عازف الناي
12-08-2022, 02:00 PM
خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 15 جمادي الأولي 1444 هـ ، 9 ديسمبر 2022م
تحت عنوان ( الأمانة صورها وأثرها في تحقيق الأمن المجتمعي ) للشيخ ثروت سويف
اقرأ في هذه الخطبة
اولا : تعريف الامانة
ثانيا : صور الأمانة ومجالاتها :
ثالثا : أثر الأمانة على الفرد والمجتمع
الخطبة الأولي
الحمد لله الذي فرض على العباد أداء الأمانة وحرم عليهم المكر السيء والغدر والخيانة ، وجعل للخائن لواء يفضحه به بين خلقه يوم القيامة يوم الحسرة والندامة
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة الآمر بأداء الأمانة اللهم ارزقنا وفاءا نرجو به النجاة يوم القيامة ونؤمل به الفوز بدار النعيم والكرامة قال تعالي " فَإِن أَمن بَعْضكُم بَعْضًا فليؤد الَّذِي أؤتمن أمنته ". وقال " وَالَّذين هم لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدهمْ رعون "
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أتم به النعمة وبعثه للعالمين رحمة وللعاملين قدوة وعلى الطاغين حجة اسمع اليه وصلي عليه وهو يقول في الحديث الذى رواه الامام احمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " وَيْلٌ لِلْأُمَرَاءِ، وَيْلٌ لِلْعُرَفَاءِ، وَيْلٌ لِلْأُمَنَاءِ، لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ ذَوَائِبَهُمْ كَانَتْ مُعَلَّقَةً بِالثُّرَيَّا، يَتَذَبْذَبُونَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَلَمْ يَكُونُوا عَمِلُوا عَلَى شَيْءٍ "
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان في الدين والملة وسلم تسليما
أما بعد:
فيقول الله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً [النساء:58]، وهذه الآية المباركة عمّت جميعَ الأماناتِ.
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ ذَنْبٍ إِلَّا الْأَمَانَةَ، يُؤْتَى بِصَاحِبِهَا وَإِنْ كَانَ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» فَيُقَالُ لَهُ: أَدِّ أَمَانَتَكَ فَيَقُولُ: «رَبِّ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا فَمِنْ أَيْنَ أُؤَدِّيَهَا» فَيَقُولُ: اذْهَبُوا بِهَا إِلَى الْهَاوِيَةِ، حَتَّى إِذَا أُتِيَ بِهِ إِلَى قَرَارَ الْهَاوِيَةِ مُثِّلَتْ لَهُ أَمَانَتُهُ، كَيَوْمِ دُفِعَتْ إِلَيْهِ فَيَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ يَصْعَدُ بِهَا فِي النَّارِ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا هَوَتْ، وَهُوَى فِي أَثَرِهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: {«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا»} [النساء: 58] السنن الصغير للبيهقي
أيها الناس : اتقوا الله تعالى وأدوا الأمانة التي حملتموها وتحملتم مسؤوليتها ، أدوا الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ، أدوا الأمانة فإنكم عنها مسؤولون وعلى حسب القيام بها والتفريط بها محاسبون ، فإما مغتبطون بأدائها مسرورون وإما نادمون في إضاعتها خاسرون
إن الأمانة تنقسم إلى قسمين: أمانة بين العبد وربه، وأمانة بين العبد ومخلوقٍ مثله.
أدوا الأمانة فيما بينكم وبين الله وأدوها فيما بينكم وبين عباد الله . فأما أداء الأمانة فيما بينكم وبين الله فأن تقوموا بطاعته مخلصين وتتعبدوا بما شرعه متبعين لا مفرطين ولا مفرطين ، وأما أداء الأمانة فيما بينكم وبين العباد فأن تقوموا بما أوجب الله عليكم من حقوق العباد
اولا : تعريف الامانة
انها الأمانة وهي ضدّ الخيانة وهى مصدر قولهم: أمن يأمن أمانة أي صار أمينا، وهو مأخوذ من مادّة (أم ن) الّتي تدلّ على سكون القلب
قال الكفويّ: الأمانة: كلّ ما افترض الله على العباد فهو أمانة كالصّلاة والزّكاة والصّيام وأداء الدّين، وأوكدها الودائع، وأوكد الودائع كتم الأسرار، وقال في موضع آخر: كلّ ما يؤتمن عليه من أموال وحرم وأسرار فهو أمانة «الكليات للكفوي» . فالدين كله أمانة.
فالعبادة أمانة، والصلاة أمانة، والزكاة أمانة، والصيام أمانة، والحج أمانة، وجوارحك أمانة، وعملك أمانة ومنصبك وكرسيك أمانة، ووظيفتك أمانة والمال عندك أمانة، وزوجك وأولادك أمانة، والعلم عند العالم وطالب العلم أمانة، والحكم أمانة، والله قد حذرنا من الخيانة فقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27] فالأمانة خلق ثابت في النّفس يعفّ به الإنسان عمّا ليس له به حقّ، وإن تهيّأت له ظروف العدوان عليه فيؤدّي به ما عليه أو لديه من حقّ لغيره، وإن استطاع أن يهضمه دون أن يكون عرضة للإدانة عند النّاس.
واعلموا ان الأمانة في القرآن الكريم: كما ذكر ابن الجوزيّ - نقلا عن بعض المفسّرين أنّ الأمانة في القرآن الكريم على ثلاثة أو جه:
أحدها: الفرائض ومنه قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ (الأنفال/ 27) .
الثّاني: الوديعة، ومنه قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها (النساء/ 58) .
الثّالث: العفّة (والصّيانة) ، ومنه قوله تعالى: (إ ِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (القصص/ 26
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن أعرابياً دخل على النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وهو يحدث الناس فقال الأعرابي: يا رسول الله! متى الساعة؟ فمضى النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه ولم يرد على الأعرابي! فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم حديثه، سأل عن الأعرابي السائل عن الساعة فقال: أين السائل عن الساعة؟ قال الأعرابي: ها أنا يا رسول الله! فقال المصطفى: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة) فقال الأعرابي الفقيه: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ -أي: كيف تضيع الأمانة؟ سؤال بليغ- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا وسد الأمر إلى غير أهله)
ووالله لقد وسد الأمر إلى غير أهله، وتقدم وتطاول الأقزام والتافهون والرويبضات، ممن قال عنهم الصادق -في حديثه الصحيح الذي رواه أحمد والحاكم من حديث أبي هريرة -: (سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة.
