عازف الناي
08-30-2022, 09:42 PM
حجاب الجنة والنار
في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حُجبت النار بالشهوات، وحُجبت الجنة بالمكاره»[1].
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حُفَّت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات»[2].
قال ابن بطال رحمه الله: (من جوامع الكلم وبديع البلاغة في ذم الشهوات والنهي عنها، والحض على طاعة الله، وإن كرهتها النفوس وشق عليها؛ لأنه إذا لم يكن يوم القيامة غير الجنة والنار، ولم يكن بد من المصير إلى إحداهما، فواجب على المؤمنين السعي فيما يدخل إلى الجنة وينقذ من النار، وإن شق ذلك عليهم؛ لأن الصبر على النار أشقُّ، فخرج هذا الخطاب منه صلى الله عليه وسلم بلفظ الخبر وهو من باب النهي والأمر)[3].
وقال النووي رحمه الله (ومعناه: لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المكاره، والنار إلا بالشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات.
فأما المكاره فيدخل فيها الاجتهاد في العبادات والمواظبة عليها والصبر على مشاقها، وكظم الغيظ والعفو والحلم والصدقة، والإحسان إلى المسيء والصبر عن الشهوات، ونحو ذلك.
وأما الشهوات التي النار محفوفة بها، فالظاهر أنها الشهوات المحرمة كالخمر والزنا والنظر إلى الأجنبية والغيبة، واستعمال الملاهي ونحو ذلك، وأما الشهوات المباحة فلا تدخل في هذه، لكن يُكره الإكثار منها مخافةَ أن يجر إلى المحرمة أو يقسي القلب، أو يشغل عن الطاعات أو يحوج إلى الاعتناء بتحصيل الدنيا)[4].
قال القاضي عياض رحمه الله: (فكأنه أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يوصل إلى الجنة إلا بتخطي المكاره وكذلك الشهوات، وما تميل إليه النفوس، وأن اتباع الشهوات يُلقي في النار ويُدخلها، وأنه لا ينجو منها إلا من تجنب الشهوات، فيه تنبيهٌ على اجتنابها)[5].
وقال القرطبي رحمه الله (هذا من التمثيل الواقع موقعه، ومن الكلام البليغ الذي انتهى نهايته، وذلك أنه مثل المكاره بالحفاف، وهو الداء بالشيء المحيط به الذي لا يتوصل إلى ذلك الشيء إلا بعد أن يتخطى، وفائدة هذا التمثيل: أن الجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره، وبالصبر عليها، وأن النار لا يُنجى منها إلا بترك الشهوات وفطام النفس عنها)[6].
ومنه حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟»، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط»[7].
قال ابن عبد البر رحمه الله: (قوله: إسباغ الوضوء على المكاره الإكمال والإتمام من ذلك قول الله عز وجل: ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ﴾ [لقمان: 20]؛ يعني أتَمَّها عليكم وأكمَلها.
وإسباغ الوضوء أن يأتي بالماء على كل عضو يلزمه غسله مع إمرار اليد، فإذا فعل ذلك مرة وأكمل، فقد توضأ مرة.
وأما قوله على المكاره، فقيل: إنه أراد شدة البرد، وكل حال يكره المرء فيها نفسه على الوضوء، ومنه دفع تكسيل الشيطان له عنه.
وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال: (مِن صدقِ الإيمان وبرِّه إسباغُ الوضوء في المكاره)[8].
ومنه حديث معاذ بن جبل وهو حديث اختصام الملأ الأعلى: (يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات، قال: وما الكفارات؟ قلت: نقل الأقدام إلى الجمعات، وجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء عند الكريهات، قال: وما الدرجات؟ قلت: إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة والناس نيام)[9].
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: (وقد فسر بحال نزول المصائب، فإن النفس حينئذ تطلب الجزع، فالاشتغال عنه بالصبر والمبادرة إلى الوضوء والصلاة من علامة الإيمان؛ كما قال عز وجل: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].
والوضوء مفتاح الصلاة، وقد يطفأ به حرارة القلب الناشئة عن ألم المصائب، كما يؤمر من غضب بإطفاء غضبه بالوضوء.
