حكاية ناي ♔
10-24-2023, 01:36 PM
(14 أكتوبر 1906 - 4 ديسمبر 1975) كانت منظرة سياسية وباحثة يهودية من أصل ألماني. على الرغم من أنه كثيرا ما وُصفت بالفيلسوفة، فإنها كانت دائما ترفض هذا الوصف على أساس أن الفلسفة تتعاطى مع «الإنسان في صيغة المفرد.» وبدلا عن ذلك وصفت نفسها بالمنظرة السياسية لأن عملها يركز على كون «البشر، لا الإنسان الفرد، يعيشون على الأرض ويسكنون العالم.»
حياتها
ولدت حنة آرندت لعائلة علمانية من يهود ألمانيا في مدينة ليندن (وهي الآن جزء من هانوفر)، ونشأت في كونسبرج وبرلين. وتعتبر محطات سيرتها الذاتية بحد ذاتها تجسيداً لأهم أحداث وخصائص هذا القرن الدموي بحيث يمكن القول مع إرنست جيلنر إن «حياة هذه الناقدة اللاذعة تجسد أيضا جملة الحياة الفكرية والسياسية في عدة قرون أوروبية». فعلى الرغم من انجذاب أرنت لدراسة الفلسفة منذ صغرها ثم انتظمها في دراستها بشكل نظامي في الجامعة حيث درست الفلسفة في جامعة ماربورغ مع مارتن هايدغر، والذي دخلت معه في علاقة طويلة، رومانسية وعاصفة، والتي كانت قد انتقدت في وقت لاحق بسببها اثر دعم هايدغر للحزب النازي بينما كان يشغل منصب عميد جامعة فرايبورغ. وصول النازيين وإيديولوجيتهم الشمولية إلى الحكم في ألمانيا في عام 1933 شكل نقطة تحول مركزية في حياة آرندت دفعها إلى الابتعاد عن الفلسفة بمفهومها النظري البحت والتوجه إلى العمل السياسي بشكل عملي. وفي صيف عام 1933 اعتقلت المخابرات النازية حنة أرندت، ثم أطلقت سراحها فيما بعد. ثم نجحت هذه "اليهودية الألمانية المطاردة من قبل النازيين"، على حد تعبيرها، في الهروب من براثن النازية إلى باريس ثم إلى نيويورك، حيث عملت صحفية، ومراجعة لغوية ومحاضرة جامعية وبدأت عملها السياسي الحقيقي، فسعت لاستكشاف أصول الأنظمة الشمولية من خلال وضع أرنت الشكلين الأكثر بروزا للأنظمة الكليانية وهما النازية الألمانية والستالينية الروسية تحت المجهر في كتابها الموسوعي "أصول الشمولية" إدراكاً لخطورة هذه النظم والأهم خطورة الاعتقاد بأنها أصبحت تنتمي إلى الماضي واكدت أرنت على التحدي الذي تثيره هذه الإيديولوجيات باعتبارها تشكل انبثاقا لظاهرة جديدة جذريا تجبر كل الباحثين على القيام بمراجعة كاملة لأدوات التحليل العلمي المعهودة، علاوة على أنها انعطافة نكوصية لم يشهدها تاريخ الفكر الأوروبي قبل ذلك". وعلى هذا النحو توضح آرندت أن "الأصالة المرعبة للشمولية لا تنشأ عن أن فكرة جديدة جاءت إلى العالم، وإنما على شرخ جديد سحق كل مقولاتنا السياسية وكل مقاييسنا الخاصة بالحكم الأخلاقي. فجبروت الحدث يتفوق هنا على المفهوم". ورغم فاشية الجوهر الإيديولوجي للنازية والستالينية، إلا أن السمة الشمولية تظهر جليا في هدف هذه الأنظمة، الذي لا يقتصر على الاستيلاء على السلطة فحسب، بل يمتد ليـ"يشمل" كل المجتمع ويجسد التماثل الكامل بين الحزب الحاكم والدولة. وفيما بعد وضعت أرنت كل طاقتها وموهبتها في خدمة المنظمات اليهودية العاملة في نيويورك، التي أخذت على عاتقها إنقاذ ما