عازف الناي
10-04-2022, 02:46 PM
بسم الله
ما أجمل أن يعيش المرء في معية الله سبحانه وتعالى.. يستحضر عونه ويتقوى بمدده ويلجأ إليه ويعتمد عليه ويتوكل عليه فيهدأ فؤاده وتهدأ روحه من الدوران في فلك المادة الذي لا ينتهي.
معنى معية الله:
معية الله هي عناية علوية ينعم الله تعالى بها على عباده إن هم حصلوا مراده ووقفوا عن حدوده وأتمروا بأمره وانتهوا عن نهيه..
ويمكن إدراك معنى المعية بتقريب صورتها فأنت إن كان لك سند في هذه الدنيا من والد أو عائلة أو كبير فتشعر ساعتها بالحماية وتنعم بالرعاية ولله المثل الأعلى فعنايته فوق كل عناية ورعايته لا حدود لها.
أنواع معية لله لعباده؟
من جانبه، يبين د. عادل هندي الأستاذ بجامعة الأزهر أن للمولى القادر مع خلقه معيّتان: معية عامّة لعموم الخلق مؤمنهم وكافرهم، صالحهم وعاصيهم، تلك المعية هي معية العلم والمراقبة والإحاطة بالخلق؛ قال تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] أي: معكم برقابته لكم وإحاطته وعلمه بشئونكم وأحوالكم.
والمعية الثانية هي معية خاصة وهي الحماية والصيانة والحراسة والنصـرة والتأييد والمساندة، وتلك للأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين ولعموم المؤمنين؛ قال تعالى: {إِنَّ الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128]
ويضيف أنه ليست معية المساندة لكل أحد؛ وقد أثبت الله معيته لأهل الإيمان والدعوة فقال لموسى وهارون عليهما السلام؛ -حين أرسلهما لفرعون، وبعد أن أعلنا خوفهما من جبروته وعدوانه؛ فقالا: {رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى}- فكان الرد منه سبحانه وتعالى : {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} إنها المعية التي يرجوها كل عاقل.
ويوضح د. هندي أننا بغير الله لا نساوي شيئًا؛ فلا ذلة وهو معك، لا خوف وهو معك، لا حُزن وهو معك، لا ضعف وهو معك؛ فموسى عليه السلام رغم ضعفه أمام بطش فرعون لم يغرق في البحر، وفرعون رغم قوته لم تنقذه قوته من الغرق.. والسرّ في ذلك: هي المعيّة!!
كيف نجلب معية الله لنا؟
ويستطرد: ولمعية أسباب استجلاب يمكن تحصيلها حتى ننعم بهذه الرعاية والحماية ومن هذه الأسباب ما يلي:
1.التحقّق بخُلُق المراقبة: فمراقبة العبد لربه دليل أنه يخاف الله ويحذر غضبه إذا رآه على معصية، وهذا نبي الله يوسف عليه السلام تعرض له الفتنة تحت قدميه وأمام عينيه؛ فتهتف صارخة في أذنه امرأة عزيز مصر -وهو الشاب الغريب في بلد غربة- تناديه تهيأت لك أيها الجميل فافعل بي ما تشاء.. غير أنّ الكريم ابن الكريم استعاذ بالله من الفتنة واستحضـر عظمته في قوله: (معاذ الله) وعفَّت نفسه، فعافاه الله وكان معه في شدّته وابتلائه ونجّاه من فتنة امرأة العزيز وفتنة النسوة في المدينة، حتى دخل السجن ثم خرج ليحكم مصـر، وصدق الله إذ يقول: {كَذَلِكَ لِنَصْـرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24].. كل ذلك من آثار تقواه ومراقبته لله تعالى، فكان الله معه وأظهر براءته وأيّده في وقت الضيق، وصدق لحكيم حين قال عن معيته لمن راقبه واتقاه: {وَاتَّقُوا الله وَاعْلَمُوا أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 194].
