الحمد لله الذي أضاء بكتابه القلوب، وأنزله في أوجز لفظٍ وأعجزِ أسلوب؛ فأعيَتْ حكمتُه الحكماء، وأبكمَتْ فصاحتُه الخطباء، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي بعثه الله هاديًا ومبشرًا نذيرًا، وداعيًا إلى الله تعالى بإذنه وسراجًا منيراً، أما بعد:
فإن الله تعالى قد أيد نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بمعجزات كثيرة؛ لتكون دليلًا على صدق رسالته إلى قيام الساعة، فأحببت أن أذكر نفسي وإخواني الكرام ببعض هذه المعجزات.
بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف المعجزة:
المعجزة: أمرٌ خارق للعادة، يُجْرِيه الله تعالى على أيدي الأنبياء والمرسَلين؛ تأييدًا لهم، وتحديًا لأقوامهم؛ (فتاوى ابن تيمية جـ 11 صـ 312: 311)، وسوف نذكر بعض معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم.
(1) القرآن الكريم:
تعريف القرآن:
القرآن: هو كلامُ الله حقيقةً، المنزَّل على النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، يقظةً لا منامًا، بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام، المنقول إلينا بالتواتر، المتعبَّد بتلاوته، المعجِز بلفظه، والمتحدى بأقصر سورة منه، المكتوب في المصاحف، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس؛ (أصول الفقه لعبدالوهاب خلاف صـ 23).
فائدة مهمة:
يجب أن نعتقد أن الله يتكلم كلامًا يليق بجلاله وعظمته، دون تشبيهٍ أو تمثيل، أو تكييف أو تعطيل، وكل ما يدور بعقولنا،فكلام الله عز وجل بخلافه؛ قال الله تعالى في محكَم التنزيل: ﴿
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].
وقال الله تعالى: ﴿
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 6].
وقال جل شأنه: ﴿
وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 164].
وقال سبحانه: ﴿
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾ [البقرة: 253].
إن الله تعالى قد تحدى العرب أولًا أن يأتوا بمثل القرآن الكريم كله، فقال سبحانه: ﴿
أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ﴾ [الطور: 33، 34].
فعجَزوا عن ذلك، ثم تحدَّاهم بعدُ أن يأتوا بعَشْر سُوَر مثل القرآن الكريم، فقال سبحانه: ﴿
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [هود: 13، 14].
فعجَزوا عن ذلك أيضًا، فتحداهم الله أن يأتوا بسورة واحدة مثل القرآن، فقال سبحانه: ﴿
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 23، 24].
فعجَزوا عن ذلك أيضًا، ثم أثبت اللهُ عَجْزَ الجنِّ والإنس عن أن يأتوا بمثل القرآن، فقال سبحانه وتعالى: ﴿
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88].
(2) رحلة الإسراء والمعراج:
قال الله تعالى: ﴿
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].
وقال سبحانه: ﴿
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: 1 - 18].
روى مسلم عن أنس بن مالكٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُتِيت بالبراق (وهو دابة أبيض طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طَرْفه)، قال: ((فركبته حتى أتيت بيت المقدس))، قال: ((فربطته بالحلقة (حلقة باب مسجد بيت المقدس) التي يربط به الأنبياء))، قال: ((ثم دخلت المسجد، فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناءٍ من خمرٍ، وإناءٍ من لبنٍ، فاخترت اللبن، فقال جبريل صلى الله عليه وسلم: اخترت الفطرة، ثم عرج (صعد) بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بآدم، فرحب بي، ودعا لي بخيرٍ، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل عليه السلام، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بابنَيِ الخالة عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكرياء صلوات الله عليهما، فرحبا ودعوا لي بخيرٍ، ثم عرج بي إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم، إذا هو قد أُعطِيَ شطرَ الحسن، فرحب ودعا لي بخيرٍ، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل عليه السلام، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قال: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بإدريس، فرحب ودعا لي بخيرٍ، قال الله عز وجل: ﴿
وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ﴾ [مريم: 57]، ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ فقال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم، فرحب، ودعا لي بخيرٍ، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل عليه السلام، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم، فرحب ودعا لي بخيرٍ، ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيمَ صلى الله عليه وسلم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كلَّ يومٍ سبعون ألف ملَكٍ لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى، وإذا ورقها كآذانِ الفِيَلة، وإذا ثمرها كالقلال (جرة كبيرة)، قال: فلمَّا غَشِيَها من أمر الله ما غشي، تغيَّرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعَتَها مِن حسنها، فأوحى الله إليَّ ما أوحى، ففرض عليَّ خمسين صلاةً في كل يومٍ وليلةٍ، فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم، فقال: ما فرَض ربُّك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاةً، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف؛ فإن أمتَك لا يطيقون ذلك؛ فإني قد بلَوْتُ بني إسرائيل وخبرتهم، قال: فرجعت إلى ربي، فقلت: يا رب، خفف على أمتي، فحط عني خمسًا، فرجعت إلى موسى، فقلت: حطَّ عني خمسًا، قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، قال: فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال: يا محمد، إنهن خمسُ صلواتٍ كل يومٍ وليلةٍ، لكل صلاةٍ عشرٌ، فذلك خمسون صلاةً، ومن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبت له حسنةً، فإن عملها كتبت له عشرًا، ومن همَّ بسيئةٍ فلم يعملها لم تكتب شيئًا، فإن عملها كتبت سيئةً واحدةً، قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلت: قد رجعتُ إلى ربي حتى استحييتُ منه))؛ (مسلم حديث: 162).
(3) انشقاق القمر:
معجزةُ انشقاق القمر ثابتةٌ بالقرآن الكريم.
قال الله تعالى: ﴿
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ﴾ [القمر: 1 - 5].
روى الشيخانِ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: (أن أهلَ مكةَ سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آيةً، فأراهم القمرَ شِقَّتينِ، حتى رأوا حراءً (اسم جبل) بينهما)؛ (البخاري حديث: 3868/ مسلم حديث: 2802).
