حكاية ناي ♔
09-22-2023, 10:52 AM
معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، أبو عبدالرحمن، الصحابي المشهور، من أعيان الصحابة رضي الله عنهم، شهِد بَدْرًا، وما بعدها، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيًا، ومعلمًا، وجعل إليه قَبْضَ الصدقات، وكان إليه المنتهى في العلم بالأحكام، والقرآن، استعمله عمر بن الخطاب على الشام بعد أبي عبيدة بن الجراح، فمات من عامه ذاك في طاعون سنة ثماني عشرة.
وقد أوصاه النبي صلى الله عليه وسلم بجملة من الوصايا، أشير إلى ما صحَّ منها - مع بعض الفوائد - في النقاط الآتية:
الوصية الأولى:
روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: ((يا معاذ بن جبل، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، صدقًا من قلبه، إلا حرَّمه الله على النار، قال: يا رسول الله، أفلا أخبر به الناس فيستبشروا، قال: إذًا يتَّكِلوا، وأخبر بها معاذٌ عند موته تأثُّمًا)).
ومعنى (يتَّكِلوا): أي: يعتمدوا على ذلك، فيتركوا العمل، ولا يجتهدوا في الخير والطاعة.
ومعنى (تأثُّمًا): أي: أخبر بها عند موته؛ خشية الوقوع في إثم كتمان العلم، وإخباره يدل على أن النهي عن التبشير كان على الكراهة لا التحريم.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب العلم من صحيحه، باب من خص بالعلم قومًا دون قوم، كراهية ألَّا يفهموا.
قال النووي: "وفيه جواز إمساك بعض العلوم التي لا حاجة إليها للمصلحة، أو خوف المفسدة، وفيه إشارة بعض الأتباع على المتبوع بما يراه مصلحة، وموافقة المتبوع له إذا رآه مصلحة، ورجوعه عما أمر به بسببه"؛ [شرح النووي على مسلم].
الوصية الثانية:
روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا إلى اليمن، قال: ((إنك تَقْدَم على قوم أهلِ كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل، فإذا عرفوا الله فأخبِرْهم: أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم: أن الله فرض عليهم زكاة، تُؤخَذ من أغنيائهم وتُرَدُّ على فقرائهم، فإذا أطاعوا، فخُذْ منهم، وإياك وكرائمَ أموالهم، واتَّقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).
قال النووي: "الكرائم جمع كريمة؛ وهي البهيمة التي تجمع الكمال الممكن في حقها، من غزارة لبن، وجمال صورة، أو كثرة لحم أو صوف، يُستفاد من الحديث: أن السُّنَّة أن الكفار يُدعَون إلى التوحيد قبل القتال ... وفيه بيان عظم تحريم الظلم، وأن الإمام ينبغي أن يعِظَ وُلَاته، ويأمرهم بتقوى الله تعالى، ويبالغ في نهيهم عن الظلم، ويعرفهم قبح عاقبته، وفيه أنه يحرم على الساعي أخذ كرائم المال في أداء الزكاة، بل يأخذ الوسط، ويحرم على رب المال إخراج الرديء من المال"؛ [شرح النووي على مسلم].
قال الشيخ ابن عثيمين: "هذا الحديث العظيم فيه فوائد كثيرة؛ منها:
- يجب على ولي أمر المسلمين أن يبعث من يدعو الناس إلى دين الله عز وجل في كل مكان يحتاج إلى الدعوة.
ومنها: أنه ينبغي أن يذكر للمبعوث حال المبعوث إليه؛ حتى يتأهب لهم، ويُنزِلَهم منازلهم؛ لئلا يأتيهم على غِرَّةٍ، فيُوردون عليه من الشبهات ما يعجز عن الإجابة عنه، ويكون في هذا مضرة عظيمة على الدعوة، وهذا مأخوذ من قوله في الحديث: ((إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب))"؛ [شرح رياض الصالحين].
الوصيةالثالثة:
روى البخاري ومسلم ((أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوَّز رجل فصلى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذًا، فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإن معاذًا صلى بنا البارحة، فقرأ البقرة، فتجوَّزتُ، فزعم أني منافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معاذُ أفتَّانٌ أنت؟ ثلاثًا، اقرأ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1]، و{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، ونحوها)).