2.ذكر الله على كل حال: فذكر الله تعالى سبيل استجلاب معية الله تعالى؛ والذكر لا يقف عند حدّ حركة اللسان؛ بل هو تفاعل الجوارح والقلب والسلوك مع الله تعالى؛ وقد ورد في الحديث القدسي: كما عند البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ الله تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ.." فانظر -رحمني اللهُ وإيّاك- إلى قوله (وأنا معه إذا ذكرني) فأنت في معية الله إذا ذكرته.. وتأمّل حال الرسول منذ لحظة استيقاظه في يومه إلى لحظة منامه: كيف يلهج لسانه بذكر خالقه في كل لحظة وعلى أي حال؛ في السراء والضـرّاء، في الضيق والرخاء، عند النوم وعند اليقظة، في الخلوة والجلوة. {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من ساعة تمر على ابن آدم لا يذكر الله فيها إلا ندم عليها يوم القيامة)...
يُذْكَر أنّ أحد العلماء كان يجلس وحده ويُكثر من الخلوة، فقيل له: ألا تستوحش وحدك؟ قال: كيف ذلك وهو يقول: أنا جليس من ذكرني؟
ويقول الحسن البصـري -رحمه الله-: تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: (في الصلاة. وفي الذكر. وقراءة القرآن، فإن وجدتم..... وإلا فاعلموا أن الباب مغلق!!)). فأكثروا من ذكر الله ولا تتردد أن تجعل لسانك لاهجا بذكر مولاك..
3.صناعة المعروف والإحسان إلى الناس: فإسداء الخير للغير وسيلة محقّقة لجلب معيّة الربّ العليّ سبحانه؛ ولذلك استدّلت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها على أنّ الله لن يخذل حبيبه محمدًا في أول الدعوة -كما ورد في صحيح البخاري- حين قالت له: (كلا.. لا يخزيك الله أبدًا) ثم أرادت أن تدلل على ما أثبتته لله تعالى من معية لنبيه وحبيبه المصطفى، فذكَرَت قائلة: (إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ)..
4.الثقة واليقين في القدرة الإلهية: تستوجب المعية الربانية؛ فالمؤمن صاحب يقين والله مع صاحب اليقين والإيمان: {وَأَنَّ الله مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}.. وتأمّلوا ما ذا حدث مع هاجر الأم الصابرة المتوكلة على ربها؛ حين تركها الخليل عند البيت الحرام، ولما أيقنت بقدرة المولى كان الله معها ومع وليدها؛ حيث رزقها الله أمّة تهوي إلى الحرم وتأنس هي ورضيعها بهم.. وهذا مثال آخر: فلقد أوحى الله إلى أمّ موسى أن ترضع وليدها موسى ثم ترضعه في اليمّ؛ فلما وثقت وأيقنت بقدرة من يقول للشيء كُن فيكون أرضعت وليدها وهي خائفة من بطش فرعون، لكنها كانت واثقة من قدرة ربّها فإذ بجنود فرعون يلتقطون وليدها من المياه، ثم يبحثون له عن مرضع كما في القصة؛ فإذ بها ترضع موسى بأمرٍ من فرعون وتأخذ مُقابِلا على ذلك.. فيا للعجب!! ترضعه قبل ذلك خائفة، ثم ترضعه آمنة بأمْرٍ مِن فرعون الطاغية نفسه.
5.الصبر الإيجابي: وأعني به أن تتحمّل عبء الطاعة -إن كان للطاعة عبئًا- وأن تتجلّد عند الأقدار المؤلمة، وأن تتصبّر عن المعاصي فلا تقارفها، قال تعالى مثبتًا لمعيته لعباده الصابرين: {وَاصْبِرُوا إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]. وهو أن تصبر ولكن تتحرّك وتعمل وتجدّ وتجتهد في الأخذ بالأسباب، تجتهد في تحصيل أسباب اللذة أثناء الطاعة فلا تتعب عندها ولا تجدها شاقة عليك كالصحبة الصالحة ودروس العلم والأذكار، ومن صور هذا ما وقع مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك والافتراء؛ فحين تحدّث القوم في أمرها قالت -مفوّضة أمرها لله، صابرة على ما قيل: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] فكانت النتيجة نزول آيات البراءة والنقاء والطهارة من فوق سبع سموات، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11] .
