عازف الناي
10-01-2022, 03:53 AM
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾
[ سورة الملك : 2 ]
آية خطيرة، فوجودك في الأرض مقرونٌ بالابتلاء والامتحان، فإن الله خلَق الموت، وخلق الحياة، الموت مخلوق، يخلق الموت خلقاً، هذه الخلايا يأتيها الغذاء فتنمو، ويأتيها الغذاء فتعيش وتستمر، ولكن هناك عوامل تسبب موت الخلايا، هذا الموت يتعاظم إلى أن يسبب موت الإنسان. كما أنك مخلوق لتحيا فمع خلْقِ الحياةِ خلْقُ الموت
أحمق الناس، وأغبى الناس هو الذي زهد بالدار الآخرة وطمع بالدنيا، والدنيا والله مقامرة ومغامرة، لأنها لا تستقيم على حال، ويمكن أنْ تغادرها وأنت في أوجك
حياتنا حياة كدح، حياة امتحان، حياة ابتلاء، والإنسان إذا وطَّن نفسه أن يكون في هذه الحياة جندياً لله عز وجل فإنه تنتظره سعادة أبدية كبيرة.
الموت يأتي فجأةً، والقبر صندوق العمل، لحكمة بالغة أيها الأخوة ليس للموت قاعدة، إنسان معلَّل ثلاثين سنة وهو مُقعَد في البيت، ولا أحدَ من ذويه إلا ويتمنى موته، ولا يموت، وإنسان في ريعان الشباب يباغته أجلُه، كلنا تحت هذا القانون، ولا يُستثنَى واحد، أليس الأفضل أن تعدَّ لساعة المغادرة عدتها، ما مضى فات، الماضي لا تبحث فيه إطلاقاً، فإنّ البحث فيه غباء، ما مضى فات، والمؤمل غيب لا تملكه، لا نملك إلا هذه الساعة، فيجب أن تتوب في هذه الساعة، بل في هذه اللحظة، تريد أن تطلب العلم فاطلب العلم الآن، تريد أن تنفق انفق الآن، لا تقل غداً، قال النبي الكريم لرجل: ويحك أو ليس الدهر كله غداً.
أخواننا الكرام، قضية الموت والزمن قضية كبيرة، كما قال سيدنا عمر بن عبد العزيز: ((الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما)).
أيها الأخوة لو يعلم الإنسان ماذا ينتظره بعد الموت، فو اللهِ أكاد أقول لكم: لن ينام أبداً، هناك مَن يعمل في التجارة، زرت معملاً كلموني فقال لي بعضُ مَن فيه: إنّ صاحبه اشترى بيتاً ثمنه مئة وستون مليوناً، يعمل مِن الساعة الخامسة حتى الساعة الحادية عشر مساءً، فهذا الجهد ينبغي أن يكون للآخرة، انظر إلى النبي اللهم صلي عليه، لقد جاء إلى الدنيا، وخرج فماذا فعل؟ لقد أقسم الله سبحانه وتعالى بعمره، فقال تعالى:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
الطامة الكبرى أن يعيش الإنسان دون هدف كالدابة تماماً :
وكذلك اسأل نفسك: ماذا فعلت للمسلمين؟ ماذا قدمت، أقدَّمتَ علماً، أقدّمتَ مالاً، أقدمتَ خبرةً، أقدَّمتَ مساعدة، أربَّيتَ أولادك، ماذا فعلت؟ هذه هي الغنيمة، لقد ذهبت إلى بلاد الغرب، إلى أمريكا، فكان أكثرُ شيء لفت نظري أن الإنسان هناك يعيش بلا هدف، يأكل، ويشرب، قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾
[ سورة محمد: 12 ]
يعيش الإنسان بلا هدف فهذه واللهِ الطامَّة الكبرى، مرة التقيت مع مندوب شركة، أردت أن أحدثه عن الله قليلاً، فما إن بدأت حتى قال: هذه المعلومات لا تعنيني، ولا أهتم لها، ولا ألقي لها بالاً إطلاقاً، أنا يعنيني امرأة جميلة، وبيت واسع، وسيارة حديثة، إنه تائهٌ ضائعٌ، قال تعالى:
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
[ سورة الملْك: 10 ]
يا أيها الأخوة، درسنا اليوم دارَ حول مفهوم الزمن ومفهوم الموت، وكلاهما مفهومان خطيران، ملخص الملخص قول الإمام الحسن البصري: ((الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه)).
