حكاية ناي ♔
02-21-2023, 09:45 AM
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين..
أما بعد:
فسنة الرسول عليه الصلاة والسلام هي المرجع بعد القرآن الكريم لمعرفة أحكام الإسلام وتعاليمه، فلا إسلام بدون سنة، وقد أمر الله جل جلاله عباده باتباع رسوله، قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي مهما أمركم به فافعلوه، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمر بخير، وإنما ينهي عن شر.
كما حذر سبحانه وتعالى من مخالفة رسوله عليه الصلاة والسلام، قال الله عز وجل: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطناً وظاهراً ﴿ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ﴾ أي في قلوبهم من كفر، أو نفاق، أو بدعة ﴿ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي في الدنيا بقتل أو حدِّ أو حبس أو نحو ذلك، وقال عز وجل ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية تهديد من تولى وأعرض عن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: ﴿ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80].
والصحابة رضي الله عنهم، كانوا يعظمون سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبّله وقال: إني أعلمُ أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يُقبلك ما قبلتك [أخرجه البخاري].
وإذا كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قد ذكر في كتابه النافع "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولاً عاماً يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته، دقيق ولا جليل... ولكن إذا وجد لواحد منهم قول، قد جاء حديث صحيح بخلافه، فلا بد له من عذر في تركه. ا.هـ.
إذا كان هذا في العلماء فمن باب أولى أن يكون ذلك في الصحابة، فلم يكن أحد منهم يتعمد مخالفة الرسول علية الصلاة والسلام، وما ورد عن بعضهم رضي الله عنهم من أقوالٍ أو أفعالٍ ظاهرها مخالفة سنة الرسول عليه الصلاة والسلام فليس ذلك منهم معارضةً لسنته، حاشاهم رضي الله عنهم وأرضاهم، وإنما لهم عذر في ذلك، ومن الأعذار التي يعتذر لهم في ذلك:
خفاء السنة عليهم، قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: ألا ترى أن عمر في سعة علمه، وكثرة لزومه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قد خفي عليه من توريث المرأة من دية زوجها، وحديث دية الجنين، وحديث الاستئذان ما علمه غيره، وخفي على أبي بكر حديث توريث الجدة، فغيرهما أحرى أن تخفى عليه السنة.
نسيانهم للسنة، كما نسيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقد بعث عبدالله بن عامر إلى عائشة بنفقة وكسوة، فقالت لرسوله: يا بنيَّ، إنِّي لا أقبلُ من أحد شيئاً، فلما خرج، قالت: ردوه عليَّ فردُّه، فقالت: إني ذكرتُ شيئاً قاله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا عائشة (من أعطاك عطاء بغير مسألة، فاقبليه فإنما هو رزق عرضه الله لك) [أخرجه أحمد].
الاجتهاد في ذلك: كما فعل الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، في منع التمتع في الحج والإفراد بالحج ليكثر زوار البيت.
هذا وقد يسّر الله الكريم جمع بعضُ أقوال الصحابة رضي الله عنهم وأفعالهم، التي تدلً على تعظيمهم لسنة الرسول علية الصلاة والسلام، أسال الله أن ينفع بها جامعها وقارئها وناشرها في الدنيا والآخرة، وأن يوفقنا جميعاً للاقتداء والتأسي بسنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في جميع أقوالنا وأفعالنا.
اتباعهم للسنة وترك قول من خالفها كائناً من كان:
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: ليس أحد إلا يؤخذ من قوله ويدع، غير النبي صلى الله عليه وسلم. [أخرجه الطبراني في الكبير] قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: ليس أحد من خلق الله إلا وهو يؤخذ من قوله ويترك، إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يترك من قوله، إلا ما تركه هو ونسخه قولاً أو عملاً، والحجة فيما قال صلى الله عليه وسلم، وليس في قول غيره حجة.
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: تمتع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عروة بن الزبير: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة! فقال ابن عباس: ما يقول عُريّة؟ قال: قلت: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة! فقال ابن عباس: أراهم سيهلكون، أقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: نهى أبو بكر وعمر!! [أخرجه الإمام أحمد، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح] قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي: وفيه أن السنة حاكمة على كل أحد صغيراً كان أم كبيراً، ولهذا اشتد ابن عباس رضي الله عنهما على من عارضه بقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما...وقال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر! وهما رضي الله عنهما يأمران بالإفراد على سبيل الاستحباب، وينهيان عن المتعة لا على سبيل التحريم.
وعن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان وعلياً رضي الله عنهما، وعثمان ينهي عن المتعة، وأن يجمع بينهما، فلما رأى علي أهلَّ بهما: لبيك بعمرة وحجة، قال: ما كُنتُ لأدع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لقول أحد.[متفق عليه] قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي: كان عثمان رضي الله عنه ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما، ويأمر الناس بالإفراد، وكان يرى رأي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في النهي عن المتعة، فيقول: لا تمتعوا وأفردوا بالحج، ومن أراد أن يعتمر فليعتمر في سفرة أخرى ليكثر الزوار للبيت، ويرى الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بفسخ الحج لعمرة لسبب، وهو رد اعتقاد أهل الجاهلية بأن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، وقالوا: قد زال هذا السبب، وأما علي وابن عباس وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم فيرون أن السنة ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ولما رأى على رضي الله عنه أن عثمان رضي الله عنه لا يوافقه أهل بهما جميعاً قال " لبيك بعمرة وحجة، قال: ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد" وهذا فيه دليل على أن الحق والصواب قد يخفى على بعض كبار أهل العلم.