قوله: (إنا أصحاب نواضح): هي الإبل التي يُستقَى عليها، جمع ناضح، والمعنى: إنا أصحاب عمل وتعب، فلا نحتمل تطويل الصلاة.
قوله صلى الله عليهوسلم: ((أفتَّانٌ أنت يا معاذ))، معنى الفتنة ها هنا أن التطويل يكون سببًا لخروجهم من الصلاة، وتنفيرهم عن الدين وصدِّهم عنه.
يُستفاد من الحديث: الإنكار على من ارتكب ما يُنهى عنه وإن كان مكروهًا غير محرَّم، بشرط أن يكون الإنكار بلطف كما هو الحال في الحديث، فقد وقع بصورة الاستفهام، وفيه جواز الاكتفاء في التعزير بالكلام، وفيه الأمر بتخفيف الصلاة والتعزير على إطالتها إذا لم يرضَ المأمومون، وفيه إرشاد إلى أن من وَلِيَ أمرًا من أمور المسلمين، فإنه يلاحظ من تحت يده لا حال نفسه.
الوصية الرابعة:
روى البخاري في صحيحه عن أبي بردة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى، ومعاذ بن جبل إلى اليمن، ثم قال: ((يسِّرا ولا تُعَسِّرا، وبشِّرا ولا تُنفِّرا)).
قال النووي: "في هذا الحديث الأمر بالتبشير بفضل الله، وعظيم ثوابه، وجزيل عطائه، وسعة رحمته، والنهي عن التنفير بذكر التخويف وأنواع الوعيد محضة من غير ضمِّها إلى التبشير.
وفيه تأليف من قرب إسلامه، وترك التشديد عليهم، وكذلك من قارب البلوغ من الصبيان، ومن بلغ، ومن تاب من المعاصي، كلهم يتلطف بهم، ويدرجون في أنواع الطاعة قليلًا قليلًا.
وفيه أمر الولاة بالرفق، واتفاق المتشاركين في ولاية ونحوها، وهذا من الأمور المهمة، فإن غالب المصالح لا يتم إلا بالاتفاق، ومتى حصل الاختلاف فات، وفيه وصية الإمام الولاة وإن كانوا أهل فضل وصلاح كمعاذ وأبي موسى، فإن الذكرى تنفع المؤمنين"؛ [شرح النووي على مسلم].
الوصيةالخامسة:
روى أبو داود، والنسائي عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخذ بيده وقال: ((يا معاذ والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ: لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كل صلاة تقول: اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)).
تضمن هذا الدعاء أهميةَ سؤال الله تعالى العونَ على الطاعة، ومن أخصها نعمة الشكر التي تستوجب حفظ النعم الدينية والدنيوية، وإنما قدَّم الذكر على الشكر؛ لأن العبد إذا لم يكن ذاكرًا لم يكن شاكرًا، وحسن العبادة معناه القيام بها على الوجه الأكمل والأتم.
الوصيةالسادسة:
روى الإمام أحمد في حديث طويل عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: ((... قال: قلت: يا نبي الله، وإنا لَمُؤاخَذون بما نتكلم به؟ قال: ثكِلتْكَ أمُّك يا معاذ، وهل يكُبُّ الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟)).
ومعنى (ثكلتك)؛ أي: فقدتك، وهو دعاء عليه بالموت ظاهرًا، والمقصود التعجب من الغفلة عن مثل هذا الأمر.
قال الحافظ ابن رجب: "هذا يدل على أن كف اللسان وضبطه وحبسه هو أصل الخير كله، وأن من ملك لسانه، فقد ملك أمره وأحكمه وضبطه، والمراد بحصائد الألسنة: جزاء الكلام المحرَّم وعقوباته، وظاهر حديث معاذ يدل على أن أكثر ما يدخل به الناسُ النارَ النطق بألسنتهم"؛ [جامع العلوم والحكم].
الوصية السابعة:
روى الإمام أحمد في مسنده عن معاذ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((يا معاذ، أتْبِعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسَنٍ)).
قال الحافظ ابن رجب: "فهذه وصية عظيمة جامعة لحقوق الله وحقوق عباده"؛ [جامع العلوم والحكم].
الوصية الثامنة:
عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ: ((يا معاذ، قلب شاكر، ولسان ذاكر، وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك خيرُ ما اكتنز الناس))؛ [أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، وصححه الألباني].