العاقل من يُدخل ساعة الموت في حساباته اليومية :
والله ما رأيت في كل حياتي موقفاً فيه عبرة كما أقف أمام قبر، ويدفن الميت أمامي، وأنا أعرفه تماماً، قد يكون صديقاً، وقد يكون قريباً، أعرفه تماماً، أعرف حياته، وطريقة حياته، وصلاته، ودينه، أراه ملفوفاً بقماش يُحمَل، ويُدفن تحت الأرض، والشيء المؤلم أنْ توضع دقائق الحجرة على فتحة القبر، ويأتي الحفار، ويجرف التراب، وقد تسقط عليه كمية كبيرة جداً من التراب، وكان قبل أيام على سرير معطَّر، وشرشف جديد معطر ومغسول، حرام في الشتاء وثير، في الصيف مسبل لطيف، أما بعد الموت فيهال عليه التراب، وانتهى الأمر، والذي أرجوه أن نُدخِل هذه الساعة في حساباتنا اليومية، فاحذرْ أن تأكل قرشاً حراماً أو أن تكذب، واحذرْ أن تعتدي ولا على نملة، لأن كله مسطَّر ومسجل عليك، قال تعالى:
﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾
[ سورة آل عمران: 181 ]
أما هذا الغافل فإنه يعيش كالبهيمة لا يعرف لماذا خلق؟ ولماذا جيء به إلى الدنيا؟ وماذا بعد الموت؟ قال تعالى:
﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ﴾
[ سورة إبراهيم: 30 ]
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾
[ سورة البقرة: 126 ]
هذا الكلام خطير، يجب أن تراجع كل حساباتك، تراجع شؤون بيتك وظروف عملك، أي حرفة رائجة يقبل الناس عليها حلالاً كانت أو حراماً، أي جهاز ممتع مسلٍّ ألهو به، يا ترى ما الذي يعطلني عن صلواتي، ويفسد علاقتي مع أهلي، ويفسد تربية أولادي؟ واحذرْ أنْ تقول: أنا واحدٌ مِن الناس.
حينما تؤمن بالآخرة وتدخل الموت في حساباتك ترى التعب راحة والعطاءَ أخذاً :
قال تعالى:
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾
[ سورة الفجر: 24]
﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾
[ سورة الزمر: 56]
﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ﴾
[ سورة الفرقان: 27]
الحقيقة أنّ المشكلة الآن في الملهيات الكثيرة حولك، تنسيك الزمن كله، أجدادنا لم يكن عندهم ملهيات، أحدُنا الآن يمكن أن يجلس أمام التلفاز حتى الساعة الخامسة صباحاً، مِن محطة إلى محطة أخرى، أو تلعب طاولة طول الليل، أو تتابع الأخبار، أو المسلسلات، أو تسهر في المقاهي، يمكن أن تبذل وقتك كله في مُتَع متتابعة، ولا تشعر بالوقت أبداً، فجأةً أزمةٌ في الصحة شديدة، فيُؤخّذ إلى المستشفى، عناية مشددة، ثم يُنشَر نعيُه، هذا واقع الناس كلهم، فنحن نضرع إلى الله أنْ يلهمنا الصواب، حينما تؤمن بالآخرة، وحينما تدخل الموت في حساباتك اليومية، ترى التعب راحة، وترى العطاءَ أخذاً، والعمل المتواصل هو الذكاء، وكل إنسان وجد الراحة هي الهدف، فهو الغبيُّ الذي لم يفقه من الدنيا شيئاً، معظم الناس تراه وليس له عمل صالح يحتاج إلى فيلا ومسبح، ودخل كبير، يتمتع ويسافر، ولا يريد شيئاً آخر، أهذا الشيء يدوم؟ وإذا دام فإلى متى؟ ألم يعلم أنّ كل حال يزول، وسبحان الحيِّ الذي لا يزول ولا يحول.
الموت مصير كل إنسان :
أقام إنسان في بلد نفطي ثلاثين سنة، جمع عدة آلاف من الملايين، مات فجأةً في فندق، وهو في نزهة، وعمره خمس وخمسون سنة، الأربعة آلاف مليون أين هي؟ وماذا انتفع منها إن لم يكن تصدّق؟ ربما تكون عليه وبالاً يوم القيامة، ونخشى أن يقال له يوم القيامة:
﴿ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى ﴾
سيشيع كلُّ واحدٍ منا إلى مثواه الأخير، القضية ليست قضية تشاؤم، وليس قضية سوداوية، لا، فالموت مصير كل إنسان، وكل مخلوق له بداية، وله نهاية، وهو بضعة أيام، وعند الولادة تكثر الخيارات، أما عند الموت فليس مِن خيارات إلا خيارين؛ إما جنة، وإما نار، وحينما تؤمن بالله إيماناً حقيقيّاً تنعكس المقاييس، ويصبح التعب هو الراحة، والبذل هو الأخذ، والإنفاق هو السحب، والله سبحانه وتعالى يوفقنا لما يحب ويرضى.
موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية
[ سورة الملك : 2 ]
آية خطيرة، فوجودك في الأرض مقرونٌ بالابتلاء والامتحان، فإن الله خلَق الموت، وخلق الحياة، الموت مخلوق، يخلق الموت خلقاً، هذه الخلايا يأتيها الغذاء فتنمو، ويأتيها الغذاء فتعيش وتستمر، ولكن هناك عوامل تسبب موت الخلايا، هذا الموت يتعاظم إلى أن يسبب موت الإنسان. كما أنك مخلوق لتحيا فمع خلْقِ الحياةِ خلْقُ الموت
أحمق الناس، وأغبى الناس هو الذي زهد بالدار الآخرة وطمع بالدنيا، والدنيا والله مقامرة ومغامرة، لأنها لا تستقيم على حال، ويمكن أنْ تغادرها وأنت في أوجك
حياتنا حياة كدح، حياة امتحان، حياة ابتلاء، والإنسان إذا وطَّن نفسه أن يكون في هذه الحياة جندياً لله عز وجل فإنه تنتظره سعادة أبدية كبيرة.
الموت يأتي فجأةً، والقبر صندوق العمل، لحكمة بالغة أيها الأخوة ليس للموت قاعدة، إنسان معلَّل ثلاثين سنة وهو مُقعَد في البيت، ولا أحدَ من ذويه إلا ويتمنى موته، ولا يموت، وإنسان في ريعان الشباب يباغته أجلُه، كلنا تحت هذا القانون، ولا يُستثنَى واحد، أليس الأفضل أن تعدَّ لساعة المغادرة عدتها، ما مضى فات، الماضي لا تبحث فيه إطلاقاً، فإنّ البحث فيه غباء، ما مضى فات، والمؤمل غيب لا تملكه، لا نملك إلا هذه الساعة، فيجب أن تتوب في هذه الساعة، بل في هذه اللحظة، تريد أن تطلب العلم فاطلب العلم الآن، تريد أن تنفق انفق الآن، لا تقل غداً، قال النبي الكريم لرجل: ويحك أو ليس الدهر كله غداً.
أخواننا الكرام، قضية الموت والزمن قضية كبيرة، كما قال سيدنا عمر بن عبد العزيز: ((الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما)).
أيها الأخوة لو يعلم الإنسان ماذا ينتظره بعد الموت، فو اللهِ أكاد أقول لكم: لن ينام أبداً، هناك مَن يعمل في التجارة، زرت معملاً كلموني فقال لي بعضُ مَن فيه: إنّ صاحبه اشترى بيتاً ثمنه مئة وستون مليوناً، يعمل مِن الساعة الخامسة حتى الساعة الحادية عشر مساءً، فهذا الجهد ينبغي أن يكون للآخرة، انظر إلى النبي اللهم صلي عليه، لقد جاء إلى الدنيا، وخرج فماذا فعل؟ لقد أقسم الله سبحانه وتعالى بعمره، فقال تعالى:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
الطامة الكبرى أن يعيش الإنسان دون هدف كالدابة تماماً :
وكذلك اسأل نفسك: ماذا فعلت للمسلمين؟ ماذا قدمت، أقدَّمتَ علماً، أقدّمتَ مالاً، أقدمتَ خبرةً، أقدَّمتَ مساعدة، أربَّيتَ أولادك، ماذا فعلت؟ هذه هي الغنيمة، لقد ذهبت إلى بلاد الغرب، إلى أمريكا، فكان أكثرُ شيء لفت نظري أن الإنسان هناك يعيش بلا هدف، يأكل، ويشرب، قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾
[ سورة محمد: 12 ]
يعيش الإنسان بلا هدف فهذه واللهِ الطامَّة الكبرى، مرة التقيت مع مندوب شركة، أردت أن أحدثه عن الله قليلاً، فما إن بدأت حتى قال: هذه المعلومات لا تعنيني، ولا أهتم لها، ولا ألقي لها بالاً إطلاقاً، أنا يعنيني امرأة جميلة، وبيت واسع، وسيارة حديثة، إنه تائهٌ ضائعٌ، قال تعالى:
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
[ سورة الملْك: 10 ]
يا أيها الأخوة، درسنا اليوم دارَ حول مفهوم الزمن ومفهوم الموت، وكلاهما مفهومان خطيران، ملخص الملخص قول الإمام الحسن البصري: ((الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه)).