قيل: ومن الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)، والله لقد تكلم التافهون والساقطون، لا في أمر العوام، بل في أمر الإسلام! وفي دين محمد عليه الصلاة والسلام.
وراعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها الذئاب إلا من رحم ربك جل وعلا، فالدين كله أمانة، والله قد حذر من الخيانة، الأمانة تقف على جانب الصراط تطالبك بحقوقها قبل أن تمر، فالله الله في الأمانة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ: " لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ ". مسند احمد وقال اسناد حسن
وقال الجاحظ: سقى الله قبر الأحنف حيث يقول: الزم الصيحة يلزمك العمل. وقال: إذا لم تكن خائنا فبت آمنا.
وقيل: أفحش الزمانة عدم الأمانة إذا ذهب الوفاء نزل البلاء وإذا مات الاعتصام عاش الانتقام. خيانة الناس أقبح الإفلاس
وقال معاوية: إلزام الرفيعين: الأمانة والعدل.
ثانيا : صور الأمانة ومجالاتها :
والمجالات الّتي تدخل فيها الأمانة كثيرة وقد أحصيت منها ثلاثة عشر صورة وهى أمانة الدّين وما افترضه الله على عباده والأعراض وأمانة الأموال وأمانة الأجسام والأرواح وأمانة المعارف والعلوم وأمانة الولاية وأمانة الوصاية وأمانة الشّهادة وأمانة القضاء وأمانة الكتابة وأمانة نقل الحديث والأسرار وأمانة الرّسالات وأمانة السّمع والبصر وسائر الحواسّ، ولكلّ واحدة من التّفصيل ما يناسبها
ونذكر بعضا من هذه الصور كالتالي:
1 - الأمانة فيما افترضه الله على عباده:
فمن الأمانة ما ائتمنه الله على عباده من العبادات التي كلفهم بها فإنها أمانة ائتمن الله عليها العباد
يقول الله تبارك وتعالى: ((إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً لّيُعَذّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً)) الأحزاب:72، 73. فلأمانة هنا أمانة التكليف والدين اذ عرضت علي الكون فرفض خوفا من السؤال
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (الأمانة الفرائضُ، عرضها الله على السمواتِ والأرض والجبال، إن أدَّوْها أثابهم، وإن ضيّعوها عذبهم، فكرِهوا ذلك وأشفقوا منه من غير معصية لله، ولكن تعظيماً لدين الله تعالى)
وقال الحسن البصري رحمه الله: "عرضها على السَّبع الطباق الطرائق التي زُيِّنت بالنجوم وحملةِ العرش العظيم، فقيل لها: هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قال: قيل لها: إن أحسنتِ جُزيتِ، وإن أسأتِ عُوقبتِ، قالت: لا، ثم عرَضها على الأرضين السبع الشداد التي شُدّت بالأوتاد وذُلِّلت بالمِهاد، قال: فقيل لها: هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قال: قيل لها: إن أحسنتِ جُزيتِ، وإن أسأتِ عوقبتِ، قالت: لا، ثمَّ عرضها على الجبال فأبت".
الأمانة ـ يا عباد الله ـ هي التكاليفُ الشرعية، هي حقوقُ الله وحقوق العباد، فمن أدَّاها فله الثواب، ومن ضيَّعها فعليه العقاب، فقد روى أحمد والبيهقي وابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (الصلاةُ أمانة، والوضوءُ أمانة، والوزن أمانةٌ، والكيل أمانة) وأشياء عدّدها، (وأشدُّ ذلك الودائع)( أخرجه البيهقي في شعب الإيمان
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: (والغسل من الجنابة أمانة)( الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/254).
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمَانٍ بِاللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ , وَأَدَّى الزَّكَاةَ عَنْ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ , وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا , وَصَامَ رَمَضَانَ , وَأَدَّى الْأَمَانَةَ ". قالوا: يا أبا الدّرداء: وما أداء الأمانة؟ قال: الغسل من الجنابة» أورده المنذري في "الترغيب والترهيب" (533) وقال: رواه الطبراني بإسناد جيد.
وروي الامام احمد في مسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللهُمَّ أَرْشِدِ الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ "
2 - الأمانة في الأموال:
ومن الأمانة العفة عما ليس للإنسان به حق من المال، وتأدية ما عليه من حق لذويه، وتأدية ما تحت يده منه لأصحاب الحق فيه، وتدخل في البيوع والديون والمواريث والودائع والرهون والعواري والوصايا وأنواع الولايات الكبرى والصغرى وغير ذلك) (ومنها الأمانة المالية وهي الودائع التي تعطى للإنسان ليحفظها لأهلها. وكذلك الأموال الأخرى التي تكون بيد الإنسان لمصلحته أو مصلحته ومصلحة مالكها كذلك المال العام أمانة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» المستدرك على الصحيحين
روي البخارى في صحيحه عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا، فَلَمَّا حَضَرَ جِدَادُ النَّخْلِ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا كَثِيرًا، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الغُرَمَاءُ، قَالَ: «اذْهَبْ فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ عَلَى نَاحِيَتِهِ»، فَفَعَلْتُ ثُمَّ دَعَوْتُهُ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ، فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ أَطَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «ادْعُ أَصْحَابَكَ»، فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي، وَأَنَا وَاللَّهِ رَاضٍ أَنْ يُؤَدِّيَ اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي، وَلاَ أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ، فَسَلِمَ وَاللَّهِ البَيَادِرُ كُلُّهَا حَتَّى أَنِّي أَنْظُرُ إِلَى البَيْدَرِ الَّذِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " أُغْرُوا بِي: يَعْنِي هِيجُوا بِي، {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ} [المائدة: 14] "
وروي البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ، فَقَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، قَالَ: فَأْتِنِي بِالكَفِيلِ، قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا، قَالَ: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ فِي البَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ التَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى البَحْرِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلاَنًا أَلْفَ دِينَارٍ، فَسَأَلَنِي كَفِيلاَ، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا، فَرَمَى بِهَا فِي البَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا المَالُ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ المَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ، فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ، قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا "
3- الأمانة في الأعراض:
فمن الأمانة في الأعراض العفة عما ليس للإنسان به حق منها، وكف النفس واللسان عن نيل شيء منها بسوء، كالقذف والغيبة.
