مشاهدة النسخة كاملة : الإيمان بالأقدار يُنافي التَّخاذُل والإجبار


عازف الناي
03-11-2023, 10:50 PM
1- الكتابة الأزليَّة

2- الأقدار والاختيار





https://shamkhotaba.org/sites/default/files/25145555.jpg


مقدمة:

لأركان الإيمان في ديننا أهمّيّةٌ كبيرةٌ، فهي المرجع العقائديّ الّذي يحكم سائر تصرّفاتنا، وإنّ لكلّ ركنٍ مِن أركان الإيمان أثره البالغ في حياة المسلم مِن نواحي عديدةٍ، ولو تمثّلنا هذه الأركان حقيقةً لتغيّرت حياتنا وتغيّر واقع أمّتنا، وقد سرد القرآن في أكثر مِن موضعٍ جملةً مِن هذه الأركان، قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ‌آمَنَ ‌بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].
وقال أيضا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ‌آمَنَ ‌بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285].
وقال: {‌إِنَّا ‌كُلَّ ‌شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49].
وهذه وقفةٌ مع الإيمان بالقدَر.



1- الكتابة الأزليَّة

زعم ناسٌ في البصرة أنّه لا قدر، فانطلق التابعيّ يحيى بن يعمر رضي الله عنه إلى الصّحابيّ الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنه في مكّة وسأله عن ذلك فقال: "فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ" ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ، وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي ‌عَنِ ‌الْإِيمَانِ، قَالَ: (‌أَنْ ‌تُؤْمِنَ ‌بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)، قَالَ: صَدَقْتَ، إلى أن قال: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: (يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟) قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ). [ 1 ]
وفي الإيمان بالقدر حديثٌ ثابتٌ عظيمٌ عن ‌عَبْد اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ‌الصَّادِقُ ‌الْمَصْدُوقُ: (أَنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ، فَيُؤْذَنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيَكْتُبُ: رِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَعَمَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ. وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا). [ 2 ]

وقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا ‌خَلَقَ ‌اللَّهُ ‌الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ)، يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي). [ 3 ]
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: (كَتَبَ اللهُ ‌مَقَادِيرَ ‌الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ). [ 4 ]



2- الأقدار والاختيار

في النّاس مَن يفهم الإيمان بالقدر على أنّه تواكلٌ وتركٌ للعمل، إذ المقادير قُدّرت، وانتهى الأمر، ناسٌ في الجنة وناسٌ في النّار؛ فعلامَ العمل؟ وهذا ليس بالفهم الصّحيح، فعَنْ ‌عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةٍ، فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الْأَرْضَ، فَقَالَ: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا، وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ قَالَ: (اعْمَلُوا فَكُلٌّ ‌مُيَسَّرٌ ‌لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * ‌وَصَدَّقَ ‌بِالْحُسْنَى}). [ 5 ]
فهذا الحديث يأمر بالعمل بشكلٍ صريحٍ، ويبيّن أن الله سبحانه يُيسّر أهل الشّقاوة للشّقاء وأهل السّعادة للسّعادة وفق قانونٍ دقيقٍ، ليس الأمر خبط عشواء، بل هو قدرٌ حكيمٌ، فمن قام بثلاثة أمورٍ يتمّ تيسيره لليسرى، والثّلاثة أن يعطي ويتّقي ويصدق بالحسنى، وفي المقابل ثلاثةٌ تجعل المرء يُيسَّر للعسرى وهي أن يبخل ويستغني ويكذّب بالحسنى، فأنت ترى أنّ الكرة في ملعبنا كما يُقال، فمن شاء أحسن.
وفي النّاس مَن يعتقد أن الإيمان بالقدر ينطوي على نوع ظلمٍ، فكيف أُمتَحن والنّتيجة معروفةٌ سلفًا، وكيف يعمل الرّجل الزّمان الطّويل بعمل أهل الجنّة ثمّ يسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النّار، لكنّ الحقيقة أنّ القدر علم الله جل جلاله بما سيكون عليه أحوال العباد، وربّنا عز وجل العليم الخبير، إذ علم ما سنصير له لم يجبرنا عليه، فهل المطلوب أن يجهل الربّ مصائر عباده؟ علمَ مدرّسٌ بخبرته أنّ طالبه فلانًا سينجح، وأنّ فلانًا سيرسب، فصدقت خبرته وتحقّق علمه فهل يقال إنّه أجبر النّاجح على نجاحه والرّاسب على رسوبه! وربّنا سبحانه العليم الخبير وله المَثل الأعلى، وأمّا أن يعمل الرّجل بعمل أهل الجنّة فيُختَم له بعمل أهل النّار! فقد حصل هذا على زمن النّبي صلى الله عليه وسلم: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ، فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَسْكَرِهِ، وَمَالَ الْآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ، فَقَالُوا: مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلَانٌ ‍، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ)، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا صَاحِبُهُ أَبَدًا، قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ، كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ، قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟) قَالَ: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا: (أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ)، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَنَا لَكُمْ بِهِ، فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ). [ 6 ]