وعن عياض بن أبي سرح، أن أبا سعيد الخدري دخل يوم الجمعة، ومروان يخطب، فقام يصلي، فجاء الحرس ليجلسوه فأبى، حتى صلى، فلما انصرف أتيناه، فقلنا: رجمك الله، إن كادوا ليقعوا بك، فقال: ما كنتُ لأتركهما بعد شيءٍ رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر أن رجلاً جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فأمره فصلى ركعتين، والنبي علية الصلاة والسلام يخطُبُ. [أخرجه الترمذي].
وعن سالم بن عبدالله أنه سمع رجلاً يسأل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال عبدالله: هي حلال، قال الرجل: إن أباك قد نهى عنها، فقال عبدالله: أرأيت إن كان أبي نهى عنها، وصنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر أبي يُتبعُ أم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال الرجل: بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبدالله: لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم. [أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح].
توبيخ من أورد الإيرادات على تطبيق السنة:
وعن عاصم بن أبي مجلز قال ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة) قلتُ: أرأيت إن غلبتني عيني، أرأيت إن نمتُ، قال: اجعل أرأيت عند ذلك النجم. [أخرجه مسلم].
وعن الزبير بن عربي قال: سأل رجل ابن عمر رضي الله عنه عن استلام الحجر الأسود، فقال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمُهُ، ويُقبلهُ، قال: قلت: أرأيت إن زحمتُ؟ أرأيت إن غلبتُ؟ قال: اجعل أرأيت باليمن، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمُهُ ويُقبِّلُهُ. [أخرجه البخاري] قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: وقول القائل: (أرأيت إن زُحمتُ؟ أرأيت إن غُلبتُ؟) كأن ابن عمر رضي الله عنهما من شدة محبته للتمسك بالسنة وبخه هذا التوبيخ، وقال له: اجعل أرأيت باليمن، وأنت الآن في مكة، وكأن أهل اليمن عندهم إيرادات، قال الشيخ عبدالعزيز الراجحي: فقوله: (اجعل أرأيت باليمن) يعني لا تعترض، هذه سنة ثابتة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبله وعليك أن تقبل.
هجرهم وغضبهم الشديد على من خالف السنة ولو كان أقرب قريب:
عن سالم بن عبدالله، أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها) قال: فقال بلال بن عبدالله: والله لنمنعهن، قال: فأقبل عليه عبدالله فسبه سباً سيئاً، ما سمعته سبهُ سبّهُ مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولُ: والله لنمنعهن. وفي رواية فغضب غضباً شديداً وقال: أُحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: إننا لنمنعهن. [متفق عليه].
قال الإمام النووي رحمه الله: فيه تعزير المعترض على السنة والمعارض لها برأيه، وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: قول بلال بن عبدالله بن عمر رحمه الله: ( والله لنمنعهن )..ليس قصده ردَّ الحديث، لكن قصده أن الأمر تغير، وأن النساء في النبي صلى الله عليه وسلم يخرجن بلباس الحشمة، بعيدات عن التبرج والتطيب، وأن الوقت قد تغير، فقال: ( والله لنمنعهن ) هذا مراده، وليس مراده المعارضة قطعاً، لكن لما كان هذا اللفظ ظاهره المعارضة سبه أبوه، يعني: وبخه وتكلم عليه سباً سيئاً، وقال أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: ( لنمنعهن) مع أنه ليس قصده المعارضة بلا شك، لكن في هذا دليل على الإنكار على من تكلم بكلام ظاهره المعارضة، وأنه يُسب، فكيف بمن أراد المعارضة ؟ فهذا أشدُّ وأشد.
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يُجزئُ من الوضوء المدُّ من الماء ومن الجنابة الصاع) فقال رجل: ما يكفيني فقال جابر: قد كفى من هو خير منك وأكثر شعراً رسول الله صلى الله عليه وسلم. [متفق عليه].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفيه جواز الرد بعنف على من يماري بغير علم إذا قصد الراد إيضاح الحق وتحذير السامعين من مثل ذلك، وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: (فقال رجل: ما يكفيني) وهذا تعبير سيء، حيث قال إمام هذا الصحابي الجليل الذي قال: (صاع يكفيك) لأنه شبهُ ردٍّ لما قاله، ولهذا قابله جابر بهذه العبارة الشديدة، فقال: (كان يكفي من هو أوفى منك شعراً، وخيراً منك) وقال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن آل بسام رحمه الله: يؤخذ من الحديث: الإنكار على من يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء خير كله) أو قال: (الحياء كله خير) فقال بشير بن كعب: " أنّا نجدُ في بعض الكتب أن منه سكينةً ووقاراً لله ومنه ضعف"، فغضب عمران حتى احمرت عيناه، وقال: ألا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعارض فيه، فأعاد عمران الحديث فأعاد بشير الكلام. فغضب عمران [متفق عليه، واللفظ لمسلم].