روي الامام أحمد عن عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُخَوَّنَ الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ، حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَالتَّفَحُّشُ، وَقَطِيعَةُ الْأَرْحَامِ، وَسُوءُ الْجِوَارِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ الْقِطْعَةِ مِنَ الذَّهَبِ، نَفَخَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا فَلَمْ تَغَيَّرْ، وَلَمْ تَنْقُصْ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ، أَكَلَتْ طَيِّبًا، وَوَضَعَتْ طَيِّبًا، وَوَقَعَتْ فَلَمْ تُكْسَرْ وَلَمْ تَفْسُدْ "
قَالَ: وَقَالَ: " أَلَا وإِنَّ لِي حَوْضًا مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْهِ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى مَكَّةَ - أَوْ قَالَ: صَنْعَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ - وَإِنَّ فِيهِ مِنَ الْأَبَارِيقِ مِثْلَ الْكَوَاكِبِ، هُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا "
4- الأمانة في الشهادة:
وتكون الأمانة في الشهادة بتحملها بحسب ما هي عليه في الواقع، وبأدائها دون تحريف أو تغيير أو زيادة أو نقصان.
5- الأمانة في الكتابة: وتكون الأمانة في الكتابة بأن تكون على وفق ما يمليه ممليها، وعلى وفق الأصل الذي تنسخ عنه، فلا يكون فيها تغيير ولا تبديل ولا زيادة ولا نقص وإذا كانت من إنشاء كاتبها فالأمانة فيها أن تكون مضامينها خالية من الكذب والتلاعب بالحقائق إلى غير ذلك.
6- الأمانة في الأسرار التي يستأمن الإنسان على حفظها وعدم إفشائها: وتكون الأمانة فيها بكتمانها عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا حدّث الرّجل الحديث ثمّ التفت فهي أمانة»
إِذَا الْمَرْءُ أَفْشَى سِرَّهُ بِلِسَانِهِ ... وَلامَ عَلَيْهِ غَيْرَه فَهُوَ أَحْمَقُ
إِذَا ضَاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ عَنْ سِرِّ نَفْسِهِ ... فَصَدْرُ الَّذِي يُسْتَوْدَعُ السِّرِّ أَضْيَقُ
ان من معاني الأمانة حفظ الأسرار التي لا يرضى أهلها أن تذاع فكم من أضرار على الأبدان والأموال والأعراض حصلت بإفشاء الأسرار إلا إذا كَانَت الأسرار فيها على المسلمين فليس لها حرمة ولا يجوز كتمها وعَلَى كل مسلم شهد مجلسًا يمكر فيه المجرمون بغيرهم ليلحقوا به الأذى أن يسارع إِلَى الحيلولة دون الفساد جهد طاقته فإن ذلك خطر عظيم وفساد كبير
روى الامام مسلم عن ابي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا». وفي رواية: «من أشرّ النّاس»
7- الأمانة في السمع والبصر وسائر الحواس:
وتكون الأمانة فيها بكفها عن العدوان على أصحاب الحقوق، وبحفظها عن معصية الله فيها، وبتوجيهها للقيام بما يجب فيها من أعمال، فاستراق السمع خيانة، واستراق النظر إلى ما لا يحل النظر إليه خيانة، واستراق اللمس المحرم خيانة
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8]، قَالَ: " النَّعِيمُ: صِحَّةُ الْأَبْدَانِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ "، قَالَ: " ليَسْأَلُ اللهُ الْعِبَادَ فِيمَا اسْتَعْمَلُوهَا، وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُهُ: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} " شعب الإيمان
8 - الأمانة في النصح والمشورة:
ومن صور الأمانة أن تنصح من استشارك، وأن تصدق من وثق برأيك، فإذا عرض عليك أحد من الناس موضوعاً معيناً، وطلب منك الرأي والمشورة والنصيحة، فاعلم أن إبداء رأيك له أمانة، فإذا أشرت عليه بغير الرأي الصحيح، فذلك خيانة.
روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ».
