من أخلاق النبي محمد صلى الله عليه وسلم
الحمد لله -تبارك وتعالى- يقضي بما شاء، ويفعل ما يريد، وربك يخلق ما يشاء ويختار، أحمده -سبحانه- وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحاسب على الفتيل والقطمير، وكفى بالله حسيبا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، خير من سعى وطاف، وأفضل من بكى لله وخاف، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: أوصيكم -أيّها النّاس- ونفسي بتقوى الله تعالى، فاتّقوا الله رحمكم الله، وتوبوا إليه فإنّه يحبّ التوّابين، واستغفروه ذنوبَكم فهو خير الغافرين، اتّقوه مخلصين، وتوبوا إليه نادِمين، انصُروه ينصرْكم، وأطيعوه يُثبْكم، اغتنِموا الصالحاتِ لأنفسكم، فمن عمل صالحًا فسوف يراه، ومن فرّط حلّ به الندم ودام حزنُه وشقاه، والويل لمَن زلّت به قدمَاه يومَ ينظر المرء ما قدّمت يداه.
وبعد:
يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وأَبْنَاؤُكُمْ وإِخْوَانُكُمْ وأَزْوَاجُكُمْ وعَشِيرَتُكُمْ وأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ومَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ وجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ واللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24].
أخي المسلم من أغلى عندك نبيك أو أبيك؟
من أغلى دينك أم مالك من أغلى رسول الله أم أولادك؟
اعلموا عباد الله: أنه لا يكتمل الإيمان حتى يكون النبي أغلى من أهلنا وأولادنا وأموالنا وأنفسنا والناس أجمعين كما صح عنه.
ولذا سنعيش وإياكم اليوم مع أخلاقه المباركة فرسول الله صلى الله عليه وسلم فينا بأخلاقه وتعاليمه وسنته، يقول جل جلاله: ﴿ واعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ﴾ [الحجرات: 7].
اعلموا أن فيكم رسول الله.. فيكم بشريعته، فيكم بسنته.. فيكم برحمته.. فيكم بخطاه، فيكم بطريقه، فيكم بالنور الذي تركه لكم.. فيكم بحبه لكم.. فيكم بأن كل شخص يصلى ويسلم عليه يرد الله عليه روحه ويرد عليكم السلام..
عباد الله:
إن ما نراه من نماذج خلقية سيئة في المجتمع يدفعنا إلى الحديث عن خُلق النبي وشمائله، إن حياة النبي مليئة بالشواهد على خلقه الكريم، بل لقد أثنى الله تبارك وتعالى على نبيه ووصفه بكمال الخلُق، ومن أحسن من الله حديثًا قال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4] إنها إشادة للنبي ممن خلقه وخلق الناس تبارك وتعالى وممن يعلم ما تكتمه الصدور والضمائر.
ولأهمية الأخلاق كانت أخلاق العبد السيئة وسلوكياته المشينة تأكل الخيرات، وتحرق الحسنات، وتحمّله من غيره الأوزار والسيئات، وتقذف به في الدركات، ولو صلّى وصام وعمل الصالحات، سَألَ النبيُ يومًا أصحابه -كما في صحيح مسلم- فقال: «أتدرون من المفلس؟ » قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: «إنَّ المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طُرِح في النار» [رواه مسلم].
والأخلاق عباد الله: لها منزلة عالية في الإسلام:
فحُسن الخلق من الإيمان، وصفة من صفات أهل الإحسان، وحلية للمتقين في واسع الجنان، كما أن سوء الخلق من فعل الشيطان، وسبب من أسباب انغماس العبد في النيران.
وعند الترمذي وغيره عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلقٍ حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء»، وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقا».
وفي سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن المؤمن ليُدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم» [صحيح الترغيب والترهيب «2643»].
وفيه عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيم -يعني ضامن- ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه» [حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب «2648»].
وفي الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أُخبركم بمن يحرم على النار -أو بمن تحرم عليه النار- تحرم على كل قريب هيّن ليّن سهل» [صححه الألباني في صحيح الترغيب «1744»].
وجعل الله تعالى مدار شريعة محمد صلى الله عليه وسلم على تزكية النفوس وتطهيرها وإصلاح الأخلاق وتنقيتها، ولهذا صح عنه قوله: «إنما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق» [أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصححه].
فاتقوا الله عباد الله: وحسّنوا أخلاقكم، وتنافسوا في طاعة ربكم، واتقوا شر ألسنتكم، تكونوا من خيار الناس، وأكملهم إيمانا، وتثقل موازينكم، وتحرم عليكم النار، وتدخلوا الجنة في أقرب منزلة من نبيكم، في أعالي الجنات بشهادة نبيكم إذ يقول: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا» [أخرجه أحمد «2 /185»، والبخاري في الأدب المفرد «272»].
