حكاية ناي ♔
01-10-2023, 08:33 AM
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد كانت هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم حدثا عظيمًا غيَّر مجرى التاريخ، بل جُعل التأريخ الإسلامي مرتبطًا بهذا الحدث العظيم.
ومن تأمل في هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم وأحداثها، وجد فيها الدروس العظيمة، والأحكام والعبر، ومنها:
• أن المسلم لو مُنِع من عبادة الله تعالى وأداء ما افترضه الله عليه في أي بلد، لوجب عليه أن يهاجر ويخرج منها فرارًا بدينه، ولو كانت مسقط رأسه، ومحل نشأته، وأرض أجداده، فأرض الله واسعة، ولا حجة للبقاء في بلد يُمنع المسلم فيه من عبادة ربه، إلا في حال العجز عن الهجرة.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 97].
فلم يأذن الله بالبقاء في بلد يصدُّ عن دين الله إلا للمستضعفين الذين لا حيلة لهم ولا يجدون سبيلًا للخروج إلى أرض أخرى.
فالهجرة باقية إلى قيام الساعة كما قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تنقطِعُ الهجرةُ حتَّى تنقَطعَ التَّوبةُ، ولا تنقطِعُ التَّوبةُ حتَّى تطلِعَ الشَّمسُ مِن مغربِها))؛ رواه أبو داود وصححه الألباني.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: المساكن بحسب سكانها، فهجرة الإنسان من مكان الكفر والمعاصي إلى مكان الإيمان والطاعة، كتوبته وانتقاله من الكفر والمعصية إلى الإيمان والطاعة، وهذا أمر باقٍ إلى يوم القيامة، والله تعالى قال: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ ﴾ [الأنفال: 75] اهـ.
• والمتأمل في هجرة نبينا صلى الله عليه يمتلئ قلبه محبة وتوقيرًا وشوقًا لنبيه؛ لما يرى من حجم التضحيات التي بذلها صلى الله عليه وسلم لتبليغ الرسالة ونشر الدين في هذه الأمة.
عاداه قومه وآذوا من آمن به، وأوذي مِن أقرب الناس إليه، حتى اضطُر إلى أن يترك بلده، وأحبَّ البقاع إلى الله، التي فيها بيت الله الحرام، وقِبلة المسلمين.
وقد قال: ((واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ، وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إلى اللَّهِ، ولولا أنِّي أُخرِجتُ منكِ ما خرجتُ))؛ رواه الترمذي وصححه الألباني.
لقد بذل نفسه وماله وجهده، وعرَّض نفسه للخطر من أجل تبليغ رسالة ربه، فهل أدركنا فضله علينا وعلى الأمة؟ وهل أدركنا كيف وصل إلينا هذا الدين؟
فإذا قرأنا أو سمعنا عن تلك التضحيات العظيمة، استشعرنا نعمة الإسلام، وإذا عرفنا نعمة الإسلام وجب أن نستقيم عليه ونتمسك به، ونضحي من أجله وندعو إليه.
أيها الأحبة الكرام:
• من هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم نتعلم معنى التوكل على الله تعالى، والثقة به، فحينما وقف المشركون على باب الغار قال الصدِّيق رضي الله عنه: لو أنَّ أحدَهم ينظرُ إلى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنا تحتَ قَدَمَيْهِ! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا بكرٍ، ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُما))؛ رواه البخاري.
فما أعظمه من توكل، وما أعظمها من ثقة بمعية الله! وفي ذلك الحدث أنزل الله آيات نتلوها في كتابه، قال سبحانه:
﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40].