ثالثا : أثر الأمانة على الفرد والمجتمع
بالالتزام بالأمانة يَكسب العبد رضا ربه عنه، ويكسب محبة الآخرين له وثقتهم به مما يزيد من ترابط وتكاتف أفراد المجتمع ويقوّي صلاتهم ببعض، وبالأمانة يشعر الأفراد بالأمان على أموالهم وأنفسهم وأعراضهم مما يُقلل من نسبة حدوث الكثير من الجرائم والانحرافات كجرائم السّرقة وجرائم النصب والاحتيال، وتحد الأمانة من الكثير من المشاكل الاجتماعيّة والعائليّة كالغيبة والنميمة والتحدث عن أعراض الغير، والأمانة هي أفضل وسيلة لعلاج الفساد المالي والإداري في المجتمعات، ومن خلال الأمانة تسود الثّقة والمحبة والسلام والأُخوّة بين أفراد المجتمعات مما يؤدي إلى وجود مجتمعات متحابة مترابطة قويّة قادرة على مواجهة كل الظروف وتخطّي كافة الأزمات فتعلو بذلك شأن الأمّة وتتوحّد كلمتها
ولهذا تكلم عن الامانة جمع من الافاضل من السلف الصالح تعالوا نرى ماذا قالوا
قال أبو بكر الصِّديق رضي الله عنه: (أصدق الصِّدق الأمَانَة وأكذب الكذب الخيانة)
- وعن ابن أبي نجيح قال: (لما أُتِي عمر بتاج كسرى وسواريه جعل يقلبه بعود في يده ويقول: والله إنَّ الذي أدَّى إلينا هذا لأمين. فقال رجل: يا أمير المؤمنين أنت أمين الله يؤدُّون إليك ما أدَّيت إلى الله فإذا رتعت رتعوا. قال: صدقت)
- وعن هشام أنَّ عمر قال: (لا تغرُّني صلاة امرئ ولا صومه، مَن شاء صام، ومَن شاء صلى، لا دين لمن لا أمانة له)
- وقال عبد الله بن مسعود: (القتل في سبيل الله كفَّارة كلِّ ذنب إلَّا الأمَانَة، وإنَّ الأمَانَة الصَّلاة والزَّكاة والغسل مِن الجنابة والكيل والميزان والحديث، وأعظم مِن ذلك الودائع)
- وعن أبي هريرة قال: (أوَّل ما يرفع مِن هذه الأمَّة الحياء والأمَانَة، فسلوها الله)
- وقال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: (لم يرخِّص الله لمعسر ولا لموسر أن يمسك الأمَانَة)
- وقال نافع مولى ابن عمر: (طاف ابن عمر سبعًا وصلَّى ركعتين، فقال له رجل مِن قريش: ما أسرع ما طفت وصلَّيت يا أبا عبد الرَّحمن. فقال ابن عمر: أنتم أكثر منَّا طوافًا وصيامًا، ونحن خير منكم بصدق الحديث، وأداء الأمَانَة وإنجاز الوعد)
- وعن سفيان بن عيينة قال: (مَن لم يكن له رأس مال فليتخذ الأمَانَة رأس ماله)
- وقال ميمون بن مهران: (ثلاثة يؤدَّين إلى البرِّ والفاجر: الأمَانَة، والعهد، وصلة الرَّحم)
- وقال الشَّافعي: (آلات الرِّياسة خمس: صِدق اللَّهجة، وكتمان السِّرِّ، والوفاء بالعهد، وابتداء النَّصيحة، وأداء الأمَانَة)
- وقال ابن أبي الدُّنْيا: (الدَّاعي إلى الخيانة شيئان: المهانة وقلَّة الأمَانَة، فإذا حسمهما عن نفسه بما وصفت ظهرت مروءته)
- وعن خالد الربعي قال كان يقال: (إنَّ مِن أجدر الأعمال أن لا تُؤخَّر عقوبته أو يُعجَّل عقوبته: الأمَانَة تُخَان، والرَّحم تُقْطَع، والإحْسَان يُكْفَر
قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «لم يرخّص الله لمعسر ولا لموسر أن يمسك الأمانة» )
ان سيدنا اسماعيل وصف بأنه كان صادق الوعد قيل لأن رجلا قال له اجلس في هذا المكان حتى آتيك فجلس فيه سنة ثم جاءه وقال مكانك حتى آتيك فغاب عنه سنة ومثل هذا رأيته عنه الشيخ عبد القادر الجيلاني والقائل له الخضر رضى الله عنه فإن قيل كل نبي فهو صادق الوعد فلم خص اسماعيل بذلك فالجواب تكرر منه مواعيد كثيرة فوفى بها لأنه من بيت الوفاء قال الله تعالى وإبراهيم الذي وفى.. حكاية: قال في روض الأفكار خرج رجل من أهل اليمن لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم فقال له جماعة سلم على أبي بكر فلما دخل المدينة نسى فرجع من الطريق حتى يبلغ الرسالة فلما فعل ذلك وأراد الذهاب إلى مكة وجد القافلة قد رحلت فرجع إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ونام فرأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر فقال أبو بكر هذا الرجل يا نبي الله قال نعم فالتفت إلي وقال يا أبا الوفاء قلت يا رسول الله كنيتي أبو العباس فقال أنت أبو الوفاء وأخذ بيدي فرفعت فانتبهت فرأيتي في المسجد الحرام فأقمت بمكة ثمانية أيام حتى جاء الحجاج . نزهة المجالس ومنتخب النفائس
لقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يستعيذ من ضياع الامانة ، روى أبو داود والنسائي بإسناد حسن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ، فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ، فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ»
وكلَّما انتُقصت الأمانة نقصت شعبُ الإيمان لما روى مسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله أن الأمانةَ نزلت في جذر قلوبِ الرجال ـ أي: في وسطها ـ، ثم نزلَ القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنَّة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: ((ينام الرجل النومةَ، فتُقبَض الأمانة من قلبه، فيظلّ أثرها مثل الوَكت، ثم ينام الرجل، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك، فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء))، ثم أخذَ حصاةً فدحرجها على رجله، ((فيصبح الناس يتبايَعون، لا يكاد أحدٌ يؤدِّي الأمانة، حتى يقال: إنَّ في بني فلان رجلا أمينا، وحتى يقال للرَّجل: ما أظرفَه ما أعقله، وما في قلبه مثقالُ حبة من خردل من إيمان))
من فوائد (الأمانة)
(1) الأمانة من كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) يقوم عليها أمر السّموات والأرض.
(3) هي محور الدّين وامتحان ربّ العالمين.
(4) بالأمانة يحفظ الدّين والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والمعارف والعلوم والولاية والوصاية والشّهادة والقضاء والكتابة ...
(5) الأمين يحبّه الله ويحبّه النّاس.
(6) من أعظم الصّفات الخلقيّة الّتي وصف الله بها عباده المؤمنين بقوله وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ* (المؤمنون/ 8، والمعارج/ 32) .
(7) مجتمع تفشو فيه الأمانة مجتمع خير وبركة.
عباد الله، ألا وصلوا وسلموا على نبيكم كما أمركم الله تعالى فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، وقد قال : ((من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا)).