ما أجمل أن يعيش المرء في معية الله سبحانه وتعالى.. يستحضر عونه ويتقوى بمدده ويلجأ إليه ويعتمد عليه ويتوكل عليه فيهدأ فؤاده وتهدأ روحه من الدوران في فلك المادة الذي لا ينتهي.
معنى معية الله:
معية الله هي عناية علوية ينعم الله تعالى بها على عباده إن هم حصلوا مراده ووقفوا عن حدوده وأتمروا بأمره وانتهوا عن نهيه..
ويمكن إدراك معنى المعية بتقريب صورتها فأنت إن كان لك سند في هذه الدنيا من والد أو عائلة أو كبير فتشعر ساعتها بالحماية وتنعم بالرعاية ولله المثل الأعلى فعنايته فوق كل عناية ورعايته لا حدود لها.
أنواع معية لله لعباده؟
من جانبه، يبين د. عادل هندي الأستاذ بجامعة الأزهر أن للمولى القادر مع خلقه معيّتان: معية عامّة لعموم الخلق مؤمنهم وكافرهم، صالحهم وعاصيهم، تلك المعية هي معية العلم والمراقبة والإحاطة بالخلق؛ قال تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] أي: معكم برقابته لكم وإحاطته وعلمه بشئونكم وأحوالكم.
والمعية الثانية هي معية خاصة وهي الحماية والصيانة والحراسة والنصـرة والتأييد والمساندة، وتلك للأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين ولعموم المؤمنين؛ قال تعالى: {إِنَّ الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128]
ويضيف أنه ليست معية المساندة لكل أحد؛ وقد أثبت الله معيته لأهل الإيمان والدعوة فقال لموسى وهارون عليهما السلام؛ -حين أرسلهما لفرعون، وبعد أن أعلنا خوفهما من جبروته وعدوانه؛ فقالا: {رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى}- فكان الرد منه سبحانه وتعالى : {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} إنها المعية التي يرجوها كل عاقل.
ويوضح د. هندي أننا بغير الله لا نساوي شيئًا؛ فلا ذلة وهو معك، لا خوف وهو معك، لا حُزن وهو معك، لا ضعف وهو معك؛ فموسى عليه السلام رغم ضعفه أمام بطش فرعون لم يغرق في البحر، وفرعون رغم قوته لم تنقذه قوته من الغرق.. والسرّ في ذلك: هي المعيّة!!
كيف نجلب معية الله لنا؟
ويستطرد: ولمعية أسباب استجلاب يمكن تحصيلها حتى ننعم بهذه الرعاية والحماية ومن هذه الأسباب ما يلي:
1.التحقّق بخُلُق المراقبة: فمراقبة العبد لربه دليل أنه يخاف الله ويحذر غضبه إذا رآه على معصية، وهذا نبي الله يوسف عليه السلام تعرض له الفتنة تحت قدميه وأمام عينيه؛ فتهتف صارخة في أذنه امرأة عزيز مصر -وهو الشاب الغريب في بلد غربة- تناديه تهيأت لك أيها الجميل فافعل بي ما تشاء.. غير أنّ الكريم ابن الكريم استعاذ بالله من الفتنة واستحضـر عظمته في قوله: (معاذ الله) وعفَّت نفسه، فعافاه الله وكان معه في شدّته وابتلائه ونجّاه من فتنة امرأة العزيز وفتنة النسوة في المدينة، حتى دخل السجن ثم خرج ليحكم مصـر، وصدق الله إذ يقول: {كَذَلِكَ لِنَصْـرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24].. كل ذلك من آثار تقواه ومراقبته لله تعالى، فكان الله معه وأظهر براءته وأيّده في وقت الضيق، وصدق لحكيم حين قال عن معيته لمن راقبه واتقاه: {وَاتَّقُوا الله وَاعْلَمُوا أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 194].
