حكاية ناي ♔
01-10-2023, 08:56 AM
قوله تعالى: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 144].
قوله: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ﴾ "قد" حرف تحقيق.
والمعنى: قد رأينا تقلب وجهك في السماء، وجاء التعبير بالمضارع بدل الماضي للدلالة على استمرار رؤية الله- عز وجل- لتقلب وجهه، كلما حصل منه ذلك التقلب والترقب في الحال والاستقبال.
وقيل: إن "نرى" فعل مضارع على بابه، وهو إخبار من الله- عز وجل- بأنه سيرى تقلب وجهه ويوليه قبلة يرضاها.
ومعنى ﴿ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ﴾ أي: توجهك بوجهك وبصرك إلى السماء حال الدعاء، تنظر إليها، وتنتظر أمر الله- عز وجل- لك ووحيه إليك، بتحويل القبلة إلى الكعبة، قبلة أبيك إبراهيم- عليه السلام- محبة لها، وكراهية لموافقة اليهود في قبلتهم، وقد كان صلى الله عليه وسلم بمكة إذا استقبل بيت المقدس جعل الكعبة بين يديه، حيث كان يصلي بين الركنين، فلما هاجر إلى المدينة تعذر عليه الجمع بينهما، فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، حتى صرفه الله إلى الكعبة.
﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ الفاء: عاطفة تفيد التعليل، واللام: واقعة في جواب القسم، والنون للتوكيد، فالجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم المقدر، واللام، ونون التوكيد. أي: فوالله لنولينك، أي: لنوجهنك، ﴿ قِبْلَةً ﴾ وجهة، ونكرت للتعظيم، ﴿ تَرْضَاهَا ﴾ تحبها وتقبلها، وهي التي كان يدعو الله أن يوجهه إليها.
ولا يفهم من هذا أنه صلى الله عليه وسلم لم يرض القبلة الأولى، بل قد رضيها وصلى إليها قبل نسخها ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، بعد هجرته صلى الله عليه وسلم، لكنه يحب أن يوجه إلى الكعبة قبلة أبيه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام.
وتكلم عز وجل عن نفسه بضمير الجمع والتعظيم في قوله: ﴿ قَدْ نَرَى ﴾ وقوله: ﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ ﴾ لأنه ذو العظمة التامة، كما قال عز وجل في الحديث القدسي: "العظمة إزاري والكبرياء ردائي"[1].
﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾.
بهذا الخطاب والأمر له صلى الله عليه وسلم ولأمته، حولت القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، ونسخ التوجه إلى بيت المقدس بالتوجه إلى الكعبة، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس، وأعلمهم بذلك.
وكان صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهي شمال مكة فتكون قبلة أهلها جهة الجنوب.
ولهذا لما نهى صلى الله عليه وسلم عن استقبال القبلة أو استدبارها حال البول والغائط قال: "ولكن شرقوا أو غربوا"[2] وهذا لأهل المدينة ومن كان شمال مكة.
قوله: ﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ ﴾ أي: استقبل بوجهك وبدنك، في الصلاة والعبادة ﴿ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ شطر الشيء نصفه، وشطر الشيء نحوه وجهته، وهو المراد بقوله: ﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾، أي: نحو المسجد الحرام وجهته.
قال الشاعر:
أقول لأم زنباع أقيمي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
صدور العيس شطر بني تميم[3] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أي: جهتهم ونحوهم.
و﴿ الْمَسْجِدِ ﴾ مكان السجود والصلاة.
﴿ الْحَرَامِ ﴾ "حرام" على وزن "فعال" صفة مشبهة مأخوذ من "الحُـرْم" وهو الحظر والمنع، وسُمي بذلك لأنه يحرم فيه أشياء لا تحرم في غيره، ويجب احترامه وتعظيمه.
كما قال تعالى: ﴿ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ﴾ [إبراهيم: 37]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25].
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن هذا البلد حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة؛ لا يعضد شوكه، ولا يختلى خلاه، ولا ينفر صيده"[4].
ونظراً لعظم الأمر وأهميته لم يكتف بمخاطبته صلى الله عليه وسلم وأمره بذلك- مع أن الغالب- أن الخطاب والأمر له خطاب وأمر له ولأمته- بل أكد ذلك بخطاب وأمر الأمة وحدها، فقال: ﴿ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ الواو: عاطفة، و"حيث" ظرف مكان، وهي شرطية.
و"ما" زائدة إعراباً، ومؤكدة من حيث المعنى للعموم في الأمكنة و"كنتم" فعل الشرط، وجوابه ﴿ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾.
أي: وفي أي مكان، وفي أي جهة كنتم أيها المؤمنون في البر أو البحر أو الجو، في الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب، أو ما بين ذلك.