قال الإمام النووي رحمه الله: وأما إنكار عمران رضي الله عنه فلكونه قال " منه ضعف " بعد سماعه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه خير) ومعنى: تعارض: تأتي بكلام في مقابلته وتعترض بما يخالفه، وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: وفي الحديث من الفوائد جواز الغضب عند معارضة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وحُقَّ للإنسان أن يغضب إذا عارض أحد قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقول غيره كائناً من كان.
وعن عبدالله بن مغفل رضي الله عنه أنه رأى رجلاً يحذفُ فقال له: لا تحذف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحذف وقال: (إنه لا يُصادُ به صيد ولا ينكأ به عدو ولكنها تكسر السن وتفقأ العين) ثم رآه بعد ذلك يحذف فقال له: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه نهى عن الحذف وأنت تحذف؟ لا أكلمك كذا وكذا. [متفق عليه].
قال الإمام النووي رحمه الله: فيه هجران... منابذي السنة.
وقال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله: في الحديث جواز هجران من خالف السنة وترك كلامه ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجر فوق ثلاث فإنه يتعلق بمن هجر لحظ نفسه.
رجوعهم لاتباع للسنة:
وقف ابن مسعود رضي الله عنه بمزدلفة حتى أسفر، ثم قال: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة، قال الراوي: فما أدري قولُهُ كان أسرع أم دَفعُ عثمان رضي الله عنه؟ [أخرجه البخاري] قال العلامة محمد العثيمين رحمه الله: وما قال ابن مسعود رضي الله عنه هذه الكلمة حتى دفع عثمان رضي الله عنه، من شدة تمسكهم بالسنة.
وكان معاوية يستلم الأركان فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: إنه لا يستلم إلا هذان الركنان فقال: ليس شيء من البيت مهجور. [متفق عليه] وفي رواية عند الترمذي أن ابن عباس رضي الله عنهما قال ﴿ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21] ولم أر النبي عليه الصلاة والسلام يستلم إلا الركنين اليمانيين، قال معاوية رضي الله عنه: صدقت ورجع لقوله. قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي: وهذه منقبة لمعاوية رضي الله عنه، حيث قبل الحق من ابن عباس رضي الله عنهما، فصار لا يستلم إلا الركنين اليمانيين.
وعن سليم بن عامر قال: كان معاوية يسيرُ بأرض الروم وكان بينهم وبينه أمد فأراد أن يدنو منهم فإذا انقضى الأمدُ غزاهم فإذا شيخ على دابة يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقده ولا يشُدَّها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء) فبلغ ذلك معاوية فرجع وإذا الشيخ عمرو بن عنبسة. [أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد].
وعن سعيد قال: كان عمر ابن الخطاب يقول: الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً، حتى قال له الضحاك ابن سفيان: كتب إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ورِّث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، فرجع عمر. [أخرجه أبو داود].
وعن أبي الجوزاء قال: سمعت ابن عباس يفتي في الصرف، ثم لقيته فرجع عنه، فقلت له: ولِمَ؟ قال: إنما هو رأي رأيته، حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه...فتركت رأيي إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. [أخرجه أحمد].
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: أتى عليَّ زمان أقولُ: أولاد المشركين مع المسلمين وأولاد المشركين مع المشركين حتى حدثني فلان عن فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنهم فقال: (اللهُ أعلمُ بما كانوا عاملين) فلقيت الرجل فأخبرني فأمسكت عن قولي. [أخرجه أحمد].
وعن أم سلمه رضي الله عنها قالت: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصبحُ جُنباً، فيغتسل ويصومُ، فردَّ أبو هريرة فُتياه. [أخرجه أحمد].
وعن سالم بن عبدالله: أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، كان يصنع ذلك " يعني يقطع الخفين للمرأة المحرمة " ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد: أن عائشة رضي الله عنها حدثتها: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رخص للنساء في الخفين " فترك ذلك. [أخرجه أبو داود].
حثّهم لغيرهم على فعل السنة ولو لم يفعلوها، مع بيان أسباب عدم فعلهم لها:
وعن عبدالله بن عبدالله قال: أنه كان يرى عبدالله بن عمر رضي الله عنه، يتربع في الصلاة إذا جلس، ففعلته وأنا يومئذ حديث سن، فنهاني عبدالله بن عمر، وقال: إنما سُنَّة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثنى اليسري، فقلت: إنك تفعل ذلك؟ فقال: إن رجليَّ لا تحملاني. [أخرجه البخاري] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: في الحديث من الفوائد: أن الإنسان إذا بين العلة التي تمنعه من الفعل المسنون فإنه لا يُعاب عليه.