• ومن هجرته صلى الله عليه وسلم نتعلم أن العمل بالأسباب لا ينافي التوكل على الله، فلو شاء الله تعالى لأبقاه في مكة دون أن يؤذى من أحد، ولَما اضطُر لأن يهاجر، لكنه جعله يعمل بأسباب النجاة كالهجرة والتخفي فيها مع عدم الاعتماد على الأسباب، كما أمر نوحًا عليه السلام أن يصنع السفينة فأنجاه بها، وأمر الله موسى عليه السلام أن يضرب البحر فانفلق له، وأمر مريم عليها السلام أن تهز جذع النخلة لتساقط عليها الرطب، وهي امرأة ضعيفة وقد كان يأتيها رزقها من غير تكسب، فهذه دروس في العمل بالأسباب كما قيل:
ألَمْ تَرَ أنَّ اللهَ قَالَ لِمَرْيَمٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَهُزِّي إِلَيْكِ الجِذْعَ يَسَّاقَطِ الرُّطَبْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلَوْ شَاءَ أَنْ تَجْنِيهِ مِنْ غَيْرِ هزه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
جَنَتْهُ وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ سَبَبْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
• ومن دروس الهجرة أن التمكين يأتي بعد الصبر والتضحية، قال سبحانه:
﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51].
وأن طريق الحق محفوف بالمصاعب والعقبات، والفتن والابتلاءات، كما قال سبحانه: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214].
• ومما يستفاد من الهجرة معرفة فضل الصدِّيق رضي الله عنه وأرضاه، حيث اختاره الله تعالى وشرَّفه لصحبة خير أنبيائه.
وما بذله هو وأبناؤه من التضحيات في سبيل إنجاح الهجرة، خير دليل على حبه الشديد للنبي صلى الله عليه وسلم، وإيمانه الراسخ الذي استحق به وبغيره من الفضائل أن يكون خليفته من بعده، وأحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الرجال، فقد سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ قال: ((عائشة))، فقيل: من الرجال؟ قال: ((أبوها))؛ رواه الشيخان.
أيها الأحبة الكرام:
أول شهر في العام الهجري شهر الله المحرم، أحد الأشهر الحُرُم الأربعة التي أمر الله تعالى بتعظيمها، قال سبحانه:
﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36].
قال الإمام القرطبي رحمه الله:
لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب؛ لأن الله سبحانه إذا عظَّم شيئًا من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة، وإذا عظَّمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة، فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيئ، كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح ا.هـ.
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله:
إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء ا.هـ.
أيها الإخوة الكرام:
مما يدل على فضل شهر محرَّم أنه أضيف إلى الله تعالى فسُمِّي بشهرِ اللهِ المُحَرَّمِ، وفي ذلك تشريف له.
ومن فضل شهر محرم أنه يتأكد صيام التطوع فيه أكثر من غيره من الشهور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (( أَفْضَلُ الصِّيامِ بَعْدَ رَمَضانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ )) رواه مسلم.
وفي شهر محرم يوم عاشوراء اليوم الذي نجَّا الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، وقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه.
عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: (قَدِمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ، فوجد اليهودَ يصومون يومَ عاشوراءَ، فسُئِلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليومُ الذي أظهر اللهُ فيه موسى وبني إسرائيلَ على فِرعونَ؛ فنحن نصومُه تعظيمًا له، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((نحن أَولى بموسى منكم))، فأمَرَ بصيامِه (رواه الشيخان.
وكان صومه واجبًا حتى فُرِض صوم رمضان، فنُسخ الوجوب وبقي صومه مستحبًّا، ومن صامه كفَّر الله عنه سيئات السنة الماضية، ففي الحديث: (سُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ عَاشُورَاءَ؟ فَقالَ: ((يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ))؛ رواه مسلم.
ويستحب صيام يوم قبله أو يوم بعده مخالفة لليهود؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في عامه الأخير: ((لئن عشت إلى قابل لأصومنَّ التاسع))؛ وذلك ليخالف اليهود؛ لأنهم يصومونه.
فمن كان قادرًا فليغتنم الصيام فيه، لا سيما يوم عاشوراء ويوم قبله أو بعده، نسأل الله أن يجعلنا من السابقين المسارعين في الخيرات.