(4) نبع الماء من بين أصابع نبينا صلى الله عليه وسلم:
روى البخاريُّ عن سالمٍ عن جابرٍ رضي الله عنه، قال: عطش الناس يوم الحديبية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة (إناء صغير من الجلد)، فتوضأ منها، ثم أقبل الناس نحوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما لكم؟)) قالوا: يا رسول الله، ليس عندنا ماء نتوضَّأ به ولا نشرب إلا ما في ركوتك، قال: (فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون)،قال: فشربنا وتوضَّأنا، فقلت لجابرٍ: كم كنتم يومئذٍ؟ قال: لو كنا مائة ألفٍ لكفانا، كنا خمس عشرة مائةً؛ (البخاري حديث: 4152).
قال المزني (رحمه الله): نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم أبلغُ في المعجزة من نبع الماء من الحجَر؛ حيث ضربه موسى بالعصا فتفجرت منه المياه؛ لأن خروج الماء من الحجارة معهود، بخلاف خروج الماء من بين اللحم والدم؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 6 صـ 677).
قال القرطبي (رحمه الله): قصة نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم تكررت منه في عدة مواطن، في مشاهد عظيمةٍ، ووردت من طرقٍ كثيرةٍ، يفيد مجموعُها العلمَ القطعي المستفاد من التواتر المعنوي، ولم يُسمَعْ بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا صلى الله عليه وسلم؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 6 صـ 676).
(5) تكثير الطعام والشراب بين يدي نبينا صلى الله عليه وسلم:
(1) روى مسلم عن أنس بن مالكٍ قال: قال أبو طلحة لأم سليمٍ: قد سمعتُ صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفًا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيءٍ؟ فقالت: نعم، فأخرجت أقراصًا من شعيرٍ، ثم أخذت خمارًا لها، فلفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت ثوبي، وردَّتني ببعضه (جعلت بعضه رداءً على رأسي)، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فذهبت به، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرسلك أبو طلحة))، قال: فقلت: نعم، فقال: ((ألِطَعَامٍ؟))، فقلت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: ((قوموا))، قال: فانطلَق، وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة، فأخبرتُه، فقال أبو طلحة: يا أم سليمٍ، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، وليس عندنا ما نُطعُمهم، فقالت: الله ورسوله أعلم، قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى دخلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هلُمِّي ما عندك يا أم سليمٍ؟)) فأتَتْ بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففُتَّ، وعصَرَتْ عليه أمُّ سُليمٍ عُكَّةً (وعاء صغير من جلد للسمن خاصة) لها، فأَدَمَتْهُ (جعلت فيه إدامًا)، ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول، ثم قال: ((ائذن لعشرةٍ))، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: ((ائذن لعشرةٍ))، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: ((ائذن لعشرةٍ))، حتى أكل القوم كلهم وشبعوا، والقوم سبعون رجلًا أو ثمانون؛ (مسلم حديث: 2040).
(2) روى البخاريُّ عن مجاهدٍ: أن أبا هريرة كان يقول: والله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد (أُلصِق) بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشُدُّ (أربط) الحجَرَ على بطني من الجوع، ولقد قعدت يومًا على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكرٍ، فسألته عن آيةٍ من كتاب الله، ما سألتُه إلا ليُشبِعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر، فسألته عن آيةٍ من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر فلم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فتبسَّم حين رآني، وعرَف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: ((يا أبا هر))، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((الْحَقْ))، ومضى، فتبعته، فدخل، فاستأذن، فأذن لي، فدخل، فوجد لبنًا في قدحٍ، فقال: ((من أين هذا اللبن؟)) قالوا: أهداه لك فلان أو فلانةُ، قال: ((أبا هر))، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((الْحَقْ إلى أهل الصُّفَّة فادعُهم لي))، قال: وأهلُ الصُّفةِ أضياف الإسلام، لا يأوون إلى أهلٍ ولا مالٍ، ولا على أحدٍ، إذا أتَتْه صدقةٌ بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئًا، وإذا أتته هديةٌ أرسل إليهم، وأصاب منها، وأشركهم فيها، فساءني (أهمني وأحزنني) ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنتُ أحقَّ أنا أن أصيب من هذا اللبنِ شربةً أتقوَّى بها، فإذا جاء أمرني، فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن مِن طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بُدٌّ، فأتيتُهم فدعوتهم، فأقبلوا، فاستأذنوا، فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: ((يا أبا هر))، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((خُذْ فأعطهم))، قال: فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يَرْوَى، ثم يرد عليَّ القدح، فأعطيه الرجل، فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح، فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد رَوِيَ القومُ كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إليَّ فتبسم، فقال: ((أبا هر))، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((بقِيتُ أنا وأنت))، قلت: صدقتَ يا رسول الله، قال: ((اقعد فاشرب))، فقعدت فشربت، فقال: ((اشرب))، فشربتُ، فما زال يقول: ((اشرب)) حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكًا، قال: ((فأرني)) فأعطيته القدح، فحَمِدَ الله وسمى وشرب الفَضْلة؛ (البخاري حديث: 6452).
(6) رؤية نبينا صلى الله عليه وسلم لأصحابه من وراء ظهره:
(1) روى البخاري عن أنس بن مالكٍ، قال: أقيمت الصلاة، فأقبَل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، فقال: ((أقيموا صفوفكم، وتراصُّوا؛ فإني أراكم مِن وراء ظهري))؛ (البخاري حديث: 719).
(2) روى الشيخانِ عن أبي هريرة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((هل ترون قِبْلتي ها هنا؟ (أي: أتظنون أني لا أرى إلا ما في هذه الجهة)، واللهِ ما يخفى عليَّ ركوعكم ولا خشوعكم، وإني لأراكم وراء ظهري))؛ (البخاري حديث: 741/ مسلم حديث: 424).
قال الإمام النووي (رحمه الله): قال العلماء: معناه: أن الله تعالى خلق له صلى الله عليه وسلم إدراكًا في قفاه يُبصِر به مِن ورائه، وقد انخرقت العادة له صلى الله عليه وسلم بأكثرَ مِن هذا، وليس يمنع من هذا عقلٌ ولا شرعٌ، بل ورد الشرع بظاهره؛ فوجب القولُ به،قال القاضي عياض: قال أحمد بن حنبلٍ (رحمه الله تعالى): وجمهور العلماء: هذه الرؤية رؤيةٌ بالعين حقيقةً؛ (مسلم بشرح النووي جـ 2 صـ 385).