الدعاء على من أنكر من اقتفى السنة:
عن عكرمة قال: صليت خلف شيخ بمكة، فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة، فقلت لابن عباس: إنه أحمق، فقال: ثكلتك أمك، سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم [أخرجه البخاري] قال الإمام الطيبي رحمه الله: "ثكلتك أمك" ظاهرها دعاء عليه.. رداً لقوله إنه أحمق، أي تقول في حق من اقتفى سنة أبي القاسم -عليه الصلاة والسلام- أنه أحمق؟
تنبيههم من أراد مخالفة السنة:
وعن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: طُفتُ مع عمر بن الخطاب فاستلم الركن، فكنتُ مما يلي البيت، فلما بلغنا الركن الغربي الذي يلي الأسود، جررت بيده ليستلم، فقال: ما شأنك؟ فقلتُ: ألا تستلم؟ قال: ألم تطف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلتُ: بلى فقال: أفرأيته يستلم هذين الركنين الغربيين؟ فقلتُ: لا. قال: أفليس لك فيه أسوة حسنة قلت: بلى قال: فانفذ عنك. [أخرجه أحمد].
تسليمهم التام للسنة عُلمت الحكمة أو لم تعلم:
عن معاذة بنت عبد الله قالت: سألت عائشة رضي الله عنها، فقلت: ما بالُ الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ فقلت: لست بحرورية، ولكني أسالُ، فقالت: كان يُصيبنا ذلك، فنؤمرُ بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة. [متفق عليه] قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هذه المرأة كان عندها علم بأن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، ولكتها أراد أن تعرف الحكمة، فبينت لها عائشة رضي الله عنها أن الحكمة ورود الشرع بذلك، لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم النساء في عهده حينما كان يصيبهن ذلك بقضاء الصوم، ولم يكن يأمرهن بقضاء الصلاة.
عدم قبولهم مخالفة السنة ولو كانت تقديراً واحتراماً لهم:
خرج معاوية فقام عبدالله ابن الزبير وابن صفوان حين رأوه فقال: اجلسا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من سره أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار) [أخرجه الترمذي] وعن سالم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقم أحدكم أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه) قال: وكان الرجلُ يقومُ لابن عمر فما يجلس فيه. [أخرجه الترمذي].
تطبيقهم للسنة بشكلٍ مستمرٍ دائم:
عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بُني له بهن بيت في الجنة) فما تركتهن مُنذُ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم [أخرجه مسلم] قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ينبغي للإنسان أن يحافظ على هذه الصلوات، كما حافظت عليها أم حبيبة رضي الله عنها.
وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشقَّ على أمتي، لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل) فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات في المسجد وسواكه على أذنه، موضع القلم من أُذن الكاتب، لا يقوم إلى الصلاة إلا استن ثم رده إلى موضعه. [أخرجه الترمذي].
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعي أحدكم إلى الدعوة فليجيب) أو قال: (فليأتها) قال: وكان ابن عمر يُجيبُ صائماً ومفطراً. [أخرجه أحمد].
غضبهم على من لم يخبرهم بالسنة:
عن جندب رضي الله عنه قال: جئتُ يوم الجرعة، فإذا رجل جالس، فقلتُ: لتهراقن اليوم هاهنا دماء، فقال ذاك الرجل: كلا والله، قُلتُ: بلى والله، قال: كلا والله. قُلتُ: بلى والله، قال: كلا والله، إنه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنيه، قلتُ: بئس الجليس لي، أنت منذُ اليوم تسمعني أخالفك، وقد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تنهاني؟ ثم قلتُ: ما هذا الغضب؟ فأقبلت عليه وأسأله فإذا الرجل حذيفة. [أخرجه مسلم].
تطبيقهم للسنة في أشدِّ الظروف:
فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فانطلقت فلم تجده، ولقيت عائشة فأخبرتها، فلماء جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا، وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (على مكانكما) فقعد بيننا حتى وجدت برد قدمه في صدري، ثم قال: (ألا أُعلمكما خيراً مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما أن تكبرا الله أربعاً وثلاثين وتسبحاه ثلاثاً وثلاثين وتحمداه ثلاثاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم) قال علي: ما تركته منذ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين. [أخرجه مسلم].
قال الإمام النووي رحمه الله: معناه لم يمنعني منهن ذلك الأمر والشغل الذي كنت فيه، وليلة صفين هي ليلة الحرب المعروفة بصفين وهي موضع بقرب الفرات كانت فيه حرب عظيمة بينه وبين أهل الشام.
مشاركة من تحت أيدهم لهم في تطبيق السنة:
فعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله، مرني بعمل، قال: (عليك بالصيام فإنه لا مثل له) فما رُئي أبو أُمامة ولا امرأته ولا خادمه إلا صياماً) [أخرجه النسائي وأحمد].
تطبيقهم للسنة مع كلِّ أحد:
عن جابر بن سليم رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله اعهد إليَّ قال: (لا تسبَّنَّ أحداً) قال: فما سببتُ بعده حُراً ولا عبداً ولا بعيراً ولا شاة [أخرجه أبو داود].
اللهم ارزقنا محبة صحابة رسولك عليه الصلاة والسلام، واجعل قلوبنا سليمة لهم، وألسنة بريئة مما يقوله أهل الافك والبهتان فيهم، ووفقنا للاقتداء بهم.