وفسِّرت الكريهات بالبرد الشديد، ويشهد له أن في بعض روايات حديث معاذ: « ... إسباغ الوضوء على السبرات»، والسبرة: شدة البرد، ولا ريب أن إسباغ الوضوء في شدة البرد يشق على النفس وتتألَّم به.
وكل ما يؤلم النفس ويشق عليها، فإنه كفارة للذنوب، وإن لم يكن للإنسان فيه صنع ولا تسبُّب كالمرض ونحوه، كما دلت النصوص الكثيرة على ذلك، وأما إن كان ناشئًا عن فعل هو طاعة لله، فإنه يُكتَب لصاحبه به أجرٌ، وترفع به درجاته كالألم الحاصل للمجاهد في سبيل الله تعالى، قال الله عز وجل: {﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [التوبة: 120]، وكذلك ألم الجوع والعطش الذي يحصل للصائم، فكذا التألم بإسباغ الوضوء في البرد)[10].
وقال ابن حجر العسقلاني رحمه الله: (المراد بالمكاره هنا: ما أمر المكلف بمجاهدة نفسه فيه فعلًا وتركًا، كالإتيان بالعبادات على وجهها والمحافظة عليها واجتناب المنهيات قولًا وفعلًا.
وأطلق عليها المكاره لمشقتها على العامل وصعوبتها عليه، ومن جملتها: الصبر على المصيبة والتسليم لأمر الله فيها.
والمراد بالشهوات: ما يُستلذ من أمور الدنيا مما منع الشرع من تعاطيه؛ إما بالأصالة، وإما لكون فعله يستلزم ترك شيء من المأمورات، ويلتحق بذلك الشبهات، والإكثار مما أبيح خشية أن يوقع في المحرم.
فكأنه قال لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المشقات المعبر عنها بالمكروهات، ولا إلى النار إلا بتعاطي الشهوات، وهما محجوبتان، فمن هتك الحجاب اقتحم)[11].
وجاء مثل حديث أبي هريرة وأنس بأطول مما عندهما فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَما خلَق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظُر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء، فقال: أي رب وعزَّتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، ثم حفها بالمكاره، ثم قال: يا جبريل اذهَب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب وعزتك لقد خشيت ألا يدخلها أحدٌ، قال: فلما خلق الله النار، قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات، ثم قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب وعزتك لقد خشيت ألا يبقى أحد إلا دخلها».
(لا يسمع بها أحد إلا دخلها)؛ أي: طمع في دخولها وجاهد في حصولها، ولا يهتم إلا بشأنها لحسنها وبهجتها، (ثم حفها)؛ أي أحاطها الله (بالمكاره) جمع كره وهو المشقة والشدة، والمراد بها التكاليف الشرعية التي هي مكروهة على النفوس الإنسانية، (وعزتك) الواو للقسم، (لقد خشيت ألا يدخلها أحدٌ)؛ أي: لوجود المكاره من التكاليف الشاقة ومخالفة النفس وكسر الشهوات، (لا يسمع بها أحد فيدخلها)؛ أي: لا يسمع بها أحد إلا فزِع منها واحترز فلا يدخلها، (لقد خشيت أن لا يبقى أحدٌ إلا دخلها)؛ أي لميلان النفس إلى الشهوات وحب اللذات وكسلها عن الطاعات.
المصادر
[1] ذكره البخاري في كتاب الرقاق باب حجبت النار بالشهوات.
[2] صحيح مسلم (2822).
[3] شرح ابن بطال (10/ 198).
[4] شرح صحيح مسلم (17/ 165) .
[5] إكمال المعلم (8/ 357).
[6] المفهم (7/ 161).
[7] صحيح مسلم (251).
[8] الاستذكار (2/ 302).
[9] مسند أحمد (22109) وجامع الترمذي (3235) وقال: " حديث حسن صحيح "، قال: وسألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا، فقال: " هذا حديث حسن صحيح ".
[10] اختيار الأولى (ص 50- 51).
