حكاية ناي ♔
09-09-2023, 04:27 PM
البُعْدُ عن قتل النفس
الحمد لله الذي عظَّم شأنَ النفسِ البشرية، سُبحانه وتعالى حرَّم قتلَ النفسِ وإزهاقَ روحِها الزكية، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له في أسمائه وصفاته العَليَّة،شهادةً تجعل نفوسنا يوم القيامة راضيةً مرضية، وأشهدُ أن سيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه خيرُ البرية، كان يُبيِّن أن قاتلَ النفس مُعَرَّضٌ لعقاب الله في حياته الأبدية، اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وأصحابِه أزكى سلام وأشرفَ تحية، وعلى كل من تبعهم بإحسان ما دام في الدنيا من يسبح الله بكرة وعشية ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]؛ أما بعد:
فيا أيها المؤمنون والمؤمنات، ما زلنا نتحدث عن صفات عبادٍ مَلَأَ الإيمانُ قلوبَهم، ونوَّر أقوالَهم وأفعالهم، فأكرمهم الله بدخول الجنة وأعلى مقامهم، ونحن نقتدي بهم ونرجو من الله أن نكون معهم.
فمن صفات عباد الرحمن البُعْدُ عن قتل النفس؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ [الفرقان: 68]؛ أي: لا يقتلون النفس التي حرَّم الله قتلها إلا بما يحقُّ أن تُقتَل به النفوس، من كفرٍ بعد إيمان، أو زنًا بعد إحصان، أو القتلِ قِصاصًا[1].
عباد الله،النفسُ البشرية لها مَنزلة عظيمةٌ عند الله تعالى، فالله سبحانه خلق الإنسان ونفخ فيه من روحِه، وفضَّله على كثيرٍ مِن خَلْقِه، وأكرمه برزقه ونِعَمِه، وسخَّر له ما في السماوات وما في الأرض مِن فضلِه، وشرع له شرائعَ تَحميه من الاعتداء عليه في ماله أو عرضه أو دمه؛ فماله تَحْرُمُ سرقتُه، وعرضه يَحرُم هَتْكُه بالغيبة والنميمة، ودمه يحرم سَفكُه وقَتلُه.
واعلموا -رحمكم الله -أن قتلَ النفسِ البشريةِ أشكالٌ وأنواعٌ، فمن أنواع قتل النفس: أن يتعمَّدَ الإنسانُ قتلَ أخيه بسبب نزاع أو خصومة، أو عداوةٍ أو سرقة، وغيرِها من الأسباب، فهذا يُعتبر من أعظم الذنوب التي يَخسر بها صاحبُها دنياه وأُخْراه، كما خسرها أولُ قاتل على هذه الأرض، قابيلُ لما طوَّعَت له نفسه قتل أخيه هابيل ﴿ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 30].
وقد كثُر القتل في هذا الزمان -والعياذ بالله- فلا يكاد يوم يمُرُّ إلا ونسمع عن سفك الدماء بغير حق، فهذا جارٌ قتَل جاره، وذاك ولد قتل والده، وصاحبٌ قتل صاحبَه لأتفه الأسباب! ألا فالويل للقاتل من عذاب الله، ألا فالويل للقاتل من عذاب الله، فعن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِالقَاتِلِ يَوْمَ القِيَامَةِ نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا، يَقُولُ: يَا رَبِّ، قَتَلَنِي هَذَا، حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ العَرْشِ، قَالَ: فَذَكَرُوا لاِبْنِ عَبَّاسٍ التَّوْبَةَ، فَتَلا هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].
إن المؤمن وهو يسمع هذا الوعيدَ الشديد، ليَبتعدُ بنفسه عن كل ما قد يؤدي به إلى الاعتداء على نفس بشرية.
ومن أنواع قتل النفس: قتلُ الإنسان نفسَه، وكثيرًا ما نسمع عن فلان انتحر؛ لأنه خسِر صفقةً تجارية، وآخر انتحر؛ لأنه لم ينجح في الامتحان، وفلانة انتحرت؛ لأنها لم يُسمح لها بالزواج من فلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن الذي يلجأ إلى حل مشاكله بقتل نفسه، ضعيفُ الإيمان، ساخطٌ على قضاء الله وقدره، ويائسٌ من رحمة الله، وخاتمٌ حياته بخاتمة سُوء، ومُعَرِّضٌ نفسَه لِسَخط الله وعقابِه، وغضبه وعذابه؛ حيث يُعذَّب في جهنم بما قتل به نفسه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا»[2].
