من الشمائل والصفات المحمدية .. الصدق
الصدق يحتل مكانًا رئيسًا في منظومة الأخلاق الإسلامية، ومنه ما يتعلَّق بالقول، ومنه ما يتعلق بالعمل[1].
وقد امتدح النبي - صلى الله عليه وسلم - الصدق وعظَّم شأنه فقال: ((إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل لَيَصدُقُ حتى يكون صدِّيقًا، وإن الكذب يَهدي إلى الفجور، وإن الفُجور يَهدي إلى النار، وإن الرجل ليَكذب حتى يُكتَب عند الله كذابًا))[2].
وقد اشتهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقه حتى قبل بعثته؛ حيث كان معروفًا بين الناس بأنه صادق أمين؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما نزلت ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، صعِد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصفا فجعل يُنادي: يا بَني فِهر، يا بني عديٍّ - لبطون قريش - حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يَستطِع أن يَخرُج، أرسل رسولاً ليَنظر ما هو، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أريتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مُصَدِّقيَّ؟)).
قالوا: نعم؛ ما جرَّبنا عليك إلا صدقًا[3].
وفي رواية: "ما جرَّبنا عليك كذبًا"[4].
فهذه شهادة من كفار قريش لنبي الرحمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أنهم لم يَأثِروا عليه كذبًا قطُّ، ولم يَعلموا عنه إلا الصدق.
ومن المواقف التي تظهر جانب الصدق وأهميته ومراعاته لأقصى درجة ما حدث في غزوة بدر؛ حيث التقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصديق قبل الغزوة على مَقرُبة من بدر مع شيخ من العرب يُقال له: سفيان الضمري، فسأله الرسول عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه من أخبارهم، فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟ فقال الرسول: ((إذا أخبرتنا أخبرناك))، قال: ذاك بذاك؟ قال: ((نعم))، قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدًا وأصحابه خرَجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبلغني أن قريشًا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدقني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به قريش، فلمَّا فرغ من خبره، قال: ممن أنتما؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نحن من ماء))، ثم انصرف عنه، فقال الشيخ: ما مِن ماء؟ أمن ماء العراق؟[5].
فقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((نحن من ماء)) من التوريات البديعة، وهو يَحتمل معنيين: معنى قريب، وهو المكان المعروف بهذا الاسم، والثاني بعيد، وهو الماء الذي خُلِق منه الإنسان، وهو ما قصده الرسول - صلى الله عليه وسلم.
قال أبو بكر الجزائري فيما يُستفاد من الغزوة:
"مشروعية استعمال الرموز والمعاريض والتورية في الكلام في حالة الحرب، والتعميَة على العدوِّ"[6].
ففي مقام الحرب والقتال قد يُضطر الإنسان إلى عدم التزام الصدق في كل ما يقول؛ مراعاة لمصالح أعلى تتعلَّق بحفظ النفوس والأموال والنسل، بل حِفظ الدين نفسه.
وقد كان إخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - الشيخ عن حقيقة هويته يُشكِّل خطرًا على المسلمين، رُغم ذلك لم يلجأ النبي إلى الكذب، بل استخدم التورية والتعريض، وفي المَعاريض مندوحة عن الكذب، وبذلك حفظ جناب الصدق في قوله بلا إضرار بالمصلَحة العامَّة.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|