﴿ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ أي: فاستقبلوه، ووجهوا وجوهكم نحوه، وفي هذا أعظم رمز لوحدة الأمة الإسلامية، ووجوب تضامنها، حيث أمر الله- عز وجل- المسلمين بالتوجه جميعاً لأعظم قبلة، في أعظم عباداتهم، وهي الصلاة، وكذا في نسكهم ودعائهم.
وكان أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة صلاة العصر، كما في حديث البراء بن عازب- رضي الله عنه- وغيره.
وروي أن أول صلاة صلاها إلى الكعبة صلاة الظهر[5].
وكان ذلك في منتصف شهر رجب، وقيل: في النصف من شعبان. والصحيح الأول.
فبادر صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إلى امتثال أمر الله- عز وجل- بالتوجه في الصلاة نحو الكعبة، حتى أهل مسجد قباء جاءهم الخبر وهم في صلاة الفجر، بتحويل القبلة إلى الكعبة، فاستداروا نحوها وهم في الصلاة.
كما في حديث البراء -رضي الله عنه-: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته الكعبة، وأن أول صلاة صلاها إليها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلى معه، فمر على أهل المسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله، لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مكة، فداروا، كما هم قبل البيت"[6].
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: "بينما الناس في قباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة"[7].
وعن عمارة بن أوس -رضي الله عنه- قال: "بينما نحن في الصلاة نحو بيت المقدس، ونحن ركوع إذ أتى منادٍ بالباب: أن القبلة قد حولت إلى الكعبة. قال: فأشهد على إمامنا أنه انحرف، فتحول هو والرجال والصبيان، وهم ركوع نحو الكعبة"[8].
وهذا دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به، وإن تقدم نزوله وإبلاغه؛ لأنهم لم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء.
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ "إن" للتوكيد، والذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى، و"ال" في الكتاب للجنس، فاليهود أعطوا التوراة، والنصارى أعطوا الإنجيل.
﴿ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ اللام للتوكيد، أي: وإن الذين أعطوا الكتاب وبخاصة أحبارهم وعلماؤهم الذين أنكروا استقبالكم المسجد الحرام، وانصرافكم عن بيت المقدس، ﴿ لَيَعْلَمُونَ ﴾ علماً جازماً ﴿ أَنَّهُ ﴾ أي: توجهكم إلى المسجد الحرام ﴿ الْحَقُّ ﴾ أي: الشيء الثابت، أي: أن توجهكم إلى المسجد الحرام هو الحق الثابت، الذي لا مرية فيه، كما قال عز وجل: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ﴾ [الأنعام: 115] أي: صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام.
كما أن رسالته صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من الوحي من عند الله- عز وجل- كل ذلك حق يجب اتباعه.
قال ابن كثير[9]: "أي: واليهود- الذين أنكروا استقبالكم الكعبة، وانصرافكم عن بيت المقدس- يعلمون أن الله تعالى سيوجهك إليها، بما في كتبهم عن أنبيائهم، من النعت والصفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته، وما خصه الله تعالى به، وشرفه، من الشريعة الكاملة العظيمة، ولكن أهل الكتاب يتكاتمون ذلك بينهم حسداً وكفراً وعناداً".
كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 76].
﴿ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ أي: من خالقهم ومالكهم والمتصرف فيهم، وفي هذا تذكير لهم بنعمة ربوبيته- عز وجل- التي لا يستطيعون إنكارها، واستعطاف لقلوبهم لو كان فيها حياة.
﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ قرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي بالتاء: ﴿ تَعْمَلُونَ ﴾ وقرأ الباقون بالياء: ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾.
و"ما" في قوله ﴿ وَمَا اللَّهُ ﴾ نافية تعمل عمل "ليس".
﴿ بِغَافِلٍ ﴾ الباء حرف جر، وهي زائدة إعراباً مؤكدة للنفي من حيث المعنى و(غافل) مجرور لفظاً، ومحله النصب خبر "ما".
والغفلة: اللهو والسهو عن الشيء، وهو أمر يعتري البشر لنقصهم. والله- عز وجل- لا يسهو ولا يغفل ولا يلهيه شأن عن شأن.
و"ما" في قوله ﴿ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ موصولة أو مصدرية، أي: وما الله بساه ولاه عن الذي يعملون، أو عن عملهم، من الكيد للرسول صلى الله عليه وسلم ولدعوته، والمخالفة والصد عن دين الله- عز وجل- وكتمان ما كانوا يعلمون من الحق، وغير ذلك.
وفي هذا أبلغ الوعيد والتهديد لأهل الكتاب، كما أن في الآية وعداً للمؤمنين، أي: إنه- عز وجل- ليس بغافل عن أعمالكم الصالحة أيها المؤمنون من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه، والقيام بما أوجب الله عليكم، بل سيحصي ذلك كله، ويدخره لكم، ويجازيكم عليه أحسن الجزاء.
المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»
قوله: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ﴾ "قد" حرف تحقيق.
والمعنى: قد رأينا تقلب وجهك في السماء، وجاء التعبير بالمضارع بدل الماضي للدلالة على استمرار رؤية الله- عز وجل- لتقلب وجهه، كلما حصل منه ذلك التقلب والترقب في الحال والاستقبال.
وقيل: إن "نرى" فعل مضارع على بابه، وهو إخبار من الله- عز وجل- بأنه سيرى تقلب وجهه ويوليه قبلة يرضاها.
ومعنى ﴿ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ﴾ أي: توجهك بوجهك وبصرك إلى السماء حال الدعاء، تنظر إليها، وتنتظر أمر الله- عز وجل- لك ووحيه إليك، بتحويل القبلة إلى الكعبة، قبلة أبيك إبراهيم- عليه السلام- محبة لها، وكراهية لموافقة اليهود في قبلتهم، وقد كان صلى الله عليه وسلم بمكة إذا استقبل بيت المقدس جعل الكعبة بين يديه، حيث كان يصلي بين الركنين، فلما هاجر إلى المدينة تعذر عليه الجمع بينهما، فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، حتى صرفه الله إلى الكعبة.
﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ الفاء: عاطفة تفيد التعليل، واللام: واقعة في جواب القسم، والنون للتوكيد، فالجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم المقدر، واللام، ونون التوكيد. أي: فوالله لنولينك، أي: لنوجهنك، ﴿ قِبْلَةً ﴾ وجهة، ونكرت للتعظيم، ﴿ تَرْضَاهَا ﴾ تحبها وتقبلها، وهي التي كان يدعو الله أن يوجهه إليها.
ولا يفهم من هذا أنه صلى الله عليه وسلم لم يرض القبلة الأولى، بل قد رضيها وصلى إليها قبل نسخها ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، بعد هجرته صلى الله عليه وسلم، لكنه يحب أن يوجه إلى الكعبة قبلة أبيه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام.
وتكلم عز وجل عن نفسه بضمير الجمع والتعظيم في قوله: ﴿ قَدْ نَرَى ﴾ وقوله: ﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ ﴾ لأنه ذو العظمة التامة، كما قال عز وجل في الحديث القدسي: "العظمة إزاري والكبرياء ردائي"[1].
﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾.
بهذا الخطاب والأمر له صلى الله عليه وسلم ولأمته، حولت القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، ونسخ التوجه إلى بيت المقدس بالتوجه إلى الكعبة، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس، وأعلمهم بذلك.
وكان صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهي شمال مكة فتكون قبلة أهلها جهة الجنوب.
ولهذا لما نهى صلى الله عليه وسلم عن استقبال القبلة أو استدبارها حال البول والغائط قال: "ولكن شرقوا أو غربوا"[2] وهذا لأهل المدينة ومن كان شمال مكة.
قوله: ﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ ﴾ أي: استقبل بوجهك وبدنك، في الصلاة والعبادة ﴿ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ شطر الشيء نصفه، وشطر الشيء نحوه وجهته، وهو المراد بقوله: ﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾، أي: نحو المسجد الحرام وجهته.
قال الشاعر:
أقول لأم زنباع أقيمي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
صدور العيس شطر بني تميم[3] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أي: جهتهم ونحوهم.
و﴿ الْمَسْجِدِ ﴾ مكان السجود والصلاة.
﴿ الْحَرَامِ ﴾ "حرام" على وزن "فعال" صفة مشبهة مأخوذ من "الحُـرْم" وهو الحظر والمنع، وسُمي بذلك لأنه يحرم فيه أشياء لا تحرم في غيره، ويجب احترامه وتعظيمه.
كما قال تعالى: ﴿ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ﴾ [إبراهيم: 37]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25].
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن هذا البلد حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة؛ لا يعضد شوكه، ولا يختلى خلاه، ولا ينفر صيده"[4].
ونظراً لعظم الأمر وأهميته لم يكتف بمخاطبته صلى الله عليه وسلم وأمره بذلك- مع أن الغالب- أن الخطاب والأمر له خطاب وأمر له ولأمته- بل أكد ذلك بخطاب وأمر الأمة وحدها، فقال: ﴿ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ الواو: عاطفة، و"حيث" ظرف مكان، وهي شرطية.
و"ما" زائدة إعراباً، ومؤكدة من حيث المعنى للعموم في الأمكنة و"كنتم" فعل الشرط، وجوابه ﴿ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾.
أي: وفي أي مكان، وفي أي جهة كنتم أيها المؤمنون في البر أو البحر أو الجو، في الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب، أو ما بين ذلك.