(7) سجود البعير وشكواه لنبينا صلى الله عليه وسلم:
(1) روى أحمدُ عن أنس بن مالكٍ قال: كان أهل بيتٍ من الأنصار لهم جمل يَسْنُونَ عليه، وإن الجمل استَصْعَب عليهم، فمنَعهم ظهرَه، وإن الأنصار جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنه كان لنا جمل نَسْنِي (نُحضر الماء) عليه، وإنه استَصعَب علينا، ومنَعَنا ظهرَه، وقد عطش الزرع والنخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((قوموا)) فقاموا، فدخل الحائطَ والجملُ في ناحيته، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، فقالت الأنصار: يا رسول الله، إنه قد صار مثل الكَلْبِ الكَلِبِ، وإنا نخاف عليك صولتَه، فقال: ليس عليَّ منه بأس،فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقبل نحوه، حتى خرَّ ساجدًا بين يديه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذلَّ ما كانت قط، حتى أدخله في العمل،فقال له أصحابه: يا نبي الله، هذه بهيمةٌ لا تعقِلُ تسجد لك، ونحن نعقِلُ، فنحن أحقُّ أن نسجد لك! فقال: ((لا يصلُحُ لبشرٍ أن يسجد لبشرٍ، ولو صلَح لبشرٍ أن يسجد لبشرٍ، لأمرتُ المرأةَ أن تسجد لزوجها؛ من عِظَمِ حقه عليها))؛ (حديث صحيح لغيره) (مسند أحمد جـ 20 صـ 64 حديث: 12614).
(2) روى أحمد عن عبدالله بن جعفرٍ، قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ خلفه، فأسرَّ إليَّ حديثًا لا أخبِرُ به أحدًا، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ ما استتر به في حاجتِه هدَفٌ (المكان المرتفع)، أو حائشُ نخلٍ (النخل الملتفُّ المجتمِع)، فدخل يومًا حائطًا من حيطان الأنصار، فإذا جملٌ قد أتاه، فجرجر (صوت البعير عند الغضب)، وذرفت عيناه - قال بهزٌ وعفان: فلما رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، حنَّ وذرَفَت عيناه - فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم سَراتَه (ظهره)، وذِفْراه (مؤخر رأسه)، فسكَن، فقال: من صاحب الجمل؟ فجاء فتًى من الأنصار، فقال: هو لي يا رسول الله، فقال: أمَا تتقي اللهَ في هذه البهيمة التي ملَّكَكَها الله، إنه شكا إليَّ أنك تُجِيعُه وتُدئِبه "تجعله يتعب"))؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد جـ 3 صـ 274 حديث: 1745).
(8) إخبار الذئب بنبوَّة نبينا صلى الله عليه وسلم:
روى أحمدُ عن أبي سعيدٍ الخدري قال: عدا الذئب على شاةٍ، فأخذها، فطلبه الراعي، فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذَنَبِه، قال: ألا تتقي الله، تنزع مني رزقًا ساقه الله إليَّ؟! فقال: يا عجبي، ذئبٌ مُقْعٍ على ذَنَبِه، يكلمني كلام الإنس، فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجبَ مِن ذلك؟ محمدٌ صلى الله عليه وسلم بيثربَ يخبر الناس بأنباءِ ما قد سبق، قال: فأقبل الراعي يسُوقُ غنَمه، حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاويةٍ من زواياها، ثم أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنُودي: الصلاة جامعة، ثم خرج، فقال للراعي: ((أخبِرْهم))،فأخبرهم، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((صدَقَ والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعةُ حتى يكلِّمَ السباعُ الإنسَ، ويكلمَ الرجلَ عَذَبَةُ سَوْطِه، وشِراكُ نعلِه، ويخبره فخِذُه بما أحدث أهله بعده؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد جـ 18 صـ 315 حديث: 11792).
(9) حنين الجذع شوقًا لنبينا صلى الله عليه وسلم:
(1) روى البخاري عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرةٍ أو نخلةٍ، فقالت امرأة من الأنصار، أو رجل: يا رسول الله، ألا نجعل لك منبرًا؟ قال: ((إن شئتم))، فجعلوا له منبرًا، فلما كان يوم الجمعة، دُفِعَ إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمَّه إليه، تئنُّ أنينَ الصبي الذي يُسَكَّنُ،قال: ((كانت تبكي على ما كانت تسمَعُ مِن الذِّكرِ عندها))؛ (البخاري حديث: 3584).
(2) روى ابن ماجه عن أنسٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يخطُبُ إلى جذعٍ، فلما اتَّخَذ المنبرَ ذهب إلى المنبر، فحَنَّ (بكى) الجذع، فأتاه فاحتضنه، فسكَن، فقال: ((لو لم أحتضنه لَحَنَّ إلى يوم القيامة))؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث: 1162).
كان الحسنُ البصريُّ إذا حدَّث بهذا الحديث يقول: يا معشرَ المسلمين، الخشبةُ تحنُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقًا إلى لقائه؛ فأنتم أحقُّ أن تشتاقوا إليه؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 6 صـ 697).
نقل ابن أبي حاتمٍ في مناقب الشافعي عن أبيه عن عمرو بن سوادٍ عن الشافعي قال: ما أعطى اللهُ نبيًّا ما أعطى محمدًا، فقلتُ: أعطى عيسى إحياءَ الموتى، قال: أعطى محمدًا حنينَ الجِذع حتى سُمِعَ صوتُه، فهذا أكبرُ مِن ذلك؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 6 صـ 698).
