حكاية ناي ♔
09-09-2023, 04:28 PM
اجتناب الزنا
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم؛ وبعد:
قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿والَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان: 68].
فمن صفات عباد الرحمن أنهم يجتنبون فاحشة الزنا، بل يبتعدون عن كل شيء قد يقرب من هذه الفاحشة، فهم أعف الناس، وأطهرهم، وأبعدهم عن الفواحش والمنكرات.
قال الإمام القرطبي - رحمه الله -: دلت هذه الآية على أنه ليس بعد الكفر أعظم من قتل النفس بغير الحق ثم الزنا.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: "لا أعلم بعد القتل ذنب أعظم من الزنا".
ففاحشة الزنا تأتي بعد جريمة الشرك وقتل النفس في بشاعتها وجرمها، وهنا ذكرها ربنا سبحانه مع مقرونة بالشرك بالله وقتل النفس المحرمة.
وقرنت بالشرك أيضًا في قوله تعالى: ﴿الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: 3].
وقال الله تعالى في صفات المؤمنين المفلحين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ [المؤمنون: 5 ، 6].
أيها الكرام: فاحشة الزنا من المنكرات التي أجمعت كل الملل على تحريمها، فهي تخالف فطرة الإنسان.
وحفظ الأعراض من الضروريات الخمس التي جاءت كل الشرائع السماوية بالأمر بها.
ومما يدل على شدة جرم هذه الفاحشة أن الله تعالى شرع حدًّا يقام على مرتكبها، رجلًا كان أو امرأة، فإن كان الزاني بكرًا -أي غير متزوج ولم يسبق له زواج- فإنه يجلد مائة جلدة لقوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: 2].
وإن كان الزاني أو الزانية متزوجًا أو سبق له زواج فإن الحد أن يرجم بالحجارة حتى الموت، وهذا الحكم ثابت في القرآن والسنة وإجماع علماء الأمة.
أما في القرآن فمن الآيات التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها قوله تعالى: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، نكالًا من الله، والله عزيز حكيم".
قال مالك رحمه الله: قوله: الشيخ والشيخة يعني الثيب والثيّبة.
وفي الصحيحين عن عمر رضي الله عنه قال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان، أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف.
وفي "سنن ابن ماجة": عن ابن عباس قال: قال عمر رضي الله عنه: وقد قرأتها: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة"؛ والحديث صححه الألباني.
وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه - قال: كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة، فكان فيها: "الشيخ والشيخة إذا زنيا، فارجموهما البتة"؛ رواه ابن حبان وصححه الألباني.
وقال البيهقي في سننه، بعد ذكر الأحاديث الواردة في ذلك: في هذا وما قبله دلالة على أن آية الرجم حكمها ثابت، وتلاوتها منسوخة، وهذا مما لا أعلم فيه خلافا. انتهى[1].
أيها الأحبة في الله:
ومما جاء في التنفير والتحذير من جريمة الزنا قول النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ..."؛ متفق عليه.
وفي لفظ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ، كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ، فَإِذَاانْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ". صححه الألباني في صحيح أبي داود.
أيها الأحبة في الله:
من العقوبات العاجلة في الدنيا تلك الأمراض الفتاكة كالإيدز وغيره التي سببها العلاقات المحرمة، وهي عبرة لمن يعتبر، ولعذاب الآخرة أشد، نسأل الله السلامة.
وقد أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أن انتشار الفواحش سبب لظهور الأمراض الفتاكة التي لم تكن معروفة من قبل، فقال صلى الله عليه وسلم: (لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا..)؛ صححه الألباني في صحيح الجامع.
والزنا من أسباب عذاب القبر فقد أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم -الذي لا ينطق عن الهوى- أن الزناة يعذبون في قبورهم كما جاء هذا في حديث رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- التي رأى فيها صورًا من عذاب القبر، وقال: ((فانطلقنا فأتينا على مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، فيه لغط وأصوات، فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضو -أي: صاحوا من شدة حره- فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء هم الزناة والزواني -يعني: من الرجال والنساء- فهذا عذابهم في القبر إلى يوم القيامة)) رواه البخاري في صحيحه.
