مشاهدة النسخة كاملة : السيرة ومنهج التغيير


حكاية ناي ♔
03-15-2023, 11:30 AM
الحمد لله رب العالمين، له أسلَمنا، وبه آمَنَّا، وعليه توكَّلنا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعدُ:
﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأنفال: 53].

مقدمة:
إن الذين كتبوا في السيرة النبوية الشريفة العطرة كثيرون جدًّا - بدايةً من محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار القرشي الذي ولِد سنة 80 هجرية، إلى يومنا هذا - وتُعد مصنفاتهم ومؤلفاتهم مجلدات ملأت الخزائن والمكتبات، ومع ذلك فإن في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم جوانب وزاويا مهمة لم تأخذ حقَّها بعدُ من التأمل والدراسة، واستخلاص الدروس والعبر.

نحاول بإذن الله تعالى في هذه الورقة المتواضعة التطرقَ إلى بعض معالمه صلى الله عليه وسلم النبوية التي غيَّرت النفوس والعقول والمجتمعات، مبتعدين عن سردِ الأحداث سردًا تاريخيًّا، ومركِّزين على النموذج السلوكي العملي الإجرائي في التغيير الفعلي على الأرض والواقع طيلة ثلاث وعشرين سنة، متمثلة في حياة نبينا صلى الله عليه وسلم.

"ومن هنا تتجدد القراءات: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 3]، لا بد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - بعد أن شدَّد الملك عليه ثلاث مرات حتى أَجْهَدَه - قد أدرَك خطورة الأمر، وأن الدين الذي فيه خلاص قومه - بل خلاص العالم أجمع - مِفتاحه القراءة بمعناها الواسع الشامل؛ الآيات المكتوبة، والآيات المنظورة، وآيات الواقع"[1].

إن الذي نلاحظه اليوم في بلادنا وفي العالَم يدعو إلى وجود مُعلم ومُربٍّ متميز متفرِّد، أُحسِن إعدادُه وتكوينُه قبل أن يُسلَّم أقسامًا يُعلِّم أبناءَها، أو يُنشِئ أسرةً فيُربِّي أطفالها، فالأمة في حاجة ماسَّة إلى مُعلم مِن الطراز الرفيع، الأمة في حاجة ماسَّة إلى عودة الأخلاق الحسنة، والآداب الرفيعة، والقِيَم العالية، ولن يتحقَّق ذلك إلا بالعودةِ إلى النَّبع الصافي، والدواء الشافي، والعِلم الكافي، إلى التعلم مِن خير مُعلِّم؛ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم[2]؛ ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].

الكثير منا أيها الإخوة الأفاضل استقال من وظيفته التربوية، وركَّز اهتماماته على ما تعلق بالرعاية المادية بمن تزوَّج أو لمن أنجَب، ومن هنا تبدأ الأمانة في الضياع، فتَبْرُز شتى أنواع الشقاء لدى الفرد والمجتمع والأمة.

تساؤلات أولية:
• أين نحن مِن الريادة والقيادة في مجتمعات إنسان اليوم؟
• أين نحن مِن تحمُّل مسؤولياتنا وحمل الأمانات ورعايتها والمحافظة عليها؟
• أين نحن من التغيير الإيجابي في النفوس والعقول والاجتماع والسياسة والاقتصاد؟
• لماذا ساءت أحوالنا وبين أيدينا مَن لا ضلالة به ولا شقاء، القرآن الكريم وسنة رسول الله عليه أزكى الصلاة والتسليم؟
• هل التغيير ممكن؟

نُحاول الإجابة عن هذه الأسئلة مستفزين البعض، ساعين لتدعيم فكرة وتثبيتها، وإزالة أخرى وإلغائها، أو استبدال بعضٍ منها، والمهم دومًا أن نُحوِّل المعارف إلى سلوكيات.

نعم، فالتغيير ممكن، لكن له سُنن وقوانين، انظُر إلى الأمم التي تقدمت بعد تخلُّف، "فالجاذبية قانون طالَما قيَّد العقل بحتمية التنقل برًّا أو بحرًا، ولم يتخلص من هذه الحتمية الإنسانُ بإلغاء القانون، ولكن بالتصرف مع شروطه الأزلية بوسائل جديدة تجعله يَعبر القارات والفضاء كما يفعل اليوم"[3].

