عازف الناي
01-01-2023, 03:40 PM
إذَا سَأَلَ العبدُ أَحدًا سِوَى الله عَزَّ وَجَل؛ كَأن يَسأَلَ صَدقةً أَو شَيئًا مِنَ الخَيرِ؛ فَتحَ اللهُ عليهِ بَابًا مِنَ الفَقرِ؛ فَزَادت بِالمَسألةِ حَاجَتُهُ، وَعَظُمَت بَلِيَّتُهُ، أمَّا مَن تَركَ سُؤالَ العَبدِ، وَلَم يَشْكُ هَمَّهُ لأحدٍ، وقَصَد الربَّ سبحانه، يَسألُهُ وَيُنادِيه، وَيَدعُوهُ وَيُناجيه؛ أَجابَ اللهُ سُؤَالَه، وَكَثَّرَ مَالَه، وَقَرَّبَهُ وَرَعَاهُ، وَنَصَرَهُ وَتَولاه، وَجَعَلَ السماءَ فِي خِدمته، والأرضَ رَهْنَ إِشَارَتِه !
المسألة التي نقصد !
إن المسألة دوائر شتى؛ أولها وأخبثها التسول، ثم سائل المعونة والمساعدة، ثم طالب القرض، ثم الحاجات التي يشقُّ الانفراد بأدائها، ثم عموم المسألة؛ كأن لا يطلب من أحد شيئًا، ولو كأس ماء من زوجته وولده، وهذه شاقة معسورة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حث عليها دون أن يفعلها؛ لئلا يشق على أمته !
وكلما اجتهد العبد في الخلاص من الدائرة الأولى فالتي تليها؛ كانت هذه أمارة سدادٍ وتوفيق!
ما أمر إلا ليعطي:
قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وقال تعالى {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 32]
إن الله أَوْجَبَ علينَا مسألته ودعاءَه؛ لِنَرتَجِي مَنعَمتَهُ، ونَرقُبَ عطاءَه، كَأنَّهُ يقول: " ادعوني بالسؤال؛ أستجب لكم بالنوال والإفضال "، وهذا ما نَصَّ عليه سفيان بن عيينة صراحةً بقوله: إن الله تعالى لم يَأْمُر بالسؤال إلا لِيُعْطِي ! [القشيري / لطائف الإشارات (3/313)]
أمَّا لو تراخت إجابة الرب لعبده؛ فإما لِطَويَّةٍ خبيثة عند العبد، أو لِحِكْمَةٍ يُريدُها الربُّ تعالى؛ ذلك أن الله بحكمته يأبى أن يَستجيب لِعَجلةِ المتعجلين، الذين لا يعقلون سُنَّة الله عزَّ وجلّ في تعليق الأمورِ بالمَصالحِ والحِكَم !
بل ما من دعاء إلا وكان خيرًا عميمًا لصالح العبد، إما عاجلًا في دنياه، أو مذخورًا له في أخراه، أو يدفع الله بقدره مقابله من بلاياه ! ومن أنفس ما آنسه بصري رائعة التابعي عطاء بن أبي رباح بقوله:
" العَطَاءُ مِنَ المَخلُوقِ حِرمَانٌ، والمَنْعُ مِنَ الخَالِقِ إِحْسَانٌ " !
اقتنصها مؤنس الشاعر فَصَيَّرَهَا شِعْرًا قال فيه:
إنّ الوقوف على الأبواب حرمان
** والعجز أن يرجو الإنسان إنسان
متى تؤمّـل مخلوقـًا وتقصـده
** إن كان عندك بالرَّحمن إيمـان؟
ثق بالّذي هو يعطي ذا ويمنع ذا
** في كلِّ يوم له في خلقـه شان
فإن الله ما منعك إلا لِيُعطِيك، وما أَحْزَنَكَ إلا لِيُرضِيك، وما أَمْرَضَكَ إلا لِيُشفِيك، وما ابتلاكَ إلا لِيُعَافِيك، فَكُلُّ بَلِيَّةٍ من الرحمن عَطِيَّة، وإلى رِضْوانه مَطِيَّة، ولو سلبكَ الله شيئًا فَطالَمَا وَهبا، بل أعطاك أجرًا كبيرًا وثوابًا طيبًا !
ولم يؤمر العبد بِمَسألةِ أحد إلا ذوي العلم؛ لقول الله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]؛ ذلك أنه كلما زدت فيه زاد عندك، فضلًا عن أن العلم يجب بَذْلُهُ، وإلَّا أُلْجِمَ بِلِجَامٍ من نَارٍ كَاتِمُه!
