حدث في السنة السابعة من الهجرة (9)
25- وفي شوال من هذه السنة: كانت سرية بشير بن سعد أيضًا إلى يمْنٍ وجَبَارٍ.
الشرح:
قال ابن سعد:
ثم سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يمْنٍ وجبار في شوال سنة سبع، قالوا: بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن جمعًا من غطفان بالجِناب، قد واعدهم عيينة بن حصن الفزاري؛ ليكون معهم، ليزحفوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشير بن سعد، فعقد له لواءً، وبعث معه ثلاثمائة رجل، فساروا الليل وكمنوا النهار، حتى أتوا إلى يمن وجَبَار وهي نحو الجِناب - والجناب مَعارض سِلاح[1] وخيبر وادي القرى- فنزلوا بسِلاح، ثم دنوا من القوم، فأصابوا لهم نعمًا كثيرًا، وتفرَّق الرعاء، فحذَّروا الجمع، فتفرَّقوا ولحقوا بِعُليا بلادهم، وخرج بشير بن سعد في أصحابه حتى أتى مَحالِّهم، فوجدها وليس فيها أحد، فرجع بالنعم وأصاب منهم رجلين فأسرهما وقدم بهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلما، فأرسلهما[2].
26- وفي ذي القعدة من هذه السنة: كانت عُمْرة القضاء.
الشرح:
وتُسمى أيضًا:
1- عمرة القضيَّة[3].
2- عُمْرة الصلح[4].
3- عُمْرة القصاص[5].
أما عن أحداث هذه الرحلة؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد توجه إلى مكة معتمرًا كما اتفق مع مشركي مكة يوم الحديبية أن يرجع إلى المدينة عامه هذا على أن يُخلُّوا بينه وبين البيت عام قابل[6].
فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذي القعدة سنة سبع[7] حيث اتفقوا أن لَا يُدْخِلُ مَكَّةَ السِّلَاحَ إِلَّا السَّيْفَ فِي الْقِرَابِ، وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ، وَأَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا[8]، وأن لا يقيم بها أكثر من ثلاثة أيام[9].
فسار النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حتى دَخَلَ مَكَّةَ وَعبدالله بن رَوَاحَةَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ:
خَلُّوا بني الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ
الْيَوْمَ نَضْرِبْكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ
ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ
وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَفِي حَرَمِ الله تَقُولُ الشِّعْرَ؟ فَقَالَ لَهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ، فَلَهِيَ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ"[10].
وطاف المسلمون بالكعبة، وصعد المشركون على جبل قُعَيْقِعان المواجه لما بين الركنين من الكعبة، حيث أشاعوا أن المسلمين ضعفاء ولن يستطيعوا الطواف بالبيت وتأدية المناسك[11].
وكان المشركون قد قالوا: إنه يقدم عليكم وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْمُلُوا[12] الأَشْوَاط الثَلَاثَةَ وَأن يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا[13].
وكذلك أمر النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يرملوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ[14].
وكان الصحابة - رضوان الله عليهم - يسترون رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْ غِلْمَانِ الْمُشْرِكِينَ خشية أَنْ يُؤْذُوه[15].
فَلَمَّا مَضَى الْأَجَلُ أَتَى المشركون عَلِيًّا، فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ اخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ فَخَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -[16].
وتَبِعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ رضي الله عنه تُنَادِي: يَا عَمِّ يَا عَمِّ، فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ رضي الله عنه فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلَام-: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ، فحَمَلَتْهَا، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ، قَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَخَذْتُهَا وَهِيَ بنتُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي[17]، وَقَالَ زَيْدٌ ابْنَةُ أَخِي[18]، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: "الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ"، وَقَالَ لِزَيْدٍ: "أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا"[19].
فكانت تلك العمرة هي وعد الله عز وجل الذي وعد رسوله - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 27].
27- وفي ذي القعدة من هذه السنة: تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بميمونة بنت الحارث - رضي الله عنها.
الشرح:
عَنْ عبدالله بن عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَيْمُونَةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ[20].
وعَنْ مَيْمُونَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ[21].
28- وفي ذي الحجة من هذه السنة: كانت سرية ابن أبي العوجاء السُّلمي إلى بني سُليم.
الشرح:
قال ابن سعد رحمه الله:
ثم سرية ابن أبي العوجاء إلى بني سُليم في ذي الحجة سنة سبع، قالوا: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن أبي العوجاء السُّلمي في خمسين رجلاً إلى بني سُليم، فخرج إليهم، وتقدمه عين لهم كان معهم فحذَّرهم، فجمعوا، فأتاهم ابن أبي العوجاء وهم مُعَدُّون له، فدعاهم إلى الإسلام فقالوا: لا حاجة لنا إلى ما دعوتنا إليه، فتراموا بالنَّبْل ساعة، وجُعِلَت الأمدادُ تأتي، حتى أحدقوا بهم من كل ناحية، فقاتل القوم قتالاً شديدًا، حتى قُتِل عامتهم، وأصيب ابن أبي العوجاء جريحًا مع القتلى، ثم تحامل حتى بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقدموا المدينة في أول يوم من صفر سنة ثمان[22].
29- وفي هذه السنة: أسلم عمران بن حُصين وأبوه.
الشرح:
قال الذهبي رحمه الله:
أسلم هو وأبوه وأبو هريرة في وقت، سنة سبع[23].
(الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية)
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|