عازف الناي
09-20-2022, 12:09 AM
منافع العبادات وأسرارها
(فوائد من مصنفات السعدي)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فهذه فوائد عن منافع العبادات وأسرارها، منتقاة من مصنفات العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، أسأل الله الكريم أن ينفعني وجميع القُرَّاء بها.
من فوائد العبادات:
ومما أمر الله به الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج التي من فوائدها: انشراح الصدر ونوره، وزوال همومه وغمومه، ونشاط البدن وخفته، ونور الوجه، وسعة الرزق، والمحبة في قلوب المؤمنين، وفي الزكاة والصدقة ووجوه الإحسان: زكاة النفس، وتطهيرها، وزوال الوسخ والدرن عنها، ودفع حاجة أخيه المسلم وزيادة بركة ماله ونماؤه، مع ما في هذه الأعمال من عظيم ثواب الله الذي لا يمكن وصفه، ومن حصول رضاه الذي هو أكبر من كل شيءٍ، وزوال سخطه.
وما ذكره الله في كتابه من الأعمال كلها؛ كالجهاد، والصلاة، والصوم، والحج، وبقية الأعمال، والإحسان إلى الخلق، فإنها وإن كان المقصود الأعظم منها نيل رضى الله، وقربه، وثوابه، والإحسان إلى عبيده، فإن فيها صحةً للأبدان، وتمرينًا لها، ورياضةً، وراحةً للنفس، وفرحًا للقلب، وأسرارًا خاصةً تحفظ الصحة، وتُنمِّيها، وتزيل عنها المؤذيات، وبالجملة فإن جميع الشرائع ترجع إلى صلاح القلوب والأرواح، والأخلاق، والأبدان، والأموال، والدنيا والآخرة، والله أعلم.
متى عرَف العبد ما في الطاعات من صلاح القلوب، وزيادة الإيمان، واستكمال الفضائل، وما تثمره من الخيرات والكرامات، وما في المحرمات من الضرر والرذائل، وما توجبه من العقوبات المتنوعة، وعلم ما في أقدار الله من البركة، وما لمن قام بوظيفته فيها من الأجور، هان عليه الصبر على جميع ذلك.
فوائد الاجتماع للعبادات:
وكذلك شرع لعباده الاجتماع للعبادة في مواضع؛ كالصلوات الخمس، والجمعة، والأعياد، ومشاعر الحج، والاجتماع لذكر الله، والعلم النافع، لما في الاجتماع من الاختلاط الذي يوجب التوادُد والتواصل، وزوال التقاطع، والأحقاد بينهم، ومراغمة الشيطان الذي يكره اجتماعهم على الخير، وحصول التنافس في الخيرات، واقتداء بعضهم ببعض، وتعليم بعضهم بعضًا، وتعلم بعضهم من بعض، وكذلك حصول الأجر الكثير الذي لا يحصل بالانفراد، إلى غير ذلك من الحكم.
لولا تكرر الصلاة في اليوم والليلة ليَبسَت شجرة الإيمان:
تأمل ما في الصلاة من الإخلاص لله، والإقبال التام عليه، والثناء والدعاء والخضوع، وأنها من شجرة الإيمان بمنزلة الملاحظة والسقي للبستان، فلولا تكرُّرُ الصلاة في الإيمان في اليوم والليلة ليَبسَت شجرة الإيمان، وذوي عودُه، ولكنها تنمو وتتجدَّدُ بعبوديات الصلاة.
روح الصلاة وكمالها بحضور القلب:
روح الصلاة وكمالها بحضور القلب، وأن يجتهد في تدبر ما يقوله من قراءة وذكر وتسبيح ودعاء، وتدبر ما يفعله من خضوعه لله في ركوعه وسجوده، ويستحضر أنه واقف بين يدي الله يناجيه ويتعبد له، ويحقق مقام الإحسان: أن يعبد الله كأنه يره، فإن لم يَقْوَ على ذلك استحضر أن الله يراه. ويجاهد قلبه عن ذهابه في الأفكار والوساوس التي لا تفيده إلا نقصان صلاته، والله أعلم.