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد صاحب اللواء المعقود والحوض المورود والمقام المحمود، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم بمنك وفضلك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
جمع وترتيب \ ثروت سويف \ امام وخطيب ومدرس
تحت عنوان ( الأمانة صورها وأثرها في تحقيق الأمن المجتمعي ) للشيخ ثروت سويف
اقرأ في هذه الخطبة
اولا : تعريف الامانة
ثانيا : صور الأمانة ومجالاتها :
ثالثا : أثر الأمانة على الفرد والمجتمع
الخطبة الأولي
الحمد لله الذي فرض على العباد أداء الأمانة وحرم عليهم المكر السيء والغدر والخيانة ، وجعل للخائن لواء يفضحه به بين خلقه يوم القيامة يوم الحسرة والندامة
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة الآمر بأداء الأمانة اللهم ارزقنا وفاءا نرجو به النجاة يوم القيامة ونؤمل به الفوز بدار النعيم والكرامة قال تعالي " فَإِن أَمن بَعْضكُم بَعْضًا فليؤد الَّذِي أؤتمن أمنته ". وقال " وَالَّذين هم لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدهمْ رعون "
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أتم به النعمة وبعثه للعالمين رحمة وللعاملين قدوة وعلى الطاغين حجة اسمع اليه وصلي عليه وهو يقول في الحديث الذى رواه الامام احمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " وَيْلٌ لِلْأُمَرَاءِ، وَيْلٌ لِلْعُرَفَاءِ، وَيْلٌ لِلْأُمَنَاءِ، لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ ذَوَائِبَهُمْ كَانَتْ مُعَلَّقَةً بِالثُّرَيَّا، يَتَذَبْذَبُونَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَلَمْ يَكُونُوا عَمِلُوا عَلَى شَيْءٍ "
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان في الدين والملة وسلم تسليما
أما بعد:
فيقول الله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً [النساء:58]، وهذه الآية المباركة عمّت جميعَ الأماناتِ.
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ ذَنْبٍ إِلَّا الْأَمَانَةَ، يُؤْتَى بِصَاحِبِهَا وَإِنْ كَانَ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» فَيُقَالُ لَهُ: أَدِّ أَمَانَتَكَ فَيَقُولُ: «رَبِّ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا فَمِنْ أَيْنَ أُؤَدِّيَهَا» فَيَقُولُ: اذْهَبُوا بِهَا إِلَى الْهَاوِيَةِ، حَتَّى إِذَا أُتِيَ بِهِ إِلَى قَرَارَ الْهَاوِيَةِ مُثِّلَتْ لَهُ أَمَانَتُهُ، كَيَوْمِ دُفِعَتْ إِلَيْهِ فَيَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ يَصْعَدُ بِهَا فِي النَّارِ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا هَوَتْ، وَهُوَى فِي أَثَرِهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: {«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا»} [النساء: 58] السنن الصغير للبيهقي
أيها الناس : اتقوا الله تعالى وأدوا الأمانة التي حملتموها وتحملتم مسؤوليتها ، أدوا الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ، أدوا الأمانة فإنكم عنها مسؤولون وعلى حسب القيام بها والتفريط بها محاسبون ، فإما مغتبطون بأدائها مسرورون وإما نادمون في إضاعتها خاسرون
إن الأمانة تنقسم إلى قسمين: أمانة بين العبد وربه، وأمانة بين العبد ومخلوقٍ مثله.
أدوا الأمانة فيما بينكم وبين الله وأدوها فيما بينكم وبين عباد الله . فأما أداء الأمانة فيما بينكم وبين الله فأن تقوموا بطاعته مخلصين وتتعبدوا بما شرعه متبعين لا مفرطين ولا مفرطين ، وأما أداء الأمانة فيما بينكم وبين العباد فأن تقوموا بما أوجب الله عليكم من حقوق العباد
اولا : تعريف الامانة
انها الأمانة وهي ضدّ الخيانة وهى مصدر قولهم: أمن يأمن أمانة أي صار أمينا، وهو مأخوذ من مادّة (أم ن) الّتي تدلّ على سكون القلب
قال الكفويّ: الأمانة: كلّ ما افترض الله على العباد فهو أمانة كالصّلاة والزّكاة والصّيام وأداء الدّين، وأوكدها الودائع، وأوكد الودائع كتم الأسرار، وقال في موضع آخر: كلّ ما يؤتمن عليه من أموال وحرم وأسرار فهو أمانة «الكليات للكفوي» . فالدين كله أمانة.
فالعبادة أمانة، والصلاة أمانة، والزكاة أمانة، والصيام أمانة، والحج أمانة، وجوارحك أمانة، وعملك أمانة ومنصبك وكرسيك أمانة، ووظيفتك أمانة والمال عندك أمانة، وزوجك وأولادك أمانة، والعلم عند العالم وطالب العلم أمانة، والحكم أمانة، والله قد حذرنا من الخيانة فقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27] فالأمانة خلق ثابت في النّفس يعفّ به الإنسان عمّا ليس له به حقّ، وإن تهيّأت له ظروف العدوان عليه فيؤدّي به ما عليه أو لديه من حقّ لغيره، وإن استطاع أن يهضمه دون أن يكون عرضة للإدانة عند النّاس.
واعلموا ان الأمانة في القرآن الكريم: كما ذكر ابن الجوزيّ - نقلا عن بعض المفسّرين أنّ الأمانة في القرآن الكريم على ثلاثة أو جه:
أحدها: الفرائض ومنه قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ (الأنفال/ 27) .
الثّاني: الوديعة، ومنه قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها (النساء/ 58) .
الثّالث: العفّة (والصّيانة) ، ومنه قوله تعالى: (إ ِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (القصص/ 26
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن أعرابياً دخل على النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وهو يحدث الناس فقال الأعرابي: يا رسول الله! متى الساعة؟ فمضى النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه ولم يرد على الأعرابي! فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم حديثه، سأل عن الأعرابي السائل عن الساعة فقال: أين السائل عن الساعة؟ قال الأعرابي: ها أنا يا رسول الله! فقال المصطفى: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة) فقال الأعرابي الفقيه: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ -أي: كيف تضيع الأمانة؟ سؤال بليغ- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا وسد الأمر إلى غير أهله)
ووالله لقد وسد الأمر إلى غير أهله، وتقدم وتطاول الأقزام والتافهون والرويبضات، ممن قال عنهم الصادق -في حديثه الصحيح الذي رواه أحمد والحاكم من حديث أبي هريرة -: (سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة.