أيها الأحبة في الله:
ولخطورة هذه الفاحشة نُهينا عن مجرد الاقتراب منها لأن من يحوم حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
قال سبحانه: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32].
قال ابن كثير رحمه الله:
يقول تعالى ناهيًا عباده عن الزنا وعن مقاربته وهو مخالطة أسبابه ودواعيه ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ أي ذنبًا عظيمًا ﴿وَسَاءَ سَبِيلًا﴾؛ أي وبئس طريقًا ومسلكًا.
أيها الأحبة في الله:
لقد شرع الله تعالى أحكامًا تحمي المسلم والمسلمة من الوقوع في هذه الفاحشة وتمنع من كل ما يؤدي إليها من خطوات الشيطان، كالأمر بغض البصر والنهى عن التبرج والسفور، والخلوة بالمرأة الأجنبية وغير ذلك من الأحكام التي من خالفها فقد اقترب من الزنا والعياذ بالله، فالنحذر، كما حذرنا ربنا بقوله: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ [البقرة: 168].
وفي زماننا هذا كثرت خطوات الشيطان وتنوعت الفتن، لا سيما مع وجود وسائل التواصل التي قربت البعيد، وسهلت اتصال الجنسين ببعضهما دون علم أحد ممن حولهما، وإمكانية التقاءهما ووقوع الفواحش عياذًا بالله، وهذا يدعو إلى مزيد من الحذر والحرص على الأبناء والبنات، وعدم تركهم لقمة سائغة للفساق والفجار ووسائل وبرامج الفسق والفساد، نسأل الله أن يحفظ كل مسلم ومسلمة من كل فتنة.
أيها الأحبة الكرام:
لما حرم الإسلام الزنا والسفاح لم يترك الإنسانَ يصارع غريزته بل شرع له ما يحصن فرجه، وهو النكاح الشرعي الطاهر، قال تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [ النور: 32].
فإن استطعت أيها الشاب أن تتزوج فبادر ولا تسوف ولا تمنعك عادات المجتمع التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولا تمتنع عن الزواج بحجة أنك تريد زواجًا أو حفلًا مميزًا، أو أنه مسؤولية لم يحن وقتها، فما دمت قادرًا على الزواج بدنيًا وماديًا من غير تبذير، فلا تتأخر ولا تعرض نفسك للفتنة من أجل كلام الناس وعاداتهم والمفاخرة التي لن تفدك شيئا، بل ستثقل كاهلك وتسرق شبابك، والعمر يمضي فبادر فإن الزواج تحصين لك من الوقوع في الحرام، تحصين للبصر، وتحصين للفرج، بما يرضي الله تعالى، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»؛ صحيح البخاري.
ومن لم يستطع فعليه أن يستعفف ويصبر حتى ييسر الله أمره، ويغنيه من فضله، كما قال سبحانه: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ [النور: 33].
وليمتثل وصية النبي صلى الله عليه في قوله: «ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ؛ فإنَّه له وِجَاءٌ»؛ رواه الشيخان.
واعلم يا من يستعفف أن العفيف الذي يحفظ فرجه له مكانة خاصة عند الله تعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .. وذكر منهم: رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله)؛ رواه الشيخان.
وعلى أولياء أمور البنات أن ييسروا النكاح، ويبتعدوا عن المغالاة في المهور والمباهاة والتفاخر في ذلك، ولا يبالغوا في الطلبات، والكماليات، فقد حث ديننا الحنيف على تيسير النكاح، وقبول صاحب الخلق والدين حتى لا يقع الأبناء والبنات في الفتنة، فقال صلى الله عليه وسلم: « إذا أتاكم مَن ترضونَ خلقَهُ ودينَهُ فزوِّجوهُ إلَّا تفعلوا تَكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ»؛ صححه الألباني في السلسلة وغيرها.
وكذلك يبغي عليكم أيها الشباب ممن لا تجدون نكاحَا أن تبتعدوا عن كل ما يثير غرائزكم ولو كان مجرد تفكير في الحرام، وتكثروا من مجالسة الصالحين حتى لا يسهل على الشيطان افتراسكم، وتذكروا أن من اتق الله أعانه وجعل له فرجًا ومخرجًا، قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: 2].
نسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياكم وجميع المسلمين، ويجنبنا الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم؛ وبعد:
قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿والَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان: 68].
فمن صفات عباد الرحمن أنهم يجتنبون فاحشة الزنا، بل يبتعدون عن كل شيء قد يقرب من هذه الفاحشة، فهم أعف الناس، وأطهرهم، وأبعدهم عن الفواحش والمنكرات.
قال الإمام القرطبي - رحمه الله -: دلت هذه الآية على أنه ليس بعد الكفر أعظم من قتل النفس بغير الحق ثم الزنا.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: "لا أعلم بعد القتل ذنب أعظم من الزنا".
ففاحشة الزنا تأتي بعد جريمة الشرك وقتل النفس في بشاعتها وجرمها، وهنا ذكرها ربنا سبحانه مع مقرونة بالشرك بالله وقتل النفس المحرمة.
وقرنت بالشرك أيضًا في قوله تعالى: ﴿الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: 3].
وقال الله تعالى في صفات المؤمنين المفلحين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ [المؤمنون: 5 ، 6].
أيها الكرام: فاحشة الزنا من المنكرات التي أجمعت كل الملل على تحريمها، فهي تخالف فطرة الإنسان.
وحفظ الأعراض من الضروريات الخمس التي جاءت كل الشرائع السماوية بالأمر بها.
ومما يدل على شدة جرم هذه الفاحشة أن الله تعالى شرع حدًّا يقام على مرتكبها، رجلًا كان أو امرأة، فإن كان الزاني بكرًا -أي غير متزوج ولم يسبق له زواج- فإنه يجلد مائة جلدة لقوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: 2].
وإن كان الزاني أو الزانية متزوجًا أو سبق له زواج فإن الحد أن يرجم بالحجارة حتى الموت، وهذا الحكم ثابت في القرآن والسنة وإجماع علماء الأمة.
أما في القرآن فمن الآيات التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها قوله تعالى: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، نكالًا من الله، والله عزيز حكيم".
قال مالك رحمه الله: قوله: الشيخ والشيخة يعني الثيب والثيّبة.
وفي الصحيحين عن عمر رضي الله عنه قال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان، أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف.
وفي "سنن ابن ماجة": عن ابن عباس قال: قال عمر رضي الله عنه: وقد قرأتها: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة"؛ والحديث صححه الألباني.
وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه - قال: كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة، فكان فيها: "الشيخ والشيخة إذا زنيا، فارجموهما البتة"؛ رواه ابن حبان وصححه الألباني.
وقال البيهقي في سننه، بعد ذكر الأحاديث الواردة في ذلك: في هذا وما قبله دلالة على أن آية الرجم حكمها ثابت، وتلاوتها منسوخة، وهذا مما لا أعلم فيه خلافا. انتهى[1].
أيها الأحبة في الله:
ومما جاء في التنفير والتحذير من جريمة الزنا قول النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ..."؛ متفق عليه.
وفي لفظ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ، كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ، فَإِذَاانْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ". صححه الألباني في صحيح أبي داود.
أيها الأحبة في الله:
من العقوبات العاجلة في الدنيا تلك الأمراض الفتاكة كالإيدز وغيره التي سببها العلاقات المحرمة، وهي عبرة لمن يعتبر، ولعذاب الآخرة أشد، نسأل الله السلامة.
وقد أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أن انتشار الفواحش سبب لظهور الأمراض الفتاكة التي لم تكن معروفة من قبل، فقال صلى الله عليه وسلم: (لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا..)؛ صححه الألباني في صحيح الجامع.
والزنا من أسباب عذاب القبر فقد أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم -الذي لا ينطق عن الهوى- أن الزناة يعذبون في قبورهم كما جاء هذا في حديث رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- التي رأى فيها صورًا من عذاب القبر، وقال: ((فانطلقنا فأتينا على مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، فيه لغط وأصوات، فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضو -أي: صاحوا من شدة حره- فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء هم الزناة والزواني -يعني: من الرجال والنساء- فهذا عذابهم في القبر إلى يوم القيامة)) رواه البخاري في صحيحه.