أما بعد:
فسنة الرسول عليه الصلاة والسلام هي المرجع بعد القرآن الكريم لمعرفة أحكام الإسلام وتعاليمه، فلا إسلام بدون سنة، وقد أمر الله جل جلاله عباده باتباع رسوله، قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي مهما أمركم به فافعلوه، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه، فإنه إنما يأمر بخير، وإنما ينهي عن شر.
كما حذر سبحانه وتعالى من مخالفة رسوله عليه الصلاة والسلام، قال الله عز وجل: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطناً وظاهراً ﴿ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ﴾ أي في قلوبهم من كفر، أو نفاق، أو بدعة ﴿ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي في الدنيا بقتل أو حدِّ أو حبس أو نحو ذلك، وقال عز وجل ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية تهديد من تولى وأعرض عن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: ﴿ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80].
والصحابة رضي الله عنهم، كانوا يعظمون سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبّله وقال: إني أعلمُ أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يُقبلك ما قبلتك [أخرجه البخاري].
وإذا كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قد ذكر في كتابه النافع "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولاً عاماً يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته، دقيق ولا جليل... ولكن إذا وجد لواحد منهم قول، قد جاء حديث صحيح بخلافه، فلا بد له من عذر في تركه. ا.هـ.
إذا كان هذا في العلماء فمن باب أولى أن يكون ذلك في الصحابة، فلم يكن أحد منهم يتعمد مخالفة الرسول علية الصلاة والسلام، وما ورد عن بعضهم رضي الله عنهم من أقوالٍ أو أفعالٍ ظاهرها مخالفة سنة الرسول عليه الصلاة والسلام فليس ذلك منهم معارضةً لسنته، حاشاهم رضي الله عنهم وأرضاهم، وإنما لهم عذر في ذلك، ومن الأعذار التي يعتذر لهم في ذلك:
خفاء السنة عليهم، قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: ألا ترى أن عمر في سعة علمه، وكثرة لزومه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قد خفي عليه من توريث المرأة من دية زوجها، وحديث دية الجنين، وحديث الاستئذان ما علمه غيره، وخفي على أبي بكر حديث توريث الجدة، فغيرهما أحرى أن تخفى عليه السنة.
نسيانهم للسنة، كما نسيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقد بعث عبدالله بن عامر إلى عائشة بنفقة وكسوة، فقالت لرسوله: يا بنيَّ، إنِّي لا أقبلُ من أحد شيئاً، فلما خرج، قالت: ردوه عليَّ فردُّه، فقالت: إني ذكرتُ شيئاً قاله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا عائشة (من أعطاك عطاء بغير مسألة، فاقبليه فإنما هو رزق عرضه الله لك) [أخرجه أحمد].
الاجتهاد في ذلك: كما فعل الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، في منع التمتع في الحج والإفراد بالحج ليكثر زوار البيت.
هذا وقد يسّر الله الكريم جمع بعضُ أقوال الصحابة رضي الله عنهم وأفعالهم، التي تدلً على تعظيمهم لسنة الرسول علية الصلاة والسلام، أسال الله أن ينفع بها جامعها وقارئها وناشرها في الدنيا والآخرة، وأن يوفقنا جميعاً للاقتداء والتأسي بسنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في جميع أقوالنا وأفعالنا.
اتباعهم للسنة وترك قول من خالفها كائناً من كان:
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: ليس أحد إلا يؤخذ من قوله ويدع، غير النبي صلى الله عليه وسلم. [أخرجه الطبراني في الكبير] قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: ليس أحد من خلق الله إلا وهو يؤخذ من قوله ويترك، إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يترك من قوله، إلا ما تركه هو ونسخه قولاً أو عملاً، والحجة فيما قال صلى الله عليه وسلم، وليس في قول غيره حجة.
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: تمتع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عروة بن الزبير: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة! فقال ابن عباس: ما يقول عُريّة؟ قال: قلت: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة! فقال ابن عباس: أراهم سيهلكون، أقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: نهى أبو بكر وعمر!! [أخرجه الإمام أحمد، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح] قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي: وفيه أن السنة حاكمة على كل أحد صغيراً كان أم كبيراً، ولهذا اشتد ابن عباس رضي الله عنهما على من عارضه بقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما...وقال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر! وهما رضي الله عنهما يأمران بالإفراد على سبيل الاستحباب، وينهيان عن المتعة لا على سبيل التحريم.
وعن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان وعلياً رضي الله عنهما، وعثمان ينهي عن المتعة، وأن يجمع بينهما، فلما رأى علي أهلَّ بهما: لبيك بعمرة وحجة، قال: ما كُنتُ لأدع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لقول أحد.[متفق عليه] قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي: كان عثمان رضي الله عنه ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما، ويأمر الناس بالإفراد، وكان يرى رأي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في النهي عن المتعة، فيقول: لا تمتعوا وأفردوا بالحج، ومن أراد أن يعتمر فليعتمر في سفرة أخرى ليكثر الزوار للبيت، ويرى الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بفسخ الحج لعمرة لسبب، وهو رد اعتقاد أهل الجاهلية بأن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، وقالوا: قد زال هذا السبب، وأما علي وابن عباس وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم فيرون أن السنة ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ولما رأى على رضي الله عنه أن عثمان رضي الله عنه لا يوافقه أهل بهما جميعاً قال " لبيك بعمرة وحجة، قال: ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد" وهذا فيه دليل على أن الحق والصواب قد يخفى على بعض كبار أهل العلم.