فتح عليهم باب فقر بمسألتهم:
قال تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [البقرة: 61] !
رسالة الآية بلسان الدكتور يونس الأسطل:
إن بني إسرائيل لم يقبلوا مائدة ربهم، وراحوا يلتمسون ألوانًا شتى لِمَطعمهم، فقيل لهم: {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ}، أي: إن كنتم مصرين على مطلبكم من البصل والثوم وما معها فعودوا إلى مصر، حيث الذلة والعبودية تحت حكم الفراعنة؛ لتأكلوا ما تطلبون وأنتم مستعبدون، إما إذا رغبتم في الحرية والكرامة؛ فإن لهما ضريبة، وهي الحرمان من بعض المطعومات، والاقتصار على لونين جيدين من الطعام، وهما المنُّ والسلوى !
ثم قال الشيخ:
ومن عجائب الآية أن ظاهرها يشي باستجابة الله لهم، إلا أن باطنها يدل على أن الله أفقرهم بِمَسألتهم؛ لِتَكُونَ بابَ فقرٍ وذِلَةٍ وَمسكَنةٍ فتحوهُ بأيديهم، فسبحان الله العظيم كم للمسألة والشحاذة من شُرور؟! فمن خدعَهُ بريقُهَا مَسَّه الغَرور؛ بل إنَّ رابحَهَا خاسرٌ، ونائلَهَا قاصرٌ، فَلَزِمَ الحَذَر !
ومن فاكهة الأخبار أن الشيخ العز بن عبد السلام، كان إذا قرأ عليه الطالبُ وانتهى يقول له:
اقْرأ مِنَ البَابِ الذي يَليْهِ وَلَو سَطراً؛ فَإِنِّي لا أُحِبُّ الوُقُوفَ عَلَى الأَبْوابِ !
مسألة تفوت خيرًا:
إنَّ سُنَّةَ الله تعالى في طَلَبِ المَسألة كَأَخَواتِهَا مِنَ السنن التي تجري على كَافَّةِ العِبَاد، مؤمنهم وكافرهم، إمامهم ومأمومهم، فاضِلُهم ومَفضُولهم !
فما الذي حَرَمَ الصحابة ش حَظَّهُم من المَغَانِم إلا مسألتَهم عنها؟! ليقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1]، فَخَرجَت عن أيديهم، وأَضْحَت حَظًا خَالصًا لله والرسول !
وما الذي أَرْجأ فِكَاكَ يوسف من حَبسِه إلا مسألته لِمَخلوقٍ مثلِهِ، ونسيانه سؤال ربه؟! بعد أن قال {لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: 42] !
محمد محمد الأسطل
رابطة العلماءالسوريين
المسألة التي نقصد !
إن المسألة دوائر شتى؛ أولها وأخبثها التسول، ثم سائل المعونة والمساعدة، ثم طالب القرض، ثم الحاجات التي يشقُّ الانفراد بأدائها، ثم عموم المسألة؛ كأن لا يطلب من أحد شيئًا، ولو كأس ماء من زوجته وولده، وهذه شاقة معسورة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم حث عليها دون أن يفعلها؛ لئلا يشق على أمته !
وكلما اجتهد العبد في الخلاص من الدائرة الأولى فالتي تليها؛ كانت هذه أمارة سدادٍ وتوفيق!
ما أمر إلا ليعطي:
قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وقال تعالى {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 32]
إن الله أَوْجَبَ علينَا مسألته ودعاءَه؛ لِنَرتَجِي مَنعَمتَهُ، ونَرقُبَ عطاءَه، كَأنَّهُ يقول: " ادعوني بالسؤال؛ أستجب لكم بالنوال والإفضال "، وهذا ما نَصَّ عليه سفيان بن عيينة صراحةً بقوله: إن الله تعالى لم يَأْمُر بالسؤال إلا لِيُعْطِي ! [القشيري / لطائف الإشارات (3/313)]
أمَّا لو تراخت إجابة الرب لعبده؛ فإما لِطَويَّةٍ خبيثة عند العبد، أو لِحِكْمَةٍ يُريدُها الربُّ تعالى؛ ذلك أن الله بحكمته يأبى أن يَستجيب لِعَجلةِ المتعجلين، الذين لا يعقلون سُنَّة الله عزَّ وجلّ في تعليق الأمورِ بالمَصالحِ والحِكَم !
