شرح حديث: ألا إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء
عَن عَمْرِو بنِ العَاصِ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم جِهَاراً غَيْرَ سِرٍّ، يَقُولُ: "أَلاَ إِنَّ آلَ أَبِي فُلاَنٍ لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، إنَّمَا وَليِّيَ الله وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ".
وفي رواية عند البخاري: " ولكن لهم رحمٌ أبلها ببلالها " وهي عند مسلم من حديث أبي هريرة كما سبق.
ترجمة راوي الحديث:
عمرو بن العاص رضي الله عنه، تقدمت ترجمته في الحديث الثامن والثمانين من كتاب الإيمان.
تخريج الحديث:
الحديث أخرجه مسلم حديث "215"، وأخرجه البخاري في " كتاب الأدب " " باب تبل الرحم ببلالها" حديث " 5990".
شرح ألفاظ الحديث:
• " جِهَاراً غَيْرَ سِرٍّ ": أي علانية، أظهره وأشاعه، وقوله " غَيْرَ سِرٍّ " تأكيد لذلك.
• " فُلاَنٍ ": قال النووي رحمه الله:" هي من بعض الرواة خشي أن يسميه فيترتب عليه مفسدة وفتنة، إما في حق نفسه وأما في حقه وحق غيره فكنى به" [شرح مسلم (3 / 83)].
قيل المراد: بني أمية، وقيل: آل أبي العاص بن أمية وضعفهما ابن حجر رحمه الله ورجح أن المقصود آل أبي طالب" [انظر الفتح (10 / 420)]
• "لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ ": المقصود من لم يسلم منهم وهذا من إطلاق الكل وإرادة البعض.
• " وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ": قال النووي رحمه الله:" إن معناه: إنما وليي من كان صالحاً وإن بعد نسبه مني، وليس وليي من كان غير صالح وإن كان نسبه قريباً مني" [شرح مسلم (3 / 83)].
• " لهم رحم أبلها ببلالها ": أبلها أي أصلها، يقال: بل رحمه إذا وصلها، والبلال بكسر الباء الماء، وروي بفتحها، والمعنى: غير أن لكم رحماً سأصلها بوصلها الحق"
من فوائد الحديث:
• الفائدة الأولى: الحديث دليل على وجوب موالاة المؤمنين وإن كانوا من الأبعدين، ومعاداة الكافرين وإن كانوا من الأقربين، وهذه تسمى عقيدة الولاء والبراء، وهي أصل عظيم من أصول الشريعة الإسلامية، تضافرت النصوص في إثباتها وبيانها، وأن الولاء للمؤمن وإن كان بعيداً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم" إنَّمَا وَلَيَيَ الله وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ" وأن البراءة من الكافر وإن كان قريباً " أَلاَ إِنَّ آلَ أَبِي فُلاَنٍ لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ ".
ودلّ على هذا الأصل الكتاب كما دلت السنة:
قال الله تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22].
قال ابن كثير رحمه الله:" في قوله تعالى ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ سر بديع وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر فالله عوضهم الله بالرضا عنهم، وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم والفوز العظيم والفضل العميم " [تفسير ابن كثير (8 / 55)].
ولعقيدة الولاء والبراء في الشريعة منزلة عظيمة لما يلي:-
1- أنها جزء من معنى: لا إله إلا الله.
2- أنها شرط في الإيمان قال تعالى: ﴿ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 80، 81].
3- أن هذه العقيدة أوثق عرى الإيمان:
عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله ".
4- أنها سبب للحصول على حلاوة الإيمان:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" متفق عليه.
5- أنه بتحقيق هذه العقيدة تنال ولاية الله:
لحديث الباب، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أحِبَّ في الله، وَال في الله، وعادِ في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، لا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك" رواه ابن أبي شيبة في مصنفه.
6- أن عدم تحقيق هذه العقيدة سبيل من سبل الكفر.
قال تعالى: ﴿ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم ﴾ [سورة المائدة:51].
• الفائدة الثانية: الحديث دليل على مشروعية الجهر بالبراءة من الكفار وإظهار ذلك ما لم يكن في ذلك فتنة.
• الفائدة الثالثة: الحديث دليل على أن حب الصالحين من عقيدة الولاء والبراء، وفي ذلك فضيلة أهل الصلاح لصلاحهم.
• الفائدة الرابعة: رواية البخاري:" ولكن لهم رحم أبلها ببلالها " دليل على أن القريب له حق الصلة وإن كان كافراً، لكن ليس له ولاية لأن الموالاة لأهل الحق لا أهل الباطل.
مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|