استحباب الصلاة لجميع الآيات التي تقع خارقة للعادة:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذه الآيات التي يرسلها الله..)) فيه: استحباب الصلاة لجميع الآيات التي تقع خارقة للعادة؛ كالزلزلة والظلمة بالنهار، وكثرة الرمي بالشهب.
عدم إفشاء وإعلان الكسوف:
وإن كان يدرك بالحساب...فإن الله يُخوِّف به عباده، فلا ينبغي إفشاؤه وإعلانه؛ لأن ذلك يُؤمِّن الناس، ولا يحدث معهم الخوف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس، ومع ذلك فزع، وخوف الناس وحذرهم.
لا منافاة بين أن يدرك الكسوف بالحساب وأن يكون مما يخوف الله به عباده:
الكسوف...يدرك بالحساب، ولا منافاة بين...أنه يدركه البصير بالحساب، وأن الله يخوف به عباده، فإن الأشياء توجد بوجود أسبابها، مع ما في ذلك من الحِكَم والمصالح العظيمة، ولكن الغلط أن يقال: إنه يقع بموجب الحساب، وليس مما يخوف الله به عباده، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقع في زمنه، قام فزعًا يخشى أن تكون الساعة.
خطبة الكسوف مستحبة في هذا الزمن:
هذا الحديث أجمع ما ورد في صلاة الكسوف [حديث عائشة في الصحيحين] وفيه: أنه خطب، وهل هي خطبة لازمة لصلاة الكسوف...الصحيح: التفصيل، وأنها تستحب للحاجة، وأما مع عدم الحاجة فلا تستحب، ففي زماننا هذا تستحب.
حِكم الزكاة:
انظر إلى حكم الزكاة وما فيها من التخلُّق بأخلاق الكرام؛ من السخاء والجود والبعد عن أخلاق اللئام، والشكر لله على ما أولاه من الإنعام، وحفظ المال من المنغصات الحسية والمعنوية، وما فيها من الإحسان إلى الخلق ومواساة المحتاجين، وسداد المصالح المحتاج إليها، فإن في الزكاة دفع حاجة المضطرين المحتاجين،...وفيها دفع صولة الفقر والفقراء، وفيها الثقة بخلف الله، والرجاء لثوابه، وتصديق موعوده.
فوائد الزكاة:
الزكاة أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، شرعها الله رحمة بعباده، لكثرة منافعها الكلية والجزئية، ولهذا سميت زكاة؛ لأنها تزكي صاحبها فيزداد إيمانه، ويتم إسلامه، ويتخلق بأخلاق الكرماء، ويتخلى من أخلاق اللؤماء، وتطهره من الذنوب، ويكثر أجره وثوابه وقربه من الله، ويبارك الله في أعماله، وتزكو حسناته، وتقبل طاعاته، ويدخل في غمار المحسنين، فالزكاة أصل الإحسان إلى الخلق، وكذلك تزكي المال المخرج منه بحفظه من الآفات، واستخلاصه من مخالطة السحت الذي ينسحت ويسحت ما خالطه، ويبارك فيه، فإنه وإن نقصته الزكاة حسًّا فإنها زادته معنى؛ لأنه ذهب خبثه وكدره، وبقي صافيًا، صالحًا للنمو، واستمر على الدوام، كما ذكر النبي صلى الله عليه هذا المعنى بقوله: ((ما نقصت صدقة من مال))، بل تزيده، بل تزيده؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39].
فوائد الصيام:
أما حكمة الصيام: ذكر الله في ذلك معنًى جامعًا، فقال: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183] يجمع جميع ما قاله الناس في حكمة الصيام، فإن التقوى اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من المحبوبات وترك المنهيات، فالصيام الطريق الأعظم للوصول إلى هذه الغاية، التي هي غاية سعادة العبد في دينه ودنياه وآخرته، فالصائم يتقرب إلى الله بترك المشتهيات تقديمًا لمحبته على محبة النفس.