بل ما من دعاء إلا وكان خيرًا عميمًا لصالح العبد، إما عاجلًا في دنياه، أو مذخورًا له في أخراه، أو يدفع الله بقدره مقابله من بلاياه ! ومن أنفس ما آنسه بصري رائعة التابعي عطاء بن أبي رباح بقوله:
" العَطَاءُ مِنَ المَخلُوقِ حِرمَانٌ، والمَنْعُ مِنَ الخَالِقِ إِحْسَانٌ " !
اقتنصها مؤنس الشاعر فَصَيَّرَهَا شِعْرًا قال فيه:
إنّ الوقوف على الأبواب حرمان
** والعجز أن يرجو الإنسان إنسان
متى تؤمّـل مخلوقـًا وتقصـده
** إن كان عندك بالرَّحمن إيمـان؟
ثق بالّذي هو يعطي ذا ويمنع ذا
** في كلِّ يوم له في خلقـه شان
فإن الله ما منعك إلا لِيُعطِيك، وما أَحْزَنَكَ إلا لِيُرضِيك، وما أَمْرَضَكَ إلا لِيُشفِيك، وما ابتلاكَ إلا لِيُعَافِيك، فَكُلُّ بَلِيَّةٍ من الرحمن عَطِيَّة، وإلى رِضْوانه مَطِيَّة، ولو سلبكَ الله شيئًا فَطالَمَا وَهبا، بل أعطاك أجرًا كبيرًا وثوابًا طيبًا !
ولم يؤمر العبد بِمَسألةِ أحد إلا ذوي العلم؛ لقول الله تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]؛ ذلك أنه كلما زدت فيه زاد عندك، فضلًا عن أن العلم يجب بَذْلُهُ، وإلَّا أُلْجِمَ بِلِجَامٍ من نَارٍ كَاتِمُه!
فتح عليهم باب فقر بمسألتهم:
قال تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [البقرة: 61] !
رسالة الآية بلسان الدكتور يونس الأسطل:
إن بني إسرائيل لم يقبلوا مائدة ربهم، وراحوا يلتمسون ألوانًا شتى لِمَطعمهم، فقيل لهم: {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ}، أي: إن كنتم مصرين على مطلبكم من البصل والثوم وما معها فعودوا إلى مصر، حيث الذلة والعبودية تحت حكم الفراعنة؛ لتأكلوا ما تطلبون وأنتم مستعبدون، إما إذا رغبتم في الحرية والكرامة؛ فإن لهما ضريبة، وهي الحرمان من بعض المطعومات، والاقتصار على لونين جيدين من الطعام، وهما المنُّ والسلوى !
ثم قال الشيخ:
ومن عجائب الآية أن ظاهرها يشي باستجابة الله لهم، إلا أن باطنها يدل على أن الله أفقرهم بِمَسألتهم؛ لِتَكُونَ بابَ فقرٍ وذِلَةٍ وَمسكَنةٍ فتحوهُ بأيديهم، فسبحان الله العظيم كم للمسألة والشحاذة من شُرور؟! فمن خدعَهُ بريقُهَا مَسَّه الغَرور؛ بل إنَّ رابحَهَا خاسرٌ، ونائلَهَا قاصرٌ، فَلَزِمَ الحَذَر !
ومن فاكهة الأخبار أن الشيخ العز بن عبد السلام، كان إذا قرأ عليه الطالبُ وانتهى يقول له:
اقْرأ مِنَ البَابِ الذي يَليْهِ وَلَو سَطراً؛ فَإِنِّي لا أُحِبُّ الوُقُوفَ عَلَى الأَبْوابِ !
مسألة تفوت خيرًا:
إنَّ سُنَّةَ الله تعالى في طَلَبِ المَسألة كَأَخَواتِهَا مِنَ السنن التي تجري على كَافَّةِ العِبَاد، مؤمنهم وكافرهم، إمامهم ومأمومهم، فاضِلُهم ومَفضُولهم !
فما الذي حَرَمَ الصحابة ش حَظَّهُم من المَغَانِم إلا مسألتَهم عنها؟! ليقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1]، فَخَرجَت عن أيديهم، وأَضْحَت حَظًا خَالصًا لله والرسول !
وما الذي أَرْجأ فِكَاكَ يوسف من حَبسِه إلا مسألته لِمَخلوقٍ مثلِهِ، ونسيانه سؤال ربه؟! بعد أن قال {لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: 42] !
محمد محمد الأسطل
رابطة العلماءالسوريين