فالمؤمن بالله إذا ضاقت عليه الأرض بما رَحُبت، وضاقت عليه الدنيا وعَسُرت، وكثُرت عليه المشكلات وتزايدت، يَصبرُ ويتذكرُ رحمة الله بعباده، فَرُبَّ لحظاتٍ قليلةٍ يَصبر فيها الإنسان يأتي بعدها فَرَجٌ وفتحٌ قريب ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6] فَمَهْما عظُمت مصائبُ الدنيا فإن رحمة الله أعظم، ومهما عظُم بابُ العسر، فإن أبواب اليسر أعظم ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29]، فالله تعالى خلق الإِنسان ليرحمه، فلماذا يلجأ إلى أن يقتل نفسه؟
ومن أنواع قتل النفس:قتلُها بعدم احترام قوانين السير: إن السائق الذي يتَعَمَّدُ خَرْقَ قانون السير، بحيث لا يحترم إشاراتِ المرور، ولا مَمَرّاتِ الراجِلِينَ، ويتجاوزُ السرعةَ المسموحَةَ بها للسائقين، أو رُبَّما يسوق سيارته في حالة سُكْر، حتى يتسبب في حادثة سير، فهذا السائق آثم؛ لأنه إن نتج عن هذه الحادثة قتلُ إنسان، فهذا قتلٌ مُتعمَّد؛ لأنه تَعَمَّد خرق القانون، وإن تسبب في قتل نفسِه فهذا انتحار، وفي كِلْتا الحالتين يُعتبر في نظر الشرع قاتلًا مذنبًا آثمًا.
بماذا سَيُجيب "لا إله إلا الله" إذا حَاجَّتْهُ أمام الله؟! فهذا أسامة بنُ زيد رضي الله عنه قتل رجلًا في الحرب بعدما قال الرجل: «لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» قَتَله ظَنًّا منه أنه إنما قالها خوفًا من القتل، فقال له النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ َكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟»[3]؛ لذلك وجب شرعًا احترامُ قانون السير؛ لأنَّ الغايةَ مِنْ تشريع هذهِ القوانين الحفاظُ علَى الأرواحِ والممتلكاتِ، وتحقيقُ السَّلامةِ والأمان فِي الطُّرقاتِ.
فاللهم سَلِّمنا من جميع الشرور والآفاتِ يا رب العالمين، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبحديث سيد المرسلين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله؛ أما بعد:
فيا عباد الله، ومن أنواع قتل النفس: تعاطي المُخدِّرات، فلا يخفى على كل عاقل أن الذي يتعاطى المخدِّراتِ يقتل نفسه قتلًا بَطيئًا؛ لأن ضررَها وخطرَها على الصحة عظيم، فهي تُسبِّب أمراضًا خطيرة، كسرَطان الرئة ومرضِ السُّل وغيرهما، وتؤدي الأمراضُ المرتبطة بالتدخين إلى وفاة أكثرَ من ثمانيةِ ملايينَ شخصٍ في العالم سنويًّا، وفي المغرب وحْدَه يقتل التدخين ما يزيد عن اثنَيْ عَشَرَ أَلْفَ شَخص سنويًّا[4].
لذلك ربنا سبحانه أحَلَّ لنا الطيبات، وحرَّم علينا الخبائث، فقال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157]، فالتدخين حرَّمَه الإسلام؛ لأنه من الخبائث،ضَارٌّ بالصحة ويؤدي بصاحبه إلى الموت والهلاك.
وفي هذا المقام نُوَجِّه الكلامَ إلى كل من ابْتُلِي بهذه البَلية ونقول: لا تَخْرج من هذا المسجد إلا وقد عاهدت الله على التَخَلِّي عن هذه المصيبة، لا تقلْ لا أستطيع! فَهِمَّةُ الرجالِ تَهْدِمُ الجبال، فَهَا هُم الصحابة الكرام قبل إسلامهم كانوا معتادين شربَ الخمر، فلما حَرَّمَها الإسلام تركوها في حِينِهم دون تردُّد، طاعةً لله ورسوله، وطَمَعًا في رضا الله تعالى ورضوانه، والفوز بأعلى درجات جنانه، فاللهم عَافِ كلَّ مبتلًى يا رب العالمين.
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صلَّيْت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصًا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم أنزل السكينة في قلوبنا، وزدنا إيمانًا مع إيماننا، واهدنا وأصلِح بالَنا، وأدخلنا الجنة يا رب العالمين، اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا ولأشياخنا، ولمَن له حقٌّ علينَا، ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201] ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].