﴿ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ أي: فاستقبلوه، ووجهوا وجوهكم نحوه، وفي هذا أعظم رمز لوحدة الأمة الإسلامية، ووجوب تضامنها، حيث أمر الله- عز وجل- المسلمين بالتوجه جميعاً لأعظم قبلة، في أعظم عباداتهم، وهي الصلاة، وكذا في نسكهم ودعائهم.
وكان أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة صلاة العصر، كما في حديث البراء بن عازب- رضي الله عنه- وغيره.
وروي أن أول صلاة صلاها إلى الكعبة صلاة الظهر[5].
وكان ذلك في منتصف شهر رجب، وقيل: في النصف من شعبان. والصحيح الأول.
فبادر صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إلى امتثال أمر الله- عز وجل- بالتوجه في الصلاة نحو الكعبة، حتى أهل مسجد قباء جاءهم الخبر وهم في صلاة الفجر، بتحويل القبلة إلى الكعبة، فاستداروا نحوها وهم في الصلاة.
كما في حديث البراء -رضي الله عنه-: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته الكعبة، وأن أول صلاة صلاها إليها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلى معه، فمر على أهل المسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله، لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مكة، فداروا، كما هم قبل البيت"[6].
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: "بينما الناس في قباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة"[7].
وعن عمارة بن أوس -رضي الله عنه- قال: "بينما نحن في الصلاة نحو بيت المقدس، ونحن ركوع إذ أتى منادٍ بالباب: أن القبلة قد حولت إلى الكعبة. قال: فأشهد على إمامنا أنه انحرف، فتحول هو والرجال والصبيان، وهم ركوع نحو الكعبة"[8].
وهذا دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به، وإن تقدم نزوله وإبلاغه؛ لأنهم لم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء.
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ "إن" للتوكيد، والذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى، و"ال" في الكتاب للجنس، فاليهود أعطوا التوراة، والنصارى أعطوا الإنجيل.
﴿ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ اللام للتوكيد، أي: وإن الذين أعطوا الكتاب وبخاصة أحبارهم وعلماؤهم الذين أنكروا استقبالكم المسجد الحرام، وانصرافكم عن بيت المقدس، ﴿ لَيَعْلَمُونَ ﴾ علماً جازماً ﴿ أَنَّهُ ﴾ أي: توجهكم إلى المسجد الحرام ﴿ الْحَقُّ ﴾ أي: الشيء الثابت، أي: أن توجهكم إلى المسجد الحرام هو الحق الثابت، الذي لا مرية فيه، كما قال عز وجل: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ﴾ [الأنعام: 115] أي: صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام.
كما أن رسالته صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من الوحي من عند الله- عز وجل- كل ذلك حق يجب اتباعه.
قال ابن كثير[9]: "أي: واليهود- الذين أنكروا استقبالكم الكعبة، وانصرافكم عن بيت المقدس- يعلمون أن الله تعالى سيوجهك إليها، بما في كتبهم عن أنبيائهم، من النعت والصفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته، وما خصه الله تعالى به، وشرفه، من الشريعة الكاملة العظيمة، ولكن أهل الكتاب يتكاتمون ذلك بينهم حسداً وكفراً وعناداً".
كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 76].
﴿ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ أي: من خالقهم ومالكهم والمتصرف فيهم، وفي هذا تذكير لهم بنعمة ربوبيته- عز وجل- التي لا يستطيعون إنكارها، واستعطاف لقلوبهم لو كان فيها حياة.
﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ قرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي بالتاء: ﴿ تَعْمَلُونَ ﴾ وقرأ الباقون بالياء: ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾.
و"ما" في قوله ﴿ وَمَا اللَّهُ ﴾ نافية تعمل عمل "ليس".
﴿ بِغَافِلٍ ﴾ الباء حرف جر، وهي زائدة إعراباً مؤكدة للنفي من حيث المعنى و(غافل) مجرور لفظاً، ومحله النصب خبر "ما".
والغفلة: اللهو والسهو عن الشيء، وهو أمر يعتري البشر لنقصهم. والله- عز وجل- لا يسهو ولا يغفل ولا يلهيه شأن عن شأن.
و"ما" في قوله ﴿ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ موصولة أو مصدرية، أي: وما الله بساه ولاه عن الذي يعملون، أو عن عملهم، من الكيد للرسول صلى الله عليه وسلم ولدعوته، والمخالفة والصد عن دين الله- عز وجل- وكتمان ما كانوا يعلمون من الحق، وغير ذلك.
وفي هذا أبلغ الوعيد والتهديد لأهل الكتاب، كما أن في الآية وعداً للمؤمنين، أي: إنه- عز وجل- ليس بغافل عن أعمالكم الصالحة أيها المؤمنون من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه، والقيام بما أوجب الله عليكم، بل سيحصي ذلك كله، ويدخره لكم، ويجازيكم عليه أحسن الجزاء.
المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»