خاتم النبوة بين كتفي الرسول صلى الله عليه وسلم
الخاتِم بكسر التاء، اسم فاعل من الختم، وهو الإتمام والبلوغ إلى الآخر. وبفتح التاء بمعنى الطابع، ومعناه الشيء الذي هو دليل على أنه لا نبي بعده.
قال القاضي البيضاوي: خاتَم النبوة أثر بين كتفيه نُعت به في الكتب المتقدمة، وكان علامة يُعلَم بها أنه النبي الموعود، وصيانة لنبوته عن تطرق القدح إليها صيانة الشيء المستوثق بالختم، ذكره العيني. تحفة الأحوذي 6/ 52.
ولقد كان هذا الخاتم من أمارات نبوته صلى الله عليه وسلم، ودلائل رسالته التي كان أهل الكتاب يعرفونه بها، ففي قصة بحيرى الراهب أنه قال: وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه. رواه الترمذي والحاكم والبيهقي وابن عساكر وغير واحد من الحفاظ، وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
كما عرف الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخاتم الذي وُصف له، فقد وَرَد في حديثه الذي يرويه عنه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد، قد تبع جنازة رجل من أصحابه وعليه شملتان، وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه، ثم استدبرته أنظر إلى ظهره، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي؟ فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته، عرف أني أستثبت في شيء وُصِف لي، فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فأكببت عليه أقبله وأبكي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحول". فتحولت بين يديه، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يابن عباس، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذاك أصحابه. أخرجه أحمد، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة: وهذا إسناد حسن. وأورده الهيثمي في المجمع فقال: رواه أحمد كله، والطبراني في الكبير بنحوه، ورجاله رجال الصحيح، غير محمد بن إسحاق، وقد صرح بالسماع.
موضع الخاتم:
ورد أن موضع الخاتم كان عند أعلى كتف النبي صلى الله عليه وسلم الأيسر، فعن عاصم عن عبد الله بن سرجس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزًا ولحمًا - أو قال: ثريدًا - الثريد: الطعام الذي يُصنَع بخلط اللحم والخبز المفتت مع المرق، وأحيانًا يكون من غير اللحم قال: فقلت له: أستغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ولك. ثم تلا هذه الآية: ﴿ واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ﴾ [محمد: 19]. قال: ثم دُرْتُ خلفه، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى جُمْعًا، جمع: معناه أنه كجمع الكف، وصورته بعد أن تجمع الأصابع وتضمها. عليه خِيلان الخيلان: جمع خال، وهو الشامة في الجسد. كأمثال الثآليل. الثآليل: حبيبات تعلو الجسد، مفردها ثؤلول. رواه مسلم.
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: كان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الشمس والقمر مستديرًا، ورأيت الخاتم عند كتفيه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده. رواه مسلم.
وقال أبو زيد رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقترب مني". فاقتربت منه، فقال: "أدخل يدك فامسح ظهري". قال: فأدخلت يدي في قميصه فمسحت ظهره، فوقع خاتم النبوة بين أصبعي. قال: فسئل عن خاتم النبوة، فقال: شعرات بين كتفيه. أخرجه أحمد.، والحاكم وقال: صحيح الإسناد.ووافقه الذهبي.
قال القرطبي: اتفقت الأحاديث الثابتة على أن خاتم النبوة كان شيئًا بارزًا أحمر، عند كتفه صلى الله عليه وسلم الأيسر، إذا قلل قدر بيضة الحمامة، وإذا كبر قدر جمع اليد، والله أعلم. فتح الباري 10/ 350.
السر في هذا الموضع:
ذكر ابن حجر السر في كون الخاتم عند كتفه الأيسر، فقال: "قال العلماء في الحكمة من ذلك أن القلب في تلك الجهة، وقد ورد في خبر مقطوع أن رجلاً سأل ربه أن يريه موضع الشيطان، فرأى الشيطان في صورة ضفدع، عند نغض كتفه الأيسر حذاء قلبه، له خرطوم كالبعوضة. أخرجه ابن عبد البر بسند قوي إلي ميمون بن مهران عن عمر بن عبد العزيز فذكره، وذكره أيضًا صاحب "الفائق" في مصنفه. وله شاهد مرفوع عن أنس عند أبي يعلى وابن عدي، ولفظه: إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم. الحديث. وأورد ابن أبي دواد في كتاب "الشريعة" من طريق عروة بن رويم، أن عيسى عليه السلام سأل ربه أن يريه موضع الشيطان من ابن آدم، وقال: فإذا برأسه مثل الحية، واضع رأسه على تمرة القلب، فإذا ذكر العبد ربه خنس، وإذا غفل وسوس. وقال السهيلي: موضع خاتم النبوة عند نغض كتفه صلى الله عليه وسلم الأيسر؛ لأنه معصوم من وسوسة الشيطان، وذلك الموضع يدخل منه الشيطان ليوسوس لابن آدم". فتح الباري 6/ 563.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|