عازف الناي
09-10-2022, 10:30 PM
خطبة الجمعة القادمة بعنوان حقوق ذوي الأرحام في القرآن والسنة ، بتاريخ 20 صفر 1444هـ – الموافق 16 سبتمبر 2022م
اقرأ في هذه الخطبة
اولا : وجوب صلة الارحام والتحذير من قطع الرحم التي أمر الله بوصلها
ثانيا : الرحم التي أمر الله بها أن توصل نوعان رحم عامة ورحم
ثالثا : من أسباب قطيعة الرحم رابعا : فضل وثواب واصل الرحم في الدنيا والآخرة وشئم قطعها
الخطبة الاولي
الحمد لله الملك القدوس السلام الذي أمر بصلة الأرحام، وجعلها من خصال أهل التقى والإسلام. الذين وعدهم بالجنة دار السلام.
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول في محكم الكتاب المجيد: { وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ } [النساء:1]
وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله أتقى الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد
فقد قال الله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً [النساء:1].
تعريف صلة الرحم
الصلة: الوصل، وهو ضد القطع، ويكون الوصل بالمعاملة نحو السلام، وطلاقة الوجه، والبشاشة، والزيارة، وبالمال، ونحوها.
والرحم هم قرابة الرجل من طرفي أبيه وأمه فتجب لهم الحقوق الخاصة، من المحبة والنصرة وعدم القطيعة، والقيام بحقوقهم كتمريض المرضى، وغير ذلك من حقوق المسلمين، وزيادة على ذلك النفقة على المحتاج منهم، وتفقد أحوالهم، وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، حتى إذا تزاحمت الحقوق، بدأ بالأقرب فالأقرب
اولا : وجوب صلة الارحام والتحذير من قطع الرحم التي أمر الله بوصلها
قال القرطبي رحمه الله: (اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة وأن قطيعتها محرمة).
وقال ابن عابدين الحنفي: (صلة الرحم واجبة ولو كانت بسلام، وتحية، وهدية، ومعاونة، ومجالسة، ومكالمة، وتلطف، وإحسان، وإن كان غائباً يصلهم بالمكتوب إليهم، فإن قدر على السير كان أفضل).
والأدلة على ذلك كثيرة، منها:
1. قوله تعالى: " وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]
2. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم، قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة، قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك)) ثم قال رسول الله : ((اقرءوا إن شئتم)) : فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها [محمد:22-24].
3. وجاء في حديث أبي سفيان لهرقل عندما قال له: فما يأمر؟ قال: "يأمرنا بالصلاة، والصدقة، والعفاف، والصلة".
عباد الله : ان صلة الرخم واجبة حتى وإن كانت كافرة، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن لأَبِي طَالِبٍ عِنْدِي رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبِلالِهَا)) كتاب: حديث السراج أي: أصلها بصلتها
وأيضاً قال تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8
وروي البخار من حديث أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ»
لقد أمر الله بصلة الأرحام، والبر والإحسان إليهم، ونهى وحذر عن قطيعتهم والإساءة إليهم، وعدَّ صلى الله عليه وسلم قطيعة الأرحام مانعاً من دخول الجنة مع أول الداخلين، ومُصْلٍ للمسيئين لأرحامهم بنار الجحيم.
على الرغم من وصية الله ورسوله بالأقارب، وعدِّ الإسلام صلة الرحم من الحقوق العشرة التي أمر الله بها أن توصل في قوله تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً.. وبذي القربى" إلا أن جلّ المسلمين أضاعوا هذا الحق مثل إضاعتهم لغيره من الحقوق، أوأشد، مما جعل الحقد، والبغضاء، والشحناء، تحل محل الإلفة، والمحبة، والرحمة، بين أقرب الأقربين وبين الإخوة في الدين على حد سواء.
ثانيا : الرحم التي أمر الله بها أن توصل نوعان رحم عامة ورحم
ولكل من هذين النوعين حقوق ونوع صلة.
الأول: رحم الدين، وهي رحم عامة تشمل جميع المسلمين، وتتفاوت صلتهم حسب قربهم وبعدهم من الدين ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان والمحبة لأهله ونصرتهم والنصيحة لهم، وترك مضارتهم، والعدل بينهم، والنَّصفة في معاملتهم، والقيام بحقوقهم الواجبة، كتمريض المرضى، وحقوق الموتى من غسلهم، والصلاة عليهم، ودفنهم، وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم ويدل على ذلك قوله تعالى: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم"، فأثبت الله الأخوة الإيمانية لجميع المسلمين
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فيقل خيراً أو ليصمت)) رواه البخاري ومسلم.
أخرج الترمذي عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه والحديث صحيح: ((أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام)).
قال عمرو بن عبَسَة: قدمتُ مكّةَ أوّلَ بعثةِ النبيّ ، فدخلتُ عليه فقلت: ما أنت؟ قال: ((نبيّ))، قلت: وما نبيّ؟ قال: ((أرسَلَني الله))، قلت: بِمَ أرسلك؟ قال: ((بصلةِ الأرحام وكسرِ الأوثان وأن يُوحَّد الله)) رواه الحاكم
وقال أبو ذر : أوصاني خليلي عليه السلام بصلة الرحم وإن أدبرت، وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرًا. وعندما هاجر رسول الله من مكة إلى المدينة حرّضه رجل على غزو بني مدلج، فقال له : ((إن الله قد منعني من بني مدلج بصلتهم الرحم)). وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: (مروا الأقارب أن يتزاوروا، ولا يتجاوروا). وقال بعض العلماء: أمرهم بالتزاور دون التجاور؛ لأن التجاور قد يورث التزاحم على الحقوق، وربما وحشة وقطيعة رحم.
