عازف الناي
08-31-2022, 09:26 PM
خطبة الجمعة القادمة تحت عنوان : ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى ) للشيخ ثروت سويف ، بتاريخ: 6 صفر 1444هـ ، 2 سبتمبر 2022م
اقرأ في هذه الخطبة
اولا : معني الاعتبار ثانيا : الاعتبار في القران الكريم
الخطبة الاولي
الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لا نَاقِضَ لِمَا بَنَاهُ، وَلا حَافِظَ لِمَا أَفْنَاهُ، وَلا مَانِعَ لِمَا أَعْطَاهُ، وَلا رَادَّ لِمَا قَضَاهُ، وَلا مُظْهِرَ لِمَا أَخْفَاهُ، وَلا سَاتِرَ لِمَا أَبْدَاهُ، وَلا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَاهُ، وَلا هَادِيَ لِمَنْ أَعْمَاهُ، أَنْشَأَ الْكَوْنَ بِقُدْرَتِهِ وَمَا حَوَاهُ، وَرَزَقَ الصَّوْنَ بِمِنَّتِهِ وَمَنِّهِ مَنْ وَالاهُ، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلا إياه}
الحمد لله خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ وَسَوَّاهُ وَأَسْكَنَهُ فِي حَرَمِ قُرْبِهِ وَحِمَاهُ، وَأَمَرَهُ كَمَا شَاءَ وَنَهَاهُ، وَأَجْرَى القضاء بموافقته هواه، فنزعت يد يَدُ التَّفْرِيطِ مَا كَسَاهُ، ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِ فَرَحِمَهُ وَاجْتَبَاهُ وَحَالَهُ عبرة يُنْذِرُ بها مَنْ يَسْعَى فِيمَا اشْتَهَاهُ
الحمد لله وَطَرَدَ إِبْلِيسَ وَكَانَتِ السَّمَوَاتُ مَأْوَاهُ، فَأَصَمَّهُ بِمُخَالَفَتِهِ كَمَا شَاءَ وَأَعْمَاهُ، وَأَبْعَدَهُ عَنْ بَابِهِ لِلْعِصْيَانِ وَأَشْقَاهُ وَفِي قِصَّتِهِ نَذِيرٌ لِمَنْ خَالَفَهُ وعصاه وفي قصتة عبرة لمن عصي امر مولاه
فالحمد لله. الحمد لله ألان الحديد لداود كما تمناه، يأمن لابسه مَنْ يَلْقَاهُ، ثُمَّ صَرَعَ صَانِعَهُ بِسَهْمِ قَدْرٍ أَلْقَاهُ، فَلَمَّا تَسَوَّرَ الْمِحْرَابَ خَصْمَاهُ أَظْهَرَ جدال التوبيخ فخصماه {وظن داود أنما فتناه} وفي قصة عظة لرفعة السجود لله
الحمد لله وَذَهَبَ ذُوالنُّونِ مُغَاضِبًا فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَأَخْفَاهُ، فَنَدِمَ إِذْ رَأَتْ عَيْنَاهُ مَا جَنَتْ يَدَاهُ، فَلَمَّا أَقْلَقَهُ كَرْبُ ظَلامٍ تَغَشَّاهُ تَضَرَّعَ مُسْتَغِيثًا ينادي مولاه: {إني كنت من الظالمين. فنجيناه} وفي قصته عبرة لمن تاب الي الله
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تَعَالَى رَبُّنَا وَسُبْحَانَهُ وَحَاشَاهُ أَنْ يُخَيِّبَ رَاجِيَهُ وَيَنْسَى مَنْ لا يَنْسَاهُ، له الحمد والمنه أَخَذَ مُوسَى مِنْ أُمِّهِ طِفْلا وَرَاعَاهُ، وَسَاقَهُ إِلَى حِجْرِ عَدُوِّهِ فَرَبَّاهُ، وَجَادَ عَلَيْهِ بِنِعَمٍ لا تُحْصَى وَأَعْطَاهُ، فَمَشَى فِي الْبَحْرِ وَمَا ابْتَلَّتْ قَدَمَاهُ، وَتَبِعَهُ العدو فأدركه الغرق وواراه، فقال آمنت فإذا جبريل يسد فاه، وكان من غَايَةِ شَرَفِهِ وَمُنْتَهَاهُ أَنَّهُ خَرَجَ يَطْلُبُ نَارًا فناداه: {يا موسى إني أنا الله} وَشَرَّفَ أُمَّتَهُ شَرَفًا بَيِّنًا {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ على العالمين} ثم تبعه وأَوْلاهُ لامة محمد بِقول الله [ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ] فأَخَذْنَاهُ وفي قصة موسي من العبر ما قص علينا الله
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه فالحمد لله خَلَقَ مُحَمَّدًا وَاخْتَارَهُ عَلَى الْكُلِّ وَاصْطَفَاهُ، وَكَشَفَ لَهُ الْحِجَابَ عِنْدَ قَابَ قَوْسَيْنِ فَرَآهُ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ مِنْ سِرِّهِ الْمَسْتُورِ مَا أَوْحَاهُ، وَوَعَدَهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ وَسَيُبْلِغُهُ مُنَاهُ.
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ مَا تَحَرَّكَتِ الأَلْسُنُ وَالشِّفَاهُ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ صَلاةً دَائِمَةً تَدُومُ بِدَوَامِ مُلْكِ اللَّهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا
اما بعد
فموضوعنا اليوم ( آيات الاعتبار في القرآن الكريم ) قال ربنا تبارك تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ *
وفي الحديث الذي رواه ابن حبان عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَالِسٌ وَحْدَهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا كَانَتْ صُحُفُ مُوسَى؟، قَالَ: «كَانَتْ عِبَرًا كُلُّهَا: عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ، ثُمَّ هُوَ يَفْرَحُ، وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ، ثُمَّ هُوَ يَضْحَكُ، وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ هُوَ يَنْصَبُ، عَجِبْتُ لِمَنْ رَأَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا، ثُمَّ اطْمَأَنَّ إِلَيْهَا، وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ غَدًا ثُمَّ لَا يَعْمَلُ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْصِنِي، قَالَ: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ الْأَمْرِ كُلِّهِ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زِدْنِي، قَالَ: «عَلَيْكَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ نُورٌ لَكَ فِي الْأَرْضِ، وَذُخْرٌ لَكَ فِي السَّمَاءِ» » إسناده ضعيف
اولا : تعريف الاعتبار
الاعتبار في اللغة: مأخوذ من العبور وهو المجاوزة من شيء إلى شيء.
الاعتبار هو التّدبّر وقياس ما غاب على ما ظهر.
والعبر جمع عبرة وهي كالموعظة ممّا يتّعظ به الإنسان ويعمل به ويعتبر ليستدلّ به على غيره
وقال الجرجانيّ: الاعتبار: أن يرى الدّنيا للفناء. والعاملين فيها للموت. وعمرانها للخراب.
روى البخارى ومسلم في صحيحيهما عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ؟ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ "
واسمع إلى الآية: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [إبراهيم:45] نزلتم قصورهم، وسكنتم دورهم، وورثتم أملاكهم، فما لكم ما اتعظتم بما وقع عليهم، أوَ ما كان هذا لكم نذير؟! {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} [إبراهيم:45] ولكن لم يتعظوا ولم يعتبروا بالمثل، ولم يستفيدوا بالتجربة، والتجارب هذه إنما تستفاد من مصائب وحياة الناس، وقد علق البخاري من كلام معاوية رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [[لا حكيم إلا ذو تجربة]] وهذا في باب الأدب في صحيح البخاري.
