مشاهدة النسخة كاملة : فوائد من كتاب "مداواة النفوس" لابن حزم


عازف الناي
02-25-2023, 08:50 PM
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:


فقد وفق من جاهد نفسه فزكاها بتطهيرها من الذنوب والعيوب، ولذلك وسائل من أهمها: الدعاء والإلحاح في ذلك، ومنها: القراءة في الكتب التي صنفها العلماء في تزكية النفوس ومداواة الأخلاق، ومنها الاطلاع على جوانب من حياة أناس جاهدوا أنفسهم حتى زكت وزالت عنها عيوبها، وكتاب الإمام ابن حزم رحمه الله "مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق والزهد في الرذائل" قد حوى من ذلك شيئًا كثيرًا، وقد يسَّر الله فاخترتُ بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها.



عيوب في النفس زالت بعون الله وتوفيقه:

كانت فيَّ عيوب، فلم أزل بالرياضة واطلاعي على ما قالت الأنبياء صلوات الله عليهم والأفاضل من الحكماء المتأخرين والمتقدمين في الأخلاق، وفي آداب النفس أُعاني مُداواتها، حتى أعان الله عز وجل على أكثر ذلك بتوفيقه ومنِّه.



فمنها: كلف في الرضا، وإفراط في الغضب، فلم أزل أُداوي ذلك حتى وقفت عند ترك إظهار الغضب جملةً بالكلام والفعل والتخبط، وامتنعت مما يحلُّ من الانتصار، وتحملت من ذلك ثقلًا شديدًا، وصبرت على مضض مؤلمٍ كان ربما أمرضني، وأعجزني ذلك في الرضا.



ومنها: دعابة غالبة، فالذي قدرت عليه فيها إمساكي عما يغضب الممازح، وسامحت نفسي فيها، إذ رأيت تركها من الانغلاق ومضاهيًا للكبر.



ومنها: عُجب شديد، فناظر عقلي نفسي بما يعرفه من عيوبها حتى ذهب كلُّه، ولم يبق له والحمد لله أثر، بل كلفتُ نفسي احتقار قدرها جملةً، واستعمال التواضع.



ومنها: حركات كانت تولدها غرارة الصبا، وضعفُ الأعضاء، فقسرت نفسي على تركها، فذهبت.



ومنها: محبة في بُعد الصيت والغلبة، فالذي وقفت عليه من معاناة هذا الداء الإمساك فيه عما لا يحلُّ في الديانة، والله المستعان على الباقي.



ومنها: حقد مفرط، قدرت بعون الله تعالى على طيه وستره، وغلبتُهُ على إظهار جميع نتائجه، وأما قطعه البتة فلم أقدر عليه، وأعجزني معه أن أصادق من عاداني عداوة صحيحة أبدًا.



علاج العُجب:

من امتحن بالعُجب، فليتفكر في عيوبه، فإن أعجب بفضائله، فليفتش ما فيه من الأخلاق الدنية، فإن خفيت عليه عيوبه جملة حتى يظن أنه لا عيب فيه، فليعلم أنها مصيبة الأبد، وأنه أتم الناس نقصًا، وأعظمهم عيوبًا، وأضعفهم تمييزًا...لأن العاقل هو من ميز عيوب نفسه فغالبها، وسعى في قمعها، والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه، إما لقلة علمه وتمييزه وضعف فكرته، وإما لأنه يُقدر أن عيوبه خصال، وهذا أشد عيوب الأرض. واعلم يقينًا أنه لا يسلم إنسي من نقص، حاشا الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين. فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه، والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها، وعن عيوب غيره التي لا تضره لا في الدنيا ولا في الآخرة.



مجالسة الناس:

من جالس الناس لم يعدم همًّا يؤلم نفسه، فما الظن بمن خالطهم وداخلهم؟ والعزُّ والراحة والسرور والسلامة في الانفراد عنهم ولكن اجعلهم كالنار تدفأ بها ولا تخالطها ولو لم يكن في مجالسة الناس إلا عيبان لكفيا: أحدهما: الاسترسالُ عند الأُنس بالأسرار المُهلكة القاتلة التي لولا المُجالسة لم يبح بها البائح، والثاني: مواقعة الغيبة المهلكة في الآخرة.



فلا سبيل إلى السلامة من هاتين البليتين إلا بالانفراد عن المجالسة جملة.