والمعنى أن هذه الثلاثة خير ما اتخذه الناس كنزًا وذُخرًا؛ لأنها جامعة لجميع المطالب الدنيوية والأخروية، وتعين عليها.
أسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجعل ما أنعم به علينا من الخيرات معونة على ما أمر به من الطاعات، اللهم آمين.
وقد أوصاه النبي صلى الله عليه وسلم بجملة من الوصايا، أشير إلى ما صحَّ منها - مع بعض الفوائد - في النقاط الآتية:
الوصية الأولى:
روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: ((يا معاذ بن جبل، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، صدقًا من قلبه، إلا حرَّمه الله على النار، قال: يا رسول الله، أفلا أخبر به الناس فيستبشروا، قال: إذًا يتَّكِلوا، وأخبر بها معاذٌ عند موته تأثُّمًا)).
ومعنى (يتَّكِلوا): أي: يعتمدوا على ذلك، فيتركوا العمل، ولا يجتهدوا في الخير والطاعة.
ومعنى (تأثُّمًا): أي: أخبر بها عند موته؛ خشية الوقوع في إثم كتمان العلم، وإخباره يدل على أن النهي عن التبشير كان على الكراهة لا التحريم.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب العلم من صحيحه، باب من خص بالعلم قومًا دون قوم، كراهية ألَّا يفهموا.
قال النووي: "وفيه جواز إمساك بعض العلوم التي لا حاجة إليها للمصلحة، أو خوف المفسدة، وفيه إشارة بعض الأتباع على المتبوع بما يراه مصلحة، وموافقة المتبوع له إذا رآه مصلحة، ورجوعه عما أمر به بسببه"؛ [شرح النووي على مسلم].
الوصية الثانية:
روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا إلى اليمن، قال: ((إنك تَقْدَم على قوم أهلِ كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل، فإذا عرفوا الله فأخبِرْهم: أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم: أن الله فرض عليهم زكاة، تُؤخَذ من أغنيائهم وتُرَدُّ على فقرائهم، فإذا أطاعوا، فخُذْ منهم، وإياك وكرائمَ أموالهم، واتَّقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).
قال النووي: "الكرائم جمع كريمة؛ وهي البهيمة التي تجمع الكمال الممكن في حقها، من غزارة لبن، وجمال صورة، أو كثرة لحم أو صوف، يُستفاد من الحديث: أن السُّنَّة أن الكفار يُدعَون إلى التوحيد قبل القتال ... وفيه بيان عظم تحريم الظلم، وأن الإمام ينبغي أن يعِظَ وُلَاته، ويأمرهم بتقوى الله تعالى، ويبالغ في نهيهم عن الظلم، ويعرفهم قبح عاقبته، وفيه أنه يحرم على الساعي أخذ كرائم المال في أداء الزكاة، بل يأخذ الوسط، ويحرم على رب المال إخراج الرديء من المال"؛ [شرح النووي على مسلم].
قال الشيخ ابن عثيمين: "هذا الحديث العظيم فيه فوائد كثيرة؛ منها:
- يجب على ولي أمر المسلمين أن يبعث من يدعو الناس إلى دين الله عز وجل في كل مكان يحتاج إلى الدعوة.
ومنها: أنه ينبغي أن يذكر للمبعوث حال المبعوث إليه؛ حتى يتأهب لهم، ويُنزِلَهم منازلهم؛ لئلا يأتيهم على غِرَّةٍ، فيُوردون عليه من الشبهات ما يعجز عن الإجابة عنه، ويكون في هذا مضرة عظيمة على الدعوة، وهذا مأخوذ من قوله في الحديث: ((إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب))"؛ [شرح رياض الصالحين].
الوصيةالثالثة:
روى البخاري ومسلم ((أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوَّز رجل فصلى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذًا، فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإن معاذًا صلى بنا البارحة، فقرأ البقرة، فتجوَّزتُ، فزعم أني منافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معاذُ أفتَّانٌ أنت؟ ثلاثًا، اقرأ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1]، و{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، ونحوها)).
قوله: (إنا أصحاب نواضح): هي الإبل التي يُستقَى عليها، جمع ناضح، والمعنى: إنا أصحاب عمل وتعب، فلا نحتمل تطويل الصلاة.
قوله صلى الله عليهوسلم: ((أفتَّانٌ أنت يا معاذ))، معنى الفتنة ها هنا أن التطويل يكون سببًا لخروجهم من الصلاة، وتنفيرهم عن الدين وصدِّهم عنه.