العاقل من يُدخل ساعة الموت في حساباته اليومية :
والله ما رأيت في كل حياتي موقفاً فيه عبرة كما أقف أمام قبر، ويدفن الميت أمامي، وأنا أعرفه تماماً، قد يكون صديقاً، وقد يكون قريباً، أعرفه تماماً، أعرف حياته، وطريقة حياته، وصلاته، ودينه، أراه ملفوفاً بقماش يُحمَل، ويُدفن تحت الأرض، والشيء المؤلم أنْ توضع دقائق الحجرة على فتحة القبر، ويأتي الحفار، ويجرف التراب، وقد تسقط عليه كمية كبيرة جداً من التراب، وكان قبل أيام على سرير معطَّر، وشرشف جديد معطر ومغسول، حرام في الشتاء وثير، في الصيف مسبل لطيف، أما بعد الموت فيهال عليه التراب، وانتهى الأمر، والذي أرجوه أن نُدخِل هذه الساعة في حساباتنا اليومية، فاحذرْ أن تأكل قرشاً حراماً أو أن تكذب، واحذرْ أن تعتدي ولا على نملة، لأن كله مسطَّر ومسجل عليك، قال تعالى:
﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾
[ سورة آل عمران: 181 ]
أما هذا الغافل فإنه يعيش كالبهيمة لا يعرف لماذا خلق؟ ولماذا جيء به إلى الدنيا؟ وماذا بعد الموت؟ قال تعالى:
﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ﴾
[ سورة إبراهيم: 30 ]
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾
[ سورة البقرة: 126 ]
هذا الكلام خطير، يجب أن تراجع كل حساباتك، تراجع شؤون بيتك وظروف عملك، أي حرفة رائجة يقبل الناس عليها حلالاً كانت أو حراماً، أي جهاز ممتع مسلٍّ ألهو به، يا ترى ما الذي يعطلني عن صلواتي، ويفسد علاقتي مع أهلي، ويفسد تربية أولادي؟ واحذرْ أنْ تقول: أنا واحدٌ مِن الناس.
حينما تؤمن بالآخرة وتدخل الموت في حساباتك ترى التعب راحة والعطاءَ أخذاً :
قال تعالى:
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾
[ سورة الفجر: 24]
﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾
[ سورة الزمر: 56]
﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ﴾
[ سورة الفرقان: 27]
الحقيقة أنّ المشكلة الآن في الملهيات الكثيرة حولك، تنسيك الزمن كله، أجدادنا لم يكن عندهم ملهيات، أحدُنا الآن يمكن أن يجلس أمام التلفاز حتى الساعة الخامسة صباحاً، مِن محطة إلى محطة أخرى، أو تلعب طاولة طول الليل، أو تتابع الأخبار، أو المسلسلات، أو تسهر في المقاهي، يمكن أن تبذل وقتك كله في مُتَع متتابعة، ولا تشعر بالوقت أبداً، فجأةً أزمةٌ في الصحة شديدة، فيُؤخّذ إلى المستشفى، عناية مشددة، ثم يُنشَر نعيُه، هذا واقع الناس كلهم، فنحن نضرع إلى الله أنْ يلهمنا الصواب، حينما تؤمن بالآخرة، وحينما تدخل الموت في حساباتك اليومية، ترى التعب راحة، وترى العطاءَ أخذاً، والعمل المتواصل هو الذكاء، وكل إنسان وجد الراحة هي الهدف، فهو الغبيُّ الذي لم يفقه من الدنيا شيئاً، معظم الناس تراه وليس له عمل صالح يحتاج إلى فيلا ومسبح، ودخل كبير، يتمتع ويسافر، ولا يريد شيئاً آخر، أهذا الشيء يدوم؟ وإذا دام فإلى متى؟ ألم يعلم أنّ كل حال يزول، وسبحان الحيِّ الذي لا يزول ولا يحول.
الموت مصير كل إنسان :
أقام إنسان في بلد نفطي ثلاثين سنة، جمع عدة آلاف من الملايين، مات فجأةً في فندق، وهو في نزهة، وعمره خمس وخمسون سنة، الأربعة آلاف مليون أين هي؟ وماذا انتفع منها إن لم يكن تصدّق؟ ربما تكون عليه وبالاً يوم القيامة، ونخشى أن يقال له يوم القيامة:
﴿ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى ﴾
سيشيع كلُّ واحدٍ منا إلى مثواه الأخير، القضية ليست قضية تشاؤم، وليس قضية سوداوية، لا، فالموت مصير كل إنسان، وكل مخلوق له بداية، وله نهاية، وهو بضعة أيام، وعند الولادة تكثر الخيارات، أما عند الموت فليس مِن خيارات إلا خيارين؛ إما جنة، وإما نار، وحينما تؤمن بالله إيماناً حقيقيّاً تنعكس المقاييس، ويصبح التعب هو الراحة، والبذل هو الأخذ، والإنفاق هو السحب، والله سبحانه وتعالى يوفقنا لما يحب ويرضى.
موسوعة النابلسى للعلوم الاسلامية