قيل: ومن الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)، والله لقد تكلم التافهون والساقطون، لا في أمر العوام، بل في أمر الإسلام! وفي دين محمد عليه الصلاة والسلام.
وراعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها الذئاب إلا من رحم ربك جل وعلا، فالدين كله أمانة، والله قد حذر من الخيانة، الأمانة تقف على جانب الصراط تطالبك بحقوقها قبل أن تمر، فالله الله في الأمانة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ: " لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ ". مسند احمد وقال اسناد حسن
وقال الجاحظ: سقى الله قبر الأحنف حيث يقول: الزم الصيحة يلزمك العمل. وقال: إذا لم تكن خائنا فبت آمنا.
وقيل: أفحش الزمانة عدم الأمانة إذا ذهب الوفاء نزل البلاء وإذا مات الاعتصام عاش الانتقام. خيانة الناس أقبح الإفلاس
وقال معاوية: إلزام الرفيعين: الأمانة والعدل.
ثانيا : صور الأمانة ومجالاتها :
والمجالات الّتي تدخل فيها الأمانة كثيرة وقد أحصيت منها ثلاثة عشر صورة وهى أمانة الدّين وما افترضه الله على عباده والأعراض وأمانة الأموال وأمانة الأجسام والأرواح وأمانة المعارف والعلوم وأمانة الولاية وأمانة الوصاية وأمانة الشّهادة وأمانة القضاء وأمانة الكتابة وأمانة نقل الحديث والأسرار وأمانة الرّسالات وأمانة السّمع والبصر وسائر الحواسّ، ولكلّ واحدة من التّفصيل ما يناسبها
ونذكر بعضا من هذه الصور كالتالي:
1 - الأمانة فيما افترضه الله على عباده:
فمن الأمانة ما ائتمنه الله على عباده من العبادات التي كلفهم بها فإنها أمانة ائتمن الله عليها العباد
يقول الله تبارك وتعالى: ((إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً لّيُعَذّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً)) الأحزاب:72، 73. فلأمانة هنا أمانة التكليف والدين اذ عرضت علي الكون فرفض خوفا من السؤال
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (الأمانة الفرائضُ، عرضها الله على السمواتِ والأرض والجبال، إن أدَّوْها أثابهم، وإن ضيّعوها عذبهم، فكرِهوا ذلك وأشفقوا منه من غير معصية لله، ولكن تعظيماً لدين الله تعالى)
وقال الحسن البصري رحمه الله: "عرضها على السَّبع الطباق الطرائق التي زُيِّنت بالنجوم وحملةِ العرش العظيم، فقيل لها: هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قال: قيل لها: إن أحسنتِ جُزيتِ، وإن أسأتِ عُوقبتِ، قالت: لا، ثم عرَضها على الأرضين السبع الشداد التي شُدّت بالأوتاد وذُلِّلت بالمِهاد، قال: فقيل لها: هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قال: قيل لها: إن أحسنتِ جُزيتِ، وإن أسأتِ عوقبتِ، قالت: لا، ثمَّ عرضها على الجبال فأبت".
الأمانة ـ يا عباد الله ـ هي التكاليفُ الشرعية، هي حقوقُ الله وحقوق العباد، فمن أدَّاها فله الثواب، ومن ضيَّعها فعليه العقاب، فقد روى أحمد والبيهقي وابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (الصلاةُ أمانة، والوضوءُ أمانة، والوزن أمانةٌ، والكيل أمانة) وأشياء عدّدها، (وأشدُّ ذلك الودائع)( أخرجه البيهقي في شعب الإيمان
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: (والغسل من الجنابة أمانة)( الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/254).
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمَانٍ بِاللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ , وَأَدَّى الزَّكَاةَ عَنْ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ , وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا , وَصَامَ رَمَضَانَ , وَأَدَّى الْأَمَانَةَ ". قالوا: يا أبا الدّرداء: وما أداء الأمانة؟ قال: الغسل من الجنابة» أورده المنذري في "الترغيب والترهيب" (533) وقال: رواه الطبراني بإسناد جيد.
وروي الامام احمد في مسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللهُمَّ أَرْشِدِ الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ "
2 - الأمانة في الأموال:
ومن الأمانة العفة عما ليس للإنسان به حق من المال، وتأدية ما عليه من حق لذويه، وتأدية ما تحت يده منه لأصحاب الحق فيه، وتدخل في البيوع والديون والمواريث والودائع والرهون والعواري والوصايا وأنواع الولايات الكبرى والصغرى وغير ذلك) (ومنها الأمانة المالية وهي الودائع التي تعطى للإنسان ليحفظها لأهلها. وكذلك الأموال الأخرى التي تكون بيد الإنسان لمصلحته أو مصلحته ومصلحة مالكها كذلك المال العام أمانة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» المستدرك على الصحيحين
روي البخارى في صحيحه عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا، فَلَمَّا حَضَرَ جِدَادُ النَّخْلِ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا كَثِيرًا، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الغُرَمَاءُ، قَالَ: «اذْهَبْ فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ عَلَى نَاحِيَتِهِ»، فَفَعَلْتُ ثُمَّ دَعَوْتُهُ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ، فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ أَطَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «ادْعُ أَصْحَابَكَ»، فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي، وَأَنَا وَاللَّهِ رَاضٍ أَنْ يُؤَدِّيَ اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي، وَلاَ أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ، فَسَلِمَ وَاللَّهِ البَيَادِرُ كُلُّهَا حَتَّى أَنِّي أَنْظُرُ إِلَى البَيْدَرِ الَّذِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " أُغْرُوا بِي: يَعْنِي هِيجُوا بِي، {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ} [المائدة: 14] "
وروي البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ، فَقَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، قَالَ: فَأْتِنِي بِالكَفِيلِ، قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا، قَالَ: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ فِي البَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ التَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى البَحْرِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلاَنًا أَلْفَ دِينَارٍ، فَسَأَلَنِي كَفِيلاَ، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا، فَرَمَى بِهَا فِي البَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا المَالُ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ المَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ، فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ، قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا "
3- الأمانة في الأعراض:
فمن الأمانة في الأعراض العفة عما ليس للإنسان به حق منها، وكف النفس واللسان عن نيل شيء منها بسوء، كالقذف والغيبة.