أيها الأحبة في الله:
ولخطورة هذه الفاحشة نُهينا عن مجرد الاقتراب منها لأن من يحوم حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
قال سبحانه: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32].
قال ابن كثير رحمه الله:
يقول تعالى ناهيًا عباده عن الزنا وعن مقاربته وهو مخالطة أسبابه ودواعيه ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ أي ذنبًا عظيمًا ﴿وَسَاءَ سَبِيلًا﴾؛ أي وبئس طريقًا ومسلكًا.
أيها الأحبة في الله:
لقد شرع الله تعالى أحكامًا تحمي المسلم والمسلمة من الوقوع في هذه الفاحشة وتمنع من كل ما يؤدي إليها من خطوات الشيطان، كالأمر بغض البصر والنهى عن التبرج والسفور، والخلوة بالمرأة الأجنبية وغير ذلك من الأحكام التي من خالفها فقد اقترب من الزنا والعياذ بالله، فالنحذر، كما حذرنا ربنا بقوله: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ [البقرة: 168].
وفي زماننا هذا كثرت خطوات الشيطان وتنوعت الفتن، لا سيما مع وجود وسائل التواصل التي قربت البعيد، وسهلت اتصال الجنسين ببعضهما دون علم أحد ممن حولهما، وإمكانية التقاءهما ووقوع الفواحش عياذًا بالله، وهذا يدعو إلى مزيد من الحذر والحرص على الأبناء والبنات، وعدم تركهم لقمة سائغة للفساق والفجار ووسائل وبرامج الفسق والفساد، نسأل الله أن يحفظ كل مسلم ومسلمة من كل فتنة.
أيها الأحبة الكرام:
لما حرم الإسلام الزنا والسفاح لم يترك الإنسانَ يصارع غريزته بل شرع له ما يحصن فرجه، وهو النكاح الشرعي الطاهر، قال تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [ النور: 32].
فإن استطعت أيها الشاب أن تتزوج فبادر ولا تسوف ولا تمنعك عادات المجتمع التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولا تمتنع عن الزواج بحجة أنك تريد زواجًا أو حفلًا مميزًا، أو أنه مسؤولية لم يحن وقتها، فما دمت قادرًا على الزواج بدنيًا وماديًا من غير تبذير، فلا تتأخر ولا تعرض نفسك للفتنة من أجل كلام الناس وعاداتهم والمفاخرة التي لن تفدك شيئا، بل ستثقل كاهلك وتسرق شبابك، والعمر يمضي فبادر فإن الزواج تحصين لك من الوقوع في الحرام، تحصين للبصر، وتحصين للفرج، بما يرضي الله تعالى، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»؛ صحيح البخاري.
ومن لم يستطع فعليه أن يستعفف ويصبر حتى ييسر الله أمره، ويغنيه من فضله، كما قال سبحانه: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ [النور: 33].
وليمتثل وصية النبي صلى الله عليه في قوله: «ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ؛ فإنَّه له وِجَاءٌ»؛ رواه الشيخان.
واعلم يا من يستعفف أن العفيف الذي يحفظ فرجه له مكانة خاصة عند الله تعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله .. وذكر منهم: رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله)؛ رواه الشيخان.
وعلى أولياء أمور البنات أن ييسروا النكاح، ويبتعدوا عن المغالاة في المهور والمباهاة والتفاخر في ذلك، ولا يبالغوا في الطلبات، والكماليات، فقد حث ديننا الحنيف على تيسير النكاح، وقبول صاحب الخلق والدين حتى لا يقع الأبناء والبنات في الفتنة، فقال صلى الله عليه وسلم: « إذا أتاكم مَن ترضونَ خلقَهُ ودينَهُ فزوِّجوهُ إلَّا تفعلوا تَكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ»؛ صححه الألباني في السلسلة وغيرها.
وكذلك يبغي عليكم أيها الشباب ممن لا تجدون نكاحَا أن تبتعدوا عن كل ما يثير غرائزكم ولو كان مجرد تفكير في الحرام، وتكثروا من مجالسة الصالحين حتى لا يسهل على الشيطان افتراسكم، وتذكروا أن من اتق الله أعانه وجعل له فرجًا ومخرجًا، قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: 2].
نسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياكم وجميع المسلمين، ويجنبنا الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.