حديث: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدنِه، وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها، ولا أعطي الجزار منها شيئًا، وقال: "نحن نعطيه من عندنا".
وعند مسلم في حديث جابر الطويل: ثم انصرف صلى الله عليه وسلم إلى المنحر، فنحر ثلاثًا وستين بدنة، ثم أعطى عليًّا فنحر ما غبر وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فطبخت فأكلا من لحمها وشرِبَا من مَرقها.
♦ قوله: (وأن أتصدق بلحمها وجلودها).
♦ قال البخاري: باب يتصدق بجلود الهدي، وذكر الحديث ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقوم على بدنه، وأن يقسم بدنه كلها لحومها وجلودها وجلالها، ولا يعطي في جزارتها شيئًا[1].
♦ قوله: (لحومها وجلودها وجلالها)، زاد ابن خزيمة من هذا الوجه في روايته: على المساكين.
♦ وقال البخاري: باب يتصدق بجلود الهدي، وذكر الحديث: أهدى النبي صلى الله عليه وسلم مائة بدنة فأمرني بلحومها فقسَّمتها، ثم أمرني بجلالها فقسمتها، ثم بجلودها فقسمتها.
♦ قال الحافظ: واستدل به على منع بيع الجلد، قال القرطبي: فيه دليل على أن جلود الهدي وجلالها لا تباع لعطفها على اللحم وإعطائها حكمه، وقد اتفقوا على أن لحمها لا يباع، فكذلك الجلود والجلال انتهى؛ وأخرج أحمد في حديث قتادة بن النعمان مرفوعًا: "لا تبيعوا لحوم الأضاحي والهدي، وتصرفوا، وكلوا واستمتعوا بجلودها، ولا تبيعوا، وإن أطعمتم من لحومها فكلوا إن شئتم"[2].
♦ وقال البخاري أيضًا: باب الجلال للبدن.
وكان ابن عمر رضي الله عنهما لا يشق من الجلال إلا موضع السنام، وإذا نحرها نزع جلالها مخافة أن يفسدها الدم ثم يتصدق بها.
ثم ذكر حديث علي رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتصدق بجلال البُدن التي نُحرت وبجلودها.
♦ قال الحافظ: (الجلال جمع جل بضم الجيم وهو ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه، قال: وهذا التعليق وصل بعضه مالك في الموطأ عن نافع أن عبدالله بن عمر كان لا يشق جلال بدنه، وعن نافع أن ابن عمر كان يجلل بدنه القباطي، ثم يبعث بها إلى الكعبة، فيكسوها إياها، وعن مالك أنه سأل عبدالله بن دينار: ما كان ابن عمر يصنع بجلال بدنه حين كسيت الكعبة هذه الكسوة، قال: كان يتصدق به، قال المهلب: ليس التصدق بجلال البدن فرضًا، وإنما صنع ذلك ابن عمر؛ لأنه أراد ألا يرجع في شيء أهلَّ به لله، ولا في شيء أضيف إليه، وفائدة شق الجل من موضع السنام؛ ليظهر الإشعار؛ لئلا يستتر ما تحتها، وروى ابن المنذر من طريق أسامة بن زيد عن نافع أن ابن عمر كان يجلل بدنه الأنماط والبرود والحبر حتى يخرج من المدينة، ثم ينزعها فيطويها، حتى يكون يوم عرفة فيلبسها إياها، حتى ينحرها ثم يتصدق بها، قال نافع: وربما دفعها إلى بني شيبة)[3].
♦ قوله: (ولا أعطي الجزار منها شيئًا، وقال: "نحن نعطيه من عندنا").
♦ قال البخاري: باب لا يُعطى الجزارُ من الهدي شيئًا.
قال الحافظ: ظاهره ألا يعطي الجزار شيئًا البتةَ، وليس ذلك المراد، بل المراد ألا يعطي الجزار منها شيئًا في جزارتها كما وقع عند مسلم، وظاهره مع ذلك غير مراد، بل بيَّن النسائي في روايته من طريق شعيب بن إسحاق عن ابن جريج أن المراد منع عطية الجزار من الهدي عوضًا عن أجرته ولفظه، ولا يعطى في جزارتها منها شيئًا.
♦ قال ابن خزيمة: والنهي عن إعطاء الجزار المراد به ألا يعطى منها عن أجرته، وكذا قال البغوي في شرح السنة، قال: وأما إذا أعطي أجرته كاملة، ثم تصدَّق عليه إذا كان فقيرًا كما يتصدق على الفقراء، فلا بأس بذلك، وقال غيره: إعطاء الجزار على سبيل الأجرة ممنوع؛ لكونه معاوضة، وأما إعطاؤه صدقة أو هدية، أو زيادة على حقه، فالقياس الجواز، ولكن إطلاق الشارع ذلك قد يفهم منه منع الصدقة؛ لئلا تقع مسامحة في الأجرة لأجل ما يأخذه، فيرجع إلى المعارضة.
♦ قال الحافظ: وفي حديث علي من الفوائد: سوق الهدي، والوكالة في نحر الهدي، والاستئجار عليه، والقيام عليه وتَفرقته والاشتراك فيه، وأن من وجب عليه شيء لله فله تخليصه، ونظيره الزرع يعطي عشرة ولا يحسب شيئًا مِن نفقته على المساكين)[4]؛ والله أعلم.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|