روي الامام أحمد عن عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُخَوَّنَ الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ، حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَالتَّفَحُّشُ، وَقَطِيعَةُ الْأَرْحَامِ، وَسُوءُ الْجِوَارِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ الْقِطْعَةِ مِنَ الذَّهَبِ، نَفَخَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا فَلَمْ تَغَيَّرْ، وَلَمْ تَنْقُصْ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ، أَكَلَتْ طَيِّبًا، وَوَضَعَتْ طَيِّبًا، وَوَقَعَتْ فَلَمْ تُكْسَرْ وَلَمْ تَفْسُدْ "
قَالَ: وَقَالَ: " أَلَا وإِنَّ لِي حَوْضًا مَا بَيْنَ نَاحِيَتَيْهِ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى مَكَّةَ - أَوْ قَالَ: صَنْعَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ - وَإِنَّ فِيهِ مِنَ الْأَبَارِيقِ مِثْلَ الْكَوَاكِبِ، هُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَدًا "
4- الأمانة في الشهادة:
وتكون الأمانة في الشهادة بتحملها بحسب ما هي عليه في الواقع، وبأدائها دون تحريف أو تغيير أو زيادة أو نقصان.
5- الأمانة في الكتابة: وتكون الأمانة في الكتابة بأن تكون على وفق ما يمليه ممليها، وعلى وفق الأصل الذي تنسخ عنه، فلا يكون فيها تغيير ولا تبديل ولا زيادة ولا نقص وإذا كانت من إنشاء كاتبها فالأمانة فيها أن تكون مضامينها خالية من الكذب والتلاعب بالحقائق إلى غير ذلك.
6- الأمانة في الأسرار التي يستأمن الإنسان على حفظها وعدم إفشائها: وتكون الأمانة فيها بكتمانها عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا حدّث الرّجل الحديث ثمّ التفت فهي أمانة»
إِذَا الْمَرْءُ أَفْشَى سِرَّهُ بِلِسَانِهِ ... وَلامَ عَلَيْهِ غَيْرَه فَهُوَ أَحْمَقُ
إِذَا ضَاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ عَنْ سِرِّ نَفْسِهِ ... فَصَدْرُ الَّذِي يُسْتَوْدَعُ السِّرِّ أَضْيَقُ
ان من معاني الأمانة حفظ الأسرار التي لا يرضى أهلها أن تذاع فكم من أضرار على الأبدان والأموال والأعراض حصلت بإفشاء الأسرار إلا إذا كَانَت الأسرار فيها على المسلمين فليس لها حرمة ولا يجوز كتمها وعَلَى كل مسلم شهد مجلسًا يمكر فيه المجرمون بغيرهم ليلحقوا به الأذى أن يسارع إِلَى الحيلولة دون الفساد جهد طاقته فإن ذلك خطر عظيم وفساد كبير
روى الامام مسلم عن ابي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا». وفي رواية: «من أشرّ النّاس»
7- الأمانة في السمع والبصر وسائر الحواس:
وتكون الأمانة فيها بكفها عن العدوان على أصحاب الحقوق، وبحفظها عن معصية الله فيها، وبتوجيهها للقيام بما يجب فيها من أعمال، فاستراق السمع خيانة، واستراق النظر إلى ما لا يحل النظر إليه خيانة، واستراق اللمس المحرم خيانة
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8]، قَالَ: " النَّعِيمُ: صِحَّةُ الْأَبْدَانِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ "، قَالَ: " ليَسْأَلُ اللهُ الْعِبَادَ فِيمَا اسْتَعْمَلُوهَا، وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُهُ: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} " شعب الإيمان
8 - الأمانة في النصح والمشورة:
ومن صور الأمانة أن تنصح من استشارك، وأن تصدق من وثق برأيك، فإذا عرض عليك أحد من الناس موضوعاً معيناً، وطلب منك الرأي والمشورة والنصيحة، فاعلم أن إبداء رأيك له أمانة، فإذا أشرت عليه بغير الرأي الصحيح، فذلك خيانة.
روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ».