أنا أُعلمك أنَّ بعض من خالصني المودة، وأصفاني إياها غاية الصفاء في حال الشدة والرخاء والسعة والضيق والغضب والرضا، تغير عليَّ أقبح تغيُّر بعد اثني عشر عامًا متصلة في غاية الصفاء، لسبب لطيف جدًّا، ما قدَّرتُ قطُّ أنه يُؤثر مثله في أحد من الناس، وما صلح لي بعدها، ولقد أهمني ذلك سنين كثيرة همًّا شديدًا.



التعامل الصحيح مع كلام الناس:

طرح المبالاة بكلام الناس، واستعمال المبالاة بكلام الخالق عز وجل، هو باب العقل كله والراحة كلها...فمن حقق النظر...كان اغتباطه بذمِّ الناس إياه أشدَّ من اغتباطه بمدحهم إياه؛ لأن مدحهم إياه إن كان بحقٍّ، وبلغه مدحُهُم له، أسرى ذلك فيه العُجب، فأفسد بذلك فضائله، وإن كان بباطلٍ فبلغه فسُرَّ فقد صار مسرورًا بالكذب، وهذا نقص شديد. وأما ذمُّ الناس إياه، فإن كان بحق فبلغه، فربما كان ذلك سببًا إلى تجنُّبه ما يُعاب عليه، وهذا حظ عظيم، لا يزهدُ فيه إلا ناقص، وإن كان بباطلٍ فصبر، اكتسب فضلًا زائدًا بالحلم والصبر، وكان مع ذلك غانمًا؛ لأنه يأخذ حسنات مَنْ ذمَّهُ بالباطل.



تعجل بعض الناس الشقاء لأنفسهم:

رأيت أكثر الناس- إلا من عصم الله تعالى وقليل ما هم- يتعجلون الشقاء والهمَّ لأنفسهم في الدنيا...من تمني أشدِّ البلاء لمن يكرهونه، وقد علموا يقينًا أن تلك النيات الفاسدة لا تُعجِّل لهم شيئًا مما يتمنونه، أو يوجب كونه، وأنهم لو صفوا نياتهم، وحسنوها لتعجلوا الراحة لأنفسهم، وتفرغوا بذلك لمصالح أمورهم، ولاقتنوا عظيم الأجر في المعاد من غير أن يؤخر ذلك شيئًا مما يُريدونه ويمنع كونه. فأيُّ غبنٍ أعظمُ من هذه الحال التي نبهنا عليها؟ وأيُّ سعد أعظمُ من الذي دعونا إليه؟



الناس في مدحهم وذمهم على مراتب:

فطائفة تمدح في الوجه والمغيب، وهذه صفة أهل الملق والطمع.

وطائفة تذم في المشهد والمغيب، وهذه صفة أهل السلاطة والوقاحة من العيَّابين.

وطائفة تمدح في الوجه، وتذمَّ في المغيب، وهذه صفة أهل النفاق والعيَّابين.

وطائفة تذم في المشهد، وتمدح في المغيب، وهذه صفة أهل السخف.

وأما أهل الفضل فيمسكون عن المدح والذمِّ في المشاهدة، ويثنون بالخير في المغيب أو يمسكون عن الذمِّ.

وأما أهل السلامة، فيمسكون عن المدح والذمِّ في المشهد والمغيب.



نهي النفس عن الهوى:

قول الله: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41] جامع لكل فضيلةٍ؛ لأن نهي النفس عن الهوى هو ردعها عن الطبع الغضبي، وعن الطبع الشهواني...وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي استوصاه: ((لا تغضب)) وأمره عليه السلام أن يحبَّ المرء لغيره ما يحبُّ لنفسه جامعان لكل فضيلة؛ لأن في نهيه عن الغضب ردع النفس ذات القوة الغضبية عن هواها، وفي أمره عليه السلام بأن يحبَّ المرءُ لغيره ما يحبُّ لنفسه ردعُ النفوس عن القوة الشهوانية.



طلب الناس لطرد الهم عن أنفسهم:

تطلبت غرضًا يستوي الناس في استحسانهم كلهم وفي طلبه فلم أجده إلا واحدًا وهو طرد الهم، فلما تدبرته، علمتُ أن الناس كلهم لم يستووا في استحسانه فقط، ولا في طلبه فقط، ولكن رأيتهم على اختلاف أهوائهم ومطالبهم ومراداتهم، وتباين هممهم وإراداتهم لا يتحركون حركة أصلًا إلا فيما يرجون به طرد الهم...فمن مخطئ وجه سبيله ومن مقاربٍ للخطأ ومن مصيبٍ وهو الأقل من الناس في الأقلِّ من أموره.