(10) انقياد الشجر لنبينا صلى الله عليه وسلم:
ومن معجزاته وأعلام نبوتِه صلى الله عليه وسلم انقيادُ الشجر بين يديه في مرات عدة:
(1) روى مسلم عن جابر بن عبدالله قال: سِرْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديًا أفيَحَ (واسعًا)، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، فاتبعتُه بإداوةٍ (إناء) من ماءٍ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرَ شيئًا يستتر به، فإذا شجرتان بشاطئ الوادي (جانبه)، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما، فأخذ بغُصنٍ من أغصانها، فقال: ((انقادِي عليَّ بإذن الله))، فانقادت معه كالبعير المَخْشُوشِ (عود يجعل في أنف البعير ويشد فيه حبل ليذلَّ وينقاد)، الذي يُصانِعُ قائدَه، حتى أتى الشجرة الأخرى، فأخذ بغصنٍ من أغصانها، فقال: ((انقادي عليَّ بإذن الله))، فانقادت معه كذلك، حتى إذا كان بالمَنْصَفِ (عند نصف المسافة) مما بينهما، لَأَمَ بينهما - يعني جمعهما - فقال: ((التَئِمَا عليَّ بإذن الله)) فالتأمتَا، قال جابر: فخرجتُ أُحضِرُ (أعدو وأسعى سعيًا شديدًا)؛ مخافةَ أن يُحِسَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقُرْبي فيبتعد، فجلست أحدث نفسي، فحانت مني لفتة (النظرة إلى جنب)، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلًا، وإذا الشجرتانِ قد افترقتا، فقامت كل واحدةٍ منهما على ساقٍ؛ (مسلم حديث: 3012).
(2) روى الدارمي عن ابن عمر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فأقبل أعرابيٌّ، فلما دنا منه، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله؟))، قال: ومن يشهد على ما تقول؟ قال: ((هذه السلمة)) (الشجرة)، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بشاطئ الوادي (جانبه)، فأقبلت تخُدُّ (تشُقُّ) الأرض حتى قامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثًا، فشهدت ثلاثًا، قال: ثم رجعت إلى منبتها؛ (حديث صحيح) (مشكاة المصابيح ـ تحقيق الألباني ـ جـ 3 صـ 1666 حديث: 5925).
(3) روى الترمذي عن ابن عباسٍ، قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بمَ أعرف أنك نبي؟ قال: ((إن دعوتُ هذا العِذْقَ مِن هذه النَّخلة، تشهد أني رسول الله؟))، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ((ارجع))، فعاد، فأسلَم الأعرابيُّ؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني - حديث: 2868).
(11) تسليم الحجَر على نبيِّنا صلى الله عليه وسلم:
روى مسلم عن جابر بن سمرة، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعرف حجَرًا بمكَّةَ كان يسلِّمُ علَيَّ قبل أن أُبعَثَ، إني لأعرفه الآن))؛ (مسلم حديث: 2277).
قال الإمام النووي (رحمه الله): هذا الحديث فيه معجزةٌ له صلى الله عليه وسلم، وفي هذا إثباتُ التمييز في بعض الجمادات، وهو موافقٌ لقوله تعالى في الحجارة: ﴿
وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 74]، وقوله تعالى: ﴿
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ [الإسراء: 44]؛ (مسلم بشرح النووي جـ 8 صـ 41).
روى البخاريُّ عن عبدالله بن مسعود قال: كنا نعُدُّ الآياتِ (المعجزات) بركةً، وأنتم تعُدُّونها تخويفًا (لأجل التخويف)، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فقلَّ الماء، فقال: ((اطلبوا فضلةً من ماءٍ))، فجاؤوا بإناءٍ فيه ماء قليل، فأدخل يدَه في الإناء، ثم قال: ((حَيَّ على الطَّهُور (تعالَوْا وتطهَّروا بالماء) المبارَكِ، والبركةُ مِن الله))،فلقد رأيتُ الماء ينبُعُ مِن بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كنا نسمَعُ تسبيح الطعام وهو يؤكل؛ (البخاري حديث: 3579).
(12) كلام الشاةِ المسمومة لنبينا صلى الله عليه وسلم:
روى أبو داود عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبَلُ الهدية، ولا يأكل الصدقةَ، حدثنا وهب بن بقية في موضعٍ آخر عن خالدٍ، عن محمد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، ولم يذكُرْ أبا هريرة قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقبَلُ الهدية، ولا يأكل الصدقةَ، زاد: فأهدَتْ له يهوديةٌ بخيبر شاةً مَصْلِيَّةً (مشوية) سمَّتْها، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وأكل القوم، فقال: ((ارفَعوا أيديكم؛ فإنها أخبرَتْني أنها مسمومة))، فمات بِشر بن البراء بن معرورٍ الأنصاري، فأرسل النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية: ((ما حملكِ على الذي صنعتِ؟))، قالت: إن كنت نبيًّا، لم يضرك الذي صنعت، وإن كنت ملِكًا أرحت الناس منك، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقُتِلَت، ثم قال في وجَعِه الذي مات فيه: ((ما زلتُ أجدُ مِن الأكلة التي أكلت بخيبر؛ فهذا أوان (وقت) قطَعَتْ أَبْهَرِي "عِرق مرتبط بالقلب، إذا انقطع مات الإنسان"))؛ (حديث حسن صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث: 3784).
(13) معجزة ريق نبينا صلى الله عليه وسلم:
(1) روى الشيخانِ عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لأعطين الرايةَ غدًا رجلًا يفتح الله على يديه))، قال: فبات الناس يدُوكون (يتحدثون) ليلتهم أيُّهم يعطاها، فلما أصبح الناس، غدَوْا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، كلُّهم يرجو أن يعطاها، فقال: ((أين علي بن أبي طالبٍ؟))،فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول الله، قال: ((فأرسلوا إليه، فأتوني به))،فلما جاء بصق في عينيه ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: ((انفُذْ على رِسْلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه؛ فوالله لأَنْ يهديَ الله بك رجلًا واحدًا، خيرٌ لك مِن أن يكون لك حُمْرُ النَّعَمِ))؛ (البخاري حديث: 3701/ مسلم حديث: 2406).
(2) روى البخاري عن يزيد بن أبي عبيدٍ قال: رأيت أثَرَ ضربةٍ في ساق سلمة بن الأكوع، فقلت: يا أبا مسلمٍ، ما هذه الضربة؟ فقال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمةُ، فأتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم (فنفَث فيه ثلاث نفثاتٍ (ريق خفيف)، فما اشتكيتُها (فما تألَّمْتُ منها) حتى الساعة)؛ (البخاري حديث: 4206).