ولهذا اختصه الله من بين الأعمال حيث أضافه إلى نفسه في الحديث الصحيح، وهو من أصول التقوى؛ إذ الإسلام لا يتم بدونه، وفيه من زيادة الإيمان وحصول الصبر والتمرن على المشقات المقربة إلى رب السموات، وأنه سبب لكثرة الحسنات من صلاة وقراءة وذكر وصدقة،...وفيه من ردع النفس عن الأمور المحرمة من الأفعال المحرمة والكلام المحرم ما هو عماد التقوى.
حِكم الصوم:
وفي الصوم من تمرين النفوس على ترك محبوبها الذي ألفته، حُبًّا لله، وتقربًا، وتعويد النفوس وتمرينها على قوة العزيمة والصبر.
وفيه تقوية داعي الإخلاص، وتحقيق محبته على محبة النفس؛ ولذلك كان الصوم لله، اختصه لنفسه من بين سائر الأعمال.
أسرار وحكم الحج:
حقيقة الحج هو استزارة الرب لأحبابه ووفود بيته، وأنه أوفدهم إلى كرامته، ودعاهم إلى فضله وإحسانه، ليسبغ عليهم من النعم والكرامات وأصناف الهبات ما لا تدركه العبارة ولا يحيط به الوصف. فنوَّع لهم الأنساك والمشاعر لينوِّع لهم الإحسان، ونقلهم من كرامة إلى كرامة، ومن مائدة من موائد فضله إلى مائدة من موائد كرمه؛ ولهذا كل نوع من هذه العبادات له خاصية وسرٌّ وزيادة فضل وإيمان وتحقيق وإحسان، ليس للآخر، وكل واحد منها مضطر إليه الوافد لهذا البيت.
فتارة يطوف على بيت ربه ويكرر ذلك، يترضى لربه، ويتملق له، ويطوف بفنائه، ويخضع لعظمته. وتارة يسعى بين الصفا والمروة، يتردد بين هذين المشعرين العظيمين اللذين كم تردَّد بينهما من رسول ونبي، وكم سعا بينهما من ولي لله وصفي.
وتارة يقف بالمشعر الحلال، وهو عرفة. وتارة بالمشعر الحرام، وهو مزدلفة، يبدي ما في وسعه من خشية وخضوع وخشوع وإنابة وانجذاب تام إلى ربه، وشدة نزوع يتضرع فيها إلى مولاه، ويسأله مصالح دينه ودنياه، يقف فيها موقف السائل المسكين الذليل ويطمع غاية الطمع في كرم المولى الجليل، وتارة يثني على ربه ويسبحه ويهلله، وتارة يذكر من مِنَن مولاه ما أسبغه وحباه وجلله، وتارة يسأل ربه أن يصلح قلبه بالمحبة والإنابة والإخلاص والنصيحة، ويعيذه من مساوئ الأخلاق والأعمال القبيحة، وتارة يرمي الجمرات تنبيهًا إلى رمي الخطايا ومراغمة العدو المبين، ويقف عندها طالبًا الرحمة والغفران من الملك الحق المبين.
فأفعال الحج وأقواله كلها أسرار وحكم، المقصود منها القيام بالعبودية المتنوعة والإخلاص للمعبود، فالحج مبناه على الحب والإخلاص والتوحيد والثناء والذكر.
حِكم الحج:
الحج...فرضه العليم الحكيم الحميد في جميع ما شرعه وخلقه، واختص هذا البيت الحرام، وأضافه إلى نفسه، وجعل فيه وفي عرصاته والمشاعر التابعة له من الحكم والأسرار ولطائف المعارف ما يضيق علم العبد عن معرفته، وحسبك أنه جعله قيامًا للناس، به تقوم أحوالهم ويقوم دينهم ودنياهم، فلولا وجود بيته في الأرض وعمارته بالحج والعمرة وأنواع التعبدات لآذن هذا العالم بالخراب، ولهذا من أمارات الساعة واقترابها هدمه بعد عمارته، وتركه بعد زيارته؛ لأن الحج مبني على المحبة والتوحيد الذي هو أصل الأصول كلها، فمن حين يدخل فيه الإنسان يقول: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك))، ولا يزال هذا الذكر وتوابعه حتى يفرغ، ولهذا قال جابر رضي الله عنه: فأهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد؛ لأن قول الملبي: ((لبيك اللهم لبيك))، التزام لعبودية ربه، وتكرير لهذا الالتزام بطمأنينة نفس، وانشراح صدر، ثم إثبات جميع المحامد، وأنواع الثناء، والملك العظيم لله تعالى، ونفي الشريك عنه في ألوهيته وربوبيته وحمده وملكه، وهذا حقيقة التوحيد، وهو حقيقة المحبة؛ لأنه استزارة المحب لأحبابه، وإيفادهم إليه ليحظوا بالوصول إلى بيته، ويتمتعوا بالتنوع في عبوديته، والذل له، والانكسار بين يديه، وسؤالهم جميع مطالبهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية في تلك المشاعر العظام والمواقف الكرام؛ ليجزل لهم من قراه وكرمه، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وليحط عنهم خطاياهم، ويرجعهم كما ولدتهم أمهاتهم، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، ولتحقيق محبتهم لربهم بإنفاق نفائس أموالهم، وبذل مهجهم بالوصول إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس.