الثاني: رحم القرابة، القريبة والبعيدة، من جهتي الأبوين.
ورحم القرابة من طرفي الرجل أبيه وأمه، فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة، كالنفقة، وتفقد أحوالهم، وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب، وقال بعض أهل العلم: إن الرحم التي تجب صلتها هي كل رحم مَحْرَم، وعليه فلا تجب في بني الأعمام عقوبة ووزر قاطع الرحم في الدنيا والآخرة
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنهما مرفوعاً: أن رجلاً قال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي. فقال: ((لئن كنت كما قلت: فكأنما تسفهم المل. ولا يزال معك من الله ظهير عليهم)) [المل: الرماد].
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (تعلموا أنسابكم ثم صلوا أرحامكم).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (احفظوا أنسابكم تصلوا أرحامكم).
ويشهد لذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وحديقة، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، فلما نزلت هذه الآية لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْء فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [آل عمران:92]. قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، وإن أحب مالي إلي (بيرحاء) وإنها صدقه لله تعالى، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بخٍ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وإني سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين)).
روى الامام احمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الرَّحِمَ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، وَلَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إِذَا انْقَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا "
ذكر ابن الحوش في كتاب المنتظم في تواريخ الأمم أن موسى عليه السلام سأل ربه يريه رفيقه في الجنة فقال تعالى اذهب إلى بلد كذا تجد رجلا قصابا فهو رفيقك في الجنة فلما رآه في حانوته وعنده زنبيل فقال الشاب يا جميل الوجه هل لك أن تكون في ضيافتي قال موسى نعم فانطلق معه إلى منزله فوضع الطعام بين يديه فكلما أكل لقمة وضع في الزنبيل لقمتين فبينما هو كذلك إذا بالباب يطرق فوثب الشاب وترك الزنبيل فنظر موسى فيه وإذا بشيخ وعجوز قد كبرا حتى صارا كالفرخ الذي لا ريش له فلما نظر إلى موسى تبسما وشهدا له بالرسالة ثم ماتا فلما دخل الشاب ونظر إلى الزنبيل قبل يد موسى وقال أنت موسى رسول الله قال ومن أعلمك بذلك قال هذان اللذان كانا في الزنبيل أبوأي قد كبرا فحملتهما في الزنبيل خوفا عليها وكنت لا آكل ولا أشرب إلا بعدهما وكانا يسألان الله كل يوم أن لا يقبضهما حتى ينظرا إلى موسى فلما رأيتهما ماتا علمت أنك موسى رسول الله قال له أبشر فإنك رفيقي في الجنة...
[ ظاهر قطيعة الرحم]
ان ظاهرة قطيعة الرحم من الأمور التي تفشتت في مجتمعات المسلمين، خصوصا في هذه الأعصار المتأخرة التي طغت فيها المادة، وقل فيه التواصي والتزاور، واختلف الاخوة والاقارب علي الميراث فكثير من الناس - والله المستعان- مضيعون لهذا الحق مفرطون فيه.
ولقطيعة الرحم مظاهر عديدة؛ فمن الناس من لا يعرف قرابته بصلة؛ لا بالمال، ولا بالجاه، ولا بالخلق، تمضي الشهور، وربما الأعوام، وما قام بزيارتهم، ولا تودد إليهم بصلة، أو هدية، ولا دفع عنهم حاجة أو ضرورة أو أذية، بل ربما أساء إليهم بالقول أو الفعل، أو بهما جميعا.
ومن الناس من لا يشارك أقاربه في أفراحهم، ولا يواسيهم في أتراحهم، ولا يتصدق على فقيرهم، بل تجده يقدم غيرهم عليهم في الصلات الخاصة، التي هم أحق بها من غيرهم.
ثالثا : من أسباب قطيعة الرحم
ان أسباب قطيعة الرحم إذا نظرت إليها ، وجدت أنها تحدث لأسباب عديدة تحمل على القطيعة؛ منها:
1 - الجهل فالجهل بعواقب القطيعة العاجلة والآجلة يحمل عليها، ويقود إليها، كما أن الجهل بفضائل الصلة العاجلة والآجلة يقصر عنها، ولا يبعث إليها.
2 - ضعف التقوى فإذا ضعفت التقوى، ورق الدين لم يبال المرء بقطع ما أمر الله به أن يوصل، ولم يطمع بأجر الصلة، ولم يخش عاقبة القطيعة ويكون بسبب طمع في حطام الدنيا - كتأخير قسمة الميراث فقد يكون بين الأقارب ميراث لم يقسم؛ إما تكاسلا منهم، أو لأن بعضهم عنده شيء من العناد، أو نحو ذلك.
وكلما تأخر قسم الميراث، وتقادم العهد عليه- شاعت العدواة والبغضاء بين الأقارب؛ فهذا يريد حقه من الميراث ليتوسع به، وهذا آخر يموت ويتعب من بعده في حصر الورثة، وجمع الوكالات حتى يأخذوا نصيبهم من مورثهم، وذاك يسيء الظن بهذا، وهكذا تشتبك الأمور، وتتأزم الأوضاع، وتكثر المشكلات فتحل الفرقة، وتسود القطيعة.
3 - الكبر فبعض الناس إذا نال منصبا رفيعا، أو حاز مكانة عالية، أو كان تاجرا كبيرا- تكبر على أقاربه، وأنف من زيارتهم والتودد إليهم؛ بحيث يرى أنه صاحب الحق، وأنه أولى بأن يزار ويؤتى إليه.
4 - الانقطاع الطويل فهناك من ينقطع عن أقاربه فترة طويلة، فيصيبه من جراء ذلك وحشة منهم، فيبدأ بالتسويف بالزيارة، فيتمادى به الأمر إلى أن ينقطع عنهم بالكلية، فيعتاد القطيعة، ويألف البعد.
