حكاية ناي ♔
10-25-2023, 11:29 AM
ستقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بادئ الأمر في دار أبي أيوب حيث بركت الناقة عند بابه، ويذكر أبو أيوب الأيام التي سعد فيها بضيافة النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي نزل في السفل، وأنا وأم أيوب في العلو، فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إني أكره وأعظم أن أكون فوقك وتكون تحتي، فاظهَر أنت فكن في العلو، وننزل نحن فنكون في السفل، فقال: ((يا أبا أيوب، إن أرفقَ بنا وبمن يغشانا أن أكون في سفل البيت))، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفله وكنا فوقه في المسكن، ثم يقول أبو أيوب: فلقد انكسر حُبٌّ لنا فيه ماء، فقمت أنا وأم أيوب ننشف الماء بقطيفة ما لنا لحاف غيرها؛ تخوفًا أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء فيؤذيه، وقال: كنا نصنع له العشاء، ثم نبعث إليه، فإذا رد علينا فضلة تيمَّمت أنا وأم أيوب موضع يده، فأكلنا منه، نبتغي بذلك البركة، حتى بعثنا إليه ليلة بعَشائه وقد جعلنا فيه بصلًا - أو ثومًا - فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أرَ ليده فيه أثرًا، قال: فجئته فزعًا، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، رددت عشاءك ولم أرَ فيه موضع يدك؟ فقال: ((إني وجدت فيه ريح هذه الشجرة، وأنا رجل أناجَى، فأما أنتم فكلوه))، قال: فأكلناه ولم نضع له تلك الشجرة بعد، وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل مبادلة أبي أيوب، فانتقل إلى أعلى البيت ونزل أبو أيوب إلى أسفله، فلما صنع له طعامًا فيه الثوم ولم يأكل منه النبي صلى الله عليه وسلم، فزِع أبو أيوب وصعد إليه، فقال: أحرام؟ فقال: ((لا، ولكني أكرهه))، قال أبو أيوب: فإني أكره ما تكره، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه الملَك، وهذه رواية مسلم، وروي عن زيد بن ثابت أنه قال: أول هدية أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل دار أبي أيوب أنا جئت بها، قصعة فيها خبز مثرود بلبن وسمن، وقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلت بهذه القصعة أمي، فقال: ((بارك الله فيك))، ودعا أصحابه فأكلوا، ثم جاءت قصعة سعد بن عبادة ثريد ولحم، وما كانت من ليلة إلا وعلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد ممن يحملون الطعام يتناوبون كلٌّ يقدم ما عنده، وكان مقامه في دار أبي أيوب سبعة أشهر إلى أن أنهى بناء مسجده ومساكنه، وقد بعث - وهو في دار أبي أيوب - مولاه زيد بن حارثة وأبا رافع ومعهما بعيران وخمسمائة درهم لكي يجيئا بفاطمة وأم كلثوم وزوجه سودة وأسامة بن زيد، فقدما بهم، وجاء أيضًا معهما أم أيمن امرأة زيد بن حارثة وعيال أبي بكر وفيهم عائشة، وقد نال أبو أيوب شرف مقام النبي صلى الله عليه وسلم في داره التي اختارها الله لنبيه مع كونها صغيرة، وأن كثيرًا من أصحاب الدور الكبيرة - كما مر - عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم النزول في العدد والعدة والمنعة، وقد ورد في الحديث النبوي الذي أخرجه البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خير دور الأنصار بنو النجار، ثم بنو عبدالأشهل، ثم بنو الحارث بن الخزرج، ثم بنو ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير))، فقال سعد بن عبادة: ما أرى النبي صلى الله عليه وسلم إلا قد فضل علينا، فقيل: قد فضلكم على كثير، وفي رواية مسلم: أن سعد بن عبادة أدرك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، خيَّرت دور الأنصار فجعلتنا آخرًا؟ قال: ((أوَليس بحَسْبكم أن تكونوا من الأخيار؟!))، وقد ثبت لجميع مَن أسلم من الأنصار الشرف والرفعة والخيرية بقوله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].