يمكن إنقاذه من يهود أوروبا والعمل على إقامة وطن لليهود على أرض فلسطين التاريخية. لكنها انفصلت عن هذه المنظمات لاحقاً، وبدأ هذا الابتعاد إبان الخلاف الذي نشب داخل الحركة الصهيونية حول التحالفات التي من الممكن عقدها بين ما أُطلِقَ عليه أنصار «الواقعية السياسية» (هرتزل) وأنصار «المثالية الأدبية» (ب. لازار)، وقفت أرندت بجانب الأخير، لأن السياسة الواقعية الوحيدة تنحصر في سياسة تحالف مع الشعوب المتوسِّطية الأخرى التي تعزز الوضع المحلِّي اليهودي في فلسطين والتي تؤمِّن تعاطفًا حقيقيًا مع الجيران. ورأت أرندت أن أحد مصادر العمى الصهيوني الخاص بما تسميه «المسألة العربية» يكمن في الاتجاه نحو الواقعية السياسية، أي الاندراج في لعبة القوى العظمى. وبهذا المعنى لا تكون هذه السياسة سوى سياسة تُلغي معناها بسبب تقريبها ممَّن يمتلك قوة أكثر؛ لذلك فهي «غير مبصرة للواقع» الضروري للفعل. فرأت أرنت أن "إنجازات اليهود في فلسطين هي مصدر الشرعية ونقطة التقاء محتمل مع العرب، فإذا كان هناك بُعدٌ "تاريخي" لاختيار فلسطين دون أي بقعة أخرى في العالم – بحسب الزعم الصهيوني – فهذا لا يضفي وحده شرعية على الوجود اليهودي فيها. فالشرعية لا يمكن أن تتأتى إلا من مبدأ يمكن الآخرين الاعتراف به. وبالنسبة إلى العرب، الحق المعترف به لليهود هو في "جعل الأرض التاريخية بلدًا لهم، لا بالقوة، ولكن بعملهم وبثمرة رؤوسهم وأيديهم". والأمر نفسه، بطبيعة الحال، ينطبق على العرب. وذهبت أرنت إلى ضرورة الاتفاق على "بعض المطالب الرئيسية"؛ ومنها أن حقَّ الشعب اليهودي في فلسطين «مماثل لحقِّ كلِّ إنسان في حيازة ثمرة عمله»، سواء أكان يهوديًا أم عربيًا. وتأكد هذا الانسلاخ عندما وجدت أرنت الدولة اليهودية تغرق في مستنقع «السياسة الواقعية» Realpolitik، حسب تعبيرها وبعد تغطيتها محاكمة أيْخْمَنْ لحساب مجلة النيويوركر وصدرت لاحقاً في كتاب «أيخمان في القدس» وكان أدولف أيخمان هو المسؤول عن ترحيل وإعدام اليهود في ألمانيا النازية وكان العنوان الفرعي للكتاب«تقرير عن عادية الشر» هو الذي جلب عليها طوفاناً من النقد والهجوم والحملات الصهيونية حيث أبرز إيخمان موظفاً بورجوازياً تافها، وليس سادياً أوشاذاً كما حاول الادعاء الإسرائيلي أن يصوره، بل شخصاً عادياً تماماً، ومرعباً في عاديته. لم تر أرنت في أيخمان تجسيداً للشر، بل أدركت أن الكارثة تكمن في قدرة النظم الشمولية على تحويل البشر إلى محض «منفذين» و«تروس» في الآلة الإدارية – أي تجريدهم من إنسانيتهم. اعتبرت أرنت المحاكمة محاولة من الدولة الإسرائيلية ترسيخ دعائمها عبر محاكمة مسرحية رأت فيها بدايةً لاستخدام الهولوكوست أداةً سياسية، لا سيما أنها أُجريت في وقت كان بن غوريون يسعى فيه إلى الحصول على المزيد من التعويضات المالية من ألمانيا الغربية. كما كشفت أرنت دور المجالس اليهودية في التعاون و«العمالة» مع النظام النازي بما أثار الشك في الإدعاء الصهيوني بكون اليهود «ضحايا دائمين»، وهو ما أدى لاتهامها بـ «معاداة السامية».