وهي مدرسة الحياة، مدرسة الاعتبار والعظة ولذا قال سفيان الثوري رحمه الله رحمة واسعة: "لاعب ابنك سبعاً، وأدبه سبعاً، وصاحبه سبعاً، ثم اتركه مع التجارب" أي: لاعبه حتى يصل إلى السابعة، ثم أدبه من السابعة إلى الرابعة عشرة، ثم من الرابعة عشرة سنة إلى الواحدة والعشرين سنة صاحبه ثم بعد الواحدة والعشرين اتركه مع تجارب الدنيا، يصاب ويصيب، ويأتيه من الأخبار الأمور ما تجعله ملقناً، مجرباً، حكيماً، إذا كان ذو عقل.
روى الامام احمد من حديث عائشه قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا استراث الخبر تمثل ببيت طرفه
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ولقد مر إبراهيم بن أدهم الزاهد المعروف بسوق البصرة فاجتمع عليه الناس، فقالوا له: يا أبا إسحاق: ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال: لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء: عرفتم الله فلم تؤدوا حقه، وادعيتم أنكم تحبون رسول الله وتركتم سنته، وقرأتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نعمة الله ولم تؤدوا شكرها، وقلتم: إن الشيطان عدوكم ووافقتموه، وقلتم: إن النار حق ولم تهربوا منها، وقلتم: إن الجنة حق ولم تعملوا لها، وقلتم: إن الموت حق ولم تستعدوا له، وإذا انتبهتم من النوم اشتغلتم بعيوب الناس ونسيتم عيوبكم، ودفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم عجبا لكم فني يستجاب لكم ( تفسير القرطبي (2/312)، وفيض القدير ) ما أجمله من وصف، وما أدقه من تعبير. يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ما أكثر العِبر، وما أقل الاعتبار).
قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: « الشّقيّ من شقي في بطن أمّه، والسّعيد من وعظ بغيره»
وعن ابن عمر- رضي الله عنهما-: أنّه كان إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة فيقف على بابها فينادي بصوت حزين: أين أهلك؟ ثمّ يرجع إلى نفسه فيقول: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.
وعن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله-: أنّه بكى يوما بين أصحابه فسئل عن ذلك فقال: فكّرت في الدّنيا ولذّاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتّى تكدّرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر، إنّ فيها مواعظ لمن ادّكر
ثانيا : الاعتبار في القران الكريم
وفي القرآن الكريم: الاعتبار هو الاتعاظ بم تراه عينك وما تقرأه من قصص السابقين والحاضرين. والسعيد من اعتبر بغيره وانتقل من حال ذلك الغير إلى حال نفسه والشقي من وعظ بنفسه .
ولو طالعنا القران الكريم لنبحث عن لفظ العبرة لوجدنا ان القران الكريم جعل العبرة في عدة امور منها
اولا : الاعتبار بالمشاهدات
وهو ما رآه الصحابة ومن عاصر ومن بعدهم الي يومنا هذا ويسرد علينا القرآن من ذلك للاعتبار، والحياة كلها عبر
فمنها الحوادث البارزة
أشار القرآن إلى حوادث تاريخية بارزة كان لها ما بعدها، كغزوة بدر والأحزاب، وأشار إلى العبرة من هذه الحوادث كغزوة بني النضير حيث وصف الله جلاءهم فهذا كان مشاهد بالعين
قال تعالي ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2) الحشر
وقال تعالي في شأن غزوة بدر {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ، قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران: 3/ 12-13] . يقول ابن كثير في تفسيره أَيْ: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَمُعْتَبَرًا لِمَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ وَفَهْمٌ يَهْتَدِي بِهِ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ وَأَفْعَالِهِ، وَقَدَرِهِ الْجَارِي بِنَصْرِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ
"فالكفار على كثرتهم كانوا يرون المسلمين القليلين مثليهم، وكان هذا من تدبير الله حيث خيل للمشركين أن المسلمين كثرة، وهم قلة فتزلزلت قلوبهم"1 ووجه العبرة أن هناك قوة فوق جميع القوى تؤيد المؤمنين، وتخذل الكافرين فهذه سنة الله ما زالت، وستبقى ماضية إلى يوم القيامة، فوعد الله بهزيمة الذين يكفرون ويكذبون، وينحرفون عن منهج الله، قائم في كل لحظة، ووعد الله بنصر الفئة المؤمنة -ولو قل عددها- قائم كذلك في كل لحظة، وليس على الفئة المؤمنة إلا أن تطمئن إلى هذه الحقيقة، وتثق في ذلك الوعد، وتأخذ للأمر عدته التي في طوقها، كاملة، وتصبر حتى يأذن الله، ولا تستعجل ولا تقنط إذا طال عليها الأمد المغيب في علم الله، المدبر بحكمته، المؤجل لموعده الذي يحقق هذه الحكمة: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [النور: 24/ 44] .
وقال في حق غزوة الاحزاب (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) الاحزاب
ومنها العبرة من تعاقب الليل والنهار ومشاهدتهما واختلافهما .
يقول تعالي ( يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (44) النور وقال تعالي (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)ال عمران أَيْ: تَعَاقُبُهُمَا وتَقَارضهما الطُّولَ وَالْقِصَرَ، فَتَارَةً يطُول هَذَا وَيَقْصُرُ هَذَا، ثُمَّ يَعْتَدِلَانِ، ثُمَّ يَأْخُذُ هَذَا مِنْ هَذَا فَيَطُولُ الَّذِي كَانَ قَصِيرًا، وَيَقْصُرُ الَّذِي كَانَ طَوِيلًا وَكُلُّ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وَلِهَذَا قَالَ: {لأولِي الألْبَابِ} أَيِ: الْعُقُولِ التَّامَّةِ الذَّكِيَّةِ الَّتِي تُدْرِكُ الْأَشْيَاءَ بِحَقَائِقِهَا عَلَى جَلِيَّاتِهَا، وَلَيْسُوا كَالصُّمِّ البُكْم الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ
روى الطبراني عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: أَتَتْ قُرَيْشٌ الْيَهُودَ فَقَالُوا: بِمَ جَاءَكُمْ مُوسَى؟ قَالُوا: عَصَاهُ وَيَدُهُ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ. وَأَتَوُا النَّصَارَى فَقَالُوا: كَيْفَ كَانَ عِيسَى؟ قَالُوا: كَانَ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ ويُحيي الْمَوْتَى: فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَجْعَلُ لَنَا الصَّفا ذَهَبًا. فَدَعَا رَبَّهُ، فَنَزَلَتْ هذه الآية: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ} فَلْيَتَفَكَّرُوا فيها
أيها المؤمنون إن في تعاقب الليل والنهار واختلافهما عبرة وآية لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً فتدبروا وانظروا فأنت يا عبد الله بين عمر قد مضى لا تدري ما الله صانع فيه وبين عمر قد بقي ما تدري ماذا قضي عليك فيه فالجأ إلى ربك ومولاك واسأله أن يغفر لك ويعفو عنك وأن يجعل ما أقبلت عليه من عمرك خيراً مما أدبرت عنه. فاستبقوا الخيرات أيها المؤمنون ? وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ?( ال عمران ) وفي الحديث الذي رواه الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» [التعليق - من تلخيص الذهبي] 7846 - على شرط البخاري ومسلم
عباد الله تبصروا واعتبروا تأملوا وتفكروا في أعماركم وأعمالكم وحوادث زمانكم أما تشاهدون أيها الناس مواقع المنايا بينكم وحلول الآفات والرزايا بكم أو بغيركم أما تنظرون كيف فاز المتقون وخسر المبطلون إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار
اياك ان تتكبر حتي لا تكن عبره عن عمرو بن شيبة قال: «كنت بمكّة بين الصّفا والمروة، فرأيت رجلا راكبا بغلة وبين يديه غلمان ينفّرون النّاس. قال: ثمّ عدت بعد حين فدخلت بغداد، فكنت على الجسر، فإذا أنا برجل حاف حاسر طويل الشّعر، قال: فجعلت أنظر إليه وأتأمّله. فقال لي: مالك تنظر إليّ، فقلت له:
شبهتك برجل رأيته بمكّة، ووصفت له الصّفة، فقال له: أنا ذلك الرّجل. فقلت ما فعل الله بك؟ فقال:
ترفّعت في موضع يتواضع فيه النّاس، فوضعني الله حيث يترفّع النّاس- إحياء علوم الدين
قال بعض الحكماء: من نظر إلى الدّنيا بغير العبرة انطمس من بصر قلبه بقدر تلك الغفلة»
ثانيا : الاعتبار بالمرويات: _
إن المتأمل في قصص السابقين يجد فيها تطبيقا عمليا لجوانب الهداية التسعة السابق ذكرها - فيما نرى -، فمن خلالها نرى آثارا لأسماء الله وصفاته كالقوي، المنتقم في قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ. [الفجر: 6 - 14].