لا شك أننا نبحث جميعًا عن السعادة، سعادة الدارين الأولى والآخرة، والناس تجاه هذه السعادة أربعة كما قال الدكتور حمود القشعان: سعادة في الدنيا والآخرة، سعادة الدنيا وشقاوة الآخرة، شقاوة الدنيا وسعادة الآخرة، وشقاوة الدنيا وشقاوة الآخرة.

وسعادة الدنيا ثلاثة محاور: الصحة والفراغ والمال، ودومًا يَحظى المرء بثِنتين منهما حسب عمره؛ (صحة وفراغ في الشباب، صحة ومال مع الوظيفة والكسب، فراغ ومال في الشيخوخة).

إن التغيير المنشود لا يكون إلا بالعودة إلى كتاب ربنا وسيرة نبيِّنا، ولا يكون إلا إذا غيَّرنا ما بأنفسنا؛ فالتغيير قضية ذاتية فردية؛ يقول المولى تبارك وتعالى في التنزيل الحكيم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، ويفسِّر هذه الآية الكريمة الشيخ ابن باز رحمه الله بقوله: فالآية الكريمة آية عظيمة تدل على أن الله سبحانه لكمال عدله، وكمال حِكمته، لا يغيِّر ما بقومٍ مِن خير إلى شرٍّ، ومِن شر إلى خير، ومن رخاء إلى شدة، ومن شدة إلى رخاء، حتى يُغيروا ما بأنفسهم، فإذا كانوا في صلاح واستقامة ثم غيَّروا، غُيِّر عليهم بالعقوبات والنكبات والشدائد، والجَدْب والقحط والتفرُّق، وغير هذا من أنواع العقوبات؛ ﴿ جَزَاءً وِفَاقًا ﴾ [النبأ: 26].

وعليه فإنني أرى أن هذا التغيير لا يكون إلا بالتربية ابتداءً وانتهاءً، هذه التربية التي تسعى إلى غاية نبيلة بُعِث مِن أجْل إرساء معالمها الكبرى رسولُ الإسلام صلى الله عليه وسلم، وقد قال: ((إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق))، وقد جاءت شعائر الإسلام وأركان العبادة فيه كلها لتثبيت هذه المعاني والمبادئ والقيم التي منها:
• الشهادة: لتوحيد الله عز وجل في الألوهية والربوبية والصفات، فيتحرَّر الإنسان من كل المعبودات والأوثان المتجددة، فلكل عصر أصنامه.

• الصلاة: لتنهانا عن الفحشاء والمنكر؛ ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].

• الزكاة: للطهارة والتزكية: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103].

• الصيام أو الصوم للتقوى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، فُرِض الصيام ليكون مدرسةً للتقشف، لا أن يصير أكثر أيام السنة تبذيرًا واستهلاكًا ومباهاةً.

• الحج: مدرسة الرحلة الأخروية للتزوُّد: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].

"أصبح مناطًا هو الآخر، ومنعًا للإسراف والتبذير والتفاخر بصفة الحاج ولقبِه، إن لم يؤدِّ إلى الاستعلاء الاجتماعي، والبحث عن التزكية الضمنية للسلوك والعلاقات"، وضَعف الخُلق دليلٌ على ضَعف الإيمان؛ الشيخ محمد الغزالي.

ما المطلوب منا إذًا حتى نصل إلى التغيير المطلوب؟
الإجابة: لو أننا تعاملنا بمعادلة خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم التي في أحد طرفيها أقواله، وفي طرفها الآخر أفعاله - لحُلَّتِ المسألةُ وزال الإشكالُ.

الآن نذهبُ إلى بعض التفاصيل:
إن النبي صلى الله عليه وسلم أعظم مَن خلَق الله عز وجل، ولو اتَّبعنا منهجه الدعوي التغييري، لقُدنا العالم من جديد في جميع مجالات الخير، ومن أراد أن يفهمَ القرآن الكريم، فعليه بسُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان قرآنًا يَمشي على الأرض؛ كما قالت عنه أُمُّنا عائشة رضي الله تعالى عنها، إنه الترجمة العملية السلوكية الإجرائية التغييرية الشاملة.

