شرح حديث ابن مسعود: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخُلُ الجنةَ من كان في قلبه مثقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ))، فقال رجلٌ: إن الرجل يحبُّ أن يكون ثوبه حسنًا، ونعلُه حسنة؟ قال: ((إن الله جميل يحبُّ الجمال، الكبرُ: بطرُ الحقِّ، وغمطُ الناسِ))؛ رواه مسلم.
قَالَ سَماحةُ العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
قال المؤلِّف النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في باب تحريم الكبر والعجب، عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخُلُ الجنةَ من كان في قلبه مثقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ))، وهذا الحديث من أحاديث الوعيد التي يُطلِقُها الرسول صلى الله عليه وسلم تنفيرًا عن الشيء، وإن كانت تحتاج إلى تفصيل حسب الأدلة الشرعية.
فالذي في قلبه كبر، إما أن يكون كبرًا عن الحق وكراهة له، فهذا كافر مخلَّد في النار ولا يدخل الجنة؛ لقول الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 9]، ولا يحبط العمل إلا بالكفر كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 217].
وأما إذا كان كبرًا على الخلق وتعاظمًا على الخلق، لكنه لم يستكبر عن عبادة الله، فهذا لا يدخُلُ الجنة دخولًا كاملًا مطلقًا لم يُسبَق بعذاب؛ بل لا بد من عذاب على ما حصل من كبره وعلوِّه على الخلق ثم إذا طهِّر دخل الجنة.
ولما حدَّث النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، قال رجل: يا رسول الله، الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنة؟ يعني فهل هذا من الكبر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جميل يحبُّ الجمال))، جميل في ذاته، جميل في أفعاله، جميل في صفاته، كل ما يصدر عن الله عز وجل فإنه جميل وليس بقبيح؛ بل حسن، تستحسنه العقول السليمة، وتستسيغه النفوس.
وقوله: ((يحب الجمال))؛ أي: يحب التجمل؛ يعني أنه يحب أن يتجمل الإنسان في ثيابه، وفي نعله، وفي بدنه، وفي جميع شؤونه؛ لأن التجمل يجذب القلوب إلى الإنسان، ويحبِّبه إلى الناس، بخلاف التشوُّهِ الذي يكون فيه الإنسان قبيحًا في شعره أو في ثوبه أو في لباسه، فلهذا قال: ((إن الله جميل يحبُّ الجمال))؛ أي: يحب أن يتجمل الإنسان.
أما الجمال الخَلْقي الذي مِن الله عز وجل، فهذا إلى الله سبحانه وتعالى، ليس للإنسان فيه حيلةٌ، وليس له فيه كسب، وإنما ذكَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما للإنسان فيه كسبٌ، وهو التجمل.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (3/ 541- 543)
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|