ثالثا : أثر الأمانة على الفرد والمجتمع
بالالتزام بالأمانة يَكسب العبد رضا ربه عنه، ويكسب محبة الآخرين له وثقتهم به مما يزيد من ترابط وتكاتف أفراد المجتمع ويقوّي صلاتهم ببعض، وبالأمانة يشعر الأفراد بالأمان على أموالهم وأنفسهم وأعراضهم مما يُقلل من نسبة حدوث الكثير من الجرائم والانحرافات كجرائم السّرقة وجرائم النصب والاحتيال، وتحد الأمانة من الكثير من المشاكل الاجتماعيّة والعائليّة كالغيبة والنميمة والتحدث عن أعراض الغير، والأمانة هي أفضل وسيلة لعلاج الفساد المالي والإداري في المجتمعات، ومن خلال الأمانة تسود الثّقة والمحبة والسلام والأُخوّة بين أفراد المجتمعات مما يؤدي إلى وجود مجتمعات متحابة مترابطة قويّة قادرة على مواجهة كل الظروف وتخطّي كافة الأزمات فتعلو بذلك شأن الأمّة وتتوحّد كلمتها
ولهذا تكلم عن الامانة جمع من الافاضل من السلف الصالح تعالوا نرى ماذا قالوا
قال أبو بكر الصِّديق رضي الله عنه: (أصدق الصِّدق الأمَانَة وأكذب الكذب الخيانة)
- وعن ابن أبي نجيح قال: (لما أُتِي عمر بتاج كسرى وسواريه جعل يقلبه بعود في يده ويقول: والله إنَّ الذي أدَّى إلينا هذا لأمين. فقال رجل: يا أمير المؤمنين أنت أمين الله يؤدُّون إليك ما أدَّيت إلى الله فإذا رتعت رتعوا. قال: صدقت)
- وعن هشام أنَّ عمر قال: (لا تغرُّني صلاة امرئ ولا صومه، مَن شاء صام، ومَن شاء صلى، لا دين لمن لا أمانة له)
- وقال عبد الله بن مسعود: (القتل في سبيل الله كفَّارة كلِّ ذنب إلَّا الأمَانَة، وإنَّ الأمَانَة الصَّلاة والزَّكاة والغسل مِن الجنابة والكيل والميزان والحديث، وأعظم مِن ذلك الودائع)
- وعن أبي هريرة قال: (أوَّل ما يرفع مِن هذه الأمَّة الحياء والأمَانَة، فسلوها الله)
- وقال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: (لم يرخِّص الله لمعسر ولا لموسر أن يمسك الأمَانَة)
- وقال نافع مولى ابن عمر: (طاف ابن عمر سبعًا وصلَّى ركعتين، فقال له رجل مِن قريش: ما أسرع ما طفت وصلَّيت يا أبا عبد الرَّحمن. فقال ابن عمر: أنتم أكثر منَّا طوافًا وصيامًا، ونحن خير منكم بصدق الحديث، وأداء الأمَانَة وإنجاز الوعد)
- وعن سفيان بن عيينة قال: (مَن لم يكن له رأس مال فليتخذ الأمَانَة رأس ماله)
- وقال ميمون بن مهران: (ثلاثة يؤدَّين إلى البرِّ والفاجر: الأمَانَة، والعهد، وصلة الرَّحم)
- وقال الشَّافعي: (آلات الرِّياسة خمس: صِدق اللَّهجة، وكتمان السِّرِّ، والوفاء بالعهد، وابتداء النَّصيحة، وأداء الأمَانَة)
- وقال ابن أبي الدُّنْيا: (الدَّاعي إلى الخيانة شيئان: المهانة وقلَّة الأمَانَة، فإذا حسمهما عن نفسه بما وصفت ظهرت مروءته)
- وعن خالد الربعي قال كان يقال: (إنَّ مِن أجدر الأعمال أن لا تُؤخَّر عقوبته أو يُعجَّل عقوبته: الأمَانَة تُخَان، والرَّحم تُقْطَع، والإحْسَان يُكْفَر
قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: «لم يرخّص الله لمعسر ولا لموسر أن يمسك الأمانة» )
ان سيدنا اسماعيل وصف بأنه كان صادق الوعد قيل لأن رجلا قال له اجلس في هذا المكان حتى آتيك فجلس فيه سنة ثم جاءه وقال مكانك حتى آتيك فغاب عنه سنة ومثل هذا رأيته عنه الشيخ عبد القادر الجيلاني والقائل له الخضر رضى الله عنه فإن قيل كل نبي فهو صادق الوعد فلم خص اسماعيل بذلك فالجواب تكرر منه مواعيد كثيرة فوفى بها لأنه من بيت الوفاء قال الله تعالى وإبراهيم الذي وفى.. حكاية: قال في روض الأفكار خرج رجل من أهل اليمن لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم فقال له جماعة سلم على أبي بكر فلما دخل المدينة نسى فرجع من الطريق حتى يبلغ الرسالة فلما فعل ذلك وأراد الذهاب إلى مكة وجد القافلة قد رحلت فرجع إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ونام فرأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر فقال أبو بكر هذا الرجل يا نبي الله قال نعم فالتفت إلي وقال يا أبا الوفاء قلت يا رسول الله كنيتي أبو العباس فقال أنت أبو الوفاء وأخذ بيدي فرفعت فانتبهت فرأيتي في المسجد الحرام فأقمت بمكة ثمانية أيام حتى جاء الحجاج . نزهة المجالس ومنتخب النفائس
لقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يستعيذ من ضياع الامانة ، روى أبو داود والنسائي بإسناد حسن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ، فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخِيَانَةِ، فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ»
وكلَّما انتُقصت الأمانة نقصت شعبُ الإيمان لما روى مسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله أن الأمانةَ نزلت في جذر قلوبِ الرجال ـ أي: في وسطها ـ، ثم نزلَ القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنَّة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: ((ينام الرجل النومةَ، فتُقبَض الأمانة من قلبه، فيظلّ أثرها مثل الوَكت، ثم ينام الرجل، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك، فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء))، ثم أخذَ حصاةً فدحرجها على رجله، ((فيصبح الناس يتبايَعون، لا يكاد أحدٌ يؤدِّي الأمانة، حتى يقال: إنَّ في بني فلان رجلا أمينا، وحتى يقال للرَّجل: ما أظرفَه ما أعقله، وما في قلبه مثقالُ حبة من خردل من إيمان))
من فوائد (الأمانة)
(1) الأمانة من كمال الإيمان وحسن الإسلام.
(2) يقوم عليها أمر السّموات والأرض.
(3) هي محور الدّين وامتحان ربّ العالمين.
(4) بالأمانة يحفظ الدّين والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والمعارف والعلوم والولاية والوصاية والشّهادة والقضاء والكتابة ...
(5) الأمين يحبّه الله ويحبّه النّاس.
(6) من أعظم الصّفات الخلقيّة الّتي وصف الله بها عباده المؤمنين بقوله وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ* (المؤمنون/ 8، والمعارج/ 32) .
(7) مجتمع تفشو فيه الأمانة مجتمع خير وبركة.
عباد الله، ألا وصلوا وسلموا على نبيكم كما أمركم الله تعالى فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، وقد قال : ((من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا)).
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد صاحب اللواء المعقود والحوض المورود والمقام المحمود، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم بمنك وفضلك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
جمع وترتيب \ ثروت سويف \ امام وخطيب ومدرس