وبحثت عن سبيل موصلةٍ على الحقيقة إلى طرد الهم...فلم أجدها إلا التوجُّه إلى الله عز وجل بالعمل للآخرة...ووجدت العامل للآخرة إن امتحن بمكروه في تلك السبيل لم يهتم...وإن تعب فيما سلك فيه سُرَّ، فهو في سرورٍ متصلٍ أبدًا، وغيره بخلاف ذلك أبدًا.



نصائح ووصايا:

♦ احرص أن توصف بسلامة الجانب، وتحفَّظ من أن توصف بالدهاء، فيكثرُ المتحفِّظون منك، حتى ربما أضر ذلك بك، وربما قتلك.



♦ وطّن نفسك على ما تكره، يقلَّ همُّك إذا أتاك...ويعظم سرورك ويتضاعف، إذا أتاك ما تحبُّ مما لم يكن قدّرته.



♦ لا تُجب عن كلام نُقل إليك عن قائل حتى توقن أنه قاله، فإن من نقل إليك كذبًا، رجع من عندك بحق.



♦ من استخف بحرمات الله تعالى، فلا تأمنه على شيءٍ.



♦ أكثر ما يكون ما لم تظن، والحزم هو التأهب لما تظنُّ، فسبحان من رتب ذلك، ليري الإنسان عجزه وافتقاره إلى خالقه عز وجل.



♦ لا يسرُّك أن تُمدح بما ليس فيك، بل ليعظم غمُّك بذلك؛ لأنه نقصك ينبِّه الناسَ عليه ويسمعهم إياه، وسخرية منك وهزء بك، ولا يرضى بهذا إلا أحمق ضعيف العقل.



♦ لا تأسَ إن ذممت بما ليس فيك، بل افرح، فإنه فضلك ينبِّه الناسَ عليه، ولكن افرح إذا كان فيك ما تستحق به المدح، سواء مُدحت به أو لم تمدح، واحزن إذا كان فيك ما تستحق به الذم، سواء ذُممت به أو لم تُذم.



♦ انظر في المال والحال والصحة إلى من دونك، وانظر في الدِّين والعلم والفضائل إلى من هو فوقك.



♦ لا ترغب فيمن يزهد فيك، فتحصل على الخيبة والخزي. ولا تزهد فيمن يرغبُ فيك، فإنه باب من أبواب الظلم، وتركُ مقارضة الإحسان، وهذا قبيح.



♦ لا تُفشي إلى أحد من إخوانك ولا من غيرهم من سِرِّك ما يمكنك طيُّه بوجه ما من الوجوه، وإن كان أخصَّ الناس بك.



♦ لا تنصح على شرط القبول، ولا تشفع على شرط الإجابة، ولا تهب على شرط الإثابة، لكن على سبيل استعمال الفضل وتأدية ما عليك من النصيحة والشفاعة وبذل المعروف.



♦ إذا نصحت فانصح سرًّا لا جهرًا، أو بتعريض لا بتصريحٍ إلا أن لا يفهم المنصوح غرضك فلا بدَّ من التصريح له.



♦ لا تنقل إلى صديقك ما يؤلم نفسه، ولا ينتفع بمعرفته...ولا تكتمه ما يستضرُّ بجهله، فهذا فعل أهل الشر.



♦ لا تضرَّ نفسك في أن تجرب بها الآراء الفاسدة لتريَ المشير بها فسادها، فتهلك.



♦ إياك أن تسرَّ غيرك بما تسوءُ به نفسك فيما لم تُوجبه عليك شريعة أو فضيلة.



♦ إياك ومعارضة أهل زمانك فيما لا يضرك في دنياك ولا أخراك، وإن قلَّ، فإنك تستفيد بذلك الأذى والمنافرة والعداوة.



♦ ينبغي أن يرغب العاقل في الاستكثار من الفضائل، وأعمال البرِّ التي يستحق مَنْ هي فيه الذكر الجميل، والثناء الحسن، والمدح وحميد الصفة، فهي التي تُقرِّبه من بارئه تعالى، وتجعله مذكورًا عنده عز وجل بالذكر الذي ينفعه.



