السحر والشعوذة (1)
الحمد لله الذي أحلَّ اليقين من الإيمان محلَّ الروح من الجسد، وأعطى الموقنين الإمامة في الدين، فلا يدفعها عنهم أحد.
الحمد لله الذي حقَّق باليقين العجائبَ، وهوَّن المصائب، وهزم به الجحافل والمواكب، وأبلغ أهله في الدنيا والآخرة أعلى المراتب؛ أما بعد عباد الله:
فإن الأمم حينما تضعُف وتهون، وتتوالى عليها الهزائم، وتنزل بها النكبات، وتتفرق بها السُّبُل، ويعمها الجهل، ويقل فيها الوعي، وتخنِقها طرائق المعاش، تلجأ إلى متاهات الخرافات والشعوذة والدَّجَل، تتلمس العلاج لأمراضها، والحلول لمشاكلها، والمخارج من حَيرتها وضياعها، وعند ذلك ينشط في أوساطها الدَّجَاجِلَة والمشعوذون، والسَّحَرَة والكهنة والعرَّافون، فيكونون هم ملجأَ الناس وملاذَهم وقِبلتهم ومعاذَهم، وبذلك يزداد شرُّهم، ويستفحل أمرهم، ويعُمُّ ضررهم؛ كما وصف الله حال أهل الجاهلية مع الجن؛ حيث قال: ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾ [الجن: 6]، وهكذا يقص الله علينا ما جرى على بني إسرائيل بعد انقضاء الفترة الزاهرة من تاريخهم - فترة حكم سليمان وداود عليهما السلام ونبوتهما - حيث استهوتهم الشياطين، وزعمت أن سليمان كان ساحرًا، وأنه كان يسخر جنده من الإنس والجن والطير بالسحر؛ لتحرفهم عن دين سليمان، وشرع الله إلى ما كان عليه دين الشياطين الذي هو السحر، فأكذبهم الله في ذلك؛ وقال: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ [البقرة: 102]، وهذه الأمة حينما ضعُفت وتراجعت، وأصبحت منهزمة مغزوَّة، بعد أن كانت غالبة غازية، كثُر فيه الدجل والسحر، والشعوذة والتنجيم، وصار ذلك عمدتهم وملجأهم.
وفي العصر الحاضر عادت موجة السحر والشعوذة، والدجل والخرافة إلى الظهور، بل إلى السيطرة على عقول الناس، والتحكم في مجريات حياتهم، فقد صدرت دراسة عن أحد مراكز البحوث المصرية كشفت عن نتائج خطيرة فيما يتعلق بانتشار السحر والشعوذة والدجل في البلاد العربية والإسلامية؛ حيث أكدت الدراسة أن العرب ينفقون على السحر وحده حوالي خمسة مليارات دولار سنويًّا، وأن هناك دجَّالًا لكل ألف عربي، هذا بشكل عام.
وفيما يخص الاقتصاد، كشفت إحصائية رسمية في دبي أن حجم الجرائم الاقتصادية عن طريق السحر وصل إلى (1.4) مليار درهم سنويًّا، ولم يقتصر خطر السحر على ذلك، بل دخل مجال السياسة والرياضة والفن، وغيرها من مجالات الحياة، وهذا يؤكد مدى الانحطاط الذي أصاب الناس، والجهل الذي يُحدِق بهم، وإن كانوا يزعمون أنهم في عصر العلم والنور، وعصر التكنولوجيا وعصر المعلومات؛ ولكن الأمر كما قال الله تعالى: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 7]، وإذا كان هذا على مستوى الساسة والمثقفين، والرياضيين والتجار، فما بالك بعامة الناس؟!
إنني لا أكاد أحصي عدد المتصلين الذين يسألون عن علاج السحر بأنواعه المختلفة، أو عن حكم الذهاب للسحرة والعرافين للعلاج، أو لمعرفة بعض الأمور التي يريدون معرفتها كمعرفة السارق ونحو ذلك، وأولئك الذين يسألون إنما هم قلة نادرة؛ حيث إن أكثرية الناس يذهبون دون أن يسألوا، مما يدل على خطورة الوضع، وحجم الكارثة، وأما المصابون بجرائم السحر من الأسر المشتتة، والعلاقات المتأزِّمة، ومن فقدوا عقولهم، أو أُصِيبوا بانهيارات عقلية أو عصبية، فحدِّث عنها ولا حرج.
عباد الله:
هذه بعض أعراض المرض وصورة مصغرة من تشخيصه، فما هو العلاج؟
العلاج أن نعلم أولًا أن السحر جريمة من أبشع جرائم التاريخ، بل إن منه ما هو كفر بواح، مُخرِج من ملة الإسلام؛ كما قال تعالى: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ [البقرة: 102]، فجعل علة كفرهم ها هنا تعليمهم السحر؛ وفي نفس الآية يقول تعالى: ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾ [البقرة: 102]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه: 69].
ثانيًا: معاقبة السحرة والمشعوذين؛ فقد شدَّد الخلفاء الراشدون ومن بعدهم من صالحي أمراء المسلمين على السحرة، وعاقبوهم بالقتل؛ كما صح عن جندب الخير الأزدي رضي الله عنه قال: "حدُّ الساحر ضربة بالسيف"، وعن بجادة بن عبدة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى ولاته: "أن اقتلوا كل ساحر وساحرة"، وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: "صحَّ قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم".
لذلك فإنه يجب على حكَّام المسلمين اليوم أن يقوموا بواجبهم، فيعاقبوا الساحر الذي اكتملت فيه الشروط أشد العقوبات، ولو وصل الأمر إلى قتلهم؛ حيث تقتضي جرائمهم ذلك.
وإنه من عيب القانون اليمني أنه لا يحدد عقوبة للسحرة والمشعوذين، وهذا قصور كبير يجب تلافيه، ولا يجوز الاستمرار عليه، وعقوبة السحرة وسائر من يستحقون العقوبات إنما تكون على يد ولي الأمر، وليس لآحاد الناس أن ينفذوها بأنفسهم.
ثالثًا: منع انتشار كتب السحر، والتشديد في محاربتها، ومعاقبة مورِّديها ومروِّجيها، كما يُعاقَب مروِّجو المخدِّرات والخمور والأسلحة؛ لأن ضررها من ضرر تلك الجرائم، بل أشد، ومن المؤسف أن تلك الكتب تُباع علنًا.
رابعًا: توعية الناس بأخطار السحر والشعوذة، وبحرمة ذلك، وأنه من كبائر الذنوب؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((من أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)).
حديث: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدِّق بالسحر)).
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|