حكاية ناي ♔
10-17-2023, 04:50 PM
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره"، ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأضربن بها بين أكتافكم.
قال الحافظ: (كذا لأبي ذر بالتنوين على إفراد الخشبة ولغيره بصيغة الجمع، وهو الذي في حديث الباب، قال ابن عبدالبر: روى اللفظان في الموطأ والمعنى واحد؛ لأن المراد بالواحد الجنس؛ انتهى.
قال الحافظ: وهذا الذي يتعين للجمع بين الروايتين.
قال الحافظ: قوله: ولا يمنع بالجزم على أن (لا) ناهية، ولأبي ذر بالرفع على أنه خبر بمعنى النهي، ولأحمد لا يمنعن بزيادة نون التوكيد، وهي تؤيد رواية الجزم، قوله: جار جاره إلخ، استدل به على أن الجدار إذا كان لواحد وله جار، فأراد أن يضع جذعه عليه، جاز سواء أذن المالك أم لا، فإن امتنع أجبر، وبه قال أحمد وإسحاق وغيرهما من أهل الحديث، وابن حبيب من المالكية والشافعي في القديم، وعنه في الجديد قولان أشهرهما اشتراط إذن المالك، فإن امتنع لم يجبر، وهو قول الحنفية، وحملوا الأمر في الحديث على الندب والنهي على التنزيه جمعًا بينه وبين الأحاديث الدالة على تحريم مال المسلم إلا برضاه، وفيه نظر، وجزم الترمذي وابن عبدالبر عن الشافعي بالقول القديم وهو نصه في البويطي، قال البيهقي: لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكر أن نخصَّها وقد حمله الراوي على ظاهره، وهو أعلم بالمراد بما حدث به يشير إلى قول أبي هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين)[1]؛ انتهى.
قوله: (ثم يقول أبو هريرة) في رواية عند أبي داود: فنكسوا رؤوسهم، ولأحمد: فلما حدثهم أبو هريرة بذلك طأْطؤوا رؤوسهم.
قوله: (والله ليضربن بها بين أكتافكم)، وفي رواية والله لأرمينها.
قال الحافظ: (أي لأشيعن هذه المقالة فيكم، ولأقرعنكم بها، كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه ليستيقظ من غفلته، قوله: بين أكتافكم، قال ابن عبدالبر: رويناه في الموطأ بالمثناة وبالنون، والأكناف بالنون جمع كنف بفتحها وهو الجانب.
قال الحافظ: وقد وقع عند ابن عبدالبر من وجه آخر: لأرمين بها بين أعينكم وإن كرهتم، قال: وقد قوَّى الشافعي في القديم القولَ بالوجوب بأن عمر قضى به، ولم يخالفه أحد من أهل عصره، فكان اتفاقًا منهم على ذلك؛ انتهى.
قال: وأشار الشافعي إلى ما أخرجه مالك ورواه هو عنه بسند صحيح أن الضحاك بن خليفة سأل محمد بن مسلمة أن يسوق خليجًا له، فيمر به في أرض محمد بن مسلمة، فامتد فكلمه عمر في ذلك فأبي، فقال: والله ليمرنَّ به ولو على بطنك، فحمل عمر الأمر على ظاهره وعداه إلى كل ما يحتاج الجار إلى الانتفاع به من دار جاره وأرضه، قال: وروى ابن إسحاق في مسنده والبيهقي من طريقه عن يحيى بن جعدة أحد التابعين قال: أراد رجل أن يضع خشبة على جدار صاحبه بغير إذنه فمنعه، فإذا من شئت من الأنصار يحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهاه أن يمنعه فجبر على ذلك، قال: ومحل الوجوب عند من قال به أن يحتاج إليه الجار، ولا يضع عليه ما يتضرر به المالك، ولا يقدم على حاجة المالك، ولا فرق بين أن يحتاج في وضع الجذع إلى نقب الجدار أو لا؛ لأن رأس الجذع يسد المنفتح ويقوي الجدار)[2]؛ انتهى.