♦ كم شاهدنا ممن أهلكه كلامه، ولم نر قطُّ أحدًا بلغنا أنه أهلكه سكوته، فلا تتكلم إلا بما بقربك من خالقك، فإن خفت ظالمًا فاسكت.



فوائد متفرقة:

♦ لو لم يكن من فضل العلم إلا أن الجهال يهابونك ويحبُّونك، وأن العلماء يحبُّونك ويكرمونك، لكان ذلك سببًا إلى وجوب طلبه، فكيف بسائر فضائله في الدنيا والآخرة؟



♦ أجلُّ العلوم ما قرَّبك من خالقك تعالى، وما أعانك على الوصول إلى رضاه.



♦ من شغل نفسه بأدنى العلوم، وترك أعلاها وهو قادر عليه، كان كزارع الذُّرة في الأرض التي يجود فيها البُرّ.



♦ نشر العلم عند من ليس من أهله مفسد لهم؛ كإطعامك العسل والحلوى من به احتراق وحمَّى.



♦ الباخل بالعلم ألْوَم من الباخل بالمال، فالباخل بالمال أشفق من فناء ما بيده، والباخل بالعلم بخِلَ بما لا يفنى على النفقة، ولا يُفارقُه مع البذل.



♦ لا آفة على العلوم وأهلها أضرُّ من الدُّخلاء فيها، وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون، ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويقدّرون أنهم يُصلحون.



♦ سرَّني أهل العلم مرتين من عمري:

إحداهما: بتعليمي أيام جهلي. والثانية: بمذاكرتي أيام علمي.



♦ من فضل العلم والزهد في الدنيا أنهما لا يُؤتيهما الله عز وجل إلا أهلهما ومُستحقهما.



♦ فرض على الناس تعلُّم الخير والعمل به، فمن جمع الأمرين جميعًا، فقد استوفى الفضلين معًا.



♦ ليس كل صديق ناصح، ولكن كل ناصح صديق فيما نصح فيه...وحدُّ النصيحة هو أن يسوءَ المرء ما ضرَّ الآخر ساء ذلك الآخر أم سرَّه، وأن يسره ما نفعه، سرَّ الآخر أم ساءه. فهذا شرط في النصيحة زائد على شرط الصداقة.



♦ السخاءُ بما ظلمت فيه، أو أخذته بغير حقه ظلم مكرر، والذمُّ جزاء ذلك لا الحمد؛ لأنك إنما تبذل مال غيرك على الحقيقة لا مالك.



♦ العتابُ للصديق كالسبك للسبيكة، فإما تصفو وإما تطير.



♦ حدُّ العفة أن تغضَّ بصرك، وجميع جوارحك عن الأجسام التي لا تحلُّ لك.



♦ طالب الآخرة متشبه بالملائكة، وطالب الشر متشبه بالشياطين، وطالب الصوت والغلبة متشبه بالسباع، وطالب اللذات المحرمة متشبه بالبهائم...فالعاقل لا يغتبطُ بصفة يفُوقُهُ فيها سبع أو بهيمة أو جماد، وإنما يغتبطُ بتقدمه في الفضيلة...والتميز الذي يشارك فيه الملائكة.



♦ كل أمل ظفرت به، فعقباه حزن، إما بذهابه عنك، وإما بذهابك عنه، ولا بد من أحد هذين السبيلين، إلا العمل لله عز وجل، فعقباه...سرور في عاجل وآجل، أما في العاجل فقلة الهم بما يهتم به الناس،... وأما في الآجل فالجنة.



♦ إذا نام المرء خرج عن الدنيا ونسي كل سرورٍ وحزن، فلو رتب نفسه في يقظته على ذلك أيضًا لسعد السعادة التامة.



♦ أبلغ في ذمك من مدحك بما ليس فيك؛ لأنه نبه على نقصك، وأبلغ في مدحك من ذمك بما ليس فيك؛ لأنه نبه على فضلك، ولقد انتصر لك من نفسه بذلك...وباستهدافه إلى الإنكار واللائمة.



♦ من طلب الفضائل لم يُساير إلا أهلها.



♦ من امتُحن بقرب من يكره، كمن امتُحن بصدِّ من يحبُّ، ولا فرق.



♦ اقنع بمن عندك، يقنع بك من عندك.



♦ إذا ارتفعت الغيرةُ، فأيقن بارتفاع المحبة.



