الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
ومن الفوائد المستفادة من قصة نبي الله عيسى عليه السلام:
«إثبات كرامة الأولياء، فإن الله كرم مريم بأمور؛ يسر لها أن تكون في كفالة زكريا بعدما حصل الخصام في شأنها، وأكرمها بأن كان رزقها يأتيها من الله بلا سبب، وأكرمها بوجود عيسى، وولادتها إياه، وبخطاب الملك لها بما يطمئن قلبها، ثم بكلامه في المهد، فهذه الأخيرة جمعت كرامة ولي، ومعجزة نبي.
ومنها: الآيات العظيمة التي أجراها الله على يد عيسى ابن مريم من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص ونحوهما.
ومنها: ما أكرم الله به عيسى بأن جعل له حواريين وأنصارًا في حياته وبعد مماته في بث دعوته والنصر لدينه، ولذلك كثر تابعوه، ولكن منهم المستقيم، وهو الذي آمن به حقيقة، وآمن بجميع الرسل، ومنهم المنحرف، وهم الذين غلوا فيه، وهم جمهور من يدعي أنه من أتباعه، وهم أبعد الناس عنه.
ومنها: أن الله أثنى على مريم بالكمال بالصديقية، وأنها صدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين[1]، وهذا وصف لها بالعلم الراسخ، والعبادة الدائمة، والخشوع لله، وأنه اصطفاها وفضلها على نساء العالمين.
ومنها: أن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة وغيرها مفصلة مطابقة للحقيقة من أدلة رسالته، وآيات نبوته لقوله: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴾ [آل عمران: 44].
ومنها: المعجزة العظيمة لهذا النبي الكريم برفعه إلى السماء بعدما حاول اليهود قتله، قال تعالى: ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 157-158].
قال الحسن البصري: «كان عمر عيسى عليه السلام يوم رُفع أربعًا وثلاثين سنة، وفي الحديث: «يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا بِيضًا جِعَادًا مُكَحَّلِينَ، أَبْنَاءَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ»[2]. وفي رواية: «عَلَى مِيلَادِ عِيسَى، وَحُسْنِ يُوسُفَ»[3].
ومنها: إخبار الله بنزول عيسى من السماء إلى الأرض، وأن أهل الكتاب سيؤمنون بذلك، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ﴾ [النساء: 159]»[4].
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: واقرؤوا إن شئتم: ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 159][5].
ومنها: أن أولى الناس بنبي الله عيسى عليه السلام هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بابْنِ مَرْيَمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ»[6]. وروى البخاري في صحيحه عن سلمان رضي الله عنه قال: فترة ما بين عيسى ومحمد صلّى الله عليهما وسلّم ستمائة سنة[7].
ومنها: أن شريعة الإسلام هي خاتمة الشرائع، وناسخة لما قبلها، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]. ولذلك عندما ينزل نبي الله عيسى عليه السلام لا يقبل إلا الإسلام أو السيف، وفي الحديث: «... لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي»[8].
ومنها: أن الله أنزل على نبيه عيسى عليه السلام الانجيل، وهو مصدق للتوراة، ومتمم لها، قال تعالى عنه: ﴿ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 46].
قال ابن كثير رحمه الله: «وجعلنا الانجيل هدى يُهتدى به، وموعظة، وزاجرًا عن ارتكاب المحارم والمآثم»[9].
ومنها: أن نبي الله عيسى عليه السلام بشر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.