(14) إخبار نبيِّنا صلى الله عليه وسلم عن ظهور الإسلام وانتشاره:
روى البخاري عن خبَّاب بن الأرَتِّ، قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّدٌ بردةً له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: ((كان الرجل فيمن قبلكم يُحفَرُ له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظمٍ أو عصبٍ، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليَتِمَّنَّ هذا الأمرُ، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنَمِه، ولكنكم تستعجلون))؛ (البخاري حديث: 3612).
وقد تحقَّق ذلك بفضل الله تعالى؛ فقد انتشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وظهر الإسلام على سائر الأديان، وارتفعت رايةُ التوحيد في عهد الصحابة ومَن بعدهم، وأذلَّ الله تعالى للمسلمين بلاد فارسَ والروم وغيرهم، ودان لهم جميع أهلها، على اختلاف أصنافهم وألوانهم، وصار الناس إما مؤمنًا داخلًا في الإسلام، وإما مهادنًا باذلًا الطاعة والمال، وإما محاربًا خائفًا من قوة المسلمين.
(15) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم بموت النجاشي ملك الحبشة:
روى الشيخان عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم حين مات النجاشي: ((مات اليوم رجلٌ صالح، فقوموا فصلُّوا على أخيكم أصحمة))؛ (البخاري حديث: 3877/ مسلم حديث: 952).
قال الإمام النووي (رحمه الله): في هذا الحديث معجزةٌ ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لإعلامِه بموت النجاشي وهو في الحبشة في اليوم الذي مات فيه؛ (مسلم بشرح النووي جـ 4 صـ 27).
(16) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم باستشهاد بعض الصحابة في حياته:
روى البخاري عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أخذ الرايةَ زيد (ابن حارثة)، فأصيب (قُتل)، ثم أخذها جعفر (ابن أبي طالب) فأصيب (قتل)، ثم أخذها عبدالله بن رواحة فأصيب (قتل) - وإن عينَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم لتذرفانِ - ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرةٍ (تأمير من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من الجند معه) ففتح له))؛ (البخاري حديث: 1246).
(17) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم باستشهاد بعض الصحابة بعد موته:
(1) روى البخاري عن قتادة: أن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صَعِدَ أحدًا (اسم جبل)، وأبو بكرٍ، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فقال: ((اثبُتْ أُحُدُ؛ فإنما عليك نبي، وصِدِّيق، وشهيدان))؛ (البخاري حديث: 3675).
(2) روى مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراءٍ (اسم جبل) هو وأبو بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، فتحرَّكت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اهدَأْ؛ فما عليك إلا نبيٌّ، أو صِدِّيق، أو شهيد))؛ (مسلم حديث: 2417).
(3) روى أبو داود عن عبدالرحمن بن خلادٍ الأنصاري، عن أم ورقة بنت عبدالله بن نوفلٍ الأنصارية: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا بدرًا، قالت: قلت له: يا رسول الله، ائذن لي في الغزو معك، أمرِّض مرضاكم؛ لعل الله أن يرزقني شهادةً، قال: ((قَرِّي في بيتك؛ فإن الله تعالى يرزقك الشهادة))، قال: فكانت تسمى الشهيدة، قال: وكانت قد قرأت القرآن، فاستأذنت النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذنًا، فأذن لها، قال: وكانت قد دبَّرت غلامًا لها وجاريةً، فقاما إليها بالليل فغمَّاها بقطيفةٍ لها حتى ماتت، وذهَبا، فأصبح عمر فقام في الناس، فقال: مَن كان عنده مِن هذين علم، أو من رآهما، فليجِئْ بهما، فأمر بهما فصُلِبا، فكانا أول مصلوبٍ بالمدينة؛ (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني حديث: 552).
دبَّرت غلامًا لها وجاريةً: أي علَّقَت عتقهما على موتها، وهو أن يقول السيد لعبده: أنت حرٌّ بعد موتي.
(18) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم عن فتح بلاد فارس:
روى البخاري عن عديِّ بن حاتمٍ قال: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة (الفقر)، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: ((يا عدي، هل رأيت الحِيرة؟ "مدينة بالعراق"))، قلت: لم أرَها، وقد أنبئتُ عنها، قال: ((فإن طالت بك حياة، لتريَنَّ الظعينة (المرأة) ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدًا إلا الله))، قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دُعَّارُ طيئٍ (قطاع الطريق) الذين قد سعروا البلاد (أشعلوا فيها نار الفتنة وأفسدوها)، ((ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى))، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: ((كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة، لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهبٍ أو فضةٍ، يطلب من يقبله منه، فلا يجد أحدًا يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فليقولن له: ألم أبعث إليك رسولًا فيبلغك؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالًا وأفضل عليك؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم))، قال عدي: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اتقوا النار ولو بشِقَّةِ تمرةٍ، فمن لم يجد شِقَّة تمرةٍ، فبكلمةٍ طيبةٍ))، قال عدي: فرأيت الظعينة (المرأة) ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوزَ كسرى بن هرمز،ولئن طالت بكم حياة، لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم؛ (البخاري حديث: 3595).
(19) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم عن فتح مصر:
روى مسلمٌ عن أبي ذر الغفاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يُسمَّى فيها القيراطُ، فإذا فتحتموها فأحسِنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذمَّةً ورحمًا))؛ (مسلم حديث: 2543).
قال الإمام النووي (رحمه الله): قال العلماء: القيراط: جزءٌ من أجزاء الدينار والدرهم وغيرهما، وكان أهلُ مِصر يُكثرون مِن استعماله والتكلم به، وأما الذمةُ فهي الحُرمة والحق، وهي هنا بمعنى الذِّمامِ، وأما الرَّحِمُ فلكونِ هاجرَ أمِّ إسماعيل منهم؛ (مسلم بشرح النووي جـ 8 صـ 338).
قال الإمام النووي (رحمه الله): هذا الحديث فيه معجزاتٌ ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، منها: إخباره بأن الأمة تكون لهم قوَّة وشوكة بعده، بحيث يقهَرون العجَمَ والجبابرة، ومنها: أنهم يفتحون مِصرَ، ووقع كل ذلك ولله الحمد؛ (مسلم بشرح النووي جـ 8 صـ 338).
وقد تحقَّق ما أخبر به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث فتَح المسلمون مِصرَ بقيادة عمرو بن العاص في خلافة أمير المؤمنين عمرَ بن الخطاب، سنة عشرين من الهجرة؛ (البداية والنهاية لابن كثير جـ 7 صـ 99).