5 - العتاب الشديد: فبعض الناس إذا زاره أحد من أقاربه بعد طول انقطاع- أمطر عليه وابلا من اللوم، والعتاب، والتقريع على تقصيره في حقه، وإبطائه في المجيء إليه. ومن هنا تحصل النفرة من ذلك الشخص، والهيبة من المجيء إليه؛ خوفا من لومه، وتقريعه، وشدة عتابه.
6 - التكلف الزائد فهناك من إذا زاره أحد من أقاربه تكلف لهم أكثر من اللازم، وخسر الأموال الطائلة، وأجهد نفسه في إكرامهم، وقد يكون قليل ذات اليد.
ومن هنا تجد أن أقاربه يقصرون عن المجيء إليه؛ خوفا من إيقاعه في الحرج.
7 - قلة الاهتمام بالزائرين فمن الناس من إذا زاره أقاربه لم يبد لهم الاهتمام، ولم يصغ لحديثهم، بل تجده معرضا مشيحا بوجهه عنهم إذا تحدثوا، لا يفرح بمقدمهم، ولا يشكرهم على مجيئهم، ولا يستقبلهم إلا بكل تثاقل وبرود؛ مما يقلل رغبتهم في زيارته.
8 - الشح والبخل فمن الناس من إذا رزقه الله مالا أو جاها- تجده يتهرب من أقاربه، لا كبرا عليهم، وإنما خوفا من أن يفتح الباب عليه من أقاربه، فيبدؤون بالاستدانة منه، ويكثرون الطلبات عليه، أو غير ذلك! .
10 - الشراكة بين الأقارب فكثيرا ما يشترك بعض الأخوة أو الأقارب في مشروع أو شركة ما- دون أن يتفقوا على أسس ثابتة، ودون أن تقوم الشركة على الوضوح والصراحة، بل تقوم على المجاملة، وإحسان الظن. - الاشتغال بالدنيا واللهث وراء حطامها، فلا يجد هذا اللاهث وقتا يصل به قرابته، ويتودد إليهم.
12 - الطلاق بين الأقارب فقد يحدث طلاق بين الأقارب، فتكثر المشكلات بين أهل الزوجين، إما بسبب الأولاد، أو بسبب بعض الأمور المتعلقة بالطلاق، أو غير ذلك.
13 - بعد المسافة والتكاسل عن الزيارة فمن الناس من تنأى به الديار، ويشط به المزار، فيبتعد عن أهله وأقاربه، فإذا ما أراد المجيء إليهم بعدت عليه الشقة، فتثبط عن المجيء والزيارة. .
14 - التقارب في المساكن بين الأقارب فربما أورث ذلك نفرة وقطيعة بين الأقارب، وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- أنه قال: " مروا ذوي القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا)
رابعا : فضل وثواب واصل الرحم في الدنيا والآخرة وشئم قطعها
لقد وعد الله ورسوله واصل الرحم بالفضل العظيم، والأجر الكبير، والثواب الجزيل، من ذلك:
أولاً: في الدنيا
1. فهو موصول بالله عز وجل في الدنيا والآخرة، وعن عائشة رضي الله عنها ترفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرحم شُجْنة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته".". وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله)).
2. يُبسط له في رزقه. . يُنسأ له في أجله - أن يزاد في عمره بسبب صلته لرحمه.
روي البخارى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»
3. تعمر داره روي الامام احمد عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: " إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ "
4. صلة الرحم تدفع عن صاحبها ميتة السوء. روي الامام احمد عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُدْفَعَ عَنْهُ مِيتَةُ السُّوءِ، فَلْيَتَّقِ اللهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " إسناده قوي، وجوده الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب "
5. يحبه الله.. ويحبه أهله. روي الامام الترمذي بسند صحيج عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي المَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ»: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ» يَعْنِي زِيَادَةً فِي الْعُمُرِ
وصلة الرحم توجب صلة الله للواصل ، وتتابع إحسان الله وخيره وعطائه على العبد ، كما دل ذلك الحديث القدسي الذي بدأنا به الموضوع ، وهي من أحب الأعمال إلى الله بعد الإيمان بالله وفي الحديث : قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ثم صلة الرحم ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وأبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله وقطيعة الرحم)) رواه أبو يعلى... ) رواه أبو يعلى
ثانياً: في الآخرة
صلة الرحم سبب من أسباب دخول الجنة مع أول الداخلين، ففي الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله أخبرني بما يدخلني الجنة ويباعد ني عن النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصل رحمك)) فلما أدبر قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن تمسك بما أمرته به دخل الجنة)).شؤم قطيعة الرحم.
عقوبة ووزر قاطع الرحم في الدنيا والآخرة
وقطيعة الرحم ذنب عظيم ، يفصم الروابط بين الناس ، ويشيع العداوة والبغضاء ، ويفكك التماسك الأسري بين الأقارب ، ولأجل ذلك جاءت النصوص بالترهيب من الوقوع في هذا الذنب العظيم ، وأنه من أسباب حلول اللعنة وعمى البصر والبصيرة قال سبحانه : { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } (محمد: 23-22) وأن عقوبته معجلة في الدنيا قبل الآخرة ، قال - صلى الله عليه وسلم - : ( ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ) رواه الترمذي وغيره ، وأنه من أسباب حرمان الجنة ورد الأعمال على صاحبها ، ففي البخاري من حديث جبير بن مطعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يدخل الجنة قاطع
أولاً: في الدنيا
1. لا يرفع له عمل ولا يقبله الله روي الامام احمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ " وفي رواية: "تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس، فيغفر فيهما لمن لا يشرك بالله إلا المهاجرين".
2. لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع
الشر يعم والخير يخص، فلا تنزل رحمة على قوم فيهم قاطع رحم، ولهذا يجب التواصي ببر الآباء وصلة الأرحام، والتحذير من العقوق، فإذا فعلوا ذلك سلموا من هذه العقوبة.
عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لَا تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ " شعب الإيمان
قال الطِّيبي في توجيه ذلك: (يحتمل أن يراد بالقوم الذين يساعدونه على قطيعة الرحم، ولا ينكرون عليه، ويحتمل أن يراد بالرحمة المطر، وأنه يحبس عن الناس بشؤم التقاطع، ولا يدخل في القوم عبد قطع من أمر الله بقطعه، لكن لو وصلوا بما يباح من أمر الدنيا لكان فضلاً، كما رق صلى الله عليه وسلم لأهل مكة لما سألوه برحمهم بعدما دعا عليهم بالقحط، وكما أذن لعمر ولأسماء رضي الله عنهما) ببر أرحامهما من المشركين.
3. تعجيل العقوبة للعاق في الدنيا قبل الآخرة
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَحْرَى وَأَجْدَرَ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ فِيهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْبَغْيِ» المستدرك على الصحيحين
4. أبواب السماء مغلقة دون قاطع الرحم روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان جالساً بعد الصبح في حلقة فقال : " أنشد الله قاطع الرحم لما قام عنا ، فإنا نريد أن ندعو ربنا، وإن أبواب السماء مرتجة - أي مغلقة - دون قاطع الرحم "
ثانياً :اما عقابه في الاخرة فمنها
1. لا يدخل الجنة مع أول الداخلين
من أعظم العقوبات التي يعاقب بها قاطع الرحم أن يحرم من دخول الجنة ، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "لا يدخل الجنة قاطع". (رواه البخاري ومسلم). يعني قاطع رحم.
2 : استحقاق لعنة الله تعالى وغضبه، قال الله تعالى: «وَالَّذينَ يَنقُضونَ عَهدَ اللَّـهِ مِن بَعدِ ميثاقِهِ وَيَقطَعونَ ما أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يوصَلَ وَيُفسِدونَ فِي الأَرضِ أُولـئِكَ لَهُمُ اللَّعنَةُ وَلَهُم سوءُ الدّارِ».
3 : قاطع الرحم لا يمر علي الصراط واللـه إنه لمشهد يخلع القلب ، والحديث فى صحيح مسلم من حديث أبى حذيفة بن اليمان وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( وترسل الأمانة والرحم على جانبى الصراط )) يقول الإمام النووى فى شرحه لصحيح مسلم : وإرسال الأمانة والرحم على جانبى الصراط لتطالب كل من يمر على الصراط بحقها .
ولقد رأينا الإنسان المسلم يأتى إلى المسجد وهو قاطع لأرحامه ، يهين أباه ويهين أمه ، يهين عمه ويهين عمته ، يهين خاله ويهين خالته ، ثم يقول إن أهلى لا يزورنى لا يودونى ، وأنا بالطبع لا أزور أحداً ، إن هذا ما يسمى بتبادل المنافع والمصالح والزيارات ، إن زارك عمك تقدم له زيارة وإن لم يفعل لا تفعل وهكذا ليس هذا بصلة للرحم .
واخيرا صلَة الرَّحِم تخفف الْحساب
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْميُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَقَعَ بَيْنَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ كلامٌ فِي صدر يَوْم، فأغلط فِي الْقَوْلِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ، ثُمَّ افْتَرَقَا وَرَاحَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَالْتَقَيَا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ: كَيْفَ أَمْسَيْتَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، قَالَ: بِخَيْرٍ، كَمَا يَقُولُ الْمُغْضَبُ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! أمَا عَلِمْتَ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ تُخَفِّفُ الْحِسَابَ؟ فَقَالَ: لَا تَزَالُ تَجِيءُ بِالشَّيْءِ لَا نَعْرِفُهُ، قَالَ: فَإِنِّي أَتْلُو عَلَيْكَ بِهِ قُرْآنًا، قَالَ: وَذَلِكَ أَيْضًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَاتِهِ، قَالَ: قَوْلُ اللَّهِ عز وَجل: " الَّذين يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سوء الْحساب ".
قَالَ: فَلا تَرَانِي بَعْدَهَا قَاطِعًا رَحِمًا.
قيل: وجد حجر حين حفر إبراهيم الخليل عليه السلام أساس البيت، مكتوب عليه بالعبرانية، أنا الله ذو بكة خلقت الرحم وشققت لها اسما من أسمائي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته أي قطعته .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعجل الخير ثوابا صلة الرحم» .
وحدثنا أبو سهل عن صالح بن جرير بن عبد الحميد عن منصور، عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه كعب الأحبار أنه قال: والذي فلق البحر لموسى بن عمران إن في التوراة لمكتوبا، يا ابن آدم اتق ربك وبر والديك وصل رحمك، أزد في عمرك، وأيسر لك في يسيرك، وأصرف عنك عسيرك.
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفىء غضب الرب جلّ وعلا، وصلة الرحم تزيد في العمر» .
فصل رحمك رَحمك مولاك، وخالف بذلك نفسك وهواك، واصبر على أذاهم فإن بذلك نبيك أوصاك، وبالغ في الإحسان إلى من أساء إليك منهم تحمد بذلك عقباك، وحسن أخلاقك معهم ترضي خلاقك، وتنل راحتك ويطيب مثواك.
والله المسؤول أن يوفقني وإياكم وجميع المسلمين والمسلمات لما فيه السعادة، وأن يرزقنا الحسنى وزيادة، وصلى الله وسلم على النبي الأواب من جاء بالسنة والكتاب، وعلى آله وصحبه ما دجت الأحلاك ودارت الأفلاك.