حياتها
ولدت حنة آرندت لعائلة علمانية من يهود ألمانيا في مدينة ليندن (وهي الآن جزء من هانوفر)، ونشأت في كونسبرج وبرلين. وتعتبر محطات سيرتها الذاتية بحد ذاتها تجسيداً لأهم أحداث وخصائص هذا القرن الدموي بحيث يمكن القول مع إرنست جيلنر إن «حياة هذه الناقدة اللاذعة تجسد أيضا جملة الحياة الفكرية والسياسية في عدة قرون أوروبية». فعلى الرغم من انجذاب أرنت لدراسة الفلسفة منذ صغرها ثم انتظمها في دراستها بشكل نظامي في الجامعة حيث درست الفلسفة في جامعة ماربورغ مع مارتن هايدغر، والذي دخلت معه في علاقة طويلة، رومانسية وعاصفة، والتي كانت قد انتقدت في وقت لاحق بسببها اثر دعم هايدغر للحزب النازي بينما كان يشغل منصب عميد جامعة فرايبورغ. وصول النازيين وإيديولوجيتهم الشمولية إلى الحكم في ألمانيا في عام 1933 شكل نقطة تحول مركزية في حياة آرندت دفعها إلى الابتعاد عن الفلسفة بمفهومها النظري البحت والتوجه إلى العمل السياسي بشكل عملي. وفي صيف عام 1933 اعتقلت المخابرات النازية حنة أرندت، ثم أطلقت سراحها فيما بعد. ثم نجحت هذه "اليهودية الألمانية المطاردة من قبل النازيين"، على حد تعبيرها، في الهروب من براثن النازية إلى باريس ثم إلى نيويورك، حيث عملت صحفية، ومراجعة لغوية ومحاضرة جامعية وبدأت عملها السياسي الحقيقي، فسعت لاستكشاف أصول الأنظمة الشمولية من خلال وضع أرنت الشكلين الأكثر بروزا للأنظمة الكليانية وهما النازية الألمانية والستالينية الروسية تحت المجهر في كتابها الموسوعي "أصول الشمولية" إدراكاً لخطورة هذه النظم والأهم خطورة الاعتقاد بأنها أصبحت تنتمي إلى الماضي واكدت أرنت على التحدي الذي تثيره هذه الإيديولوجيات باعتبارها تشكل انبثاقا لظاهرة جديدة جذريا تجبر كل الباحثين على القيام بمراجعة كاملة لأدوات التحليل العلمي المعهودة، علاوة على أنها انعطافة نكوصية لم يشهدها تاريخ الفكر الأوروبي قبل ذلك". وعلى هذا النحو توضح آرندت أن "الأصالة المرعبة للشمولية لا تنشأ عن أن فكرة جديدة جاءت إلى العالم، وإنما على شرخ جديد سحق كل مقولاتنا السياسية وكل مقاييسنا الخاصة بالحكم الأخلاقي. فجبروت الحدث يتفوق هنا على المفهوم". ورغم فاشية الجوهر الإيديولوجي للنازية والستالينية، إلا أن السمة الشمولية تظهر جليا في هدف هذه الأنظمة، الذي لا يقتصر على الاستيلاء على السلطة فحسب، بل يمتد ليـ"يشمل" كل المجتمع ويجسد التماثل الكامل بين الحزب الحاكم والدولة. وفيما بعد وضعت أرنت كل طاقتها وموهبتها في خدمة المنظمات اليهودية العاملة في نيويورك، التي أخذت على عاتقها إنقاذ ما يمكن إنقاذه من يهود أوروبا والعمل على إقامة وطن لليهود على أرض فلسطين التاريخية. لكنها انفصلت عن هذه المنظمات لاحقاً، وبدأ هذا الابتعاد إبان الخلاف الذي نشب داخل الحركة الصهيونية حول