فوائد الحج:
وأما ما في الحج من بذل الأموال، وتحمل المشقات، والتعرض للأخطار والصعوبات، طلبًا لرضى الله، والوفادة على الله، والتملق له في بيته وفي عرصاته، والتنوع في عبوديات الله في تلك المشاعر التي هي موائد مدَّها الله لعباده ووفود بيته وما فيها من التعظيم والخضوع التام لله، والتذكر لأحوال الأنبياء والمرسلين، والأصفياء والمخلصين، وتقوية الإيمان بهم، وشدة التعلق بمحبتهم.
وما فيها من التعارف بين المسلمين، والسعي في جمع كلمتهم، واتفاقهم على مصالحهم الخاصة والعامة مما لا يمكن تعداده، فإنه من أعظم محاسن الدين، وأجلِّ الفوائد الحاصلة للمؤمنين.
المراجع: كتب الشيخ التي تمَّ الرجوع إليها:
• القواعد الفقهية.
• الدرة المختصرة في محاسن الدين الإسلامي.
• شرح عمدة الأحكام.
• الإرشاد إلى معرفة الأحكام.
• الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة.
• القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن.
• نور البصائر والألباب.
(فوائد من مصنفات السعدي)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فهذه فوائد عن منافع العبادات وأسرارها، منتقاة من مصنفات العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، أسأل الله الكريم أن ينفعني وجميع القُرَّاء بها.
من فوائد العبادات:
ومما أمر الله به الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج التي من فوائدها: انشراح الصدر ونوره، وزوال همومه وغمومه، ونشاط البدن وخفته، ونور الوجه، وسعة الرزق، والمحبة في قلوب المؤمنين، وفي الزكاة والصدقة ووجوه الإحسان: زكاة النفس، وتطهيرها، وزوال الوسخ والدرن عنها، ودفع حاجة أخيه المسلم وزيادة بركة ماله ونماؤه، مع ما في هذه الأعمال من عظيم ثواب الله الذي لا يمكن وصفه، ومن حصول رضاه الذي هو أكبر من كل شيءٍ، وزوال سخطه.
وما ذكره الله في كتابه من الأعمال كلها؛ كالجهاد، والصلاة، والصوم، والحج، وبقية الأعمال، والإحسان إلى الخلق، فإنها وإن كان المقصود الأعظم منها نيل رضى الله، وقربه، وثوابه، والإحسان إلى عبيده، فإن فيها صحةً للأبدان، وتمرينًا لها، ورياضةً، وراحةً للنفس، وفرحًا للقلب، وأسرارًا خاصةً تحفظ الصحة، وتُنمِّيها، وتزيل عنها المؤذيات، وبالجملة فإن جميع الشرائع ترجع إلى صلاح القلوب والأرواح، والأخلاق، والأبدان، والأموال، والدنيا والآخرة، والله أعلم.
متى عرَف العبد ما في الطاعات من صلاح القلوب، وزيادة الإيمان، واستكمال الفضائل، وما تثمره من الخيرات والكرامات، وما في المحرمات من الضرر والرذائل، وما توجبه من العقوبات المتنوعة، وعلم ما في أقدار الله من البركة، وما لمن قام بوظيفته فيها من الأجور، هان عليه الصبر على جميع ذلك.