الحمد لله الذي عظَّم شأنَ النفسِ البشرية، سُبحانه وتعالى حرَّم قتلَ النفسِ وإزهاقَ روحِها الزكية، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له في أسمائه وصفاته العَليَّة،شهادةً تجعل نفوسنا يوم القيامة راضيةً مرضية، وأشهدُ أن سيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه خيرُ البرية، كان يُبيِّن أن قاتلَ النفس مُعَرَّضٌ لعقاب الله في حياته الأبدية، اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وأصحابِه أزكى سلام وأشرفَ تحية، وعلى كل من تبعهم بإحسان ما دام في الدنيا من يسبح الله بكرة وعشية ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]؛ أما بعد:
فيا أيها المؤمنون والمؤمنات، ما زلنا نتحدث عن صفات عبادٍ مَلَأَ الإيمانُ قلوبَهم، ونوَّر أقوالَهم وأفعالهم، فأكرمهم الله بدخول الجنة وأعلى مقامهم، ونحن نقتدي بهم ونرجو من الله أن نكون معهم.
فمن صفات عباد الرحمن البُعْدُ عن قتل النفس؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ [الفرقان: 68]؛ أي: لا يقتلون النفس التي حرَّم الله قتلها إلا بما يحقُّ أن تُقتَل به النفوس، من كفرٍ بعد إيمان، أو زنًا بعد إحصان، أو القتلِ قِصاصًا[1].
عباد الله،النفسُ البشرية لها مَنزلة عظيمةٌ عند الله تعالى، فالله سبحانه خلق الإنسان ونفخ فيه من روحِه، وفضَّله على كثيرٍ مِن خَلْقِه، وأكرمه برزقه ونِعَمِه، وسخَّر له ما في السماوات وما في الأرض مِن فضلِه، وشرع له شرائعَ تَحميه من الاعتداء عليه في ماله أو عرضه أو دمه؛ فماله تَحْرُمُ سرقتُه، وعرضه يَحرُم هَتْكُه بالغيبة والنميمة، ودمه يحرم سَفكُه وقَتلُه.
واعلموا -رحمكم الله -أن قتلَ النفسِ البشريةِ أشكالٌ وأنواعٌ، فمن أنواع قتل النفس: أن يتعمَّدَ الإنسانُ قتلَ أخيه بسبب نزاع أو خصومة، أو عداوةٍ أو سرقة، وغيرِها من الأسباب، فهذا يُعتبر من أعظم الذنوب التي يَخسر بها صاحبُها دنياه وأُخْراه، كما خسرها أولُ قاتل على هذه الأرض، قابيلُ لما طوَّعَت له نفسه قتل أخيه هابيل ﴿ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 30].
وقد كثُر القتل في هذا الزمان -والعياذ بالله- فلا يكاد يوم يمُرُّ إلا ونسمع عن سفك الدماء بغير حق، فهذا جارٌ قتَل جاره، وذاك ولد قتل والده، وصاحبٌ قتل صاحبَه لأتفه الأسباب! ألا فالويل للقاتل من عذاب الله، ألا فالويل للقاتل من عذاب الله، فعن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِالقَاتِلِ يَوْمَ القِيَامَةِ نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا، يَقُولُ: يَا رَبِّ، قَتَلَنِي هَذَا، حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ العَرْشِ، قَالَ: فَذَكَرُوا لاِبْنِ عَبَّاسٍ التَّوْبَةَ، فَتَلا هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].
إن المؤمن وهو يسمع هذا الوعيدَ الشديد، ليَبتعدُ بنفسه عن كل ما قد يؤدي به إلى الاعتداء على نفس بشرية.
ومن أنواع قتل النفس: قتلُ الإنسان نفسَه، وكثيرًا ما نسمع عن فلان انتحر؛ لأنه خسِر صفقةً تجارية، وآخر انتحر؛ لأنه لم ينجح في الامتحان، وفلانة انتحرت؛ لأنها لم يُسمح لها بالزواج من فلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن الذي يلجأ إلى حل مشاكله بقتل نفسه، ضعيفُ الإيمان، ساخطٌ على قضاء الله وقدره، ويائسٌ من رحمة الله، وخاتمٌ حياته بخاتمة سُوء، ومُعَرِّضٌ نفسَه لِسَخط الله وعقابِه، وغضبه وعذابه؛ حيث يُعذَّب في جهنم بما قتل به نفسه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا»[2].