ان القرآن مليء بقصص السابقين من المؤمنين والكافرين، بل إن المساحة التي يُفردها لهذه القصص من أكبر المساحات فيه، وهذا يعني أول ما يعني أنه ينبغي علينا أن نوليها قدرا كبيرا من اهتمامنا.
قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111].
ففي قصة سليمان عليه السلام نرى مثالا للمؤمن الذي يتعامل تعاملا صحيحا مع كل ما يستقبله من عطاء الله عز وجل، قال تعالى: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40].
عَنْ إِدْرِيسَ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: " كَانَ لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَلْفُ بَيْتٍ؛ أَعْلَاهَا قَوَارِيرُ، وَأَسْفَلُهَا حَدِيدٌ، فَرَكِبَ الرِّيحَ يَوْمًا، فَمَرَّ بِحَرَّاثٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ الْحَرَّاثُ، فَقَالَ: لَقَدْ أُوتِيَ آلُ دَاوُدَ مُلْكًا عَظِيمًا، فَحَمَلَتِ الرِّيحُ كَلَامَهُ، فَأَلْقَتْهُ فِي أُذُنِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: فَنَزَلَ حَتَّى أَتَى الْحَرَّاثَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ قَوْلَكَ، وَإِنَّمَا مَشَيْتُ إِلَيْكَ لِئَلَّا تَتَمَنَّى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ، لَتَسْبِيحَةٌ وَاحِدَةٌ يَقْبَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ مِمَّا أُوتِيَ آلُ دَاوُدَ، فَقَالَ الْحَرَّاثُ: أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّكَ، كَمَا أَذْهَبْتَ هَمِّي "
إِنَّ مَا أُوتِي ابْنُ دَاوُدَ يَذْهَبُ وَالتَّسْبِيحَةُ تَبْقَى وَكَانَ نَبِيُّ اللهِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُطْعِمُ الْمَجْذُومِينَ وَالْيَتَامَى النَّقِيَّ وَيَأْكُلُ الشَّعِيرَ، وَلَمْ يَدَعْ يَوْمَ مَاتَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا "
فكل قصة ذُكرت في القرآن للصراع بين الحق والباطل لها عبر ودروس مستفادة من شأنها أن تُثبت قلوب المؤمنين، وتُهوِّن عليهم مصاعب الطريق، وتُشعرهم بأنهم حلقة مكررة من حلقات التاريخ البشري، وأن ما يحدث معهم ليس بدعا. قال تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120].
قال تعالي ( فَحَشَرَ فَنادى (23) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (25) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (26) النازعات أَيْ: انْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُ انْتِقَامًا جَعَلَهُ بِهِ عِبْرَةً وَنَكَالًا لِأَمْثَالِهِ مِنَ الْمُتَمَرِّدِينَ فِي الدُّنْيَا، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} [هُودٍ: 99] (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) أَيْ نَكَالَ قَوْلِهِ: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي [القصص: 38] وقوله بعد: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات: 24]
أخرج البيهقي في شعب الإيمان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: " غَارَ النِّيلُ عَلَى عَهْدِ فِرْعَوْنَ فَأَتَاهُ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ، فَقَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ أَجْرِ لَنَا النِّيلَ. قَالَ: إِنِّي لَمْ أَرْضَ عَنْكُمْ، ثُمَّ ذَهَبُوا، فَأَتَوْهُ، فَقَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ أَجْرِ لَنَا النِّيلَ. قَالَ: إِنِّي لَمْ أَرْضَ عَنْكُمْ فَذَهَبُوا، ثُمَّ أَتَوْهُ فَقَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ مَاتَتِ الْبَهَائِمُ، وَهَلَكَتِ الْأَبْكَارُ لَئِنْ لَمْ تُجْرِ لَنَا النِّيلَ، لَنَتَّخِذَنَّ إِلَهًا غَيْرَكَ. قَالَ: اخْرُجُوا إِلَى الصَّعِيدِ، فَخَرَجُوا فَتَنَحَّى عَنْهُمْ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ، وَلَا يَسْمَعُونَ كَلَامَهُ، فَأَلْصَقَ خَدَّهُ بِالْأَرْضِ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ. قَالَ: اللهُمَّ إِنِّي خَرَجْتُ إِلَيْكَ مَخْرَجَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ إِلَى سَيِّدِهِ، وَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِجْرَائِهِ غَيْرُكَ فَأَجْرِهِ، قَالَ: فَجَرَى النِّيلُ جَرْيًا لَمْ يَجْرِ قَبْلَهُ مِثْلَهُ فَأَتَاهُمْ. فَقَالَ: إِنِّي قَدْ أَجْرَيْتُ لَكُمُ النِّيلَ فَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا، وَعَرَضَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ أَعِزَّنِي عَلَى عَبْدٍ لِي. قَالَ: وَمَا قِصَّتُهُ. قَالَ: عَبْدٌ لِي مَلَّكْتُهُ عَلَى عَبِيدِي وَخَوَّلْتُهُ مَفَاتِيحِي فَعَادَانِي فَأَحَبَّ مَنْ عَادَيْتُ وَعَادَى مَنْ أَحْبَبْتُ. قَالَ: بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدُكَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ سَبِيلٌ لَغَرَّقْتُهُ فِي بَحْرِ الْقَلْزَمِ. قَالَ: يا أَيُّهَا الْمَلِكُ اكْتُبْ لِي كِتَابًا. قَالَ: فَدَعَا بِكِتَابٍ، وَدَوَاةٍ فَكَتَبَ مَا جَزَاءُ الْعَبْدِ الَّذِي خَالَفَ سَيِّدَهُ فَأَحَبَّ مَنْ عَادَى، وَعَادَى مَنْ أَحَبَّ إِلَّا أَنْ يُغَرَّقَ فِي بَحْرِ الْقَلْزَمِ قَالَ: يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ اخْتِمْهُ لِي فَخَتَمَهُ، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْبَحْرِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِالْكِتَابِ. فَقَالَ: خُذْ هَذَا مَا اسْتَفْتَحْتَ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ - فَرُبَّمَا قَالَ: هَذَا مَا حَكَمْتَ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ - " فهو لم يتعظ ولم يعتبر فكان عبرة لمن يخشي