جمع وترتيب / ثروت سويف / امام وخطيب ومدرس
اقرأ في هذه الخطبة
اولا : وجوب صلة الارحام والتحذير من قطع الرحم التي أمر الله بوصلها
ثانيا : الرحم التي أمر الله بها أن توصل نوعان رحم عامة ورحم
ثالثا : من أسباب قطيعة الرحم رابعا : فضل وثواب واصل الرحم في الدنيا والآخرة وشئم قطعها
الخطبة الاولي
الحمد لله الملك القدوس السلام الذي أمر بصلة الأرحام، وجعلها من خصال أهل التقى والإسلام. الذين وعدهم بالجنة دار السلام.
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول في محكم الكتاب المجيد: { وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ } [النساء:1]
وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله أتقى الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد
فقد قال الله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً [النساء:1].
تعريف صلة الرحم
الصلة: الوصل، وهو ضد القطع، ويكون الوصل بالمعاملة نحو السلام، وطلاقة الوجه، والبشاشة، والزيارة، وبالمال، ونحوها.
والرحم هم قرابة الرجل من طرفي أبيه وأمه فتجب لهم الحقوق الخاصة، من المحبة والنصرة وعدم القطيعة، والقيام بحقوقهم كتمريض المرضى، وغير ذلك من حقوق المسلمين، وزيادة على ذلك النفقة على المحتاج منهم، وتفقد أحوالهم، وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، حتى إذا تزاحمت الحقوق، بدأ بالأقرب فالأقرب
اولا : وجوب صلة الارحام والتحذير من قطع الرحم التي أمر الله بوصلها
قال القرطبي رحمه الله: (اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة وأن قطيعتها محرمة).
وقال ابن عابدين الحنفي: (صلة الرحم واجبة ولو كانت بسلام، وتحية، وهدية، ومعاونة، ومجالسة، ومكالمة، وتلطف، وإحسان، وإن كان غائباً يصلهم بالمكتوب إليهم، فإن قدر على السير كان أفضل).
والأدلة على ذلك كثيرة، منها:
1. قوله تعالى: " وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]
2. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم، قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة، قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك)) ثم قال رسول الله : ((اقرءوا إن شئتم)) : فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها [محمد:22-24].
3. وجاء في حديث أبي سفيان لهرقل عندما قال له: فما يأمر؟ قال: "يأمرنا بالصلاة، والصدقة، والعفاف، والصلة".
عباد الله : ان صلة الرخم واجبة حتى وإن كانت كافرة، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن لأَبِي طَالِبٍ عِنْدِي رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبِلالِهَا)) كتاب: حديث السراج أي: أصلها بصلتها
وأيضاً قال تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8
وروي البخار من حديث أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ»
لقد أمر الله بصلة الأرحام، والبر والإحسان إليهم، ونهى وحذر عن قطيعتهم والإساءة إليهم، وعدَّ صلى الله عليه وسلم قطيعة الأرحام مانعاً من دخول الجنة مع أول الداخلين، ومُصْلٍ للمسيئين لأرحامهم بنار الجحيم.
على الرغم من وصية الله ورسوله بالأقارب، وعدِّ الإسلام صلة الرحم من الحقوق العشرة التي أمر الله بها أن توصل في قوله تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً.. وبذي القربى" إلا أن جلّ المسلمين أضاعوا هذا الحق مثل إضاعتهم لغيره من الحقوق، أوأشد، مما جعل الحقد، والبغضاء، والشحناء، تحل محل الإلفة، والمحبة، والرحمة، بين أقرب الأقربين وبين الإخوة في الدين على حد سواء.
ثانيا : الرحم التي أمر الله بها أن توصل نوعان رحم عامة ورحم
ولكل من هذين النوعين حقوق ونوع صلة.
الأول: رحم الدين، وهي رحم عامة تشمل جميع المسلمين، وتتفاوت صلتهم حسب قربهم وبعدهم من الدين ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان والمحبة لأهله ونصرتهم والنصيحة لهم، وترك مضارتهم، والعدل بينهم، والنَّصفة في معاملتهم، والقيام بحقوقهم الواجبة، كتمريض المرضى، وحقوق الموتى من غسلهم، والصلاة عليهم، ودفنهم، وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم ويدل على ذلك قوله تعالى: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم"، فأثبت الله الأخوة الإيمانية لجميع المسلمين
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فيقل خيراً أو ليصمت)) رواه البخاري ومسلم.
أخرج الترمذي عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه والحديث صحيح: ((أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام)).
قال عمرو بن عبَسَة: قدمتُ مكّةَ أوّلَ بعثةِ النبيّ ، فدخلتُ عليه فقلت: ما أنت؟ قال: ((نبيّ))، قلت: وما نبيّ؟ قال: ((أرسَلَني الله))، قلت: بِمَ أرسلك؟ قال: ((بصلةِ الأرحام وكسرِ الأوثان وأن يُوحَّد الله)) رواه الحاكم
وقال أبو ذر : أوصاني خليلي عليه السلام بصلة الرحم وإن أدبرت، وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرًا. وعندما هاجر رسول الله من مكة إلى المدينة حرّضه رجل على غزو بني مدلج، فقال له : ((إن الله قد منعني من بني مدلج بصلتهم الرحم)). وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: (مروا الأقارب أن يتزاوروا، ولا يتجاوروا). وقال بعض العلماء: أمرهم بالتزاور دون التجاور؛ لأن التجاور قد يورث التزاحم على الحقوق، وربما وحشة وقطيعة رحم.
الثاني: رحم القرابة، القريبة والبعيدة، من جهتي الأبوين.