(20) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم أن الحسنَ بنَ علي يحقِنُ دماء المسلمين:
روى البخاري عن أبي بكرة قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسنُ بنُ علي إلى جنبه، وهو يقبِلُ على الناس مرةً، وعليه أخرى ويقول: ((إن ابني هذا سيِّدٌ، ولعل اللهَ أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين))؛ (البخاري حديث: 2704).
قال ابن حجر العسقلاني (رحمه الله): هذا الحديث عَلَمٌ مِن أعلام النبوة، ومنقَبة للحسن بن علي؛ فإنه ترَك المُلك، لا لقلَّةٍ ولا لذلَّةٍ ولا لعلَّةٍ، بل لرغبته فيما عند الله، لما رآه من حقن دماء المسلمين فراعى أمرَ الدِّين، ومصلحةَ الأمة؛ (وذلك حينما صالح الحسنُ بن علي معاويةَ بن أبي سفيان عام إحدى وأربعين من الهجرة)؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 13 صـ 71).
(21) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم عن فتحِ الشام واليمَن والعراق:
روى مسلم عن سفيان بن أبي زهيرٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تفتح الشام، فيخرُجُ مِن المدينة قوم بأهليهم، يبُسُّون (يدعون الناس إلى بلاد الخصب)، والمدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح اليمن فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبُسُّون، والمدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون، ثم تفتح العراق، فيخرج من المدينة قوم بأهليهم يبُسُّون، والمدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون))؛ (مسلم حديث: 1388).
قال العلماء: في هذا الحديث معجزاتٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر بفتح هذه الأقاليم، وأن الناس يتحمَّلون بأهليهم إليها، ويتركون المدينة، وأن هذه الأقاليمَ تفتح على هذا الترتيب، ووُجد جميعُ ذلك كذلك بحمد الله وفضله؛ (مسلم بشرح النووي جـ 5 صـ 171).
(22) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم عن ظهور الخوارج وقتالهم:
روى الشيخانِ عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه، قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسمًا، أتاه ذو الخُوَيصرة، وهو رجلٌ مِن بني تميمٍ، فقال: يا رسول الله، اعدِلْ، فقال: ((ويلك، ومَن يعدل إذا لم أعدل؟! قد خِبْتَ وخسِرْتَ إن لم أكُنْ أعدِلُ))،فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فيه فأضرب عنقه؟ فقال: ((دَعْهُ؛ فإن له أصحابًا يحقِرُ أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرَؤون القرآنَ لا يجاوز تراقيَهم (لا يفقَهون معناه)، يمرُقون (يخرُجون سريعًا) من الدِّين، كما يمرُقُ السهمُ مِن الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رُصَافه فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نَضِيِّه - وهو قِدْحُه - فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قُذَذِه (الريش الذي يعلق على السهم) فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفَرْثَ والدَّمَ (لم يتعلق به شيء منهما)، آيَتُهم (علامتهم) رجل أسود، إحدى عضديه مِثلُ ثَدْيِ المرأة، أو مِثل البَضْعة (قطعة اللحم) تَدَرْدَرُ (تتحرك كثيرًا)، ويخرجون على حين فُرقةٍ من الناس "زمن افتراق بينهم"))، قال أبو سعيدٍ: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالبٍ قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتُمِس فأُتي به، حتى نظرتُ إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته (وصفه الذي وصفه وحدده)؛ (البخاري حديث: 3610/ مسلم حديث: 1064).
(23) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم أن خلافة النبوة ثلاثون عامًا:
روى أبو داود عن سعيد بن جمهان، عن سَفِينةَ (خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خلافة النبوة ثلاثون سنةً، ثم يؤتي الله الملك أو مُلكَه من يشاء))، قال سعيد: قال لي سفينة: (أمسِكْ عليك أبا بكرٍ سنتين، وعمرَ عشرًا، وعثمان اثنتي عشرة، وعلي كذا))؛ (حديث حسن صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث: 3882).
روى أحمد عن سعيد بن جمهان، عن سفينة (خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم)، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الخلافة ثلاثون عامًا، ثم يكون بعد ذلك الملك))، قال سفينة: أمسك: خلافة أبي بكرٍ سنتين، وخلافة عمر عشر سنين، وخلافة عثمان اثنتي عشرة سنةً، وخلافة علي ست سنين؛ (حديث حسن) (مسند أحمد جـ 36 صـ 248ـ حديث: 21919).
(24) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم ابنتَه فاطمةَ أنها أول أهل بيته موتًا بعده:
روى الشيخان عن عائشة: أن فاطمةَ بنت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أسَرَّ إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنةٍ مرةً، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أولُ أهل بيتي لحاقًا بي))؛ (البخاري حديث: 3624 / مسلم حديث: 2450).
قال الإمام النووي (رحمه الله): هذه معجزةٌ ظاهرة له صلى الله عليه وسلم، بل معجزتان: فأخبر ببقائها بعده، وبأنها أول أهله لحاقًا به، ووقع كذلك؛ (مسلم بشرح النووي جـ 8 صـ 242).
روى البخاري عن عائشة: أن فاطمة عليها السلام عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهرٍ؛ (البخاري حديث: 4240).
(25) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم عن التابعي أُوَيْسٍ القَرني:
روى مسلم عن أسير بن جابرٍ قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن (الجماعة الغزاة الذين يمدون جيوش الإسلام في الغزو)، سألهم: أفيكم أُوَيْس بن عامرٍ؟ حتى أتى على أويسٍ فقال: أنت أُوَيْس بن عامرٍ؟ قال: نعم، قال: من مرادٍ ثم من قرنٍ؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص فبَرَأْتَ منه إلا موضع درهمٍ؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم،قال سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((يأتي عليكم أويس بن عامرٍ مع أمداد أهل اليمن، من مرادٍ، ثم من قرنٍ، كان به برص فبرَأَ منه إلا موضعَ درهمٍ، له والدة هو بها بَرٌّ، لو أقسم على الله لأبَرَّه، فإن استطعتَ أن يستغفرَ لك، فافعَلْ)) فاستغفِرْ لي، فاستغفَر له،فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها (أميرها)؟ قال: أكونُ في غبراء الناس (ضعافهم) أحبُّ إليَّ؛ (مسلم حديث: 2542).