وفي ذلك قيل:
ولما طغى فرعون جهلاً وقومه ... وجاء إلى مصر ليفسدَ في الأرضِ
أتى نحوهم موسى وفي يدهِ العصا ... فأغرقهم في اليمِّ بعضاً على بعضِ
ثالثا : العبرة بمخلوقات الله ونعمه:
ان نعم الله ومخلوقاته التي سخرها للإنسان، لعبرا ومنها قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ، وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [النحل: 16/ 66-67] . إنّ لكم أيّها النّاس في الإبل والبقر والغنم آية، ودلالة حكمة خالقها وقدرته ورحمته ولطفه»
ولما كانت العبرة مبنية على تفكير عميق، وملاحظة دقيقة، أمكننا أن نعرف الحكمة الربانية من الإشارة إلى أمور تثير الدهشة وتدعو التأمل، من عجائب صنعه تعالى فيما أنعم علينا، كما أشار هنا إلى اللبن الأبيض الخالص من كل الشوائب، والأوساخ مع أنه مستخلص "من بين فرث ودم"، وأشار أيضا إلى ثمرات النخيل والأعناب، التي تستخلص غذاءها من الماء والتراب، وتعطي الإنسان بقدرة الله "سكرا ورزقا حسنا"، فيخزنها ويحتفظ بها على مدى أيام السنة بجميع فصولها، ويستخلص منها المادة السكرية التي تشكل نصف غذاء البشرية في بعض القارات أو الأقطار. عن طاوس قال: قال الحواريّون لعيسى عليه السّلام: «يا روح الله! هل على الأرض اليوم مثلك؟ فقال: نعم، من كان منطقه ذكرا، وصمته فكرا، ونظره عبرة، فإنّه مثلي» إحياء علوم الدين (4/ 424) . ونحوه عند ابن كثير
رابعا : أخذ العبرة من الموت وما بعده
أمامك حفرة مظلمة لكنها للمتقين روضة من رياض الجنة، أمامك قبر تردى فيه الملوك والرؤساء والأمراء والوزراء والتجار.
أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البين فيها ينعق
نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
صمٌ إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق
يَا أخي إِذا أردْت أَن تَدْرِي كَيفَ حالك من بعْدك فَأخْرج إِلَى الْقُبُور وانظرها وَقد عفت وَمثل قبرك بَين الْقُبُور
ثمَّ انْظُر مَاذَا تحْتَاج إِلَيْهِ فِي قبرك فَأكْثر مِنْهُ لطول مدتك فِيهِ وَهُوَ الْعَمَل الصَّالح فَأَما مَا سوى ذَلِك فَمَا لَك حَاجَة فِي شَيْء من أُمُور الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يصير عَلَيْك وبالا فِي قبرك وحسرة وَانْظُر حالك الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ إِن كَانَ يصلح للْمَوْت والقبر فتمادى عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لَا يَصح لهذين فتب إِلَى الله تَعَالَى مِنْهَا وأرجع إِلَى مَا يصلح
عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنّ فيها عبرة. ونهيتكم عن النّبيذ ألا فانتبذوا، ولا أحلّ مسكرا، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فكلوا وادّخروا»
قال مغيث الأسود: «زوروا القبور كلّ يوم تفكّركم؛ وشاهدوا الموقف بقلوبكم؛ وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنّة أو النّار، وأشعروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النّار ومقامها وأطباقها، وكان يبكي عند ذلك حتّى يرفع صريعا من بين أصحابه قد ذهب عقله» تفسير ابن كثير
قال ابن الجوزيّ- رحمه الله-:«يا خاطبا حور الجنّة وهو لا يملك فلسا من عزيمة، افتح عين الفكر في ضوء العبر لعلّك تبصر مواقع خطابك».
وقال أيضا- رحمه الله-: «العجب ممّن يقول: اخرج إلى المقابر فاعتبر بأهل البلى ولو فطن علم أنّه مقبرة يغنيه الاعتبار بما فيها عن غيرها خصوصا من قد أوغل في السّنّ، فإنّ شهوته ضعفت، وقواه قلّت، والحواسّ كلّت والنّشّاط فاتر ، والشّعر أبيض. فليعتبر بما فقد وليستغن عن ذكر من فقد، فقد استغنى بما عنده عن التّطلّع إلى غيره»
ايها الاخوة ان العبرة عظة
ومن خلالها نتعرف على الإنسان عندما يطلق الزمام لنفسه ولا يُجاهدها أو يزكيها، مثل قوله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} [المائدة: 30].
- ومن جوانب الاعتبار فيها البحث عن دور الشيطان وكيف أضل الكثير من الناس عبر التاريخ، قال تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48].
مر مجدد القرن الأول الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، يوم العيد، وقد كان خليفة المسلمين من طاشقند في الشمال إلى جنوب أفريقيا، ومن مشارق سيبيريا إلى الأندلس إلى شرق نهر السند كلها يملكها رضي الله عنه وأرضاه، فنزل يوم العيد فرأى المقابر؛ فبكى حتى جلس، فقال: [[يا أيتها المقابر! كم فيك من حبيب! كم فيك من قريب! ما كأنهم أكلوا مع من أكل، وما كأنهم شربوا مع من شرب، ما كأنهم ضحكوا مع من ضحك]] ثم قال: [[يا موت! ماذا فعلت بالأحبة؟ ثم بكى وأجاب نفسه بنفسه وقال: أتدرون ما يقول الموت؟ قالوا: لا.
قال: يقول: أكلت الحدقتين، وفقأت العينين، وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العضدين، والعضدين عن الكفين، والقدمين عن الساقين، والساقين عن الركبتين]].
من فوائد (الاعتبار)
(1) كثرة التّفكّر والاعتبار تقوّي الإيمان بالله عزّ وجلّ.
(2) توسّع مدارك المؤمن وتدلّه على آيات الله تعالى.
(3) تكسب المؤمن خوفا من الله عزّ وجلّ ومهابة من عقابه.
(4) تجعله يعرف الدّنيا أنّها ظلّ زائل وأنّ الآخرة هي دار القرار.
(5) يقنع المؤمن بما رزقه الله عمّا في أيدي النّاس.
