حكاية ناي ♔
08-31-2023, 02:45 PM
ذكرت في ختام الفصل السابق معنى قوله تعالى عن يونس عليه السلام: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ [الأنبياء: 87]، أما قوله تعالى: ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]؛ أي: فصرخ مستغيثًا بِرَبِّهِ في ظُلمات بطن الحوت في البحر اللجِّي متوسلًا إليه بكلمة التوحيد، منزِّهًا الله تعالى عن كلِّ نقص، واصفًا له بكلِّ كَمال، مستغفرًا الله عز وجل من مفارقة قومه دون إذْن من الله عز وجل قائلًا: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]، وقوله: ﴿ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ لا يدلُّ على أنه ارتكب ذنبًا أو أتى معصيةً، فقد ثبت أن نوحًا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد أولي العزم من المرسلين لما قال: ﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود: 45 - 47]، وقوله تعالى: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88]؛ أي: فأجبنا يونس لمَّا دعانا وهو في بطن الحوت، وخلَّصناه من الغمِّ والهمِّ والحزن والكرب الذي وقع فيه، فوضعه الحوت على ساحل البحر، وأتممنا عليه النعمةَ، وكذلك ننجي كلَّ مؤمن يقع في غمٍّ وكرب فيلتجئ إلينا فإنا نخلصه مما هو فيه من الغم والكرب ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
وقال تعالى في سورة الصافات: ﴿ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ [الصافات: 139 - 148].
وقوله تعالى: ﴿ أَبَقَ ﴾؛ أي: ذهب بلا خوفٍ، أو استخفى ثم ذهب، وقوله: ﴿ فَسَاهَمَ ﴾، أي: اشترك في القرعة مع ركَّاب السفينة، واقترع معهم فيمن يُلقى مِن الركاب في البحر لتخفيف حمل السفينة ولتنجية من لم يقع عليه السهم من الركاب، وقوله: ﴿ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ﴾؛ أي: من المغلوبين الذين وقعت عليهم القرعة ليُلقى بهم في البحر.
وقوله: ﴿ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾، أي: فابتلع الحوت يونسَ عليه السلام، وهو مُليم، أي: معاتب نفسه على فراق قومه بلا إذن من ربِّه، أو وهو آتٍ بما يلام عليه؛ أي: يعاتَب عليه، فاللومُ: العذل والعتب، وكون بعض الأنبياء يفعل ما يعاتَب عليه عن طريق الاجتهاد لا ضيرَ فيه، وقد وقع ذلك لأكمل خلق الله وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر حينما استشار أصحابه فيما يفعله بالأسرى، فأشار عليه أبو بكر رضي الله عنه باستبقائهم وقبول الفداء منهم، وأشار عليه عمر رضي الله عنه بقتلهم لإضعاف شوكة المشركين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخيَّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فمال إلى رأي أبي بكر رضي الله عنه وقبل الفداء من الأسرى، فعاتبه الله تعالى على قبول الفداء، وقال عز وجل في ذلك: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 67 - 69].
وقوله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143، 144]؛ أي: فلولا أن يونس عليه السلام كان من الذاكرين اللهَ كثيرًا المسبِّحين بحمده في السرَّاء والضراء لجعلنا بطن الحوت مقبرةً له، لكنه كان يتعرَّف إلى الله في الرخاء، ففرَّج الله كربته في الشدة؛ ولذلك أُثِرَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن عباس رضي الله عنهما، كما رواه أحمد وبعض أهل السنن: ((يا غلام، إني معلمُك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)).
وقوله تعالى: ﴿ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴾؛ أي: فأَمَرْنا الحوتَ بطرحِه على ساحل البحر في القضاء، وكان قد سَقِم ومرِضَ مما أصابه من الغمِّ والكربِ وبطن الحوت، و﴿ أَوْ ﴾ في قوله تعالى: ﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾ ليست للشكِّ في عدد المرسل إليهم، بل هي للإضراب بمعنى بل، فقد أثبت مائة ألف، فاستقرَّ هذا العدد الكثير في نفوس السامعين، ثم ذكر أنهم يزيدون على ذلك، فيكون زيادة في تعظيم عدد المرسل إليهم، وهو أبلغ من قول القائل: أرسل إلى أكثر من مائة ألف، وأجمل وأفصح، وفي هذا تثبيت لفؤاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما مَنَّ الله تعالى به على يونس عليه السلام، والزائد من عدد هؤلاء عن مائة ألفٍ لا يعلمه إلا الله؛ إذ لم ينقل عن المعصوم صلى الله عليه وسلم تحديدٌ لهذه الزيادة.
وقوله تعالى: ﴿ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾؛ أي: فاستمرُّوا على إيمانهم، وازدادوا إيمانًا بما رسمه لهم يونس عليه السلام، ففتح الله عليهم من البركات والخيرات مدَّة استمساكهم بالدين الذي جاءهم به يونس عليه السلام.
وقال تعالى في سورة (ن): ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [48 - 50]، وفي هذا المقام الكريم من مقامات ذكر يونس عليه السلام يبدأُ الله عز وجل بأمر حبيبه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى قومه له مهما كان منهم؛ لأنه سيِّدُ أولي العزم من المرسلين، ثم نبَّهَهُ إلى أنه لا ينبغي له أن ينفدَ صبرُه كما نفدَ صبرُ أخيه يونس عليه السلام بعد أن امتلأ كربًا وغمًّا من أذى قومه له، فإنَّ يونس عليه السلام ليس من أولي العزم من المرسلين، فهو من جملة النبيين المرسلين من غير أولي العزم، وقد قال الله تعالى في واحد منهم وهو أبوهم آدم عليه السلام: ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ [طه: 115]، وقال لشيخ المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾ [الأحقاف: 35].