التحالفات التي من الممكن عقدها بين ما أُطلِقَ عليه أنصار «الواقعية السياسية» (هرتزل) وأنصار «المثالية الأدبية» (ب. لازار)، وقفت أرندت بجانب الأخير، لأن السياسة الواقعية الوحيدة تنحصر في سياسة تحالف مع الشعوب المتوسِّطية الأخرى التي تعزز الوضع المحلِّي اليهودي في فلسطين والتي تؤمِّن تعاطفًا حقيقيًا مع الجيران. ورأت أرندت أن أحد مصادر العمى الصهيوني الخاص بما تسميه «المسألة العربية» يكمن في الاتجاه نحو الواقعية السياسية، أي الاندراج في لعبة القوى العظمى. وبهذا المعنى لا تكون هذه السياسة سوى سياسة تُلغي معناها بسبب تقريبها ممَّن يمتلك قوة أكثر؛ لذلك فهي «غير مبصرة للواقع» الضروري للفعل. فرأت أرنت أن "إنجازات اليهود في فلسطين هي مصدر الشرعية ونقطة التقاء محتمل مع العرب، فإذا كان هناك بُعدٌ "تاريخي" لاختيار فلسطين دون أي بقعة أخرى في العالم – بحسب الزعم الصهيوني – فهذا لا يضفي وحده شرعية على الوجود اليهودي فيها. فالشرعية لا يمكن أن تتأتى إلا من مبدأ يمكن الآخرين الاعتراف به. وبالنسبة إلى العرب، الحق المعترف به لليهود هو في "جعل الأرض التاريخية بلدًا لهم، لا بالقوة، ولكن بعملهم وبثمرة رؤوسهم وأيديهم". والأمر نفسه، بطبيعة الحال، ينطبق على العرب. وذهبت أرنت إلى ضرورة الاتفاق على "بعض المطالب الرئيسية"؛ ومنها أن حقَّ الشعب اليهودي في فلسطين «مماثل لحقِّ كلِّ إنسان في حيازة ثمرة عمله»، سواء أكان يهوديًا أم عربيًا. وتأكد هذا الانسلاخ عندما وجدت أرنت الدولة اليهودية تغرق في مستنقع «السياسة الواقعية» Realpolitik، حسب تعبيرها وبعد تغطيتها محاكمة أيْخْمَنْ لحساب مجلة النيويوركر وصدرت لاحقاً في كتاب «أيخمان في القدس» وكان أدولف أيخمان هو المسؤول عن ترحيل وإعدام اليهود في ألمانيا النازية وكان العنوان الفرعي للكتاب«تقرير عن عادية الشر» هو الذي جلب عليها طوفاناً من النقد والهجوم والحملات الصهيونية حيث أبرز إيخمان موظفاً بورجوازياً تافها، وليس سادياً أوشاذاً كما حاول الادعاء الإسرائيلي أن يصوره، بل شخصاً عادياً تماماً، ومرعباً في عاديته. لم تر أرنت في أيخمان تجسيداً للشر، بل أدركت أن الكارثة تكمن في قدرة النظم الشمولية على تحويل البشر إلى محض «منفذين» و«تروس» في الآلة الإدارية – أي تجريدهم من إنسانيتهم. اعتبرت أرنت المحاكمة محاولة من الدولة الإسرائيلية ترسيخ دعائمها عبر محاكمة مسرحية رأت فيها بدايةً لاستخدام الهولوكوست أداةً سياسية، لا سيما أنها أُجريت في وقت كان بن غوريون يسعى فيه إلى الحصول على المزيد من التعويضات المالية من ألمانيا الغربية. كما كشفت أرنت دور المجالس اليهودية في التعاون و«العمالة» مع النظام النازي بما أثار الشك في الإدعاء الصهيوني بكون اليهود «ضحايا دائمين»، وهو ما أدى لاتهامها بـ «معاداة السامية».