(6) يعيش المؤمن بسعادة واطمئنان.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارض اللهم عن بقية الصحابة أجمعين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك، يا أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
جمع وترتيب ثروت سويف \ امام وخطيب ومدرس
اقرأ في هذه الخطبة
اولا : معني الاعتبار ثانيا : الاعتبار في القران الكريم
الخطبة الاولي
الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لا نَاقِضَ لِمَا بَنَاهُ، وَلا حَافِظَ لِمَا أَفْنَاهُ، وَلا مَانِعَ لِمَا أَعْطَاهُ، وَلا رَادَّ لِمَا قَضَاهُ، وَلا مُظْهِرَ لِمَا أَخْفَاهُ، وَلا سَاتِرَ لِمَا أَبْدَاهُ، وَلا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَاهُ، وَلا هَادِيَ لِمَنْ أَعْمَاهُ، أَنْشَأَ الْكَوْنَ بِقُدْرَتِهِ وَمَا حَوَاهُ، وَرَزَقَ الصَّوْنَ بِمِنَّتِهِ وَمَنِّهِ مَنْ وَالاهُ، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلا إياه}
الحمد لله خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ وَسَوَّاهُ وَأَسْكَنَهُ فِي حَرَمِ قُرْبِهِ وَحِمَاهُ، وَأَمَرَهُ كَمَا شَاءَ وَنَهَاهُ، وَأَجْرَى القضاء بموافقته هواه، فنزعت يد يَدُ التَّفْرِيطِ مَا كَسَاهُ، ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِ فَرَحِمَهُ وَاجْتَبَاهُ وَحَالَهُ عبرة يُنْذِرُ بها مَنْ يَسْعَى فِيمَا اشْتَهَاهُ
الحمد لله وَطَرَدَ إِبْلِيسَ وَكَانَتِ السَّمَوَاتُ مَأْوَاهُ، فَأَصَمَّهُ بِمُخَالَفَتِهِ كَمَا شَاءَ وَأَعْمَاهُ، وَأَبْعَدَهُ عَنْ بَابِهِ لِلْعِصْيَانِ وَأَشْقَاهُ وَفِي قِصَّتِهِ نَذِيرٌ لِمَنْ خَالَفَهُ وعصاه وفي قصتة عبرة لمن عصي امر مولاه
فالحمد لله. الحمد لله ألان الحديد لداود كما تمناه، يأمن لابسه مَنْ يَلْقَاهُ، ثُمَّ صَرَعَ صَانِعَهُ بِسَهْمِ قَدْرٍ أَلْقَاهُ، فَلَمَّا تَسَوَّرَ الْمِحْرَابَ خَصْمَاهُ أَظْهَرَ جدال التوبيخ فخصماه {وظن داود أنما فتناه} وفي قصة عظة لرفعة السجود لله
الحمد لله وَذَهَبَ ذُوالنُّونِ مُغَاضِبًا فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَأَخْفَاهُ، فَنَدِمَ إِذْ رَأَتْ عَيْنَاهُ مَا جَنَتْ يَدَاهُ، فَلَمَّا أَقْلَقَهُ كَرْبُ ظَلامٍ تَغَشَّاهُ تَضَرَّعَ مُسْتَغِيثًا ينادي مولاه: {إني كنت من الظالمين. فنجيناه} وفي قصته عبرة لمن تاب الي الله
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تَعَالَى رَبُّنَا وَسُبْحَانَهُ وَحَاشَاهُ أَنْ يُخَيِّبَ رَاجِيَهُ وَيَنْسَى مَنْ لا يَنْسَاهُ، له الحمد والمنه أَخَذَ مُوسَى مِنْ أُمِّهِ طِفْلا وَرَاعَاهُ، وَسَاقَهُ إِلَى حِجْرِ عَدُوِّهِ فَرَبَّاهُ، وَجَادَ عَلَيْهِ بِنِعَمٍ لا تُحْصَى وَأَعْطَاهُ، فَمَشَى فِي الْبَحْرِ وَمَا ابْتَلَّتْ قَدَمَاهُ، وَتَبِعَهُ العدو فأدركه الغرق وواراه، فقال آمنت فإذا جبريل يسد فاه، وكان من غَايَةِ شَرَفِهِ وَمُنْتَهَاهُ أَنَّهُ خَرَجَ يَطْلُبُ نَارًا فناداه: {يا موسى إني أنا الله} وَشَرَّفَ أُمَّتَهُ شَرَفًا بَيِّنًا {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ على العالمين} ثم تبعه وأَوْلاهُ لامة محمد بِقول الله [ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ] فأَخَذْنَاهُ وفي قصة موسي من العبر ما قص علينا الله
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه فالحمد لله خَلَقَ مُحَمَّدًا وَاخْتَارَهُ عَلَى الْكُلِّ وَاصْطَفَاهُ، وَكَشَفَ لَهُ الْحِجَابَ عِنْدَ قَابَ قَوْسَيْنِ فَرَآهُ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ مِنْ سِرِّهِ الْمَسْتُورِ مَا أَوْحَاهُ، وَوَعَدَهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ وَسَيُبْلِغُهُ مُنَاهُ.
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ مَا تَحَرَّكَتِ الأَلْسُنُ وَالشِّفَاهُ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ صَلاةً دَائِمَةً تَدُومُ بِدَوَامِ مُلْكِ اللَّهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا
اما بعد
فموضوعنا اليوم ( آيات الاعتبار في القرآن الكريم ) قال ربنا تبارك تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ *
وفي الحديث الذي رواه ابن حبان عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَالِسٌ وَحْدَهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا كَانَتْ صُحُفُ مُوسَى؟، قَالَ: «كَانَتْ عِبَرًا كُلُّهَا: عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ، ثُمَّ هُوَ يَفْرَحُ، وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ، ثُمَّ هُوَ يَضْحَكُ، وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ هُوَ يَنْصَبُ، عَجِبْتُ لِمَنْ رَأَى الدُّنْيَا وَتَقَلُّبَهَا بِأَهْلِهَا، ثُمَّ اطْمَأَنَّ إِلَيْهَا، وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ غَدًا ثُمَّ لَا يَعْمَلُ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْصِنِي، قَالَ: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ الْأَمْرِ كُلِّهِ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زِدْنِي، قَالَ: «عَلَيْكَ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ نُورٌ لَكَ فِي الْأَرْضِ، وَذُخْرٌ لَكَ فِي السَّمَاءِ» » إسناده ضعيف
اولا : تعريف الاعتبار
الاعتبار في اللغة: مأخوذ من العبور وهو المجاوزة من شيء إلى شيء.
الاعتبار هو التّدبّر وقياس ما غاب على ما ظهر.
والعبر جمع عبرة وهي كالموعظة ممّا يتّعظ به الإنسان ويعمل به ويعتبر ليستدلّ به على غيره
وقال الجرجانيّ: الاعتبار: أن يرى الدّنيا للفناء. والعاملين فيها للموت. وعمرانها للخراب.
روى البخارى ومسلم في صحيحيهما عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ؟ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ "
واسمع إلى الآية: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [إبراهيم:45] نزلتم قصورهم، وسكنتم دورهم، وورثتم أملاكهم، فما لكم ما اتعظتم بما وقع عليهم، أوَ ما كان هذا لكم نذير؟! {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} [إبراهيم:45] ولكن لم يتعظوا ولم يعتبروا بالمثل، ولم يستفيدوا بالتجربة، والتجارب هذه إنما تستفاد من مصائب وحياة الناس، وقد علق البخاري من كلام معاوية رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [[لا حكيم إلا ذو تجربة]] وهذا في باب الأدب في صحيح البخاري.