فوائد الاجتماع للعبادات:
وكذلك شرع لعباده الاجتماع للعبادة في مواضع؛ كالصلوات الخمس، والجمعة، والأعياد، ومشاعر الحج، والاجتماع لذكر الله، والعلم النافع، لما في الاجتماع من الاختلاط الذي يوجب التوادُد والتواصل، وزوال التقاطع، والأحقاد بينهم، ومراغمة الشيطان الذي يكره اجتماعهم على الخير، وحصول التنافس في الخيرات، واقتداء بعضهم ببعض، وتعليم بعضهم بعضًا، وتعلم بعضهم من بعض، وكذلك حصول الأجر الكثير الذي لا يحصل بالانفراد، إلى غير ذلك من الحكم.
لولا تكرر الصلاة في اليوم والليلة ليَبسَت شجرة الإيمان:
تأمل ما في الصلاة من الإخلاص لله، والإقبال التام عليه، والثناء والدعاء والخضوع، وأنها من شجرة الإيمان بمنزلة الملاحظة والسقي للبستان، فلولا تكرُّرُ الصلاة في الإيمان في اليوم والليلة ليَبسَت شجرة الإيمان، وذوي عودُه، ولكنها تنمو وتتجدَّدُ بعبوديات الصلاة.
روح الصلاة وكمالها بحضور القلب:
روح الصلاة وكمالها بحضور القلب، وأن يجتهد في تدبر ما يقوله من قراءة وذكر وتسبيح ودعاء، وتدبر ما يفعله من خضوعه لله في ركوعه وسجوده، ويستحضر أنه واقف بين يدي الله يناجيه ويتعبد له، ويحقق مقام الإحسان: أن يعبد الله كأنه يره، فإن لم يَقْوَ على ذلك استحضر أن الله يراه. ويجاهد قلبه عن ذهابه في الأفكار والوساوس التي لا تفيده إلا نقصان صلاته، والله أعلم.
استحباب الصلاة لجميع الآيات التي تقع خارقة للعادة:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذه الآيات التي يرسلها الله..)) فيه: استحباب الصلاة لجميع الآيات التي تقع خارقة للعادة؛ كالزلزلة والظلمة بالنهار، وكثرة الرمي بالشهب.
عدم إفشاء وإعلان الكسوف:
وإن كان يدرك بالحساب...فإن الله يُخوِّف به عباده، فلا ينبغي إفشاؤه وإعلانه؛ لأن ذلك يُؤمِّن الناس، ولا يحدث معهم الخوف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس، ومع ذلك فزع، وخوف الناس وحذرهم.
لا منافاة بين أن يدرك الكسوف بالحساب وأن يكون مما يخوف الله به عباده:
الكسوف...يدرك بالحساب، ولا منافاة بين...أنه يدركه البصير بالحساب، وأن الله يخوف به عباده، فإن الأشياء توجد بوجود أسبابها، مع ما في ذلك من الحِكَم والمصالح العظيمة، ولكن الغلط أن يقال: إنه يقع بموجب الحساب، وليس مما يخوف الله به عباده، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقع في زمنه، قام فزعًا يخشى أن تكون الساعة.
خطبة الكسوف مستحبة في هذا الزمن:
هذا الحديث أجمع ما ورد في صلاة الكسوف [حديث عائشة في الصحيحين] وفيه: أنه خطب، وهل هي خطبة لازمة لصلاة الكسوف...الصحيح: التفصيل، وأنها تستحب للحاجة، وأما مع عدم الحاجة فلا تستحب، ففي زماننا هذا تستحب.
حِكم الزكاة:
انظر إلى حكم الزكاة وما فيها من التخلُّق بأخلاق الكرام؛ من السخاء والجود والبعد عن أخلاق اللئام، والشكر لله على ما أولاه من الإنعام، وحفظ المال من المنغصات الحسية والمعنوية، وما فيها من الإحسان إلى الخلق ومواساة المحتاجين، وسداد المصالح المحتاج إليها، فإن في الزكاة دفع حاجة المضطرين المحتاجين،...وفيها دفع صولة الفقر والفقراء، وفيها الثقة بخلف الله، والرجاء لثوابه، وتصديق موعوده.