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد كانت هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم حدثا عظيمًا غيَّر مجرى التاريخ، بل جُعل التأريخ الإسلامي مرتبطًا بهذا الحدث العظيم.
ومن تأمل في هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم وأحداثها، وجد فيها الدروس العظيمة، والأحكام والعبر، ومنها:
• أن المسلم لو مُنِع من عبادة الله تعالى وأداء ما افترضه الله عليه في أي بلد، لوجب عليه أن يهاجر ويخرج منها فرارًا بدينه، ولو كانت مسقط رأسه، ومحل نشأته، وأرض أجداده، فأرض الله واسعة، ولا حجة للبقاء في بلد يُمنع المسلم فيه من عبادة ربه، إلا في حال العجز عن الهجرة.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 97].
فلم يأذن الله بالبقاء في بلد يصدُّ عن دين الله إلا للمستضعفين الذين لا حيلة لهم ولا يجدون سبيلًا للخروج إلى أرض أخرى.
فالهجرة باقية إلى قيام الساعة كما قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تنقطِعُ الهجرةُ حتَّى تنقَطعَ التَّوبةُ، ولا تنقطِعُ التَّوبةُ حتَّى تطلِعَ الشَّمسُ مِن مغربِها))؛ رواه أبو داود وصححه الألباني.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: المساكن بحسب سكانها، فهجرة الإنسان من مكان الكفر والمعاصي إلى مكان الإيمان والطاعة، كتوبته وانتقاله من الكفر والمعصية إلى الإيمان والطاعة، وهذا أمر باقٍ إلى يوم القيامة، والله تعالى قال: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ ﴾ [الأنفال: 75] اهـ.
• والمتأمل في هجرة نبينا صلى الله عليه يمتلئ قلبه محبة وتوقيرًا وشوقًا لنبيه؛ لما يرى من حجم التضحيات التي بذلها صلى الله عليه وسلم لتبليغ الرسالة ونشر الدين في هذه الأمة.
عاداه قومه وآذوا من آمن به، وأوذي مِن أقرب الناس إليه، حتى اضطُر إلى أن يترك بلده، وأحبَّ البقاع إلى الله، التي فيها بيت الله الحرام، وقِبلة المسلمين.
وقد قال: ((واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ، وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إلى اللَّهِ، ولولا أنِّي أُخرِجتُ منكِ ما خرجتُ))؛ رواه الترمذي وصححه الألباني.
لقد بذل نفسه وماله وجهده، وعرَّض نفسه للخطر من أجل تبليغ رسالة ربه، فهل أدركنا فضله علينا وعلى الأمة؟ وهل أدركنا كيف وصل إلينا هذا الدين؟
فإذا قرأنا أو سمعنا عن تلك التضحيات العظيمة، استشعرنا نعمة الإسلام، وإذا عرفنا نعمة الإسلام وجب أن نستقيم عليه ونتمسك به، ونضحي من أجله وندعو إليه.
أيها الأحبة الكرام:
• من هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم نتعلم معنى التوكل على الله تعالى، والثقة به، فحينما وقف المشركون على باب الغار قال الصدِّيق رضي الله عنه: لو أنَّ أحدَهم ينظرُ إلى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنا تحتَ قَدَمَيْهِ! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا بكرٍ، ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُما))؛ رواه البخاري.
فما أعظمه من توكل، وما أعظمها من ثقة بمعية الله! وفي ذلك الحدث أنزل الله آيات نتلوها في كتابه، قال سبحانه:
﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40].