تتمة:
قال في الاختيارات: والمنفعة التي لا قيمة لها عادة كالاستظلال بجدار الغير، والنظر في سراجه، لا يصح أن يرد عليها عقد به أو إجارة اتفاقًا، ولو اتفقا على بناء حائط بستان، فبنى أحدهما فما تلف من الثمرة بسبب إهمال الآخر، ضمن لشريكه نصيبه، وإذا احتاج الملك المشترك إلى عمارة لا بد منها، فعلى أحد الشريكين أن يعمر مع شريكه إذا طلب ذلك منه في أصح قولي العلماء، ويلزم إلا على التستر بما يمنع مشارفة الأسفل، وإن استويا وطلب أحدهما بناء السترة، أجبر الآخر معه مع الحاجة إلى السترة، وهو مذهب أحمد، قال والمضارة مبناها على القصد والإرادة، أو على فعل ضرر عليه، فمتى قصد الإضرار ولو بالمناخ، أو فعل الإضرار من غير استحقاق، فهو مضار، وأما إذا فعل الضرر المستحق للحاجة إليه والانتفاع به، لا لقصد الإضرار، فليس بمضار، ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث النخلة التي كانت تضر صاحب الحديقة لما طلب من صاحبها المعاوضة عنها بعدة، فلم يفعل، فقال: "إنما أنت مضار"، ثم أمر بقلعها، فدل على أن الضرار محرم لا يجوز تمكين صاحبه منه، ومن كانت له ساحة تلقى فيها التراب والحيوانات، ويتضرر الجيران بذلك، فإنه يجب على صاحبها أن يدفع ضرر الجيران؛ إما بعمارتها أو إعطائها لمن يعمرها، أو يمنع أن يلقى فيها ما يضر بالجيران، وإذا كان المسجد معدًّا للصلاة، ففي جواز البناء عليه نزاع بين العلماء، وليس لأحد أن يبني فوق الوقف ما يضر به اتفاقًا، وكذا إن لم يضر به عند الجمهور، وإذا كان الجدار مختصًّا بشخص لم يكن له أن يمنع جاره من الانتفاع بما يحتاج إليه الجار، ولا يضر بصاحب الجدار، ويجب على الجار تمكين جاره من إجراء مائه في أرضه إذا احتاج إلى ذلك، ولم يكن على صاحب الأرض ضرر في أصح القولين في مذهب أحمد، وحكم به عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فالساباطُ الذي يضر بالمارة مثل أن يحتاج الراكب أن يحني رأسه إذا مر هناك، وإن غفل عن نفسه رمى عمامته، أو شج رأسه، ولا يمكن أن يمر هناك جمل عال، إلا كُسرت رقبته، والجمل المحمل لا يمر هناك، فمثل هذا الساباط لا يجوز إحداثه على طريق المارة باتفاق المسلمين، بل يجب على صاحبه إزالته، فإن لم يفعل، كان على ولاة الأمور إلزامه بإزالته حتى يزول الضرر، حتى لو كان الطريق منخفضًا، ثم ارتفع على طور الزمان، وجَب إزالته إذا كان الأمر على ما ذكر[3]؛ والله أعلم.
فصل:
وقال في الاختيارات أيضًا: والعارية تجب مع غناء المالك، وهو أحد القولين في مذهب أحمد، وهي مضمونة يشترط ضمانها، وهي رواية عن أحمد، ولو سلم شريك شريكه دابة، فتلفت بلا تعدٍّ ولا تفريط، لم يضمن، وقياس المذهب إذا قال: أعرتك دابتي لتعلفها أن هذا يصح؛ لأن أكثر ما فيه أنه بمنزلة استئجار العبد بطعامه وكسوته، لكن دخول العوض فيه يلحقه بالحجارة، إلا أن يكون ذلك يسيرًا لا يبلغ أجرة المثل بلا تعدٍّ، فيكون حكم العارية باقيًا، وهذا في المنافع نظير الهبة المشروط فيها الثواب في الأعيان[4].