يُستفاد من الحديث: الإنكار على من ارتكب ما يُنهى عنه وإن كان مكروهًا غير محرَّم، بشرط أن يكون الإنكار بلطف كما هو الحال في الحديث، فقد وقع بصورة الاستفهام، وفيه جواز الاكتفاء في التعزير بالكلام، وفيه الأمر بتخفيف الصلاة والتعزير على إطالتها إذا لم يرضَ المأمومون، وفيه إرشاد إلى أن من وَلِيَ أمرًا من أمور المسلمين، فإنه يلاحظ من تحت يده لا حال نفسه.
الوصية الرابعة:
روى البخاري في صحيحه عن أبي بردة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى، ومعاذ بن جبل إلى اليمن، ثم قال: ((يسِّرا ولا تُعَسِّرا، وبشِّرا ولا تُنفِّرا)).
قال النووي: "في هذا الحديث الأمر بالتبشير بفضل الله، وعظيم ثوابه، وجزيل عطائه، وسعة رحمته، والنهي عن التنفير بذكر التخويف وأنواع الوعيد محضة من غير ضمِّها إلى التبشير.
وفيه تأليف من قرب إسلامه، وترك التشديد عليهم، وكذلك من قارب البلوغ من الصبيان، ومن بلغ، ومن تاب من المعاصي، كلهم يتلطف بهم، ويدرجون في أنواع الطاعة قليلًا قليلًا.
وفيه أمر الولاة بالرفق، واتفاق المتشاركين في ولاية ونحوها، وهذا من الأمور المهمة، فإن غالب المصالح لا يتم إلا بالاتفاق، ومتى حصل الاختلاف فات، وفيه وصية الإمام الولاة وإن كانوا أهل فضل وصلاح كمعاذ وأبي موسى، فإن الذكرى تنفع المؤمنين"؛ [شرح النووي على مسلم].
الوصيةالخامسة:
روى أبو داود، والنسائي عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخذ بيده وقال: ((يا معاذ والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ: لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كل صلاة تقول: اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)).
تضمن هذا الدعاء أهميةَ سؤال الله تعالى العونَ على الطاعة، ومن أخصها نعمة الشكر التي تستوجب حفظ النعم الدينية والدنيوية، وإنما قدَّم الذكر على الشكر؛ لأن العبد إذا لم يكن ذاكرًا لم يكن شاكرًا، وحسن العبادة معناه القيام بها على الوجه الأكمل والأتم.
الوصيةالسادسة:
روى الإمام أحمد في حديث طويل عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: ((... قال: قلت: يا نبي الله، وإنا لَمُؤاخَذون بما نتكلم به؟ قال: ثكِلتْكَ أمُّك يا معاذ، وهل يكُبُّ الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟)).
ومعنى (ثكلتك)؛ أي: فقدتك، وهو دعاء عليه بالموت ظاهرًا، والمقصود التعجب من الغفلة عن مثل هذا الأمر.
قال الحافظ ابن رجب: "هذا يدل على أن كف اللسان وضبطه وحبسه هو أصل الخير كله، وأن من ملك لسانه، فقد ملك أمره وأحكمه وضبطه، والمراد بحصائد الألسنة: جزاء الكلام المحرَّم وعقوباته، وظاهر حديث معاذ يدل على أن أكثر ما يدخل به الناسُ النارَ النطق بألسنتهم"؛ [جامع العلوم والحكم].
الوصية السابعة:
روى الإمام أحمد في مسنده عن معاذ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((يا معاذ، أتْبِعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسَنٍ)).
قال الحافظ ابن رجب: "فهذه وصية عظيمة جامعة لحقوق الله وحقوق عباده"؛ [جامع العلوم والحكم].
الوصية الثامنة:
عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ: ((يا معاذ، قلب شاكر، ولسان ذاكر، وزوجة صالحة تعينك على أمر دنياك ودينك خيرُ ما اكتنز الناس))؛ [أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، وصححه الألباني].
والمعنى أن هذه الثلاثة خير ما اتخذه الناس كنزًا وذُخرًا؛ لأنها جامعة لجميع المطالب الدنيوية والأخروية، وتعين عليها.
أسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجعل ما أنعم به علينا من الخيرات معونة على ما أمر به من الطاعات، اللهم آمين.