2.ذكر الله على كل حال: فذكر الله تعالى سبيل استجلاب معية الله تعالى؛ والذكر لا يقف عند حدّ حركة اللسان؛ بل هو تفاعل الجوارح والقلب والسلوك مع الله تعالى؛ وقد ورد في الحديث القدسي: كما عند البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ الله تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ.." فانظر -رحمني اللهُ وإيّاك- إلى قوله (وأنا معه إذا ذكرني) فأنت في معية الله إذا ذكرته.. وتأمّل حال الرسول منذ لحظة استيقاظه في يومه إلى لحظة منامه: كيف يلهج لسانه بذكر خالقه في كل لحظة وعلى أي حال؛ في السراء والضـرّاء، في الضيق والرخاء، عند النوم وعند اليقظة، في الخلوة والجلوة. {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من ساعة تمر على ابن آدم لا يذكر الله فيها إلا ندم عليها يوم القيامة)...
يُذْكَر أنّ أحد العلماء كان يجلس وحده ويُكثر من الخلوة، فقيل له: ألا تستوحش وحدك؟ قال: كيف ذلك وهو يقول: أنا جليس من ذكرني؟
ويقول الحسن البصـري -رحمه الله-: تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: (في الصلاة. وفي الذكر. وقراءة القرآن، فإن وجدتم..... وإلا فاعلموا أن الباب مغلق!!)). فأكثروا من ذكر الله ولا تتردد أن تجعل لسانك لاهجا بذكر مولاك..
3.صناعة المعروف والإحسان إلى الناس: فإسداء الخير للغير وسيلة محقّقة لجلب معيّة الربّ العليّ سبحانه؛ ولذلك استدّلت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها على أنّ الله لن يخذل حبيبه محمدًا في أول الدعوة -كما ورد في صحيح البخاري- حين قالت له: (كلا.. لا يخزيك الله أبدًا) ثم أرادت أن تدلل على ما أثبتته لله تعالى من معية لنبيه وحبيبه المصطفى، فذكَرَت قائلة: (إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ)..
4.الثقة واليقين في القدرة الإلهية: تستوجب المعية الربانية؛ فالمؤمن صاحب يقين والله مع صاحب اليقين والإيمان: {وَأَنَّ الله مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}.. وتأمّلوا ما ذا حدث مع هاجر الأم الصابرة المتوكلة على ربها؛ حين تركها الخليل عند البيت الحرام، ولما أيقنت بقدرة المولى كان الله معها ومع وليدها؛ حيث رزقها الله أمّة تهوي إلى الحرم وتأنس هي ورضيعها بهم.. وهذا مثال آخر: فلقد أوحى الله إلى أمّ موسى أن ترضع وليدها موسى ثم ترضعه في اليمّ؛ فلما وثقت وأيقنت بقدرة من يقول للشيء كُن فيكون أرضعت وليدها وهي خائفة من بطش فرعون، لكنها كانت واثقة من قدرة ربّها فإذ بجنود فرعون يلتقطون وليدها من المياه، ثم يبحثون له عن مرضع كما في القصة؛ فإذ بها ترضع موسى بأمرٍ من فرعون وتأخذ مُقابِلا على ذلك.. فيا للعجب!! ترضعه قبل ذلك خائفة، ثم ترضعه آمنة بأمْرٍ مِن فرعون الطاغية نفسه.
5.الصبر الإيجابي: وأعني به أن تتحمّل عبء الطاعة -إن كان للطاعة عبئًا- وأن تتجلّد عند الأقدار المؤلمة، وأن تتصبّر عن المعاصي فلا تقارفها، قال تعالى مثبتًا لمعيته لعباده الصابرين: {وَاصْبِرُوا إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]. وهو أن تصبر ولكن تتحرّك وتعمل وتجدّ وتجتهد في الأخذ بالأسباب، تجتهد في تحصيل أسباب اللذة أثناء الطاعة فلا تتعب عندها ولا تجدها شاقة عليك كالصحبة الصالحة ودروس العلم والأذكار، ومن صور هذا ما وقع مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك والافتراء؛ فحين تحدّث القوم في أمرها قالت -مفوّضة أمرها لله، صابرة على ما قيل: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] فكانت النتيجة نزول آيات البراءة والنقاء والطهارة من فوق سبع سموات، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11] .