تساؤلات إضافية:
• هل نحن راضون عما نحن فيه؟
• هل نحن راضون على أوضاعنا وأحوالنا؟
• هل علينا أن نتغير لتتغير أوضاعنا؟

معنى التغيير:
للتغيير في اللغة العربية دلالتان: إحداث شيء لم يكن قبله، أو انتقال الشيء مِن حالة إلى حالة أخرى.

والتغيير قسمان: مؤقت ودائم:
التغيير المؤقت: يكون فيه الإيمان عاليًا، لكنه مؤقتٌ؛ كالاعتمار أو الحج أو الصيام، أو حضور جنازة، أو مشاهدة موقف، ويقوم هذا التغيير على الحماسة والعواطف والانفعالات لدرجة إنفاق النفس.

والتغيير الدائم: هو الذي ينبغي فيه للفرد أن يُربي ذاته في العقل والقلب والروح والجسد.
1- العقل: هو الركيزة الأساس المختلفة تمامًا عن القلب والعواطف، وقد ذُكِر العقلُ في القرآن الكريم ثمانيَ وأربعين مرةً، فضلًا عن معانيه ومرادفاته.
إن إهمال العقل يؤدي إلى الجهل، ويؤدي الجهل إلى السلوكيات السيئة، وإلى الشرك، أو الكفر.
الوحي فوق العقل، أما الخرافة فتحت العقل، "والإيمان بدون عقل يُصبح خُرافةً، والعلم دون إيمان يُصبح إلحادًا"[4].

2- القلب: فراغه من الإيمان يَدفَعه للبحث عن إرواء الشهوات والمعاصي، ولذلك لا بد من شَحْنِه بالإيمان.

3- الروح: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10]، وهي أيضًا مجال التنمية والتزكية، فإن لم يَحصُل ذلك تَضعُف الروح أمام متطلبات الجسد.

4- الجسد: وما يتطلبه مِن تنمية وتقوية؛ حتى تؤدي بقية المكونات وظيفتها بشكل متكامل.
لا بد من اتباع السنن الكونية الواردة في القرآن الكريم، إن أردنا التغيير الشامل والمتكامل؛ سُنن التدرج وسلطة الزمن، سنن الأخذ بالأسباب وسلطان المنهج، سنن الواقعية وسلطة المادة، وقانون النفس؛ لأن مَرَدَّ التغيير وأساليبه يكون بالنفس ابتداءً، وليس لِما يدور حولها، أو خارجًا عنها من ظلمٍ وواقع.
آثار التغيير على المستوى الفردي:
"لكي ينجح التغيير على مستوى الفرد أو المنظمة أو الدولة، فلا بد أن يكون هناك شعور قوي بدرجة عالية من الألم مِن مرارة الواقع؛ فالراضي لا يُغيِّر"؛ د. طارق السويدان.

كان للصحابة حقيقةُ القرآن، أما نحن فلنا ألفاظُ القرآن، ولذلك فإننا لا نتغير بالقرآن الكريم للأسباب التالية: "الصورة الموروثة عندنا عن القرآن الكريم، العُقدة النفسية الموجودة عندنا منذ الصِّغر الأُلفة، نسيان الهدف من نزول القرآن الكريم، الانشغال بفروع العلم والتوسع فيها على حساب القرآن الكريم، غياب أثر القرآن الكريم في حياتنا، كيد الشيطان، ممارسات خاطئة أسهمتْ في عدم الانتفاع بالقرآن الكريم"؛ نظرات في الإيمان؛ لمجدي الهلالي.

إن التغييرات التي يمكن للقرآن الكريم تركُها على مستوى الفرد، لا تُعد ولا تحصى، فهو سبب لحدوث:
1- الفرد المتوازن: مع نفسه ومع غيره؛ عقلًا وفكرًا، روحًا وجسدًا وسلوكًا، وتربيةً وسياسة واقتصادًا واجتماعًا.

2- تغيير الآخرين: يَصعُب تغيير الآخرين، لكن يُمكن إيجاد عوامل تغييرهم ومساعدتهم على ذلك، فالتغيير قضية داخلية تحتاج إلى تحفيز ودفعٍ من الآباء والأمهات مع أبنائهم، ونعود هنا لتأكيد المناهج التربوية الرائدة والراشدة.