قال الإمام النووي (رحمه الله): في هذا معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ (مسلم بشرح النووي جـ 8 صـ 337).
(26) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم عن المرأة التي حملت رسالةَ حاطبٍ إلى أهل مكة:
روى مسلمٌ عن علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: بعثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال: ((ائتوا روضة خَاخٍ (مكان بين مكة والمدينة)، فإن بها ظعينةً (امرأة) معها كتاب، فخذوه منها))، فانطلقنا تعادى (تجري) بنا خيلنا، فإذا نحن بالمرأة، فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب، أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها (شعرها المضفور)، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناسٍ من المشركين، من أهل مكة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (مسلم حديث: 2494).
قال الإمام النووي (رحمه الله): في هذا الحديث معجزةٌ ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ (مسلم بشرح النووي جـ 8 صـ 295).
(27) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم عن مقتل عمار بن ياسر على يد الفئة الباغية:
روى مسلم عن أم سلمة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار بن ياسرٍ: ((تقتُلُك الفئةُ الباغية))؛ (مسلم حديث: 2916).
قال الإمام النووي (رحمه الله): في هذا الحديث معجزةٌ ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مِن أوجهٍ: منها أن عمارًا يموت قتيلًا، وأنه يقتُلُه مسلمون، وأنهم بُغاةٌ، وأن الصحابة يقاتلون، وأنهم يكونون فِرقتين: باغية وغيرها، وكل هذا قد وقَع مثل فلق الصبح؛ (مسلم بشرح النووي جـ 9 صـ 273).
(28) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم بأن إحدى زوجاتِه تذهب إلى الحَوْءَب:
روى أحمد عن قيس بن أبي حازمٍ: أن عائشة قالت: لما أتَتْ على الحَوْءب (مكان) سمعت نباح الكلاب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: ((أيتكنَّ تنبح عليها كلاب الحَوْءب؟))، فقال لها الزبير: ترجعين! عسى الله عز وجل أن يصلِحَ بك بين الناس؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد جـ 41 صـ 197ـ حديث: 24654).
قال الإمام ابن الأثير (رحمه الله): الحوءب: منزل بين مكة والبصرة، وهو الذي نزلته عائشة لما جاءت إلى البصرة في وقعة الجمل؛ (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير جـ 1 صـ 456).
قد تحقَّقَتْ هذه المعجزةُ النبوية عندما ذهبت عائشة رضي الله عنها لتصلحَ بين علي بن أبي طالب، وبين طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام رضي الله عنهم جميعًا.
(29) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم بأن أمَّتَه يركبون البحرَ غزاة في سبيل الله:
روى الشيخانِ عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرامٍ بنت ملحان فتطعمه - وكانت أم حرامٍ تحت (أي زوجة) عبادة بن الصامت - فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمَتْه، وجعلت تَفْلي رأسه (لأنها كانت إحدى محارمه)، فنام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ((ناسٌ مِن أمتي عُرِضوا عليَّ غزاةً في سبيل الله، يركبون ثَبَجَ هذا البحر (وسطه وظهره) مثل الملوك على الأسِرَّةِ "الكرسي الذي يجلس عليه الملوك"))، قالت: فقلت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضع رأسه، ثم استيقظ وهو يضحك، فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ((ناس من أمتي عرضوا علي غزاةً في سبيل الله))، قالت: فقلت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم، قال: ((أنتِ من الأولين))، فركبَتِ البحرَ في زمان معاوية بن أبي سفيان (في ولايته وخلافة عثمان رضي الله عنهما)، فصرعت (فسقطت) عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت (فماتت)؛ (البخاري حديث: 2788/ مسلم حديث: 1912).
قال الإمام النووي (رحمه الله): في هذا الحديث معجزاتٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، منها: إخباره ببقاء أمته بعده، وأنه تكون لهم شوكةٌ وقوة وعدد، وأنهم يَغْزُون، وأنهم يركبون البحر، وأن أم حرامٍ بنت ملحان تعيش إلى ذلك الزمان، وأنها تكون معهم، وقد وُجِدَ بحمد الله تعالى كلُّ ذلك؛ (مسلم بشرح النووي جـ 7 صـ 78).
(30) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم بظهور كذَّابِ ثقيف:
روى مسلم عن أبي نوفلٍ: أن الحجَّاجَ بن يوسف الثقفيَّ أرسل إلى أسماء بنت أبي بكر الصِّدِّيق (بعد أن قتل ابنها عبدالله بن الزبير)، فأبَتْ أن تأتيه، فأعاد عليها الرسول: لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك (بضفائر شعرك)، قال: فأبت، وقالت: واللهِ لا آتيك حتى تبعث إليَّ من يسحبني بقروني، قال: فقال: أروني سِبْتَيَّ (نعليَّ)، فأخذ نعليه، ثم انطلق يتوذَّفُ (يسرع)، حتى دخل عليها، فقال: كيف رأيتِني صنعتُ بعدو الله؟ قالت: رأيتُك أفسدتَ عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتَك، بلغني أنك تقول له: يا بنَ ذاتِ النطاقين، أنا والله ذاتُ النطاقين، أما أحدهما فكنت أرفعُ به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعام أبي بكرٍ من الدواب، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه، أمَا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا ((أن في ثقيف كذابًا ومبيرًا))، فأما الكذابُ فرأيناه، وأما المُبِير (المُهلِك الذي يُكثِر مِن قتل الناس) فلا إخالُك (أظنك) إلا إياه، فقام عنها ولم يراجِعْها؛ (مسلم حديث: 2545).
في هذا الحديث معجزةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد تحقَّق ما أخبر به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام النووي (رحمه الله):
قولها في الكذاب: (فرأيناه) تعني به: المختارَ بنَ أبي عبيدٍ الثقفيَّ، كان شديدَ الكذِب، ومِن أقبحِه ادَّعى أن جبريل صلى الله عليه وسلم
يأتيه، واتفق العلماءُ على أن المراد بالكذابِ هنا المختارُ بن أبي عبيدٍ الثقفي، وبالمُبير الحجَّاج بن يوسف الثقفي؛ (مسلم بشرح النووي جـ 8 صـ 341).