وهذا لا يمنع أن يقتدي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بإخوانه النبيين فيما جاؤوا به من الهدى بما فيهم يونس عليه السلام؛ ولذلك لما ذكر الله تعالى جملة مِن النبيين والمرسلين في سورة الأنعام وفيهم يونس عليه السلام قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بعد ذكرهم: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾ [الأنعام: 90].
وإلى الفصل القادم إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وقال تعالى في سورة الصافات: ﴿ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ [الصافات: 139 - 148].
وقوله تعالى: ﴿ أَبَقَ ﴾؛ أي: ذهب بلا خوفٍ، أو استخفى ثم ذهب، وقوله: ﴿ فَسَاهَمَ ﴾، أي: اشترك في القرعة مع ركَّاب السفينة، واقترع معهم فيمن يُلقى مِن الركاب في البحر لتخفيف حمل السفينة ولتنجية من لم يقع عليه السهم من الركاب، وقوله: ﴿ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ﴾؛ أي: من المغلوبين الذين وقعت عليهم القرعة ليُلقى بهم في البحر.
وقوله: ﴿ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾، أي: فابتلع الحوت يونسَ عليه السلام، وهو مُليم، أي: معاتب نفسه على فراق قومه بلا إذن من ربِّه، أو وهو آتٍ بما يلام عليه؛ أي: يعاتَب عليه، فاللومُ: العذل والعتب، وكون بعض الأنبياء يفعل ما يعاتَب عليه عن طريق الاجتهاد لا ضيرَ فيه، وقد وقع ذلك لأكمل خلق الله وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر حينما استشار أصحابه فيما يفعله بالأسرى، فأشار عليه أبو بكر رضي الله عنه باستبقائهم وقبول الفداء منهم، وأشار عليه عمر رضي الله عنه بقتلهم لإضعاف شوكة المشركين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخيَّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فمال إلى رأي أبي بكر رضي الله عنه وقبل الفداء من الأسرى، فعاتبه الله تعالى على قبول الفداء، وقال عز وجل في ذلك: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 67 - 69].
وقوله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143، 144]؛ أي: فلولا أن يونس عليه السلام كان من الذاكرين اللهَ كثيرًا المسبِّحين بحمده في السرَّاء والضراء لجعلنا بطن الحوت مقبرةً له، لكنه كان يتعرَّف إلى الله في الرخاء، ففرَّج الله كربته في الشدة؛ ولذلك أُثِرَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن عباس رضي الله عنهما، كما رواه أحمد وبعض أهل السنن: ((يا غلام، إني معلمُك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)).
وقوله تعالى: ﴿ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴾؛ أي: فأَمَرْنا الحوتَ بطرحِه على ساحل البحر في القضاء، وكان قد سَقِم ومرِضَ مما أصابه من الغمِّ والكربِ وبطن الحوت، و﴿ أَوْ ﴾ في قوله تعالى: ﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴾ ليست للشكِّ في عدد المرسل إليهم، بل هي للإضراب بمعنى بل، فقد أثبت مائة ألف، فاستقرَّ هذا العدد الكثير في نفوس السامعين، ثم ذكر أنهم يزيدون على ذلك، فيكون زيادة في تعظيم عدد المرسل إليهم، وهو أبلغ من قول القائل: أرسل إلى أكثر من مائة ألف، وأجمل وأفصح، وفي هذا تثبيت لفؤاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما مَنَّ الله تعالى به على يونس عليه السلام، والزائد من عدد هؤلاء عن مائة ألفٍ لا يعلمه إلا الله؛ إذ لم ينقل عن المعصوم صلى الله عليه وسلم تحديدٌ لهذه الزيادة.
وقوله تعالى: ﴿ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾؛ أي: فاستمرُّوا على إيمانهم، وازدادوا إيمانًا بما رسمه لهم يونس عليه السلام، ففتح الله عليهم من البركات والخيرات مدَّة استمساكهم بالدين الذي جاءهم به يونس عليه السلام.
وقال تعالى في سورة (ن): ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [48 - 50]، وفي هذا المقام الكريم من مقامات ذكر يونس عليه السلام يبدأُ الله عز وجل بأمر حبيبه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى قومه له مهما كان منهم؛ لأنه سيِّدُ أولي العزم من المرسلين، ثم نبَّهَهُ إلى أنه لا ينبغي له أن ينفدَ صبرُه كما نفدَ صبرُ أخيه يونس عليه السلام بعد أن امتلأ كربًا وغمًّا من أذى قومه له، فإنَّ يونس عليه السلام ليس من أولي العزم من المرسلين، فهو من جملة النبيين المرسلين من غير أولي العزم، وقد قال الله تعالى في واحد منهم وهو أبوهم آدم عليه السلام: ﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ [طه: 115]، وقال لشيخ المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾ [الأحقاف: 35].
وهذا لا يمنع أن يقتدي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بإخوانه النبيين فيما جاؤوا به من الهدى بما فيهم يونس عليه السلام؛ ولذلك لما ذكر الله تعالى جملة مِن النبيين والمرسلين في سورة الأنعام وفيهم يونس عليه السلام قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بعد ذكرهم: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ﴾ [الأنعام: 90].
وإلى الفصل القادم إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.