♦ حد العقل استعمال الطاعات والفضائل، وهذا الحد ينطوي فيه اجتناب المعاصي والرذائل، وقد نص الله تعالى في غير موضع من كتابه على أن من عصاه لا يعقل، قال الله حاكيًا عن قوم: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10] ثم قال مصدقًا لهم: ﴿ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 11].



♦ اثنتان عظمت راحتهما: أحدهما في غاية الحمد، والآخر في غاية الذم، وهما مُطرحُ الدنيا، ومُطرح الحياء.



♦ صدق من قال: إن العاقل في الدنيا متعوب، وصدق من قال: إنه فيها مستريح. فأما تعبُهُ فبما يرى من انتشار الباطل، وغلبة دولته، وبما يُحالُ بينه وبين الحقِّ من إظهار الحقِّ. وأما راحته، فمن كل ما يهتمُّ به سائر الناس من فضول الدنيا.



♦ لقد طال همُّ من غاظه الحق.



♦ مما ينجعُ في الوعظ...الثناء بحضرة المُسيء على من فعل خلاف فعله، فهذا داعية إلى عمل الخير، وما أعلم لحبِّ المدح فضلًا إلا هذا وحده، وهو أن يقتدي به من يسمع الثناء.



♦ من أساء إلى أهله وجيرانه فهو أسقطهم، ومن كافأ من أساء إليه منهم فهو مثلهم، ومن لم يكافئهم بإساءتهم، فهو سيدهم وخيرهم وأفضلهم.



♦ من أراد الإنصاف، فليتوهم نفسه مكان خصمه، فإنه يلوح له وجه تعسفه.



♦ أعدل الشهود على المطبوع على الصدق: وجهه؛ لظهور الاسترابة عليه إن وقع في كذبةٍ أو همَّ بها، وأعدل الشهود على الكذاب: لسانه؛ لاضطرابه ونقض بعض كلامه بعضًا.



♦ الوجع والفقر والخوف لا يحسُّ أذاها إلا من كان فيها، ولا يعلمه من كان خارجًا عنها، وفساد الرأي والعار والإثم لا يعلمُ قبحها إلا من كان خارجًا عنها، وليس يراه من كان داخلًا فيها.



♦ الأمن والصحة والغنى لا يعرف حقها إلا من كان خارجًا عنها، وليس يعرفه من كان فيها.



♦ جودة الرأي والفضائل وعمل الآخرة لا يعرف فضلها إلا من كان من أهلها، ولا يعرفه من لم يكن منها.



♦ أول من يزهدُ في الغادر من غدر له الغادر، وأول من يمقتُ شاهد الزور من شهد له به، وأول من تهون الزانية في عينه الذي يزني بها.



♦ ما رأينا شيئًا فسد فعاد إلى صحته إلا بعد لأْيٍ، فكيف بدماغ يتوالى عليه فسادُ السُّكر كل ليلة؟ وإن عقلًا زين لصاحبه تعجيل إفساده كل ليلةٍ لعقل ينبغي أن يتهم.



♦ لم أرَ لإبليس أصيدَ ولا أقبحَ ولا أحمقَ من كلمتين ألقاهما على أسنة دعاته:

إحداهما: اعتذارُ من أساء، بأن فلانًا أساء قبله.



والثانية: استسهل الإنسان أن يُسيء اليوم؛ لأنه قد أساء أمس، أو أن يُسيء في وجه ما؛ لأنه قد أساء في غيره. فقد صارت هاتان الكلمتان عذرًا مسهّلتين للشرِّ.



♦ لو علم الناقص نقصه كان كاملًا.



♦ لا يخلو مخلوق من عيب. فالسعيد من قلَّت عيوبه ودقَّت.




♦ مُقرِّبُ أعدائه قاتلُ نفسه.



♦ طوبى لمن علم من عيوب نفسه أكثر مما يعلم الناس منها.




♦ لا مروءة لمن لا دين له، والعاقل لا يرى لنفسه ثمنًا إلا الجنة.



♦ السعيدُ من أنست نفسه بالفضائل والطاعات، ونفرت من الرذائل والمعاصي، والشقي من أنست نفسه بالرذائل والمعاصي، ونفرت من الفضائل والطاعات، وليس ههنا إلا صنع الله تعالى وحفظه.



فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ (https://www.alukah.net/authors/view/home/14789/فهد-بن-عبدالعزيز-عبدالله-الشويرخ/)



شبكة الالوكة

حكاية ناي ♔
02-26-2023, 10:59 AM
جزاك الله خير