ولله در الشاعر حينما قال:
فالناس هذا حظُّه مالٌ وذا
علمٌ وذاك مكارم الأخلاق
فإذا رُزقت خليقةً محمودةً
فقد اصطفاك مُقسّم الأرزاق
فالمال نعمة يحتاج إلى علم حتى ينفقه صاحبه فيما شُرع، والعلم بحاجة إلى الأخلاق حتى ينفع صاحبه الأُمة، وكما قيل:
لا تحسبنّ العلم ينفع وحده
ما لم يُتوّج ربه بخلاق
فدخول الجنة معلَّق بحُسْن الخلق، قال عندما سُئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: « تقوى الله وحُسْن الخلق» [أخرجه الإمام أحمد والترمذي وصححه ابن حبان].
عباد الله: المسلمون الأوائل فتحوا بلادًا إسلامية لم تتحرك إليها جيوش، ولم تزلزل بها عروش، ولم يُرفع بها سيف ولا رمح، بل تجارٌ صالحون بأخلاقهم حقّقوا الفتح فكان فتحًا خُلُقيًا، فحقّق الله لهم بأخلاقهم الانتصار، بأخلاق أدهشت العقول والأفكار، وسلوك حسنٍ لفَت الأنظار.
نعم عباد الله: دخل في الإسلام أمم بأخلاق المسلمين واليوم كثير من الغرب يهرب من الإسلام لأنه يرى أخلاق المسلمين ساءت أين الوفاء بالوعد؟ أين الإتقان في الصناعة؟ أين الحشمة والعفة؟ أين الاعتزاز بالدين؟
وقد كان يدعو ربه أن يرزقه حسن الخلق، ويدعو الله أن يُحسِّن خُلُقه، فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم أحسنت خَلقي فأحسن خُلُقي»، وكان يقول في دعائه المشهور في قيام الليل: «اللهم أهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها فلا يصرف سيئها إلا أنت» [رواه مسلم في صلاة المسافرين «771»].
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يُحسّن خُلُقه فنحن أحوج ما نكون إلى ذلك، ونحن أحوج ما نكون إلى التحلي بمكارم الأخلاق وأن نتعلم حُسْن الخلق.
عباد الله:
إذا ذُكر أهل الحلم فهو أحلم الناس، وإن ذُكر أهل الغيرة فهو أغير الناس، وإن ذُكر أهل الشجاعة فهو أشجع الناس، وإن ذُكر أهل الجود فهو أجود الناس، فهو في كل باب من أبواب الخلق الحسَن قد بلغ أحسن غاية يمكن أن يبلغها أحد من الناس.
عبد الله تحدّث عن الجود والكرم، وتحدّث عن الحلم والرحمة والصبر عن أي خلق حسن، فسترى النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الغاية فيه.
وصدق من قال في وصفه:
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى
وفعلت ما لا تفعل الكرماء
وإذا عفوت فقادرًا ومقدرًا
لا يستهين بعفوك الجهلاء
وإذا رحمت فأنت أُمٍ أو أبٍ
هذان في الدنيا هما الرحماء
وإذا غضبت فإنما هي غضبةٌ
للحق لا ضغن ولا بغضاء
وإذا رضيت فذاك في مرضاته
ورضى الكثير تحلم ورياء
وإذا خطبت فللمنابر هزة
ترعو النديَّ وللقلوب بكاء
أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها المسلمون! لا زلنا وإياكم مع أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم، وسنعيش في هذه اللحظات المباركات مع خُلق الرحمة فيه: كيف لا يكون كذلك والله تعالى إنما أرسله رحمةً للعالمين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ادع على المشركين فقال صلى الله عليه وسلم: «إني لم أُبعث لعّانا وإنما بُعثت رحمة» [أخرجه مسلم في السير «2599»].
وهو القائل: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» [صحيح خرجه الألباني في السلسلة الصحيحة «925»].
وعن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم الناس لا يرحمه الله» [رواه البخاري ومسلم] وهو القائل: «ليس منا من لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر» [رواه أحمد والترمذي وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب «1367»]، لكن قوله: «ليس منا من لم يوقّر الكبير، ويرحم الصغير» [له شواهد صحيحة].
ينطلق إلى أهل الطائف يدعوهم إلى الإسلام فيسلطون عليه صبيانهم ومجانينهم يرجمونه بالحجارة حتى أدموا قدماه الشريفتان، وجاءه ملك الجبال يستأذنه أن يطبق عليهم الأخشبين أي الجبلين فقال النبي الرحيم: « لا إني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشركوا به شيئا».