• ومن هجرته صلى الله عليه وسلم نتعلم أن العمل بالأسباب لا ينافي التوكل على الله، فلو شاء الله تعالى لأبقاه في مكة دون أن يؤذى من أحد، ولَما اضطُر لأن يهاجر، لكنه جعله يعمل بأسباب النجاة كالهجرة والتخفي فيها مع عدم الاعتماد على الأسباب، كما أمر نوحًا عليه السلام أن يصنع السفينة فأنجاه بها، وأمر الله موسى عليه السلام أن يضرب البحر فانفلق له، وأمر مريم عليها السلام أن تهز جذع النخلة لتساقط عليها الرطب، وهي امرأة ضعيفة وقد كان يأتيها رزقها من غير تكسب، فهذه دروس في العمل بالأسباب كما قيل:
ألَمْ تَرَ أنَّ اللهَ قَالَ لِمَرْيَمٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَهُزِّي إِلَيْكِ الجِذْعَ يَسَّاقَطِ الرُّطَبْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلَوْ شَاءَ أَنْ تَجْنِيهِ مِنْ غَيْرِ هزه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
جَنَتْهُ وَلَكِنْ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ سَبَبْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
• ومن دروس الهجرة أن التمكين يأتي بعد الصبر والتضحية، قال سبحانه:
﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51].
وأن طريق الحق محفوف بالمصاعب والعقبات، والفتن والابتلاءات، كما قال سبحانه: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214].
• ومما يستفاد من الهجرة معرفة فضل الصدِّيق رضي الله عنه وأرضاه، حيث اختاره الله تعالى وشرَّفه لصحبة خير أنبيائه.
وما بذله هو وأبناؤه من التضحيات في سبيل إنجاح الهجرة، خير دليل على حبه الشديد للنبي صلى الله عليه وسلم، وإيمانه الراسخ الذي استحق به وبغيره من الفضائل أن يكون خليفته من بعده، وأحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الرجال، فقد سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ قال: ((عائشة))، فقيل: من الرجال؟ قال: ((أبوها))؛ رواه الشيخان.
أيها الأحبة الكرام:
أول شهر في العام الهجري شهر الله المحرم، أحد الأشهر الحُرُم الأربعة التي أمر الله تعالى بتعظيمها، قال سبحانه:
﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36].
قال الإمام القرطبي رحمه الله:
لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب؛ لأن الله سبحانه إذا عظَّم شيئًا من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة، وإذا عظَّمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة، فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيئ، كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح ا.هـ.
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله:
إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء ا.هـ.
أيها الإخوة الكرام:
مما يدل على فضل شهر محرَّم أنه أضيف إلى الله تعالى فسُمِّي بشهرِ اللهِ المُحَرَّمِ، وفي ذلك تشريف له.
ومن فضل شهر محرم أنه يتأكد صيام التطوع فيه أكثر من غيره من الشهور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (( أَفْضَلُ الصِّيامِ بَعْدَ رَمَضانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ )) رواه مسلم.
وفي شهر محرم يوم عاشوراء اليوم الذي نجَّا الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه، وقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه.
عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: (قَدِمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ، فوجد اليهودَ يصومون يومَ عاشوراءَ، فسُئِلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليومُ الذي أظهر اللهُ فيه موسى وبني إسرائيلَ على فِرعونَ؛ فنحن نصومُه تعظيمًا له، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((نحن أَولى بموسى منكم))، فأمَرَ بصيامِه (رواه الشيخان.
وكان صومه واجبًا حتى فُرِض صوم رمضان، فنُسخ الوجوب وبقي صومه مستحبًّا، ومن صامه كفَّر الله عنه سيئات السنة الماضية، ففي الحديث: (سُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ عَاشُورَاءَ؟ فَقالَ: ((يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ))؛ رواه مسلم.
ويستحب صيام يوم قبله أو يوم بعده مخالفة لليهود؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في عامه الأخير: ((لئن عشت إلى قابل لأصومنَّ التاسع))؛ وذلك ليخالف اليهود؛ لأنهم يصومونه.
فمن كان قادرًا فليغتنم الصيام فيه، لا سيما يوم عاشوراء ويوم قبله أو بعده، نسأل الله أن يجعلنا من السابقين المسارعين في الخيرات.
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.