ورحم القرابة من طرفي الرجل أبيه وأمه، فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة، كالنفقة، وتفقد أحوالهم، وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب، وقال بعض أهل العلم: إن الرحم التي تجب صلتها هي كل رحم مَحْرَم، وعليه فلا تجب في بني الأعمام عقوبة ووزر قاطع الرحم في الدنيا والآخرة
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنهما مرفوعاً: أن رجلاً قال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي. فقال: ((لئن كنت كما قلت: فكأنما تسفهم المل. ولا يزال معك من الله ظهير عليهم)) [المل: الرماد].
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (تعلموا أنسابكم ثم صلوا أرحامكم).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (احفظوا أنسابكم تصلوا أرحامكم).
ويشهد لذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وحديقة، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، فلما نزلت هذه الآية لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْء فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [آل عمران:92]. قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، وإن أحب مالي إلي (بيرحاء) وإنها صدقه لله تعالى، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بخٍ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وإني سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين)).
روى الامام احمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الرَّحِمَ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، وَلَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إِذَا انْقَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا "
ذكر ابن الحوش في كتاب المنتظم في تواريخ الأمم أن موسى عليه السلام سأل ربه يريه رفيقه في الجنة فقال تعالى اذهب إلى بلد كذا تجد رجلا قصابا فهو رفيقك في الجنة فلما رآه في حانوته وعنده زنبيل فقال الشاب يا جميل الوجه هل لك أن تكون في ضيافتي قال موسى نعم فانطلق معه إلى منزله فوضع الطعام بين يديه فكلما أكل لقمة وضع في الزنبيل لقمتين فبينما هو كذلك إذا بالباب يطرق فوثب الشاب وترك الزنبيل فنظر موسى فيه وإذا بشيخ وعجوز قد كبرا حتى صارا كالفرخ الذي لا ريش له فلما نظر إلى موسى تبسما وشهدا له بالرسالة ثم ماتا فلما دخل الشاب ونظر إلى الزنبيل قبل يد موسى وقال أنت موسى رسول الله قال ومن أعلمك بذلك قال هذان اللذان كانا في الزنبيل أبوأي قد كبرا فحملتهما في الزنبيل خوفا عليها وكنت لا آكل ولا أشرب إلا بعدهما وكانا يسألان الله كل يوم أن لا يقبضهما حتى ينظرا إلى موسى فلما رأيتهما ماتا علمت أنك موسى رسول الله قال له أبشر فإنك رفيقي في الجنة...
[ ظاهر قطيعة الرحم]
ان ظاهرة قطيعة الرحم من الأمور التي تفشتت في مجتمعات المسلمين، خصوصا في هذه الأعصار المتأخرة التي طغت فيها المادة، وقل فيه التواصي والتزاور، واختلف الاخوة والاقارب علي الميراث فكثير من الناس - والله المستعان- مضيعون لهذا الحق مفرطون فيه.
ولقطيعة الرحم مظاهر عديدة؛ فمن الناس من لا يعرف قرابته بصلة؛ لا بالمال، ولا بالجاه، ولا بالخلق، تمضي الشهور، وربما الأعوام، وما قام بزيارتهم، ولا تودد إليهم بصلة، أو هدية، ولا دفع عنهم حاجة أو ضرورة أو أذية، بل ربما أساء إليهم بالقول أو الفعل، أو بهما جميعا.
ومن الناس من لا يشارك أقاربه في أفراحهم، ولا يواسيهم في أتراحهم، ولا يتصدق على فقيرهم، بل تجده يقدم غيرهم عليهم في الصلات الخاصة، التي هم أحق بها من غيرهم.
ثالثا : من أسباب قطيعة الرحم
ان أسباب قطيعة الرحم إذا نظرت إليها ، وجدت أنها تحدث لأسباب عديدة تحمل على القطيعة؛ منها:
1 - الجهل فالجهل بعواقب القطيعة العاجلة والآجلة يحمل عليها، ويقود إليها، كما أن الجهل بفضائل الصلة العاجلة والآجلة يقصر عنها، ولا يبعث إليها.
2 - ضعف التقوى فإذا ضعفت التقوى، ورق الدين لم يبال المرء بقطع ما أمر الله به أن يوصل، ولم يطمع بأجر الصلة، ولم يخش عاقبة القطيعة ويكون بسبب طمع في حطام الدنيا - كتأخير قسمة الميراث فقد يكون بين الأقارب ميراث لم يقسم؛ إما تكاسلا منهم، أو لأن بعضهم عنده شيء من العناد، أو نحو ذلك.
وكلما تأخر قسم الميراث، وتقادم العهد عليه- شاعت العدواة والبغضاء بين الأقارب؛ فهذا يريد حقه من الميراث ليتوسع به، وهذا آخر يموت ويتعب من بعده في حصر الورثة، وجمع الوكالات حتى يأخذوا نصيبهم من مورثهم، وذاك يسيء الظن بهذا، وهكذا تشتبك الأمور، وتتأزم الأوضاع، وتكثر المشكلات فتحل الفرقة، وتسود القطيعة.
3 - الكبر فبعض الناس إذا نال منصبا رفيعا، أو حاز مكانة عالية، أو كان تاجرا كبيرا- تكبر على أقاربه، وأنف من زيارتهم والتودد إليهم؛ بحيث يرى أنه صاحب الحق، وأنه أولى بأن يزار ويؤتى إليه.
4 - الانقطاع الطويل فهناك من ينقطع عن أقاربه فترة طويلة، فيصيبه من جراء ذلك وحشة منهم، فيبدأ بالتسويف بالزيارة، فيتمادى به الأمر إلى أن ينقطع عنهم بالكلية، فيعتاد القطيعة، ويألف البعد.