قال الحافظ: (كذا لأبي ذر بالتنوين على إفراد الخشبة ولغيره بصيغة الجمع، وهو الذي في حديث الباب، قال ابن عبدالبر: روى اللفظان في الموطأ والمعنى واحد؛ لأن المراد بالواحد الجنس؛ انتهى.
قال الحافظ: وهذا الذي يتعين للجمع بين الروايتين.
قال الحافظ: قوله: ولا يمنع بالجزم على أن (لا) ناهية، ولأبي ذر بالرفع على أنه خبر بمعنى النهي، ولأحمد لا يمنعن بزيادة نون التوكيد، وهي تؤيد رواية الجزم، قوله: جار جاره إلخ، استدل به على أن الجدار إذا كان لواحد وله جار، فأراد أن يضع جذعه عليه، جاز سواء أذن المالك أم لا، فإن امتنع أجبر، وبه قال أحمد وإسحاق وغيرهما من أهل الحديث، وابن حبيب من المالكية والشافعي في القديم، وعنه في الجديد قولان أشهرهما اشتراط إذن المالك، فإن امتنع لم يجبر، وهو قول الحنفية، وحملوا الأمر في الحديث على الندب والنهي على التنزيه جمعًا بينه وبين الأحاديث الدالة على تحريم مال المسلم إلا برضاه، وفيه نظر، وجزم الترمذي وابن عبدالبر عن الشافعي بالقول القديم وهو نصه في البويطي، قال البيهقي: لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكر أن نخصَّها وقد حمله الراوي على ظاهره، وهو أعلم بالمراد بما حدث به يشير إلى قول أبي هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين)[1]؛ انتهى.
قوله: (ثم يقول أبو هريرة) في رواية عند أبي داود: فنكسوا رؤوسهم، ولأحمد: فلما حدثهم أبو هريرة بذلك طأْطؤوا رؤوسهم.
قوله: (والله ليضربن بها بين أكتافكم)، وفي رواية والله لأرمينها.
قال الحافظ: (أي لأشيعن هذه المقالة فيكم، ولأقرعنكم بها، كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه ليستيقظ من غفلته، قوله: بين أكتافكم، قال ابن عبدالبر: رويناه في الموطأ بالمثناة وبالنون، والأكناف بالنون جمع كنف بفتحها وهو الجانب.
قال الحافظ: وقد وقع عند ابن عبدالبر من وجه آخر: لأرمين بها بين أعينكم وإن كرهتم، قال: وقد قوَّى الشافعي في القديم القولَ بالوجوب بأن عمر قضى به، ولم يخالفه أحد من أهل عصره، فكان اتفاقًا منهم على ذلك؛ انتهى.
قال: وأشار الشافعي إلى ما أخرجه مالك ورواه هو عنه بسند صحيح أن الضحاك بن خليفة سأل محمد بن مسلمة أن يسوق خليجًا له، فيمر به في أرض محمد بن مسلمة، فامتد فكلمه عمر في ذلك فأبي، فقال: والله ليمرنَّ به ولو على بطنك، فحمل عمر الأمر على ظاهره وعداه إلى كل ما يحتاج الجار إلى الانتفاع به من دار جاره وأرضه، قال: وروى ابن إسحاق في مسنده والبيهقي من طريقه عن يحيى بن جعدة أحد التابعين قال: أراد رجل أن يضع خشبة على جدار صاحبه بغير إذنه فمنعه، فإذا من شئت من الأنصار يحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهاه أن يمنعه فجبر على ذلك، قال: ومحل الوجوب عند من قال به أن يحتاج إليه الجار، ولا يضع عليه ما يتضرر به المالك، ولا يقدم على حاجة المالك، ولا فرق بين أن يحتاج في وضع الجذع إلى نقب الجدار أو لا؛ لأن رأس الجذع يسد المنفتح ويقوي الجدار)[2]؛ انتهى.
