النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه
كان - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه في كل وقت، فليس هناك من حواجز تمنعه منهم، يطرقون بابه ليلًا ونهارًا.
عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، كثيرًا، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويتبسم[1].
وكان يقبل بوجهه وحديثه على أشرِّ القوم، يتألفهم بذلك، حتى يظنَّ أنه خير القوم[2].
فكان كل صحابي يشعر بمكانته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كأنه المقرب دون غيره ولعل ما حصل لعمرو بن العاص خير مثال على ذلك.
أسلم عمرو في مطلع العام الثامن الهجري، وبعد خمسة أشهر عقد له صلى الله عليه وسلم لواء وأرسله أميرًا في سرية ذات السلاسل، على ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار.
ثم أمدَّه بأبي عبيدة في مائتين من المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهم، جميعًا.
وقام عمرو بالمهمة، وعاد إلى المدينة، وهو معجب بمكانته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو - وهو حديث عهد بالإسلام - يقود جيشًا فيه أبو بكر وعمر.
وهذا ما دفعه إلى أن يعرف مكانته عند النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة» فقلت: من الرجال؟ فقال: «أبوها» قلت: ثم من قال: «عمر بن الخطاب» فعدَّ رجالًا، فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم[3].
والذي نتوقف عنده من هذه الحادثة. وهي ذات أبعاد متعددة الجوانب في الأدب النبوي الكريم[4]. أن عمرو بن العاص ظن نفسه أنه أضحى من أقرب الناس إليه صلى الله عليه وسلم، وهذا مما يدل على بشر النبي صلى الله عليه وسلم ورحابة صدره التي وسعت جميع أصحابه.
وفي حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، في شأن الراية يوم خيبر، قال صلى الله عليه وسلم: «لأعطين هذه الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله».
قال سهل: لما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها[5].
وتطاول لها عمر بن الخطاب، وتطاول لها سعد بن أبي وقاص.. وتطاول لها بريدة بن الحصيب.
قال بريدة: فما منا رجل له منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل، حتى تطاولت أنا لها[6].
أرأيت كيف كان كل صحابي يشعر بقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيرشح نفسه لهذا العمل، لأنه يحب الله ورسوله، ويشعر بحب رسول الله له. حتى قال بريدة. معبرًا عما في نفس كل صحابي: حتى تطاولت أنا لها.
وهذا جرير بن عبدالله يقول: ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي[7].
والحقيقة أن هذا كان سلوك النبي صلى الله عليه وسلم مع كل أصحابه، فما حجب أحدًا منهم في يوم من الأيام، وكانت ابتسامته في وجوه أصحابه دائمة. ولكن جريراً يتحدث عما حصل له.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|