مشاهدة النسخة كاملة : الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في الأخلاق


حكاية ناي ♔
01-02-2023, 07:48 AM
بعث الله تعالى رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الإسلام، فانقسم الناس تجاه رسالته إلى فريقين بين مؤمن وكافر، ولكن الفريقين أجمعا على حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اشتَهر قبل بَعثته بالصادق الأمين، والأدلة على ذلك كثيرة، منها: حديث ابن عباس رضى الله عنهما، لما نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبائل مكة عند جبل الصفا، فاجتمعوا له، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «... أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مصدقي قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا...«[1].

ما جربنا عليك كذبًا، "ما ألقينا عليك قولًا مجربين لك فيه هل تكذب فيه أم لا، ما سمعنا منك إلا صدقًا" [2].

ولما اختلفت قريش فيمن له الحق في وضع الحجر الأسود مكانه حتى وصل الأمر إلى التلويح بالقتال، قالوا: «اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ أَوَّلَ رَجُلٍ يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: هَذَا الْأَمِينُ، وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْأَمِينَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ رَضِينَا بِكَ...» [3].

فكان من أبرز صفات النبي صلى الله عليه وسلم أنه عُرف قبل أن يكون نبيًّا، بالصادق الأمين، وذلك ثابت في كتب السنة والسيرة الصحيحة؛ إذ نطقوا جميعًا بلسان واحد عندما كادت أن تنشب بينهم الحرب من أجل من يحظى بشرف وضع الحجر الأسود مكانه، عندما جددوا بناء الكعبة، فحكمَّوا أول قادمٍ عليهم، فنظروا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قادم من بعيد، قادم من باب بني شيبة، فقالوا جميعًا: هذا الأمين رضيناه حكمًا" [4].

الوضع الأخلاقي قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم:
ونستشهد على وضع العرب الأخلاقي قبل الإسلام بقول مَن عاش في الجاهلية وعاصر الإسلام، وشعر بحجم التغيير، فعندما سأل النجاشيُّ مَنْ هاجر من الصحابة رضي الله عنهم إلى أرض الحبشة، فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟، فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال له: » أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِتَوْحِيدِهِ، وَلِنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَار، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ...» [5].

فجوانب التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث كثيرة؛ منها: رفقه صلى الله عليه وسلم بأصحابه، وحرصه في اختيار مكان فيه أمنهم، فوجههم إلى الحبشة عند ملك عادل، فنزلوا عنده في خير منزل، وهذا دليل على حكمة النبي صلى الله عليه وسلم، وظهرت آثار تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فالصحابي الجليل جعفر رضي الله عنه بدأ كلامه بذكر عيوب الجاهلية، وركز على الصفات الذميمة، ثم عرض شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم بصدقه وأمانته، ثم أظهر محاسن الإسلام وأخلاقه التي تتفق مع أخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكانت الهجرة إلى الحبشة رؤية مستقبلية، استطاع الصحابة أن ينشروا دينهم بأرض جديدة تنطلق منها رسالة الإسلام.

وأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم فيها من المحاسن والمحامد، ما لا يمكن أن تحاط، فقد تفضل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بأن جبله على كل خُلُق فاضل، ثم أثنى عليه بعظمة خلقه منذ بداية بعثته؛ قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].

وقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يقتدي بكل واحد من الأنبياء المتقدمين عليهم الصلاة والسلام، فيما اختص به من الخلق الكريم، فكأنه صلى الله عليه وسلم أمر بمجموع ما كان متفرقًا فيهم، ولما كان ذلك درجة عالية لم تتيسر لأحد من الأنبياء قبله، وصف الله خلقه بأنه عظيم [6].

فالقرآن الكريم كان جُل اهتمامه "منذ بداية تنزله على المصطفى صلى الله عليه وسلم منصبًّا على تقرير الإيمان بالله وحده، وغرس العقيدة الإسلامية الصافية، وغرس الفضائل الخلقية لتزكية القلوب، وتطهير النفوس، واستئصال رذائلها من الأفراد والمجتمعات" [7].

وفي السنة النبوية المشرفة حدد صلى الله عليه وسلم الغاية من بعثته وقصرها على مكارم الأخلاق، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ» [8].

فالعرب كانت "أحسن الناس أخلاقًا بما بقي عندهم من شريعة إبراهيم عليه السلام، وكانوا ضلوا بالكفر عن كثير منها، فبعث صلى الله عليه وسلم ليتمم محاسن الأخلاق ببيان ما ضلوا عنه وبما خص به في شرعه" [9].

ولقد حض الإسلام على مكارم الأخلاق، ولقد كانت الأخلاق الحسنة هي العلامة البارزة التي أوجزها أخو أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، عندما أرسله أخاه ليُبلغه عن خبر هذا النبي قبل إسلامه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما بلغ أبا ذر رضي الله عنه مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي، يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله: ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدمه، وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال له: «رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ...» [10].

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتحلى بأخلاق القرآن الكريم، ويمتثل أوامره، ويطبق أحكامه، حتى أصبحت حياته صلى الله عليه وسلم ترجمة قولية وفعلية، وسلوكية للقرآن الكريم، فعن سعد بن هشام[11]، قال: قلت يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: «أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نبي اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ الْقُرْآنَ...» [12].

فالنبي صلى الله عليه وسلم "تأدب بآدابه، وتخلق بأخلاقه، فما مدحه القرآن، كان فيه رضاه، وما ذمه القرآن، كان فيه سخطه" [13].

ومما لا شك فيه أن أي باحث يجد أنه من الصعوبة بمكان الإحاطة بمعرفة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، ووصف حسنها وكمالها، وليس في مقدور أي مخلوق حصرها، ولكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى بعضها وإن لم يستوفها البحث، وقد أجمل الإمام ابن القيم الخلق الحسن بقوله: "وحسن الخلق يقوم على أربعة أركان لا يتصور قيام ساقه إلا عليها: الصبر، والعفة، والشجاعة، والعدل" [14]، فمن كل خلق من هذه الأخلاق الأربعة تتفرع أخلاق أخرى تابعة له لا تنفصل عنها في الغالب؛ مما يجعل البحث يتناول الأخلاق الأربعة بشيء من التفصيل.

مجنون بحبك
01-02-2023, 07:48 AM
بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الاعلى ان شاء الله
دمت بحفظ الله ورعايته

حكاية ناي ♔
01-05-2023, 11:04 AM
اسعدني حضوركم