(31) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم بوقوع قتال بين فئتين عظيمتين من المسلمين:
روى الشيخان عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعةُ حتى تقتتل فئتان عظيمتان، يكون بينهما مقتلةٌ عظيمة، دعوتهما واحدة))؛ (البخاري حديث: 7121 / مسلم، الفتن حديث: 17).
قال الإمام النووي (رحمه الله): هذا الحديث من المعجزات، وقد جرى هذا في العصر الأول؛ (مسلم بشرح النووي جـ 9 صـ 240).
قال الإمام ابن حجر العسقلاني (رحمه الله): المراد بالفئتين: علي بن أبي طالبٍ ومن معه، ومعاوية بن أبي سفيان ومن معه؛ (
فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 13 صـ 92).
(32) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم عن حدود الدولة الإسلامية:
روى مسلم عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله زوى (جمع) لي الأرض، فرأيتُ مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلُغُ مُلكها ما زُوِيَ لي منها، وأعطيت الكنزينِ الأحمرَ والأبيضَ (كنزَيْ كسرى وقيصر مَلِكَيِ العراق والشام)؛ (مسلم حديث: 2889).
قال الإمام النووي (رحمه الله): هذا الحديث فيه معجزات ظاهرة، وقد وقعت كلها بحمد الله كما أخبر به صلى الله عليه وسلم،قال العلماء: المراد بالكنزين الذهب والفضة، والمراد: كنزَيْ كسرى وقيصر مَلِكَيِ العراق والشام،وفيه إشارة إلى أن مُلك هذه الأمة يكون معظم امتداده في جهتي المشرق والمغرب، وهكذا وقع،وأما في جهتي الجنوب والشمال فقليلٌ بالنسبة إلى المشرق والمغرب؛ (مسلم بشرح النووي جـ 9 صـ 242: 241).
(33) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم باجتماع الأمم على قتال المسلمين:
روى أبو داود عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك الأممُ أن تَدَاعى عليكم كما تداعى الأَكَلةُ إلى قصعتها))، فقال قائل: ومن قلةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: ((بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل (ما يحمله السيل من زبدٍ ووسخٍ)، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة (الخوف) منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن "الضعف"))، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: ((حبُّ الدنيا، وكراهيَة الموت))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث: 3610).
قوله صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأُمَمُ أن تداعى عليكم)؛ أي: تجتمع عليكم الأمم الكافرة، وتدعو بعضها بعضًا لمقاتلتكم، وكسر شوكتكم، وسلب ما ملكتموه من الديار والأموال؛ (عون المعبود شرح سنن أبي داود جـ 11 صـ 272).
هذا الحديث فيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد تحقق ما أخبر به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
(34) إخبار نبينا صلى الله عليه وسلم عن القرآنيين:
روى أبو داود عن المقدام بن معدي كرب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا إني أوتيت الكتابَ ومِثلَه معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلالٍ فأحِلُّوه، وما وجدتم فيه مِن حرامٍ فحرِّموه، ألا لا يَحِلُّ لكم (بيان للقِسْمِ الذي ثبت بالسنَّة وليس له ذِكرٌ في القرآن) لحمُ الحمار الأهليِّ، ولا كل ذي نابٍ من السَّبُع، ولا لقطة معاهدٍ، إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقومٍ فعليهم أن يَقْرُوه (يُضيِّفوه)، فإن لم يَقْرُوه فله أن يُعقِبَهم بمثل قِرَاه "فله أن يأخذ منهم عِوضًا عمَّا حرَموه مِن الضيافة"))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث: 3848).
قوله صلى الله عليه وسلم: (رجل شبعان) هو كناية عن البلادةِ وسوء الفهم الناشئ عن الشِّبَع، أو عن الحماقةِ اللازمة للتنعُّم والغرور بالمال والجاه؛ (عون المعبود شرح سنن أبي داود جـ 12 صـ 232).
قوله صلى الله عليه وسلم: (على أريكته)؛ أي: سريره المُزيَّن بالحلل والأثواب، وأراد بهذه الصفةِ أصحابَ الترفُّهِ والدَّعَة، الذين لزموا البيوت ولم يطلبوا العلمَ مِن مظانِّه؛ (عون المعبود شرح سنن أبي داود جـ 12 صـ 232).
هذا الحديث فيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد ظهَر في هذا الزمان مَن يُنكرون سنَّةَ نبينا صلى الله عليه وسلم، ويسمُّون أنفسهم بالقرآنيين، ويقولون: حسبُنا ما جاء في القرآن فقط.
(35) إخبار نبيِّنا صلى الله عليه وسلم عن صِنفين مِن أهل النار:
روى مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صنفانِ مِن أهل النار لم أرَهما، قومٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسُهن كأسنمة البُخْتِ (نوع من الإبل) المائلة، لا يدخُلْنَ الجنة، ولا يجِدْنَ ريحها، وإن ريحَها ليوجد مِن مسيرة كذا وكذا))؛ (مسلم حديث: 2128).
قال الإمام النووي (رحمه الله): هذا الحديث مِن معجزات النبوة؛ فقد وقع هذانِ الصِّنفان، وهما موجودان؛ (مسلم بشرح النووي جـ 7 صـ 363).
قوله صلى الله عليه وسلم: (نساء كاسيات عاريات): أي تستُرُ بعضَ بدنها، وتكشف بعضَه؛ إظهارًا بحالها ونحوه، وقيل: معناه: تلبَسُ ثوبًا رقيقًا يصِفُ لونَ بدنها.
قوله صلى الله عليه وسلم: (مميلات مائلات)؛ أي: مائلات يَمْشِينَ متبختراتٍ، مميلاتٍ لأكتافهنَّ.
قوله صلى الله عليه وسلم: (رؤوسُهن كأسنمةِ البُخْتِ المائلة)؛ أي: يُكبِّرْنَها بلفِّ عمامةٍ أو نحوها؛ (مسلم بشرح النووي جـ 7 صـ 363).
أسأل اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاتِه العلى أن يجعلَ هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعلَه ذخرًا لي عنده يوم القيامة؛ ﴿
يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.
وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.