبا إلى عصر السيارات الكهربائية.
قال ألكسندر ماريان، العضو المنتدب في شركة "أليكس بارتنرز" الاستشارية في باريس "نشهد توترات حادة بين الرؤساء التنفيذيين وداخل مجالس الإدارة، والكثير من الانتظار والترقب فيما يتعلق بكيفية انتهاء عام 2024".