ورحمته لا تقف عند حد البشر بل تجاوز ذلك إلى البهائم؛ عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطًا لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه، فسكت، فقال: «من رب هذا الجمل؟ » فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: «أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ ! فإنه شكى إلي أنك تجيعه وتدئبه» أي تتعبه فعلّمه الله منطق الجمل، كما علّم سليمان منطق الطير عليهما الصلاة والسلام. [رواه أحمد وأبو داودووافقه الذهبي، وصححه الضياء في المختارة «9 /158»، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة «20»].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حُمَّرة -وهي نوع من الطير- معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمَّرة، فجعلت تعرِش -أي ترفّ بجناحيها- فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من فجع هذه بولديها؟ رُدوا ولديها إليها» [رواه أبو داود بإسناد صحيح] ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال: «من حرّق هذه؟ » قلنا: نحن يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنه لا ينبغي أن يعذّب بالنار إلا رب النار» [رواه أبو داود وأخرجه البخاري في الأدب المفرد «382»].
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله من اتخذ شيئًا فيه الروح غرَضًا» [رواه البخاري ومسلم]، أي هدفًا للرماية، وعن الشريد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قتل عصفورًا عبثًا، عجّ إلى الله يوم القيامة، يقول: يا رب إن فلانًا قتلني عبثًا، ولم يقتلني منفعة» [رواه النسائي وابن حبان].
فها هو صاحب القلب المليء بهموم الناس وهموم الأمة أجمع يجد مكانًا لأن يعتني بشأن دابة من الدواب وبهيمة من البهائم، وكأن هذا الجمل قد أدرك حين رأى الرسول أنه لن يعدم مكانًا في قلب هذا الرجل العظيم.
إن النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرحم هذه البهائم والدواب كيف ستكون رحمته لسائر الناس، وكيف ستكون رحمته للمؤمنين؟ لهذا وصفه الله تعالى بأنه بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم، وفي هذا أُسوة لكل من ولاّه الله أمانة ومسؤولية على المسلمين صغُرت أم كبُرت أيًا كان أبًا أو معلمًا أو موجهًا أو أميرًا، أن يحمل في قلبه الرحمة لمن وليَّ عليهم، لهذا أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أولئك الذين لا يرحمون الناس لا يرحمهم الله تعالى، تعجَّب رجل أن يرى النبي -صلى الله عليه وسلم- يُقبِّل الحسن والحسين فقال: تقبلون صبيانكم، إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت منهم أحدا قط؟ فقال له صاحب القلب الرحيم -صلى الله عليه وسلم-: «أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة» وفي موقف آخر قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من لا يرحم لا يرحم» ومن رحمته بأمته دعا فقال: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فأرفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فأشقق عليه» [رواه مسلم].
وكان من مظاهر رحمته رفقه بالأمهات حتى في الصلاة، عن أنس رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إني لأدخل في الصلاة وأنا أُريد إطالتها، وأسمع بكاء الصبي فأتجوز؛ مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه» [رواه البخاري]. ما أعظم هذه الرحمة! وما أجلّ هذه الشفقة!
هذا النبي المبارك هو الذي أخبرنا أن الله عذّب امرأة في النار لأنها حبست هرة لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.
الله أكبر هذا بمن يحبس ويظلم حيوان، كيف بمن يحبس أو يظلم إنسان ظُلمًا، نعم الإسلام دين الرحمة ونبينا نبي الرحمة.
وهو الذي أخبرنا: أن الله رحم من فوق سبع سماوات امرأة بغي لأنها سقت كلبًا يلهث من العطش.
الله أكبر رحم الله من سقى كلبًا ورحم كلبًا كيف بمن يسقي ويرحم البشر الموحدين.
وهذا أنس بن مالك يقول: خدمتُ رسول الله عشر سنين، فما قال لي: أُفٍ قط، وما قال لي لشيء صنعتُه: لم صنعته؟ ولا لشيء تركته: لم تركته؟ [رواه مسلم].
وعن أبي مسعود البدري قال: كنت أضرب غلامًا لي بالسوط، فسمعت صوتًا خلفي: «اعلم أبا مسعود»، فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا فإذا هو رسول الله وإذا هو يقول: «اعلم -أبا مسعود- أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام»، فقلت: يا رسول الله، هو حرّ لوجه الله، فقال: «أما لو لم تفعل لفحتك النار» [أخرجه مسلم في الأيمان «1659»].
ومن مظاهر رحمته -صلى الله عليه وسلم- رحمته بالمسلمين عامة، عن أبي مسعود الأنصاري قال: قام رجل فقال: يا رسول الله، لا أكاد أُدرك الصلاة مما يطول بنا فلان، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبًا من يومئذ، فقال: «أيها الناس، إن منكم لمنفرين، فمن صلى بالناس فليخفف؛ فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة» [رواه البخاري]. ومن ذلك لما أخبرته عائشة رضي الله عنه عن امرأة عندها ذكرت من صلاحها أنها أعبد أهل المدينة، وقيل: إنها تقوم الليل ولا تنام أبدا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «مه، عليكم بما تطيقون، فو الله لا يمل الله حتى تملوا» [رواه البخاري].
هذا وصلوا -عباد الله-: على رسول الهدى فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|