[11] فتح الباري (11/ 320).
في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حُجبت النار بالشهوات، وحُجبت الجنة بالمكاره»[1].
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حُفَّت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات»[2].
قال ابن بطال رحمه الله: (من جوامع الكلم وبديع البلاغة في ذم الشهوات والنهي عنها، والحض على طاعة الله، وإن كرهتها النفوس وشق عليها؛ لأنه إذا لم يكن يوم القيامة غير الجنة والنار، ولم يكن بد من المصير إلى إحداهما، فواجب على المؤمنين السعي فيما يدخل إلى الجنة وينقذ من النار، وإن شق ذلك عليهم؛ لأن الصبر على النار أشقُّ، فخرج هذا الخطاب منه صلى الله عليه وسلم بلفظ الخبر وهو من باب النهي والأمر)[3].
وقال النووي رحمه الله (ومعناه: لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المكاره، والنار إلا بالشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات.
فأما المكاره فيدخل فيها الاجتهاد في العبادات والمواظبة عليها والصبر على مشاقها، وكظم الغيظ والعفو والحلم والصدقة، والإحسان إلى المسيء والصبر عن الشهوات، ونحو ذلك.
وأما الشهوات التي النار محفوفة بها، فالظاهر أنها الشهوات المحرمة كالخمر والزنا والنظر إلى الأجنبية والغيبة، واستعمال الملاهي ونحو ذلك، وأما الشهوات المباحة فلا تدخل في هذه، لكن يُكره الإكثار منها مخافةَ أن يجر إلى المحرمة أو يقسي القلب، أو يشغل عن الطاعات أو يحوج إلى الاعتناء بتحصيل الدنيا)[4].
قال القاضي عياض رحمه الله: (فكأنه أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يوصل إلى الجنة إلا بتخطي المكاره وكذلك الشهوات، وما تميل إليه النفوس، وأن اتباع الشهوات يُلقي في النار ويُدخلها، وأنه لا ينجو منها إلا من تجنب الشهوات، فيه تنبيهٌ على اجتنابها)[5].
وقال القرطبي رحمه الله (هذا من التمثيل الواقع موقعه، ومن الكلام البليغ الذي انتهى نهايته، وذلك أنه مثل المكاره بالحفاف، وهو الداء بالشيء المحيط به الذي لا يتوصل إلى ذلك الشيء إلا بعد أن يتخطى، وفائدة هذا التمثيل: أن الجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره، وبالصبر عليها، وأن النار لا يُنجى منها إلا بترك الشهوات وفطام النفس عنها)[6].
ومنه حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟»، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط»[7].
قال ابن عبد البر رحمه الله: (قوله: إسباغ الوضوء على المكاره الإكمال والإتمام من ذلك قول الله عز وجل: ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ﴾ [لقمان: 20]؛ يعني أتَمَّها عليكم وأكمَلها.
وإسباغ الوضوء أن يأتي بالماء على كل عضو يلزمه غسله مع إمرار اليد، فإذا فعل ذلك مرة وأكمل، فقد توضأ مرة.
وأما قوله على المكاره، فقيل: إنه أراد شدة البرد، وكل حال يكره المرء فيها نفسه على الوضوء، ومنه دفع تكسيل الشيطان له عنه.
وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال: (مِن صدقِ الإيمان وبرِّه إسباغُ الوضوء في المكاره)[8].
ومنه حديث معاذ بن جبل وهو حديث اختصام الملأ الأعلى: (يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات، قال: وما الكفارات؟ قلت: نقل الأقدام إلى الجمعات، وجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء عند الكريهات، قال: وما الدرجات؟ قلت: إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة والناس نيام)[9].
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: (وقد فسر بحال نزول المصائب، فإن النفس حينئذ تطلب الجزع، فالاشتغال عنه بالصبر والمبادرة إلى الوضوء والصلاة من علامة الإيمان؛ كما قال عز وجل: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].
والوضوء مفتاح الصلاة، وقد يطفأ به حرارة القلب الناشئة عن ألم المصائب، كما يؤمر من غضب بإطفاء غضبه بالوضوء.
