تواضع الصحابة رضي الله عنهم
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتمَّ علينا النعمة، وجعل أمَّتنا خيرَ أمة، وبعث فينا رسولًا منا، يتلو علينا آياته، ويزكِّينا ويُعلِّمنا الكتاب والحكمة، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربُّه شاهدًا ومُبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:
فسوف نذكر بعض النماذج من تواضُع أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم:
أبو بكر الصديق:
(1) كان أبو بكر رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم، فلما بُويعَ له بالخلافة قالت جارية من الحي: الآن لا يحلب لنا أغنامنا، فسمِعها أبو بكر، فقال: بلى لأحلبنَّها لكم، وإني لأرجو ألَّا يُغيِّرني ما دخلت فيه عن خلق كنتُ عليه، فكان يحلب لهم؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 3، صـ 138:139).
(2) قال أبو صالح الغفاري: كان عمر يتعهَّد امرأةً عمياء في المدينة بالليل، فيقوم بأمرها، فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها، ففعل ما أرادت، فرصده عمر، فإذا هو أبو بكر، كان يأتيها ويقضي أشغالها سرًّا وهو خليفة؛ (الكامل في التاريخ؛ لابن الأثير، جـ2، صـ 265).
(3) قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن؛ (الزهد؛ لأحمد بن حنبل، صـ90، رقم560).
(4) خرج أبو بكر الصديق ليُودِّع جيش أسامة بن زيد، الذي خرج مجاهدًا إلى الشام، وهو ماشٍ، وأسامة راكب، فقال له أسامة: يا خليفة رسول الله، لتركبن أو لأنزلن! فقال: والله لا نزلت ولا أركب، وما عليَّ أن أُغبِّر قدمي ساعةً في سبيل الله! (الكامل في التاريخ؛ لابن الأثير، جـ2، صـ195).
عمر بن الخطاب:
(1) قال أبو محذورة كنت جالسًا عند عمر رضي الله عنه، إذ جاء صفوان بن أمية بجفنة (وعاء كبير) يحملها نفر في عباءة فوضعوها بين يدي عمر، فدعا عمر ناسًا مساكين وأرِقَّاء (عبيدًا) من أرقاء الناس حوله، فأكلوا معه، ثم قال عند ذلك: فعل الله بقوم، أو قال: لحا الله قومًا (أي: قبَّحَهم الله)، يرغبون عن أرِقَّائهم أن يأكلوا معهم، فقال صفوان: أما والله ما نرغب عنهم، ولكنا نستأثر عليهم، لا نجد والله من الطعام الطيب ما نأكل ونطعمهم؛ (صحيح الأدب المفرد؛ للألباني، صـ93).
(2) قال عروة بن الزبير: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعلى عاتقه قربة ماء، فقلت: يا أمير المؤمنين، لا ينبغي لك هذا، فقال لما أتاني الوفود سامعين مطيعين دخلت نفسي نخوة، فأحببت أن أكسرها، ومضى بالقربة إلى حجرة امرأة من الأنصار، فأفرغها في إنائها.
(3) قال الأوزاعي: خرج عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في سواد الليل، فرآه طلحة، فذهب عمر فدخل بيتًا ثم دخل بيتًا آخر، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت، فإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أمُّكَ يا طلحة، أعثرات عمر تتبع؟ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصبهاني، جـ1، صـ:201).
(4) قال أسْلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لما قدمنا مع عمر الشام أناخ بعيره، وذهب لحاجته، فألقيت فروتي بين شعبتي الرحل، فلما جاء ركب على الفرو، فلقينا أهل الشام يتلقون عمر، فجعلوا ينظرون فجعلت أشير لهم إليه، قال يقول عمر: تطمح أعينهم إلى مراكب من لا خلاق له يريد مراكب العجم؛ (مصنف ابن أبي شيبة، جـ13، صـ39، رقم: 35583).
(5) قال الحسن البصري: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه في يوم حار واضعًا رداءه على رأسه، قال: فمرَّ به غلام على حمار، فقال: يا غلام، احملني معك، قال: فوثب الغلام عن الحمار، فقال: اركب يا أمير المؤمنين، قال: لا، اركَبْ وأركبُ أنا خلفك، تريد أن تحملني على المكان الخشن، وتركب على المكان الوطيء (الناعم المريح)، ولكن اركب أنت، وأكون أنا خلفك، قال: فدخل المدينة وهو خلفه، والناس ينظرون إليه؛ (الزهد؛ لابن أبي الدنيا، صـ135، رقم: 277).
عثمان بن عفان:
(1) قال ميمون بن مهران، أخبرني الهمداني أنه رأى عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وهو على بغلة وخلفه عليها غلامه نائل، وهو خليفة؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصبهاني، جـ1، صـ: 60).
(2) قال الحسن البصري: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه، يقيل في المسجد، وهو يومئذٍ خليفة، ويقوم وأثر الحصى بجنبه، فيقال: هذا أمير المؤمنين، هذا أمير المؤمنين؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصبهاني، جـ1، صـ: 60).
(3) قال عبدالله الرومي: كان عثمان بن عفان يلي وضوء الليل بنفسه، فقيل له: لو أمرت بعض الخدم فكفوك، فقال: لا، الليل لهم يستريحون فيه؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ3، صـ 44).
علي بن أبي طالب:
روى ابن سعد عن عمرو بن قيس أن عليًّا بن أبي طالب رضي الله عنه، رُئي عليه إزار مرقوع، فقيل له فقال: يخشع القلب ويقتدي به المؤمن؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ3، صـ20).
عبدالرحمن بن عوف:
قال سعد بن الحسن التميمي: كان عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، لا يعرف من بين عبيده، يعني من التواضع في الزي؛ (التواضع والخمول؛ لابن أبي الدنيا، صـ185، رقم: 144).
سلمان الفارسي:
قال ثابت البناني: كان سلمان الفارسي رضي الله عنه أميرًا على المدائن، فجاء رجل من أهل الشام من بني تيم الله، معه حمل تين، وعلى سلمان عباءة، فقال لسلمان: تعال احمل وهو لا يعرف سلمان، فحمل سلمان، فرآه الناس، فعرفوه، فقالوا: هذا الأمير، قال: لم أعرفك، فقال له سلمان: لا حتى أبلغ منزلك؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصبهاني، جـ4، صـ66).
♦ قال أبو قلابة: دخل رجل على سلمان الفارسي رضي الله عنه، وهو يعجن، فقال: ما هذا؟ فقال: بعثنا الخادم في عمل، فكرهنا أن نجمع عليه عملين؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصبهاني، جـ1، صـ:201).
عبد الله بن عمر:
قال مجاهد بن جبر: صحبت عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، لأخدمه، فكان هو يخدمني؛ (السنة؛ لأبي بكر الخلال، جـ1، صـ 222، رقم: 262).
عمار بن ياسر:
قال ابن أبي الهذيل: رأيت عمار بن ياسر رضي الله عنهما، اشترى قتًّا (نوعًا من علف البهائم) بدرهم وحمله على ظهره، وهو أمير الكوفة؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ3، صـ 193).
عبدالله بن سلام:
قال عبدالله بن حنظلة: مرَّ عبدالله بن سلام رضي الله عنه، في السوق وعلى رأسه حزمة حطب، فقال: أدفع به الكبر؛ (الزهد؛ لأحمد بن حنبل، صـ 150).
أم الدرداء:
قال إبراهيم بن أبي عبلة: رأيت أم الدرداء، رضي الله عنها، مع نساء المساكين جالسةً ببيت المقدس؛ (التواضع؛ لابن أبي الدنيا، صـ 139، رقم: 105).
ختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|