فوائد الزكاة:
الزكاة أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، شرعها الله رحمة بعباده، لكثرة منافعها الكلية والجزئية، ولهذا سميت زكاة؛ لأنها تزكي صاحبها فيزداد إيمانه، ويتم إسلامه، ويتخلق بأخلاق الكرماء، ويتخلى من أخلاق اللؤماء، وتطهره من الذنوب، ويكثر أجره وثوابه وقربه من الله، ويبارك الله في أعماله، وتزكو حسناته، وتقبل طاعاته، ويدخل في غمار المحسنين، فالزكاة أصل الإحسان إلى الخلق، وكذلك تزكي المال المخرج منه بحفظه من الآفات، واستخلاصه من مخالطة السحت الذي ينسحت ويسحت ما خالطه، ويبارك فيه، فإنه وإن نقصته الزكاة حسًّا فإنها زادته معنى؛ لأنه ذهب خبثه وكدره، وبقي صافيًا، صالحًا للنمو، واستمر على الدوام، كما ذكر النبي صلى الله عليه هذا المعنى بقوله: ((ما نقصت صدقة من مال))، بل تزيده، بل تزيده؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39].
فوائد الصيام:
أما حكمة الصيام: ذكر الله في ذلك معنًى جامعًا، فقال: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183] يجمع جميع ما قاله الناس في حكمة الصيام، فإن التقوى اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من المحبوبات وترك المنهيات، فالصيام الطريق الأعظم للوصول إلى هذه الغاية، التي هي غاية سعادة العبد في دينه ودنياه وآخرته، فالصائم يتقرب إلى الله بترك المشتهيات تقديمًا لمحبته على محبة النفس.
ولهذا اختصه الله من بين الأعمال حيث أضافه إلى نفسه في الحديث الصحيح، وهو من أصول التقوى؛ إذ الإسلام لا يتم بدونه، وفيه من زيادة الإيمان وحصول الصبر والتمرن على المشقات المقربة إلى رب السموات، وأنه سبب لكثرة الحسنات من صلاة وقراءة وذكر وصدقة،...وفيه من ردع النفس عن الأمور المحرمة من الأفعال المحرمة والكلام المحرم ما هو عماد التقوى.
حِكم الصوم:
وفي الصوم من تمرين النفوس على ترك محبوبها الذي ألفته، حُبًّا لله، وتقربًا، وتعويد النفوس وتمرينها على قوة العزيمة والصبر.
وفيه تقوية داعي الإخلاص، وتحقيق محبته على محبة النفس؛ ولذلك كان الصوم لله، اختصه لنفسه من بين سائر الأعمال.
أسرار وحكم الحج:
حقيقة الحج هو استزارة الرب لأحبابه ووفود بيته، وأنه أوفدهم إلى كرامته، ودعاهم إلى فضله وإحسانه، ليسبغ عليهم من النعم والكرامات وأصناف الهبات ما لا تدركه العبارة ولا يحيط به الوصف. فنوَّع لهم الأنساك والمشاعر لينوِّع لهم الإحسان، ونقلهم من كرامة إلى كرامة، ومن مائدة من موائد فضله إلى مائدة من موائد كرمه؛ ولهذا كل نوع من هذه العبادات له خاصية وسرٌّ وزيادة فضل وإيمان وتحقيق وإحسان، ليس للآخر، وكل واحد منها مضطر إليه الوافد لهذا البيت.
فتارة يطوف على بيت ربه ويكرر ذلك، يترضى لربه، ويتملق له، ويطوف بفنائه، ويخضع لعظمته. وتارة يسعى بين الصفا والمروة، يتردد بين هذين المشعرين العظيمين اللذين كم تردَّد بينهما من رسول ونبي، وكم سعا بينهما من ولي لله وصفي.