وهي مدرسة الحياة، مدرسة الاعتبار والعظة ولذا قال سفيان الثوري رحمه الله رحمة واسعة: "لاعب ابنك سبعاً، وأدبه سبعاً، وصاحبه سبعاً، ثم اتركه مع التجارب" أي: لاعبه حتى يصل إلى السابعة، ثم أدبه من السابعة إلى الرابعة عشرة، ثم من الرابعة عشرة سنة إلى الواحدة والعشرين سنة صاحبه ثم بعد الواحدة والعشرين اتركه مع تجارب الدنيا، يصاب ويصيب، ويأتيه من الأخبار الأمور ما تجعله ملقناً، مجرباً، حكيماً، إذا كان ذو عقل.
روى الامام احمد من حديث عائشه قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا استراث الخبر تمثل ببيت طرفه
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ولقد مر إبراهيم بن أدهم الزاهد المعروف بسوق البصرة فاجتمع عليه الناس، فقالوا له: يا أبا إسحاق: ما لنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال: لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء: عرفتم الله فلم تؤدوا حقه، وادعيتم أنكم تحبون رسول الله وتركتم سنته، وقرأتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نعمة الله ولم تؤدوا شكرها، وقلتم: إن الشيطان عدوكم ووافقتموه، وقلتم: إن النار حق ولم تهربوا منها، وقلتم: إن الجنة حق ولم تعملوا لها، وقلتم: إن الموت حق ولم تستعدوا له، وإذا انتبهتم من النوم اشتغلتم بعيوب الناس ونسيتم عيوبكم، ودفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم عجبا لكم فني يستجاب لكم ( تفسير القرطبي (2/312)، وفيض القدير ) ما أجمله من وصف، وما أدقه من تعبير. يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ما أكثر العِبر، وما أقل الاعتبار).
قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: « الشّقيّ من شقي في بطن أمّه، والسّعيد من وعظ بغيره»
وعن ابن عمر- رضي الله عنهما-: أنّه كان إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة فيقف على بابها فينادي بصوت حزين: أين أهلك؟ ثمّ يرجع إلى نفسه فيقول: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ.
وعن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله-: أنّه بكى يوما بين أصحابه فسئل عن ذلك فقال: فكّرت في الدّنيا ولذّاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتّى تكدّرها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر، إنّ فيها مواعظ لمن ادّكر
ثانيا : الاعتبار في القران الكريم
وفي القرآن الكريم: الاعتبار هو الاتعاظ بم تراه عينك وما تقرأه من قصص السابقين والحاضرين. والسعيد من اعتبر بغيره وانتقل من حال ذلك الغير إلى حال نفسه والشقي من وعظ بنفسه .
ولو طالعنا القران الكريم لنبحث عن لفظ العبرة لوجدنا ان القران الكريم جعل العبرة في عدة امور منها
اولا : الاعتبار بالمشاهدات
وهو ما رآه الصحابة ومن عاصر ومن بعدهم الي يومنا هذا ويسرد علينا القرآن من ذلك للاعتبار، والحياة كلها عبر
فمنها الحوادث البارزة
أشار القرآن إلى حوادث تاريخية بارزة كان لها ما بعدها، كغزوة بدر والأحزاب، وأشار إلى العبرة من هذه الحوادث كغزوة بني النضير حيث وصف الله جلاءهم فهذا كان مشاهد بالعين
قال تعالي ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (2) الحشر
وقال تعالي في شأن غزوة بدر {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ، قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران: 3/ 12-13] . يقول ابن كثير في تفسيره أَيْ: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَمُعْتَبَرًا لِمَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ وَفَهْمٌ يَهْتَدِي بِهِ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ وَأَفْعَالِهِ، وَقَدَرِهِ الْجَارِي بِنَصْرِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ
"فالكفار على كثرتهم كانوا يرون المسلمين القليلين مثليهم، وكان هذا من تدبير الله حيث خيل للمشركين أن المسلمين كثرة، وهم قلة فتزلزلت قلوبهم"1 ووجه العبرة أن هناك قوة فوق جميع القوى تؤيد المؤمنين، وتخذل الكافرين فهذه سنة الله ما زالت، وستبقى ماضية إلى يوم القيامة، فوعد الله بهزيمة الذين يكفرون ويكذبون، وينحرفون عن منهج الله، قائم في كل لحظة، ووعد الله بنصر الفئة المؤمنة -ولو قل عددها- قائم كذلك في كل لحظة، وليس على الفئة المؤمنة إلا أن تطمئن إلى هذه الحقيقة، وتثق في ذلك الوعد، وتأخذ للأمر عدته التي في طوقها، كاملة، وتصبر حتى يأذن الله، ولا تستعجل ولا تقنط إذا طال عليها الأمد المغيب في علم الله، المدبر بحكمته، المؤجل لموعده الذي يحقق هذه الحكمة: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [النور: 24/ 44] .
وقال في حق غزوة الاحزاب (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) الاحزاب
ومنها العبرة من تعاقب الليل والنهار ومشاهدتهما واختلافهما .
يقول تعالي ( يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (44) النور وقال تعالي (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)ال عمران أَيْ: تَعَاقُبُهُمَا وتَقَارضهما الطُّولَ وَالْقِصَرَ، فَتَارَةً يطُول هَذَا وَيَقْصُرُ هَذَا، ثُمَّ يَعْتَدِلَانِ، ثُمَّ يَأْخُذُ هَذَا مِنْ هَذَا فَيَطُولُ الَّذِي كَانَ قَصِيرًا، وَيَقْصُرُ الَّذِي كَانَ طَوِيلًا وَكُلُّ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وَلِهَذَا قَالَ: {لأولِي الألْبَابِ} أَيِ: الْعُقُولِ التَّامَّةِ الذَّكِيَّةِ الَّتِي تُدْرِكُ الْأَشْيَاءَ بِحَقَائِقِهَا عَلَى جَلِيَّاتِهَا، وَلَيْسُوا كَالصُّمِّ البُكْم الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ
روى الطبراني عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: أَتَتْ قُرَيْشٌ الْيَهُودَ فَقَالُوا: بِمَ جَاءَكُمْ مُوسَى؟ قَالُوا: عَصَاهُ وَيَدُهُ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ. وَأَتَوُا النَّصَارَى فَقَالُوا: كَيْفَ كَانَ عِيسَى؟ قَالُوا: كَانَ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ ويُحيي الْمَوْتَى: فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَجْعَلُ لَنَا الصَّفا ذَهَبًا. فَدَعَا رَبَّهُ، فَنَزَلَتْ هذه الآية: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ} فَلْيَتَفَكَّرُوا فيها
أيها المؤمنون إن في تعاقب الليل والنهار واختلافهما عبرة وآية لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً فتدبروا وانظروا فأنت يا عبد الله بين عمر قد مضى لا تدري ما الله صانع فيه وبين عمر قد بقي ما تدري ماذا قضي عليك فيه فالجأ إلى ربك ومولاك واسأله أن يغفر لك ويعفو عنك وأن يجعل ما أقبلت عليه من عمرك خيراً مما أدبرت عنه. فاستبقوا الخيرات أيها المؤمنون ? وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ?( ال عمران ) وفي الحديث الذي رواه الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» [التعليق - من تلخيص الذهبي] 7846 - على شرط البخاري ومسلم
عباد الله تبصروا واعتبروا تأملوا وتفكروا في أعماركم وأعمالكم وحوادث زمانكم أما تشاهدون أيها الناس مواقع المنايا بينكم وحلول الآفات والرزايا بكم أو بغيركم أما تنظرون كيف فاز المتقون وخسر المبطلون إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار
اياك ان تتكبر حتي لا تكن عبره عن عمرو بن شيبة قال: «كنت بمكّة بين الصّفا والمروة، فرأيت رجلا راكبا بغلة وبين يديه غلمان ينفّرون النّاس. قال: ثمّ عدت بعد حين فدخلت بغداد، فكنت على الجسر، فإذا أنا برجل حاف حاسر طويل الشّعر، قال: فجعلت أنظر إليه وأتأمّله. فقال لي: مالك تنظر إليّ، فقلت له:
شبهتك برجل رأيته بمكّة، ووصفت له الصّفة، فقال له: أنا ذلك الرّجل. فقلت ما فعل الله بك؟ فقال:
ترفّعت في موضع يتواضع فيه النّاس، فوضعني الله حيث يترفّع النّاس- إحياء علوم الدين
قال بعض الحكماء: من نظر إلى الدّنيا بغير العبرة انطمس من بصر قلبه بقدر تلك الغفلة»
ثانيا : الاعتبار بالمرويات: _
إن المتأمل في قصص السابقين يجد فيها تطبيقا عمليا لجوانب الهداية التسعة السابق ذكرها - فيما نرى -، فمن خلالها نرى آثارا لأسماء الله وصفاته كالقوي، المنتقم في قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ. [الفجر: 6 - 14].
