عازف الناي
09-06-2022, 10:08 PM
العمل الخيري بين الثواب والصواب
في كثير من قرى عربية -وفي صعيد مصر بالتحديد- ينطق الكثيرون كلمة "ثواب" بالصاد! فيقول أحدهم لك مثلاً: "ساعد فلان في البحث عن وظيفة تكسب فيه صواب"، وهو قطعاً يعني الثواب الإلهي، أو "ساعدني تكسب صواب" أي ثواب، وهم لا يتعمدون بالطبع، ولكن درج الناس على ذلك، وربما كان البعض -وإن كنتُ أشك في ذلك- يعني الصواب بمعني الصحيح، أي أفعل الشيء الصحيح، فالكل بطبيعته البسيطة يتمنى الثواب من الله وإن أطقها صواباً، وربما لأن الثواب عادة من عند الله يقترن بالشيء الصائب أو التصرف الصائب أو بالصواب عموماً لا بالخطأ أو بالتصرف الخاطئ، وهنا تثار في ذهني نقطة شديدة الأهمية ألا وهي: مدى اقتران العمل الخيري -وهو قطعاً عمل صائب أو يتميز بالصواب- بالثواب.
فنحن نرى كثيرين على الصعيد الاجتماعي يقومون بالعمل الخيري والمساعدة، خاصة المالية منها، ليس طمعاً في الثواب، بل في المقابل من البشر؛ فهم حينئذ لا يهدفون وجه الله، بل -وللأسف- وجه البشر؛ أي ينتظرون المقابل من الناس الذين تلقوا تلك المساعدات أو العمل الخيري، سواء أكان ذلك في تأييد انتخابي، أو كسب شعبية قبل الترشح لمنصب ما، وفي أبسط الصور هو لصرف العيون تجسساً أو حسداً عنهم، فلا يرفع أمر ثرائهم الفاحش المفاجئ لأية جهة رقابية، ولا تتجه عيون الحاسدين والحساد إليهم، وهم يعرفون بحكم التنشئة الريفية أن الناس في الريف جميعهم يعرفون بعضهم البعض، ويعرفون وضع كل منهم المادي وأصله وفصله، وهم في الريف يطول وقت الفراغ لديهم؛ فيتفرغ الناس للحديث عن الناس؛ لذا فلا تفاجأ عادة ببعض الجمل المكتوبة على سياراتهم، وخاصة منها: "يا ناس، يا شر، كفاية قر"، أي كفاية حديثاً عني ومن ثم حسدي على ما أنا فيه.
وهنا أتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يعنينا منه الآن هو الجزء الأخير منه، الذي يتحدث عن الإنفاق، عن سليمان بن يسار قال: "تفرق الناس عن أبي هريرة رضي الله عنه فقال له ناتِل أهل الشام: أيها الشيخ حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نعم. سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استُشهد فأُتِيَ به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استشهدتُ. قال: كذبتَ، ولكنك قاتلتَ لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أُمِر به فسُحِب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلّمه، وقرأ القرآن، فأتِي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: تعلمتُ العلم وعلّمتُه، وقرأتُ فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمتَ العلم ليقال عالم، وقرأتَ القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتِي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيل تحب أن يُنفق فيها إلا أنفقتُ فيها لك. قال: كذبتَ، ولكنك فعلتَ ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أُمِر به فسُحب على وجهه ثم ألقي في النار»" [أخرجه مسلم في صحيحه (1905)].
وحتى بالنسبة لبعض الدول، وخاصة في عالمنا الثالث، وبالتحديث عالمنا العربي، فالإرادة الفردية في الأغلب الأعم من الحالات هي الحكم والفيصل في إصدار القرارات وتوجيه الميزانيات، ومنها -بالطبع- العمل الخيري، أو توجيه المساعدات للآخرين، وأعني الدول المنكوبة أو المضار شعبها بزلزال هنا أو بسيول هناك، أو بفيضانات عارمة تأتي على الأخضر واليابس، فهل تخرج مئات الآلاف من العملات ومن الأطنان الغذائية والأغطية والخيام لوجه الله أم لوجه البشر؟ وأعني لهدف سياسي، سواءً كان داخلياً أو خارجياً؛ أي لكسب شعبية داخلية تشير لعمل إنساني يقوم به المسؤول، أو خارجي لإظهار و?ه جميل للعالم كله، والدول المحيطة تحديداً، أن هذه الدولة أو صاحب القرار فيها رجل لا يتأخر عن العمل الخيري والإنساني.
وهي ظواهر عامة لا بد -طبعاً- من وجود استثناءات فيها، فمن المؤكد وجود من يعرف الله حق قدره، ويتميز بإسلاميته السمحاء والمعطاءة، فهو يمثلها حين يعطي أو يوجه للعطاء جمعيات العمل الخيري والإنساني التي تقيم مساجد هنا وهناك، أو تحفر آباراً لتوفير الماء للناس من الشعوب الفقيرة، أو إقامة مدارس وغيرها من المشروعات الخيرية. وهم في هذه الحالة -قطعاً- يعملون الصواب، ويتمنون الحصول على الثواب من الله فقط: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 9].