تتمة:
قال في الاختيارات: والمنفعة التي لا قيمة لها عادة كالاستظلال بجدار الغير، والنظر في سراجه، لا يصح أن يرد عليها عقد به أو إجارة اتفاقًا، ولو اتفقا على بناء حائط بستان، فبنى أحدهما فما تلف من الثمرة بسبب إهمال الآخر، ضمن لشريكه نصيبه، وإذا احتاج الملك المشترك إلى عمارة لا بد منها، فعلى أحد الشريكين أن يعمر مع شريكه إذا طلب ذلك منه في أصح قولي العلماء، ويلزم إلا على التستر بما يمنع مشارفة الأسفل، وإن استويا وطلب أحدهما بناء السترة، أجبر الآخر معه مع الحاجة إلى السترة، وهو مذهب أحمد، قال والمضارة مبناها على القصد والإرادة، أو على فعل ضرر عليه، فمتى قصد الإضرار ولو بالمناخ، أو فعل الإضرار من غير استحقاق، فهو مضار، وأما إذا فعل الضرر المستحق للحاجة إليه والانتفاع به، لا لقصد الإضرار، فليس بمضار، ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث النخلة التي كانت تضر صاحب الحديقة لما طلب من صاحبها المعاوضة عنها بعدة، فلم يفعل، فقال: "إنما أنت مضار"، ثم أمر بقلعها، فدل على أن الضرار محرم لا يجوز تمكين صاحبه منه، ومن كانت له ساحة تلقى فيها التراب والحيوانات، ويتضرر الجيران بذلك، فإنه يجب على صاحبها أن يدفع ضرر الجيران؛ إما بعمارتها أو إعطائها لمن يعمرها، أو يمنع أن يلقى فيها ما يضر بالجيران، وإذا كان المسجد معدًّا للصلاة، ففي جواز البناء عليه نزاع بين العلماء، وليس لأحد أن يبني فوق الوقف ما يضر به اتفاقًا، وكذا إن لم يضر به عند الجمهور، وإذا كان الجدار مختصًّا بشخص لم يكن له أن يمنع جاره من الانتفاع بما يحتاج إليه الجار، ولا يضر بصاحب الجدار، ويجب على الجار تمكين جاره من إجراء مائه في أرضه إذا احتاج إلى ذلك، ولم يكن على صاحب الأرض ضرر في أصح القولين في مذهب أحمد، وحكم به عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فالساباطُ الذي يضر بالمارة مثل أن يحتاج الراكب أن يحني رأسه إذا مر هناك، وإن غفل عن نفسه رمى عمامته، أو شج رأسه، ولا يمكن أن يمر هناك جمل عال، إلا كُسرت رقبته، والجمل المحمل لا يمر هناك، فمثل هذا الساباط لا يجوز إحداثه على طريق المارة باتفاق المسلمين، بل يجب على صاحبه إزالته، فإن لم يفعل، كان على ولاة الأمور إلزامه بإزالته حتى يزول الضرر، حتى لو كان الطريق منخفضًا، ثم ارتفع على طور الزمان، وجَب إزالته إذا كان الأمر على ما ذكر[3]؛ والله أعلم.
فصل:
وقال في الاختيارات أيضًا: والعارية تجب مع غناء المالك، وهو أحد القولين في مذهب أحمد، وهي مضمونة يشترط ضمانها، وهي رواية عن أحمد، ولو سلم شريك شريكه دابة، فتلفت بلا تعدٍّ ولا تفريط، لم يضمن، وقياس المذهب إذا قال: أعرتك دابتي لتعلفها أن هذا يصح؛ لأن أكثر ما فيه أنه بمنزلة استئجار العبد بطعامه وكسوته، لكن دخول العوض فيه يلحقه بالحجارة، إلا أن يكون ذلك يسيرًا لا يبلغ أجرة المثل بلا تعدٍّ، فيكون حكم العارية باقيًا، وهذا في المنافع نظير الهبة المشروط فيها الثواب في الأعيان[4].