ان القرآن مليء بقصص السابقين من المؤمنين والكافرين، بل إن المساحة التي يُفردها لهذه القصص من أكبر المساحات فيه، وهذا يعني أول ما يعني أنه ينبغي علينا أن نوليها قدرا كبيرا من اهتمامنا.
قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111].
ففي قصة سليمان عليه السلام نرى مثالا للمؤمن الذي يتعامل تعاملا صحيحا مع كل ما يستقبله من عطاء الله عز وجل، قال تعالى: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40].
عَنْ إِدْرِيسَ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: " كَانَ لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَلْفُ بَيْتٍ؛ أَعْلَاهَا قَوَارِيرُ، وَأَسْفَلُهَا حَدِيدٌ، فَرَكِبَ الرِّيحَ يَوْمًا، فَمَرَّ بِحَرَّاثٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ الْحَرَّاثُ، فَقَالَ: لَقَدْ أُوتِيَ آلُ دَاوُدَ مُلْكًا عَظِيمًا، فَحَمَلَتِ الرِّيحُ كَلَامَهُ، فَأَلْقَتْهُ فِي أُذُنِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: فَنَزَلَ حَتَّى أَتَى الْحَرَّاثَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ قَوْلَكَ، وَإِنَّمَا مَشَيْتُ إِلَيْكَ لِئَلَّا تَتَمَنَّى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ، لَتَسْبِيحَةٌ وَاحِدَةٌ يَقْبَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ مِمَّا أُوتِيَ آلُ دَاوُدَ، فَقَالَ الْحَرَّاثُ: أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّكَ، كَمَا أَذْهَبْتَ هَمِّي "
إِنَّ مَا أُوتِي ابْنُ دَاوُدَ يَذْهَبُ وَالتَّسْبِيحَةُ تَبْقَى وَكَانَ نَبِيُّ اللهِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُطْعِمُ الْمَجْذُومِينَ وَالْيَتَامَى النَّقِيَّ وَيَأْكُلُ الشَّعِيرَ، وَلَمْ يَدَعْ يَوْمَ مَاتَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا "
فكل قصة ذُكرت في القرآن للصراع بين الحق والباطل لها عبر ودروس مستفادة من شأنها أن تُثبت قلوب المؤمنين، وتُهوِّن عليهم مصاعب الطريق، وتُشعرهم بأنهم حلقة مكررة من حلقات التاريخ البشري، وأن ما يحدث معهم ليس بدعا. قال تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120].
قال تعالي ( فَحَشَرَ فَنادى (23) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (25) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (26) النازعات أَيْ: انْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُ انْتِقَامًا جَعَلَهُ بِهِ عِبْرَةً وَنَكَالًا لِأَمْثَالِهِ مِنَ الْمُتَمَرِّدِينَ فِي الدُّنْيَا، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} [هُودٍ: 99] (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) أَيْ نَكَالَ قَوْلِهِ: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي [القصص: 38] وقوله بعد: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى [النازعات: 24]
أخرج البيهقي في شعب الإيمان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: " غَارَ النِّيلُ عَلَى عَهْدِ فِرْعَوْنَ فَأَتَاهُ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ، فَقَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ أَجْرِ لَنَا النِّيلَ. قَالَ: إِنِّي لَمْ أَرْضَ عَنْكُمْ، ثُمَّ ذَهَبُوا، فَأَتَوْهُ، فَقَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ أَجْرِ لَنَا النِّيلَ. قَالَ: إِنِّي لَمْ أَرْضَ عَنْكُمْ فَذَهَبُوا، ثُمَّ أَتَوْهُ فَقَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ مَاتَتِ الْبَهَائِمُ، وَهَلَكَتِ الْأَبْكَارُ لَئِنْ لَمْ تُجْرِ لَنَا النِّيلَ، لَنَتَّخِذَنَّ إِلَهًا غَيْرَكَ. قَالَ: اخْرُجُوا إِلَى الصَّعِيدِ، فَخَرَجُوا فَتَنَحَّى عَنْهُمْ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ، وَلَا يَسْمَعُونَ كَلَامَهُ، فَأَلْصَقَ خَدَّهُ بِالْأَرْضِ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ. قَالَ: اللهُمَّ إِنِّي خَرَجْتُ إِلَيْكَ مَخْرَجَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ إِلَى سَيِّدِهِ، وَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِجْرَائِهِ غَيْرُكَ فَأَجْرِهِ، قَالَ: فَجَرَى النِّيلُ جَرْيًا لَمْ يَجْرِ قَبْلَهُ مِثْلَهُ فَأَتَاهُمْ. فَقَالَ: إِنِّي قَدْ أَجْرَيْتُ لَكُمُ النِّيلَ فَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا، وَعَرَضَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ أَعِزَّنِي عَلَى عَبْدٍ لِي. قَالَ: وَمَا قِصَّتُهُ. قَالَ: عَبْدٌ لِي مَلَّكْتُهُ عَلَى عَبِيدِي وَخَوَّلْتُهُ مَفَاتِيحِي فَعَادَانِي فَأَحَبَّ مَنْ عَادَيْتُ وَعَادَى مَنْ أَحْبَبْتُ. قَالَ: بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدُكَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ سَبِيلٌ لَغَرَّقْتُهُ فِي بَحْرِ الْقَلْزَمِ. قَالَ: يا أَيُّهَا الْمَلِكُ اكْتُبْ لِي كِتَابًا. قَالَ: فَدَعَا بِكِتَابٍ، وَدَوَاةٍ فَكَتَبَ مَا جَزَاءُ الْعَبْدِ الَّذِي خَالَفَ سَيِّدَهُ فَأَحَبَّ مَنْ عَادَى، وَعَادَى مَنْ أَحَبَّ إِلَّا أَنْ يُغَرَّقَ فِي بَحْرِ الْقَلْزَمِ قَالَ: يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ اخْتِمْهُ لِي فَخَتَمَهُ، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْبَحْرِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ بِالْكِتَابِ. فَقَالَ: خُذْ هَذَا مَا اسْتَفْتَحْتَ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ - فَرُبَّمَا قَالَ: هَذَا مَا حَكَمْتَ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ - " فهو لم يتعظ ولم يعتبر فكان عبرة لمن يخشي