وعن عياض بن أبي سرح، أن أبا سعيد الخدري دخل يوم الجمعة، ومروان يخطب، فقام يصلي، فجاء الحرس ليجلسوه فأبى، حتى صلى، فلما انصرف أتيناه، فقلنا: رجمك الله، إن كادوا ليقعوا بك، فقال: ما كنتُ لأتركهما بعد شيءٍ رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر أن رجلاً جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فأمره فصلى ركعتين، والنبي علية الصلاة والسلام يخطُبُ. [أخرجه الترمذي].
وعن سالم بن عبدالله أنه سمع رجلاً يسأل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال عبدالله: هي حلال، قال الرجل: إن أباك قد نهى عنها، فقال عبدالله: أرأيت إن كان أبي نهى عنها، وصنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر أبي يُتبعُ أم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال الرجل: بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبدالله: لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم. [أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح].
توبيخ من أورد الإيرادات على تطبيق السنة:
وعن عاصم بن أبي مجلز قال ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة) قلتُ: أرأيت إن غلبتني عيني، أرأيت إن نمتُ، قال: اجعل أرأيت عند ذلك النجم. [أخرجه مسلم].
وعن الزبير بن عربي قال: سأل رجل ابن عمر رضي الله عنه عن استلام الحجر الأسود، فقال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمُهُ، ويُقبلهُ، قال: قلت: أرأيت إن زحمتُ؟ أرأيت إن غلبتُ؟ قال: اجعل أرأيت باليمن، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمُهُ ويُقبِّلُهُ. [أخرجه البخاري] قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: وقول القائل: (أرأيت إن زُحمتُ؟ أرأيت إن غُلبتُ؟) كأن ابن عمر رضي الله عنهما من شدة محبته للتمسك بالسنة وبخه هذا التوبيخ، وقال له: اجعل أرأيت باليمن، وأنت الآن في مكة، وكأن أهل اليمن عندهم إيرادات، قال الشيخ عبدالعزيز الراجحي: فقوله: (اجعل أرأيت باليمن) يعني لا تعترض، هذه سنة ثابتة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبله وعليك أن تقبل.
هجرهم وغضبهم الشديد على من خالف السنة ولو كان أقرب قريب:
عن سالم بن عبدالله، أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها) قال: فقال بلال بن عبدالله: والله لنمنعهن، قال: فأقبل عليه عبدالله فسبه سباً سيئاً، ما سمعته سبهُ سبّهُ مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولُ: والله لنمنعهن. وفي رواية فغضب غضباً شديداً وقال: أُحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: إننا لنمنعهن. [متفق عليه].
قال الإمام النووي رحمه الله: فيه تعزير المعترض على السنة والمعارض لها برأيه، وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: قول بلال بن عبدالله بن عمر رحمه الله: ( والله لنمنعهن )..ليس قصده ردَّ الحديث، لكن قصده أن الأمر تغير، وأن النساء في النبي صلى الله عليه وسلم يخرجن بلباس الحشمة، بعيدات عن التبرج والتطيب، وأن الوقت قد تغير، فقال: ( والله لنمنعهن ) هذا مراده، وليس مراده المعارضة قطعاً، لكن لما كان هذا اللفظ ظاهره المعارضة سبه أبوه، يعني: وبخه وتكلم عليه سباً سيئاً، وقال أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: ( لنمنعهن) مع أنه ليس قصده المعارضة بلا شك، لكن في هذا دليل على الإنكار على من تكلم بكلام ظاهره المعارضة، وأنه يُسب، فكيف بمن أراد المعارضة ؟ فهذا أشدُّ وأشد.
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يُجزئُ من الوضوء المدُّ من الماء ومن الجنابة الصاع) فقال رجل: ما يكفيني فقال جابر: قد كفى من هو خير منك وأكثر شعراً رسول الله صلى الله عليه وسلم. [متفق عليه].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفيه جواز الرد بعنف على من يماري بغير علم إذا قصد الراد إيضاح الحق وتحذير السامعين من مثل ذلك، وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: (فقال رجل: ما يكفيني) وهذا تعبير سيء، حيث قال إمام هذا الصحابي الجليل الذي قال: (صاع يكفيك) لأنه شبهُ ردٍّ لما قاله، ولهذا قابله جابر بهذه العبارة الشديدة، فقال: (كان يكفي من هو أوفى منك شعراً، وخيراً منك) وقال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن آل بسام رحمه الله: يؤخذ من الحديث: الإنكار على من يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء خير كله) أو قال: (الحياء كله خير) فقال بشير بن كعب: " أنّا نجدُ في بعض الكتب أن منه سكينةً ووقاراً لله ومنه ضعف"، فغضب عمران حتى احمرت عيناه، وقال: ألا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعارض فيه، فأعاد عمران الحديث فأعاد بشير الكلام. فغضب عمران [متفق عليه، واللفظ لمسلم].