5 - العتاب الشديد: فبعض الناس إذا زاره أحد من أقاربه بعد طول انقطاع- أمطر عليه وابلا من اللوم، والعتاب، والتقريع على تقصيره في حقه، وإبطائه في المجيء إليه. ومن هنا تحصل النفرة من ذلك الشخص، والهيبة من المجيء إليه؛ خوفا من لومه، وتقريعه، وشدة عتابه.
6 - التكلف الزائد فهناك من إذا زاره أحد من أقاربه تكلف لهم أكثر من اللازم، وخسر الأموال الطائلة، وأجهد نفسه في إكرامهم، وقد يكون قليل ذات اليد.
ومن هنا تجد أن أقاربه يقصرون عن المجيء إليه؛ خوفا من إيقاعه في الحرج.
7 - قلة الاهتمام بالزائرين فمن الناس من إذا زاره أقاربه لم يبد لهم الاهتمام، ولم يصغ لحديثهم، بل تجده معرضا مشيحا بوجهه عنهم إذا تحدثوا، لا يفرح بمقدمهم، ولا يشكرهم على مجيئهم، ولا يستقبلهم إلا بكل تثاقل وبرود؛ مما يقلل رغبتهم في زيارته.
8 - الشح والبخل فمن الناس من إذا رزقه الله مالا أو جاها- تجده يتهرب من أقاربه، لا كبرا عليهم، وإنما خوفا من أن يفتح الباب عليه من أقاربه، فيبدؤون بالاستدانة منه، ويكثرون الطلبات عليه، أو غير ذلك! .
10 - الشراكة بين الأقارب فكثيرا ما يشترك بعض الأخوة أو الأقارب في مشروع أو شركة ما- دون أن يتفقوا على أسس ثابتة، ودون أن تقوم الشركة على الوضوح والصراحة، بل تقوم على المجاملة، وإحسان الظن. - الاشتغال بالدنيا واللهث وراء حطامها، فلا يجد هذا اللاهث وقتا يصل به قرابته، ويتودد إليهم.
12 - الطلاق بين الأقارب فقد يحدث طلاق بين الأقارب، فتكثر المشكلات بين أهل الزوجين، إما بسبب الأولاد، أو بسبب بعض الأمور المتعلقة بالطلاق، أو غير ذلك.
13 - بعد المسافة والتكاسل عن الزيارة فمن الناس من تنأى به الديار، ويشط به المزار، فيبتعد عن أهله وأقاربه، فإذا ما أراد المجيء إليهم بعدت عليه الشقة، فتثبط عن المجيء والزيارة. .
14 - التقارب في المساكن بين الأقارب فربما أورث ذلك نفرة وقطيعة بين الأقارب، وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- أنه قال: " مروا ذوي القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا)
رابعا : فضل وثواب واصل الرحم في الدنيا والآخرة وشئم قطعها
لقد وعد الله ورسوله واصل الرحم بالفضل العظيم، والأجر الكبير، والثواب الجزيل، من ذلك:
أولاً: في الدنيا
1. فهو موصول بالله عز وجل في الدنيا والآخرة، وعن عائشة رضي الله عنها ترفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرحم شُجْنة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته".". وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله)).
2. يُبسط له في رزقه. . يُنسأ له في أجله - أن يزاد في عمره بسبب صلته لرحمه.
روي البخارى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»
3. تعمر داره روي الامام احمد عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: " إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ "
4. صلة الرحم تدفع عن صاحبها ميتة السوء. روي الامام احمد عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُدْفَعَ عَنْهُ مِيتَةُ السُّوءِ، فَلْيَتَّقِ اللهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " إسناده قوي، وجوده الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب "
5. يحبه الله.. ويحبه أهله. روي الامام الترمذي بسند صحيج عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي المَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ»: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ» يَعْنِي زِيَادَةً فِي الْعُمُرِ
وصلة الرحم توجب صلة الله للواصل ، وتتابع إحسان الله وخيره وعطائه على العبد ، كما دل ذلك الحديث القدسي الذي بدأنا به الموضوع ، وهي من أحب الأعمال إلى الله بعد الإيمان بالله وفي الحديث : قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ثم صلة الرحم ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وأبغض الأعمال إلى الله الإشراك بالله وقطيعة الرحم)) رواه أبو يعلى... ) رواه أبو يعلى
ثانياً: في الآخرة
صلة الرحم سبب من أسباب دخول الجنة مع أول الداخلين، ففي الصحيحين عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله أخبرني بما يدخلني الجنة ويباعد ني عن النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصل رحمك)) فلما أدبر قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن تمسك بما أمرته به دخل الجنة)).شؤم قطيعة الرحم.
عقوبة ووزر قاطع الرحم في الدنيا والآخرة
وقطيعة الرحم ذنب عظيم ، يفصم الروابط بين الناس ، ويشيع العداوة والبغضاء ، ويفكك التماسك الأسري بين الأقارب ، ولأجل ذلك جاءت النصوص بالترهيب من الوقوع في هذا الذنب العظيم ، وأنه من أسباب حلول اللعنة وعمى البصر والبصيرة قال سبحانه : { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم } (محمد: 23-22) وأن عقوبته معجلة في الدنيا قبل الآخرة ، قال - صلى الله عليه وسلم - : ( ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ) رواه الترمذي وغيره ، وأنه من أسباب حرمان الجنة ورد الأعمال على صاحبها ، ففي البخاري من حديث جبير بن مطعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يدخل الجنة قاطع
أولاً: في الدنيا
1. لا يرفع له عمل ولا يقبله الله روي الامام احمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَلَا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ " وفي رواية: "تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس، فيغفر فيهما لمن لا يشرك بالله إلا المهاجرين".
2. لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع
الشر يعم والخير يخص، فلا تنزل رحمة على قوم فيهم قاطع رحم، ولهذا يجب التواصي ببر الآباء وصلة الأرحام، والتحذير من العقوق، فإذا فعلوا ذلك سلموا من هذه العقوبة.
عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لَا تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ " شعب الإيمان
قال الطِّيبي في توجيه ذلك: (يحتمل أن يراد بالقوم الذين يساعدونه على قطيعة الرحم، ولا ينكرون عليه، ويحتمل أن يراد بالرحمة المطر، وأنه يحبس عن الناس بشؤم التقاطع، ولا يدخل في القوم عبد قطع من أمر الله بقطعه، لكن لو وصلوا بما يباح من أمر الدنيا لكان فضلاً، كما رق صلى الله عليه وسلم لأهل مكة لما سألوه برحمهم بعدما دعا عليهم بالقحط، وكما أذن لعمر ولأسماء رضي الله عنهما) ببر أرحامهما من المشركين.
3. تعجيل العقوبة للعاق في الدنيا قبل الآخرة
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ الثَّقَفِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَحْرَى وَأَجْدَرَ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ فِيهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْبَغْيِ» المستدرك على الصحيحين
4. أبواب السماء مغلقة دون قاطع الرحم روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان جالساً بعد الصبح في حلقة فقال : " أنشد الله قاطع الرحم لما قام عنا ، فإنا نريد أن ندعو ربنا، وإن أبواب السماء مرتجة - أي مغلقة - دون قاطع الرحم "
ثانياً :اما عقابه في الاخرة فمنها
1. لا يدخل الجنة مع أول الداخلين
من أعظم العقوبات التي يعاقب بها قاطع الرحم أن يحرم من دخول الجنة ، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "لا يدخل الجنة قاطع". (رواه البخاري ومسلم). يعني قاطع رحم.
2 : استحقاق لعنة الله تعالى وغضبه، قال الله تعالى: «وَالَّذينَ يَنقُضونَ عَهدَ اللَّـهِ مِن بَعدِ ميثاقِهِ وَيَقطَعونَ ما أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يوصَلَ وَيُفسِدونَ فِي الأَرضِ أُولـئِكَ لَهُمُ اللَّعنَةُ وَلَهُم سوءُ الدّارِ».
3 : قاطع الرحم لا يمر علي الصراط واللـه إنه لمشهد يخلع القلب ، والحديث فى صحيح مسلم من حديث أبى حذيفة بن اليمان وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( وترسل الأمانة والرحم على جانبى الصراط )) يقول الإمام النووى فى شرحه لصحيح مسلم : وإرسال الأمانة والرحم على جانبى الصراط لتطالب كل من يمر على الصراط بحقها .
ولقد رأينا الإنسان المسلم يأتى إلى المسجد وهو قاطع لأرحامه ، يهين أباه ويهين أمه ، يهين عمه ويهين عمته ، يهين خاله ويهين خالته ، ثم يقول إن أهلى لا يزورنى لا يودونى ، وأنا بالطبع لا أزور أحداً ، إن هذا ما يسمى بتبادل المنافع والمصالح والزيارات ، إن زارك عمك تقدم له زيارة وإن لم يفعل لا تفعل وهكذا ليس هذا بصلة للرحم .
واخيرا صلَة الرَّحِم تخفف الْحساب
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْميُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَقَعَ بَيْنَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ كلامٌ فِي صدر يَوْم، فأغلط فِي الْقَوْلِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ، ثُمَّ افْتَرَقَا وَرَاحَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَالْتَقَيَا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ: كَيْفَ أَمْسَيْتَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، قَالَ: بِخَيْرٍ، كَمَا يَقُولُ الْمُغْضَبُ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! أمَا عَلِمْتَ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ تُخَفِّفُ الْحِسَابَ؟ فَقَالَ: لَا تَزَالُ تَجِيءُ بِالشَّيْءِ لَا نَعْرِفُهُ، قَالَ: فَإِنِّي أَتْلُو عَلَيْكَ بِهِ قُرْآنًا، قَالَ: وَذَلِكَ أَيْضًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَاتِهِ، قَالَ: قَوْلُ اللَّهِ عز وَجل: " الَّذين يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سوء الْحساب ".
قَالَ: فَلا تَرَانِي بَعْدَهَا قَاطِعًا رَحِمًا.
قيل: وجد حجر حين حفر إبراهيم الخليل عليه السلام أساس البيت، مكتوب عليه بالعبرانية، أنا الله ذو بكة خلقت الرحم وشققت لها اسما من أسمائي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته أي قطعته .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعجل الخير ثوابا صلة الرحم» .
وحدثنا أبو سهل عن صالح بن جرير بن عبد الحميد عن منصور، عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه كعب الأحبار أنه قال: والذي فلق البحر لموسى بن عمران إن في التوراة لمكتوبا، يا ابن آدم اتق ربك وبر والديك وصل رحمك، أزد في عمرك، وأيسر لك في يسيرك، وأصرف عنك عسيرك.
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفىء غضب الرب جلّ وعلا، وصلة الرحم تزيد في العمر» .
فصل رحمك رَحمك مولاك، وخالف بذلك نفسك وهواك، واصبر على أذاهم فإن بذلك نبيك أوصاك، وبالغ في الإحسان إلى من أساء إليك منهم تحمد بذلك عقباك، وحسن أخلاقك معهم ترضي خلاقك، وتنل راحتك ويطيب مثواك.
والله المسؤول أن يوفقني وإياكم وجميع المسلمين والمسلمات لما فيه السعادة، وأن يرزقنا الحسنى وزيادة، وصلى الله وسلم على النبي الأواب من جاء بالسنة والكتاب، وعلى آله وصحبه ما دجت الأحلاك ودارت الأفلاك.
جمع وترتيب / ثروت سويف / امام وخطيب ومدرس