في كثير من قرى عربية -وفي صعيد مصر بالتحديد- ينطق الكثيرون كلمة "ثواب" بالصاد! فيقول أحدهم لك مثلاً: "ساعد فلان في البحث عن وظيفة تكسب فيه صواب"، وهو قطعاً يعني الثواب الإلهي، أو "ساعدني تكسب صواب" أي ثواب، وهم لا يتعمدون بالطبع، ولكن درج الناس على ذلك، وربما كان البعض -وإن كنتُ أشك في ذلك- يعني الصواب بمعني الصحيح، أي أفعل الشيء الصحيح، فالكل بطبيعته البسيطة يتمنى الثواب من الله وإن أطقها صواباً، وربما لأن الثواب عادة من عند الله يقترن بالشيء الصائب أو التصرف الصائب أو بالصواب عموماً لا بالخطأ أو بالتصرف الخاطئ، وهنا تثار في ذهني نقطة شديدة الأهمية ألا وهي: مدى اقتران العمل الخيري -وهو قطعاً عمل صائب أو يتميز بالصواب- بالثواب.
فنحن نرى كثيرين على الصعيد الاجتماعي يقومون بالعمل الخيري والمساعدة، خاصة المالية منها، ليس طمعاً في الثواب، بل في المقابل من البشر؛ فهم حينئذ لا يهدفون وجه الله، بل -وللأسف- وجه البشر؛ أي ينتظرون المقابل من الناس الذين تلقوا تلك المساعدات أو العمل الخيري، سواء أكان ذلك في تأييد انتخابي، أو كسب شعبية قبل الترشح لمنصب ما، وفي أبسط الصور هو لصرف العيون تجسساً أو حسداً عنهم، فلا يرفع أمر ثرائهم الفاحش المفاجئ لأية جهة رقابية، ولا تتجه عيون الحاسدين والحساد إليهم، وهم يعرفون بحكم التنشئة الريفية أن الناس في الريف جميعهم يعرفون بعضهم البعض، ويعرفون وضع كل منهم المادي وأصله وفصله، وهم في الريف يطول وقت الفراغ لديهم؛ فيتفرغ الناس للحديث عن الناس؛ لذا فلا تفاجأ عادة ببعض الجمل المكتوبة على سياراتهم، وخاصة منها: "يا ناس، يا شر، كفاية قر"، أي كفاية حديثاً عني ومن ثم حسدي على ما أنا فيه.
وهنا أتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يعنينا منه الآن هو الجزء الأخير منه، الذي يتحدث عن الإنفاق، عن سليمان بن يسار قال: "تفرق الناس عن أبي هريرة رضي الله عنه فقال له ناتِل أهل الشام: أيها الشيخ حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نعم. سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استُشهد فأُتِيَ به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استشهدتُ. قال: كذبتَ، ولكنك قاتلتَ لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أُمِر به فسُحِب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلّمه، وقرأ القرآن، فأتِي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: تعلمتُ العلم وعلّمتُه، وقرأتُ فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمتَ العلم ليقال عالم، وقرأتَ القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتِي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيل تحب أن يُنفق فيها إلا أنفقتُ فيها لك. قال: كذبتَ، ولكنك فعلتَ ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أُمِر به فسُحب على وجهه ثم ألقي في النار»" [أخرجه مسلم في صحيحه (1905)].
وحتى بالنسبة لبعض الدول، وخاصة في عالمنا الثالث، وبالتحديث عالمنا العربي، فالإرادة الفردية في الأغلب الأعم من الحالات هي الحكم والفيصل في إصدار القرارات وتوجيه الميزانيات، ومنها -بالطبع- العمل الخيري، أو توجيه المساعدات للآخرين، وأعني الدول المنكوبة أو المضار شعبها بزلزال هنا أو بسيول هناك، أو بفيضانات عارمة تأتي على الأخضر واليابس، فهل تخرج مئات الآلاف من العملات ومن الأطنان الغذائية والأغطية والخيام لوجه الله أم لوجه البشر؟ وأعني لهدف سياسي، سواءً كان داخلياً أو خارجياً؛ أي لكسب شعبية داخلية تشير لعمل إنساني يقوم به المسؤول، أو خارجي لإظهار و?ه جميل للعالم كله، والدول المحيطة تحديداً، أن هذه الدولة أو صاحب القرار فيها رجل لا يتأخر عن العمل الخيري والإنساني.
وهي ظواهر عامة لا بد -طبعاً- من وجود استثناءات فيها، فمن المؤكد وجود من يعرف الله حق قدره، ويتميز بإسلاميته السمحاء والمعطاءة، فهو يمثلها حين يعطي أو يوجه للعطاء جمعيات العمل الخيري والإنساني التي تقيم مساجد هنا وهناك، أو تحفر آباراً لتوفير الماء للناس من الشعوب الفقيرة، أو إقامة مدارس وغيرها من المشروعات الخيرية. وهم في هذه الحالة -قطعاً- يعملون الصواب، ويتمنون الحصول على الثواب من الله فقط: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 9].