3- التغيير يلاقي رفضًا ومقاومةً، فيجب الحذر والصبر في التعامل مع الآخر في هاتين الخاصيتين؛ حتى تتاح له الفرصة للاستكشاف، ثم الالتزام.

كيف غيَّر رسول الله أصحابه:
"الصحابة معجزة النبي ويتَّضح ذلك مِن الآتي:
1- المحبة: حب الرسول بعد حب الله عز وجل، فقد أحبُّوا النبيَّ حبًّا إعجازيًّا أكثرَ من أنفسهم وذَراريهم وأموالهم، والناس أجمعين، فما مقدار حبنا لرسول الله؟!

2- الصحابة صناعة وتربية الرسول صلى الله عليه وسلم حسب قول الدكتور عمارة:
أ- قدرتهم النفسية الهائلة التي صاغوا بها ذواتهم.
ب- أجمع المؤرخون والباحثون والمستشرقون على أن تلك البيئة لا تؤهِّل لتلك النتيجة الباهرة؛ إنه الإسلام ورسوله عليه الصلاة والسلام"[5].

لماذا لا نتشبَّه بالصحابة ولا نقتدي بهم؟
1- الآبائية والتقليد والاتِّباع الأعمى، مَفسدة تربوية، وقد ذمَّها الله تعالى في كتابه عز وجل في أربعين موقفًا، باستثناء اتباع أبناء الأنبياء لآبائهم، فاتباع الآباء بشكل مُغلق يؤدي إلى أنماط تربوية خاطئة قائمة على العُرف والتقليد أكثر من قيامها على الدين والسُّنة.

2- وصل إلينا كلُّ ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وفعَله وأقرَّه، فلِمَ لا نكون سُنيِّين؟!
3- لا نجاة بغير اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

النبي صلى الله عليه وسلم أعظم معلمٍ:
إننا عندما نُلقي نظرةً على تاريخ البشرية كلها، وبالخصوص المعلمون الكبار الذين ذاع صِيتُهم في الحاضر والماضي، سواء قبله عليه الصلاة والسلام أو بعده - نجدهم مجرد أسماء تتضاءل وتتقلص أمام معلم البشرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يوجد أي معلم أو مربٍّ في التاريخ تخرَّج على يديه عددٌ أوفر وأهدى من رسولنا الكريم، لقد تخرَّج على يديه عددٌ غفير من الأصحاب والأتباع، خصوصًا إذا تساءَلنا: كيف كانوا قبله؟ وكيف أصبحوا بعده؟

إن كل واحد منهم دليلٌ ناطق على عظمة هذا المعلم الفريد الأوحد، كما قال الإمام القرافي في كتابه الفروق: "لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه، لكفوه لإثبات نبوَّته".
أساليب سلبية يَنبغي ألا يُمارسَها القائدُ التربوي:
أُقحم هنا قضيةً سلوكية يقوم بها بعض الآباء تجاه تربية أبنائهم، ونتائجها التربوية وخيمة على الطفل الذي سيتقلد زمام التربية بعد عقدين من الزمن، وهي منافية للتغيير الإيجابي، فإذا كانت هناك إشارات التزام في الطريق التربوي، فإن فيه أيضًا إشارات منع وتحذير:
1- الصراخ.
2- التأنيب واللوم.
3- الأوامر الكيفية.
4- التهديدات.
5- السخرية.
6- الشتم.
7- المقارنة.
8- المبالغة في الوعظ.
9- سوء الظن بالطفل.
10- الاتهام.
11- التجريم.
12- المن.
13- الانتقاد المستمر.
14- التحذير.
15- العقاب والعنف: (المنع من الحركة والحبس، إرغام الطفل، ابتزاز الطفل، فرض الرأي الأبوي مقابل إقصاء آراء الأبناء، التفسير الذاتي لمواقف الأبناء، التهديد).



خلاصة:
بهذه الأساليب التربوية النبوية الرائعة البارعة، استطاع نبي الرحمة عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم صناعةَ صحابته وتزكيتهم وتربيتهم وتغييرهم.



علَّم النبي صلى الله عليه وسلم بوعظه الذي كان يهزُّ به القلوب، فكأنه منذرُ جيش يقول: ((صبَّحكم ومسَّاكم))، وكان إذا وعَظ علا صوته واشتدَّ غضبه، واحمرَّت عيناه، فلا تسمع إلا بكاء ونحيبًا وحنينًا وأنينًا، وتفجُّعًا وتوجعًّا، وندمًا وحسرةً وتوبةً ورجوعًا وإنابةً.