وفسِّرت الكريهات بالبرد الشديد، ويشهد له أن في بعض روايات حديث معاذ: « ... إسباغ الوضوء على السبرات»، والسبرة: شدة البرد، ولا ريب أن إسباغ الوضوء في شدة البرد يشق على النفس وتتألَّم به.
وكل ما يؤلم النفس ويشق عليها، فإنه كفارة للذنوب، وإن لم يكن للإنسان فيه صنع ولا تسبُّب كالمرض ونحوه، كما دلت النصوص الكثيرة على ذلك، وأما إن كان ناشئًا عن فعل هو طاعة لله، فإنه يُكتَب لصاحبه به أجرٌ، وترفع به درجاته كالألم الحاصل للمجاهد في سبيل الله تعالى، قال الله عز وجل: {﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [التوبة: 120]، وكذلك ألم الجوع والعطش الذي يحصل للصائم، فكذا التألم بإسباغ الوضوء في البرد)[10].
وقال ابن حجر العسقلاني رحمه الله: (المراد بالمكاره هنا: ما أمر المكلف بمجاهدة نفسه فيه فعلًا وتركًا، كالإتيان بالعبادات على وجهها والمحافظة عليها واجتناب المنهيات قولًا وفعلًا.
وأطلق عليها المكاره لمشقتها على العامل وصعوبتها عليه، ومن جملتها: الصبر على المصيبة والتسليم لأمر الله فيها.
والمراد بالشهوات: ما يُستلذ من أمور الدنيا مما منع الشرع من تعاطيه؛ إما بالأصالة، وإما لكون فعله يستلزم ترك شيء من المأمورات، ويلتحق بذلك الشبهات، والإكثار مما أبيح خشية أن يوقع في المحرم.
فكأنه قال لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المشقات المعبر عنها بالمكروهات، ولا إلى النار إلا بتعاطي الشهوات، وهما محجوبتان، فمن هتك الحجاب اقتحم)[11].
وجاء مثل حديث أبي هريرة وأنس بأطول مما عندهما فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَما خلَق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظُر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء، فقال: أي رب وعزَّتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، ثم حفها بالمكاره، ثم قال: يا جبريل اذهَب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب وعزتك لقد خشيت ألا يدخلها أحدٌ، قال: فلما خلق الله النار، قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات، ثم قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب وعزتك لقد خشيت ألا يبقى أحد إلا دخلها».
(لا يسمع بها أحد إلا دخلها)؛ أي: طمع في دخولها وجاهد في حصولها، ولا يهتم إلا بشأنها لحسنها وبهجتها، (ثم حفها)؛ أي أحاطها الله (بالمكاره) جمع كره وهو المشقة والشدة، والمراد بها التكاليف الشرعية التي هي مكروهة على النفوس الإنسانية، (وعزتك) الواو للقسم، (لقد خشيت ألا يدخلها أحدٌ)؛ أي: لوجود المكاره من التكاليف الشاقة ومخالفة النفس وكسر الشهوات، (لا يسمع بها أحد فيدخلها)؛ أي: لا يسمع بها أحد إلا فزِع منها واحترز فلا يدخلها، (لقد خشيت أن لا يبقى أحدٌ إلا دخلها)؛ أي لميلان النفس إلى الشهوات وحب اللذات وكسلها عن الطاعات.
المصادر
[1] ذكره البخاري في كتاب الرقاق باب حجبت النار بالشهوات.
[2] صحيح مسلم (2822).
[3] شرح ابن بطال (10/ 198).
[4] شرح صحيح مسلم (17/ 165) .
[5] إكمال المعلم (8/ 357).
[6] المفهم (7/ 161).
[7] صحيح مسلم (251).
[8] الاستذكار (2/ 302).
[9] مسند أحمد (22109) وجامع الترمذي (3235) وقال: " حديث حسن صحيح "، قال: وسألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا، فقال: " هذا حديث حسن صحيح ".
[10] اختيار الأولى (ص 50- 51).
[11] فتح الباري (11/ 320).