خاتِمةٌ:

يعمل الرّجل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للنّاس، ولكنّه على الحقيقة قد تلبّس بنيّةٍ باطنةٍ سيّئةٍ قد يُظهرها الله سبحانه عند وفاته، فهو من أهل النّار، ويعمل على الحقيقة عمل أهل النّار، لكنّ النّاس لا تدري ما تُكنّ الصّدور، وربّنا جل جلاله يعلم السّرّ وأخفى. فالإيمان بالقدر مِن هذا الوجه يعلّمنا أن نعمل بعمل أهل الجنّة على الحقيقة لا أن نُبدي ذلك للنّاس، وتخالفه بواطننا، فإنّ ذلك يضرّ ولا ينفع، ونتعلّم مِن الإيمان بالقدر أن نكون صبورين في ثورتنا على الباطل ومجالدتنا له، إنّ قومًا ثاروا على الظّلم والعدوان حريٌّ بهم أن تعظم عنايتهم بالإيمان بالقدر، لأنّهم بين عدوٍّ يراودهم عن أموالهم وأرواحهم، وصديقٍ له مآرب يريد أن يحقّقها بهم ولهم، فإذا آمنوا بالقدر، وأنّ الأرزاق مقسومةٌ والأعمار سلفًا معلومةٌ، وأنّ طرقنا في هذا الحياة مرسومةٌ صبروا وصابروا حتّى يأتي الله بأمره.
ومِن آثار الإيمان بالقدر أن كان الصّالحون يخشون على أنفسهم وعلى مصائرهم، فلا يغترّون بما هم عليه مِن عملٍ صالحٍ، بل يتّهمون أنفسهم ويخشون أن يصدق فيهم وصف الرّجل الّذي يعمل بعمل أهل الجنّة ويُختم له بعمل أهل النّار، قَالَ سُفْيَانُ لِبَعْضِ الصَّالِحِينَ: هَلْ أَبْكَاكَ قَطُّ عِلْمُ اللَّهِ فِيكَ؟ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ: تَرَكَنِي لَا أَفْرَحُ أَبَدًا. وَكَانَ سُفْيَانُ يَشْتَدُّ قَلَقُهُ مِنَ السَّوَابِقِ وَالْخَوَاتِيمِ، فَكَانَ يَبْكِي وَيَقُولُ: أَخَافُ أَنْ أَكُونَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ شَقِيًّا، وَيَبْكِي، وَيَقُولُ: أَخَافُ أَنْ أُسْلَبَ الْإِيمَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَكَانَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ يَقُومُ طُولَ لَيْلِهِ قَابِضًا عَلَى لِحْيَتِهِ، وَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ عَلِمْتَ سَاكِنَ الْجَنَّةِ مِنْ سَاكِنِ النَّارِ، فَفِي أَيِّ الدَّارَيْنِ مَنْزِلُ مَالِكٍ؟ وَقَالَ سَهْلٌ التُّسْتَرِيُّ: "الْمُرِيدُ يَخَافُ أَنْ يُبْتَلَى بِالْمَعَاصِي، وَالْعَارِفُ يَخَافُ أَنْ يُبْتَلَى بِالْكُفْرِ. [ 7 ]
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: (يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ‌ثَبِّتْ ‌قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: (نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ). [ 8 ]






1 - صحيح مسلم: 8
2 - صحيح البخاريّ: 7454
3 - سنن أبي داود: 4700
4 - صحيح مسلم: 2653
5 - صحيح البخاري: 4949
6 - صحيح مسلم: 112
7 - جامع العلوم والحكم: 1/173
8 - سنن التّرمذيّ:



رابطة خطباء الشام

حكاية ناي ♔
03-15-2023, 11:25 AM
جزاك الله خير