وفي ذلك قيل:
ولما طغى فرعون جهلاً وقومه ... وجاء إلى مصر ليفسدَ في الأرضِ
أتى نحوهم موسى وفي يدهِ العصا ... فأغرقهم في اليمِّ بعضاً على بعضِ
ثالثا : العبرة بمخلوقات الله ونعمه:
ان نعم الله ومخلوقاته التي سخرها للإنسان، لعبرا ومنها قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ، وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [النحل: 16/ 66-67] . إنّ لكم أيّها النّاس في الإبل والبقر والغنم آية، ودلالة حكمة خالقها وقدرته ورحمته ولطفه»
ولما كانت العبرة مبنية على تفكير عميق، وملاحظة دقيقة، أمكننا أن نعرف الحكمة الربانية من الإشارة إلى أمور تثير الدهشة وتدعو التأمل، من عجائب صنعه تعالى فيما أنعم علينا، كما أشار هنا إلى اللبن الأبيض الخالص من كل الشوائب، والأوساخ مع أنه مستخلص "من بين فرث ودم"، وأشار أيضا إلى ثمرات النخيل والأعناب، التي تستخلص غذاءها من الماء والتراب، وتعطي الإنسان بقدرة الله "سكرا ورزقا حسنا"، فيخزنها ويحتفظ بها على مدى أيام السنة بجميع فصولها، ويستخلص منها المادة السكرية التي تشكل نصف غذاء البشرية في بعض القارات أو الأقطار. عن طاوس قال: قال الحواريّون لعيسى عليه السّلام: «يا روح الله! هل على الأرض اليوم مثلك؟ فقال: نعم، من كان منطقه ذكرا، وصمته فكرا، ونظره عبرة، فإنّه مثلي» إحياء علوم الدين (4/ 424) . ونحوه عند ابن كثير
رابعا : أخذ العبرة من الموت وما بعده
أمامك حفرة مظلمة لكنها للمتقين روضة من رياض الجنة، أمامك قبر تردى فيه الملوك والرؤساء والأمراء والوزراء والتجار.
أبني أبينا نحن أهل منازل أبداً غراب البين فيها ينعق
نبكي على الدنيا وما من معشر جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
صمٌ إذا نودوا كأن لم يعلموا أن الكلام لهم حلال مطلق
يَا أخي إِذا أردْت أَن تَدْرِي كَيفَ حالك من بعْدك فَأخْرج إِلَى الْقُبُور وانظرها وَقد عفت وَمثل قبرك بَين الْقُبُور
ثمَّ انْظُر مَاذَا تحْتَاج إِلَيْهِ فِي قبرك فَأكْثر مِنْهُ لطول مدتك فِيهِ وَهُوَ الْعَمَل الصَّالح فَأَما مَا سوى ذَلِك فَمَا لَك حَاجَة فِي شَيْء من أُمُور الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يصير عَلَيْك وبالا فِي قبرك وحسرة وَانْظُر حالك الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ إِن كَانَ يصلح للْمَوْت والقبر فتمادى عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لَا يَصح لهذين فتب إِلَى الله تَعَالَى مِنْهَا وأرجع إِلَى مَا يصلح
عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنّ فيها عبرة. ونهيتكم عن النّبيذ ألا فانتبذوا، ولا أحلّ مسكرا، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فكلوا وادّخروا»
قال مغيث الأسود: «زوروا القبور كلّ يوم تفكّركم؛ وشاهدوا الموقف بقلوبكم؛ وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنّة أو النّار، وأشعروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النّار ومقامها وأطباقها، وكان يبكي عند ذلك حتّى يرفع صريعا من بين أصحابه قد ذهب عقله» تفسير ابن كثير
قال ابن الجوزيّ- رحمه الله-:«يا خاطبا حور الجنّة وهو لا يملك فلسا من عزيمة، افتح عين الفكر في ضوء العبر لعلّك تبصر مواقع خطابك».
وقال أيضا- رحمه الله-: «العجب ممّن يقول: اخرج إلى المقابر فاعتبر بأهل البلى ولو فطن علم أنّه مقبرة يغنيه الاعتبار بما فيها عن غيرها خصوصا من قد أوغل في السّنّ، فإنّ شهوته ضعفت، وقواه قلّت، والحواسّ كلّت والنّشّاط فاتر ، والشّعر أبيض. فليعتبر بما فقد وليستغن عن ذكر من فقد، فقد استغنى بما عنده عن التّطلّع إلى غيره»
ايها الاخوة ان العبرة عظة
ومن خلالها نتعرف على الإنسان عندما يطلق الزمام لنفسه ولا يُجاهدها أو يزكيها، مثل قوله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} [المائدة: 30].
- ومن جوانب الاعتبار فيها البحث عن دور الشيطان وكيف أضل الكثير من الناس عبر التاريخ، قال تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48].
مر مجدد القرن الأول الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، يوم العيد، وقد كان خليفة المسلمين من طاشقند في الشمال إلى جنوب أفريقيا، ومن مشارق سيبيريا إلى الأندلس إلى شرق نهر السند كلها يملكها رضي الله عنه وأرضاه، فنزل يوم العيد فرأى المقابر؛ فبكى حتى جلس، فقال: [[يا أيتها المقابر! كم فيك من حبيب! كم فيك من قريب! ما كأنهم أكلوا مع من أكل، وما كأنهم شربوا مع من شرب، ما كأنهم ضحكوا مع من ضحك]] ثم قال: [[يا موت! ماذا فعلت بالأحبة؟ ثم بكى وأجاب نفسه بنفسه وقال: أتدرون ما يقول الموت؟ قالوا: لا.
قال: يقول: أكلت الحدقتين، وفقأت العينين، وفصلت الكفين عن الساعدين، والساعدين عن العضدين، والعضدين عن الكفين، والقدمين عن الساقين، والساقين عن الركبتين]].
من فوائد (الاعتبار)
(1) كثرة التّفكّر والاعتبار تقوّي الإيمان بالله عزّ وجلّ.
(2) توسّع مدارك المؤمن وتدلّه على آيات الله تعالى.
(3) تكسب المؤمن خوفا من الله عزّ وجلّ ومهابة من عقابه.
(4) تجعله يعرف الدّنيا أنّها ظلّ زائل وأنّ الآخرة هي دار القرار.
(5) يقنع المؤمن بما رزقه الله عمّا في أيدي النّاس.
(6) يعيش المؤمن بسعادة واطمئنان.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارض اللهم عن بقية الصحابة أجمعين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك، يا أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
جمع وترتيب ثروت سويف \ امام وخطيب ومدرس