فالمؤمن بالله إذا ضاقت عليه الأرض بما رَحُبت، وضاقت عليه الدنيا وعَسُرت، وكثُرت عليه المشكلات وتزايدت، يَصبرُ ويتذكرُ رحمة الله بعباده، فَرُبَّ لحظاتٍ قليلةٍ يَصبر فيها الإنسان يأتي بعدها فَرَجٌ وفتحٌ قريب ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6] فَمَهْما عظُمت مصائبُ الدنيا فإن رحمة الله أعظم، ومهما عظُم بابُ العسر، فإن أبواب اليسر أعظم ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29]، فالله تعالى خلق الإِنسان ليرحمه، فلماذا يلجأ إلى أن يقتل نفسه؟
ومن أنواع قتل النفس:قتلُها بعدم احترام قوانين السير: إن السائق الذي يتَعَمَّدُ خَرْقَ قانون السير، بحيث لا يحترم إشاراتِ المرور، ولا مَمَرّاتِ الراجِلِينَ، ويتجاوزُ السرعةَ المسموحَةَ بها للسائقين، أو رُبَّما يسوق سيارته في حالة سُكْر، حتى يتسبب في حادثة سير، فهذا السائق آثم؛ لأنه إن نتج عن هذه الحادثة قتلُ إنسان، فهذا قتلٌ مُتعمَّد؛ لأنه تَعَمَّد خرق القانون، وإن تسبب في قتل نفسِه فهذا انتحار، وفي كِلْتا الحالتين يُعتبر في نظر الشرع قاتلًا مذنبًا آثمًا.
بماذا سَيُجيب "لا إله إلا الله" إذا حَاجَّتْهُ أمام الله؟! فهذا أسامة بنُ زيد رضي الله عنه قتل رجلًا في الحرب بعدما قال الرجل: «لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» قَتَله ظَنًّا منه أنه إنما قالها خوفًا من القتل، فقال له النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ َكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟»[3]؛ لذلك وجب شرعًا احترامُ قانون السير؛ لأنَّ الغايةَ مِنْ تشريع هذهِ القوانين الحفاظُ علَى الأرواحِ والممتلكاتِ، وتحقيقُ السَّلامةِ والأمان فِي الطُّرقاتِ.
فاللهم سَلِّمنا من جميع الشرور والآفاتِ يا رب العالمين، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبحديث سيد المرسلين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين، ادعوا الله يستجب لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله؛ أما بعد:
فيا عباد الله، ومن أنواع قتل النفس: تعاطي المُخدِّرات، فلا يخفى على كل عاقل أن الذي يتعاطى المخدِّراتِ يقتل نفسه قتلًا بَطيئًا؛ لأن ضررَها وخطرَها على الصحة عظيم، فهي تُسبِّب أمراضًا خطيرة، كسرَطان الرئة ومرضِ السُّل وغيرهما، وتؤدي الأمراضُ المرتبطة بالتدخين إلى وفاة أكثرَ من ثمانيةِ ملايينَ شخصٍ في العالم سنويًّا، وفي المغرب وحْدَه يقتل التدخين ما يزيد عن اثنَيْ عَشَرَ أَلْفَ شَخص سنويًّا[4].
لذلك ربنا سبحانه أحَلَّ لنا الطيبات، وحرَّم علينا الخبائث، فقال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157]، فالتدخين حرَّمَه الإسلام؛ لأنه من الخبائث،ضَارٌّ بالصحة ويؤدي بصاحبه إلى الموت والهلاك.
وفي هذا المقام نُوَجِّه الكلامَ إلى كل من ابْتُلِي بهذه البَلية ونقول: لا تَخْرج من هذا المسجد إلا وقد عاهدت الله على التَخَلِّي عن هذه المصيبة، لا تقلْ لا أستطيع! فَهِمَّةُ الرجالِ تَهْدِمُ الجبال، فَهَا هُم الصحابة الكرام قبل إسلامهم كانوا معتادين شربَ الخمر، فلما حَرَّمَها الإسلام تركوها في حِينِهم دون تردُّد، طاعةً لله ورسوله، وطَمَعًا في رضا الله تعالى ورضوانه، والفوز بأعلى درجات جنانه، فاللهم عَافِ كلَّ مبتلًى يا رب العالمين.
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صلَّيْت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
وارْضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة الأكرمين، خصوصًا الأنصار منهم والمهاجرين، وعن التابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم أنزل السكينة في قلوبنا، وزدنا إيمانًا مع إيماننا، واهدنا وأصلِح بالَنا، وأدخلنا الجنة يا رب العالمين، اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللَّهُمَّ إنا نسألكَ الجنةَ لنا ولوالدينَا ولأشياخنا، ولمَن له حقٌّ علينَا، ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201] ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].