قال الإمام النووي رحمه الله: وأما إنكار عمران رضي الله عنه فلكونه قال " منه ضعف " بعد سماعه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه خير) ومعنى: تعارض: تأتي بكلام في مقابلته وتعترض بما يخالفه، وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: وفي الحديث من الفوائد جواز الغضب عند معارضة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وحُقَّ للإنسان أن يغضب إذا عارض أحد قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقول غيره كائناً من كان.
وعن عبدالله بن مغفل رضي الله عنه أنه رأى رجلاً يحذفُ فقال له: لا تحذف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحذف وقال: (إنه لا يُصادُ به صيد ولا ينكأ به عدو ولكنها تكسر السن وتفقأ العين) ثم رآه بعد ذلك يحذف فقال له: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه نهى عن الحذف وأنت تحذف؟ لا أكلمك كذا وكذا. [متفق عليه].
قال الإمام النووي رحمه الله: فيه هجران... منابذي السنة.
وقال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله: في الحديث جواز هجران من خالف السنة وترك كلامه ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجر فوق ثلاث فإنه يتعلق بمن هجر لحظ نفسه.
رجوعهم لاتباع للسنة:
وقف ابن مسعود رضي الله عنه بمزدلفة حتى أسفر، ثم قال: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة، قال الراوي: فما أدري قولُهُ كان أسرع أم دَفعُ عثمان رضي الله عنه؟ [أخرجه البخاري] قال العلامة محمد العثيمين رحمه الله: وما قال ابن مسعود رضي الله عنه هذه الكلمة حتى دفع عثمان رضي الله عنه، من شدة تمسكهم بالسنة.
وكان معاوية يستلم الأركان فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: إنه لا يستلم إلا هذان الركنان فقال: ليس شيء من البيت مهجور. [متفق عليه] وفي رواية عند الترمذي أن ابن عباس رضي الله عنهما قال ﴿ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21] ولم أر النبي عليه الصلاة والسلام يستلم إلا الركنين اليمانيين، قال معاوية رضي الله عنه: صدقت ورجع لقوله. قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي: وهذه منقبة لمعاوية رضي الله عنه، حيث قبل الحق من ابن عباس رضي الله عنهما، فصار لا يستلم إلا الركنين اليمانيين.
وعن سليم بن عامر قال: كان معاوية يسيرُ بأرض الروم وكان بينهم وبينه أمد فأراد أن يدنو منهم فإذا انقضى الأمدُ غزاهم فإذا شيخ على دابة يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقده ولا يشُدَّها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء) فبلغ ذلك معاوية فرجع وإذا الشيخ عمرو بن عنبسة. [أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد].
وعن سعيد قال: كان عمر ابن الخطاب يقول: الدية للعاقلة، ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً، حتى قال له الضحاك ابن سفيان: كتب إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ورِّث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، فرجع عمر. [أخرجه أبو داود].
وعن أبي الجوزاء قال: سمعت ابن عباس يفتي في الصرف، ثم لقيته فرجع عنه، فقلت له: ولِمَ؟ قال: إنما هو رأي رأيته، حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه...فتركت رأيي إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. [أخرجه أحمد].
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: أتى عليَّ زمان أقولُ: أولاد المشركين مع المسلمين وأولاد المشركين مع المشركين حتى حدثني فلان عن فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنهم فقال: (اللهُ أعلمُ بما كانوا عاملين) فلقيت الرجل فأخبرني فأمسكت عن قولي. [أخرجه أحمد].
وعن أم سلمه رضي الله عنها قالت: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصبحُ جُنباً، فيغتسل ويصومُ، فردَّ أبو هريرة فُتياه. [أخرجه أحمد].
وعن سالم بن عبدالله: أن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، كان يصنع ذلك " يعني يقطع الخفين للمرأة المحرمة " ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد: أن عائشة رضي الله عنها حدثتها: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رخص للنساء في الخفين " فترك ذلك. [أخرجه أبو داود].
حثّهم لغيرهم على فعل السنة ولو لم يفعلوها، مع بيان أسباب عدم فعلهم لها:
وعن عبدالله بن عبدالله قال: أنه كان يرى عبدالله بن عمر رضي الله عنه، يتربع في الصلاة إذا جلس، ففعلته وأنا يومئذ حديث سن، فنهاني عبدالله بن عمر، وقال: إنما سُنَّة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثنى اليسري، فقلت: إنك تفعل ذلك؟ فقال: إن رجليَّ لا تحملاني. [أخرجه البخاري] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: في الحديث من الفوائد: أن الإنسان إذا بين العلة التي تمنعه من الفعل المسنون فإنه لا يُعاب عليه.