وعلَّم صلى الله عليه وسلم بخُطَبه القيِّمة الناجعة في مناسبات العبادات، فكانت فيضًا من الهدى ونهرًا من النور، تزيد الإيمان وترفع اليقين.



وعلَّم صلى الله عليه وسلم بفتواه مَن سأله، فكان أفقهَ الناس وأعظمهم إجابةً وأكثرهم إصابةً، وأعرفهم بما يصلح للسائل.



وعلَّم صلى الله عليه وسلم بوصاياه ونصائحه التي تصل إلى القلوب، وتملأ النفوس تقوى وصلاحًا.
وعلَّم بضرب الأمثال التي يعرفها الناس، وتوضيح المعاني بأمور محسوسة تُقرب المعنى، وتزيل الإشكال وترفع الوهمَ.
وعلَّم صلى الله عليه وسلم بالقصص الجذاب الخلَّاب الذي يُثير في النفوس الإعجاب والإنصات والاستجابة.



وعلَّم صلى الله عليه وسلم بالقدوة الحية المتمثلة في سيرته العَطرة وأخلاقه السامية، وخِصاله الجليلة التي أجمَع على حُسنها العقلاء وأحبَّها الأتقياء، واقتدى بها الأولياء".



خاتمة:
إن أخطر ما يواجهنا - أفرادًا أو مجتمعات، أو دولةً أو حتى أُمةً في العالم الذي تبرز فيه القيادة للأقوى معرفةً واقتصادًا وسياسة واجتماعًا - هو: خطر تجاهل وإهمال تزكية النفوس وتنمية الذات وتطويرها؛ إذ إن الكثير منا ينتظر بروز هذا التغيير من الآخر؛ أي: من جيل جديد، أو من سياسي مُحنك، أو من رئيس قوي، أو حكومة مثالية، أو من خارج الديار والحدود، ولهذه الترسبات الذهنية والشعورية، تجدنا لا نقدِّم أي جهد، ولا نبذل أي حركة، راضين بواقع قد يكون بائسًا.

إن التغيير الحقيقي هو ما يكون من الداخل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].

"إن المراد بما بالأنفس: الأفكار، والمفاهيم، والظنون في مجالي الشعور واللاشعور"؛جودت سعيد. ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9، 10].

في شباب العالم الإسلامي مَن عندَهُم استعدادٌ لبذل أنفسهم وأموالهم في سبيل الإسلام، ولكن قلَّ أن تجد فيهم مَن يتقدم ليبذل سنوات مِن عُمره ليَقضيها في دراسة جادة؛ لينتج موضوعًا، أو يصل به إلى تَجلية حقيقية؛ كمشكلة الانفصال الذي يعيشه المسلم بين سلوكه وعقيدته؛ فهناك الكثير من الأسئلة التي تُطرَح ولا يوجد جوابٌ شافٍ لها؛ لذا لا يمكن التغيير مِن وضع إلى وضع، إلا بعد إجابة موضوعية عن هذه الأسئلة، ولا يُمكن ذلك إلا بعد الدرس والتحصيل"[6].

وأخيرًا؛ إن بكاءنا كبكاء المحب الجاهل على المريض الذي اشتدَّ مرضه، فبدلًا من البكاء يَنبغي لنا أن نبحثَ عن الطبيب والصيدلي والدواء.

إن غيرَنا فهِم وعمِل بمقتضى قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، فوصَل؛ لأن الحكم عام، وليس خاصًّا بالمسلمين، يَبدو أننا محشورون في جُحْر الضَّبِّ!

وأقول في النهاية: ما هذه الكلمات إلا محاولة للفت الانتباه مع ضآلة هذا الإسهام مع ما كتبه الفطاحل، وهم كُثر في عالمنا الإسلامي الذي يحتاج إلى مَن يلتفت إليهم، ويأخذ بأفكارهم، وأستغفر الله، والحمد لله ربِّ العالمين.

بلسم الروح
03-15-2023, 11:44 AM
جزاك الله خير الجزاء
دمت برضى الله وحفظه ورعايته