وتارة يقف بالمشعر الحلال، وهو عرفة. وتارة بالمشعر الحرام، وهو مزدلفة، يبدي ما في وسعه من خشية وخضوع وخشوع وإنابة وانجذاب تام إلى ربه، وشدة نزوع يتضرع فيها إلى مولاه، ويسأله مصالح دينه ودنياه، يقف فيها موقف السائل المسكين الذليل ويطمع غاية الطمع في كرم المولى الجليل، وتارة يثني على ربه ويسبحه ويهلله، وتارة يذكر من مِنَن مولاه ما أسبغه وحباه وجلله، وتارة يسأل ربه أن يصلح قلبه بالمحبة والإنابة والإخلاص والنصيحة، ويعيذه من مساوئ الأخلاق والأعمال القبيحة، وتارة يرمي الجمرات تنبيهًا إلى رمي الخطايا ومراغمة العدو المبين، ويقف عندها طالبًا الرحمة والغفران من الملك الحق المبين.
فأفعال الحج وأقواله كلها أسرار وحكم، المقصود منها القيام بالعبودية المتنوعة والإخلاص للمعبود، فالحج مبناه على الحب والإخلاص والتوحيد والثناء والذكر.
حِكم الحج:
الحج...فرضه العليم الحكيم الحميد في جميع ما شرعه وخلقه، واختص هذا البيت الحرام، وأضافه إلى نفسه، وجعل فيه وفي عرصاته والمشاعر التابعة له من الحكم والأسرار ولطائف المعارف ما يضيق علم العبد عن معرفته، وحسبك أنه جعله قيامًا للناس، به تقوم أحوالهم ويقوم دينهم ودنياهم، فلولا وجود بيته في الأرض وعمارته بالحج والعمرة وأنواع التعبدات لآذن هذا العالم بالخراب، ولهذا من أمارات الساعة واقترابها هدمه بعد عمارته، وتركه بعد زيارته؛ لأن الحج مبني على المحبة والتوحيد الذي هو أصل الأصول كلها، فمن حين يدخل فيه الإنسان يقول: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك))، ولا يزال هذا الذكر وتوابعه حتى يفرغ، ولهذا قال جابر رضي الله عنه: فأهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد؛ لأن قول الملبي: ((لبيك اللهم لبيك))، التزام لعبودية ربه، وتكرير لهذا الالتزام بطمأنينة نفس، وانشراح صدر، ثم إثبات جميع المحامد، وأنواع الثناء، والملك العظيم لله تعالى، ونفي الشريك عنه في ألوهيته وربوبيته وحمده وملكه، وهذا حقيقة التوحيد، وهو حقيقة المحبة؛ لأنه استزارة المحب لأحبابه، وإيفادهم إليه ليحظوا بالوصول إلى بيته، ويتمتعوا بالتنوع في عبوديته، والذل له، والانكسار بين يديه، وسؤالهم جميع مطالبهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية في تلك المشاعر العظام والمواقف الكرام؛ ليجزل لهم من قراه وكرمه، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وليحط عنهم خطاياهم، ويرجعهم كما ولدتهم أمهاتهم، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، ولتحقيق محبتهم لربهم بإنفاق نفائس أموالهم، وبذل مهجهم بالوصول إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس.
فوائد الحج:
وأما ما في الحج من بذل الأموال، وتحمل المشقات، والتعرض للأخطار والصعوبات، طلبًا لرضى الله، والوفادة على الله، والتملق له في بيته وفي عرصاته، والتنوع في عبوديات الله في تلك المشاعر التي هي موائد مدَّها الله لعباده ووفود بيته وما فيها من التعظيم والخضوع التام لله، والتذكر لأحوال الأنبياء والمرسلين، والأصفياء والمخلصين، وتقوية الإيمان بهم، وشدة التعلق بمحبتهم.
وما فيها من التعارف بين المسلمين، والسعي في جمع كلمتهم، واتفاقهم على مصالحهم الخاصة والعامة مما لا يمكن تعداده، فإنه من أعظم محاسن الدين، وأجلِّ الفوائد الحاصلة للمؤمنين.
المراجع: كتب الشيخ التي تمَّ الرجوع إليها:
• القواعد الفقهية.
• الدرة المختصرة في محاسن الدين الإسلامي.
• شرح عمدة الأحكام.
• الإرشاد إلى معرفة الأحكام.
• الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة.
• القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن.
• نور البصائر والألباب.