الدعاء على من أنكر من اقتفى السنة:
عن عكرمة قال: صليت خلف شيخ بمكة، فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة، فقلت لابن عباس: إنه أحمق، فقال: ثكلتك أمك، سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم [أخرجه البخاري] قال الإمام الطيبي رحمه الله: "ثكلتك أمك" ظاهرها دعاء عليه.. رداً لقوله إنه أحمق، أي تقول في حق من اقتفى سنة أبي القاسم -عليه الصلاة والسلام- أنه أحمق؟
تنبيههم من أراد مخالفة السنة:
وعن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: طُفتُ مع عمر بن الخطاب فاستلم الركن، فكنتُ مما يلي البيت، فلما بلغنا الركن الغربي الذي يلي الأسود، جررت بيده ليستلم، فقال: ما شأنك؟ فقلتُ: ألا تستلم؟ قال: ألم تطف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلتُ: بلى فقال: أفرأيته يستلم هذين الركنين الغربيين؟ فقلتُ: لا. قال: أفليس لك فيه أسوة حسنة قلت: بلى قال: فانفذ عنك. [أخرجه أحمد].
تسليمهم التام للسنة عُلمت الحكمة أو لم تعلم:
عن معاذة بنت عبد الله قالت: سألت عائشة رضي الله عنها، فقلت: ما بالُ الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ فقلت: لست بحرورية، ولكني أسالُ، فقالت: كان يُصيبنا ذلك، فنؤمرُ بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة. [متفق عليه] قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هذه المرأة كان عندها علم بأن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، ولكتها أراد أن تعرف الحكمة، فبينت لها عائشة رضي الله عنها أن الحكمة ورود الشرع بذلك، لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم النساء في عهده حينما كان يصيبهن ذلك بقضاء الصوم، ولم يكن يأمرهن بقضاء الصلاة.
عدم قبولهم مخالفة السنة ولو كانت تقديراً واحتراماً لهم:
خرج معاوية فقام عبدالله ابن الزبير وابن صفوان حين رأوه فقال: اجلسا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من سره أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار) [أخرجه الترمذي] وعن سالم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقم أحدكم أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه) قال: وكان الرجلُ يقومُ لابن عمر فما يجلس فيه. [أخرجه الترمذي].
تطبيقهم للسنة بشكلٍ مستمرٍ دائم:
عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بُني له بهن بيت في الجنة) فما تركتهن مُنذُ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم [أخرجه مسلم] قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ينبغي للإنسان أن يحافظ على هذه الصلوات، كما حافظت عليها أم حبيبة رضي الله عنها.
وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشقَّ على أمتي، لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل) فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات في المسجد وسواكه على أذنه، موضع القلم من أُذن الكاتب، لا يقوم إلى الصلاة إلا استن ثم رده إلى موضعه. [أخرجه الترمذي].
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعي أحدكم إلى الدعوة فليجيب) أو قال: (فليأتها) قال: وكان ابن عمر يُجيبُ صائماً ومفطراً. [أخرجه أحمد].
غضبهم على من لم يخبرهم بالسنة:
عن جندب رضي الله عنه قال: جئتُ يوم الجرعة، فإذا رجل جالس، فقلتُ: لتهراقن اليوم هاهنا دماء، فقال ذاك الرجل: كلا والله، قُلتُ: بلى والله، قال: كلا والله. قُلتُ: بلى والله، قال: كلا والله، إنه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنيه، قلتُ: بئس الجليس لي، أنت منذُ اليوم تسمعني أخالفك، وقد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تنهاني؟ ثم قلتُ: ما هذا الغضب؟ فأقبلت عليه وأسأله فإذا الرجل حذيفة. [أخرجه مسلم].
تطبيقهم للسنة في أشدِّ الظروف:
فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فانطلقت فلم تجده، ولقيت عائشة فأخبرتها، فلماء جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا، وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (على مكانكما) فقعد بيننا حتى وجدت برد قدمه في صدري، ثم قال: (ألا أُعلمكما خيراً مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما أن تكبرا الله أربعاً وثلاثين وتسبحاه ثلاثاً وثلاثين وتحمداه ثلاثاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم) قال علي: ما تركته منذ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين. [أخرجه مسلم].
قال الإمام النووي رحمه الله: معناه لم يمنعني منهن ذلك الأمر والشغل الذي كنت فيه، وليلة صفين هي ليلة الحرب المعروفة بصفين وهي موضع بقرب الفرات كانت فيه حرب عظيمة بينه وبين أهل الشام.
مشاركة من تحت أيدهم لهم في تطبيق السنة:
فعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله، مرني بعمل، قال: (عليك بالصيام فإنه لا مثل له) فما رُئي أبو أُمامة ولا امرأته ولا خادمه إلا صياماً) [أخرجه النسائي وأحمد].
تطبيقهم للسنة مع كلِّ أحد:
عن جابر بن سليم رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله اعهد إليَّ قال: (لا تسبَّنَّ أحداً) قال: فما سببتُ بعده حُراً ولا عبداً ولا بعيراً ولا شاة [أخرجه أبو داود].
اللهم ارزقنا محبة صحابة رسولك عليه الصلاة والسلام، واجعل قلوبنا سليمة لهم، وألسنة بريئة مما يقوله أهل الافك والبهتان فيهم، ووفقنا للاقتداء بهم.