حكاية ناي ♔
10-25-2023, 11:33 AM
عن عبدالله رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأْ عليَّ القرآن"، قال: فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك أُنزِل؟ قال: "إني أشتهي أن أسمعَه من غيري"، فقرأتُ النساءَ حتى إذا بلغت: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41] رفعت رأسي -أو غمزني رجل إلى جنبي، فرفعت رأسي- فرأيت دموعه تسيل.
الشرح:
عبدالله: هو عبدالله بن مسعود بن غافل الهُذلِي أبو عبدالرحمن الكوفي، أحد السابقين الأوَّلين وصاحب النعلَين[1] شهد بدرًا والمَشَاهِد، وروى عنه خَلْقٌ من الصحابة والتابعين، تَلَقَّن من النبي صلى الله عليه وسلم سبعين سورةً، قال عَلْقَمَة:كان يُشبه النبي صلى الله عليه وسلم في هَدْيِه ودَلِّه[2] وسَمْته[3]، مات بالمدينة سنة 32 عن بضع وستين سنة[4]، وهو ليس من العبادلة الأربعة[5]؛لتَقَدُّمِ وفاتهُ عنهم، ومع ذلك إذا قال العلماء: "عن عبدالله" فالمقصود على الإطلاق هو عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
"اقرأْ عليَّ القرآن": يُصدق على القرآن بالبعض كما يُصدق بالكل.
(أقرأ عليك وعليك أنزل؟): بحذف همزة الاستفهام اكتفاء بنبرات الصوت، وضبطها القسطلَّاني في شرحه لصحيح البخاري بمدِّ الهمزة وأصلها (أأقرأ عليك؟)، وعليك أُنزِل: جملة حالية من ضمير المخاطب في الجملة الأولى؛ أي:أقرأ عليك القرآن، والحال أنه أُنْزِل عليك ولم يُنزَّل على غيرك؟ فالجملة الثانية فيها قصر إنزال القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم من قَصْر الصفة على الموصوف، فهو في استفهامه رضي الله عنه يتعَجَّب من أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بالقراءة عليه، مع ثبوت هذا الحال! ولأنه فهم أن المطلوب ليس هو تصحيح التلاوة، فأخبره صلى الله عليه وسلم بما يزيل تعجُّبه إذ قال: "إني أشتهي أن أسمعه من غيري":وفي الرواية الثانية: "إني أحب أن أسمعه من غيري"، و"أشتهي" من الاشتهاء؛ وهو نزوة النفس وميلها إلى ما تحب، وإذا كانت شهوة الطعام عند الجوع ممَّا يحمي البدن من الاختلال، فإن الشهوة لسماع القرآن مما يزين النفس بالفضيلة، ويحميها من الرذيلة، ويُشبعها بتعاليم الله وهُداه، وإنما اشتهى صلى الله عليه وسلم سماع القرآن من غيره؛ لأنه أبلغ في التدبُّر والتفهُّم؛ إذ يُتيح للفكر أن يجول في المعاني من غير أن يشتغل بالقراءة وكيفية أدائها، وليكون عَرْض القرآن سُنة يسنُّها لأمته صلى الله عليه وسلم.
فقرأت النساء: الظاهر أن ابن مسعود رضي الله عنه هو الذي اختار هذه السورة، وما زال يقرأ والرسول صلى الله عليه وسلم يستمع لقراءته حتى بلغ الآية الكريمة: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، وفي هذه الآية الكريمة الفاء فصيحة أفصحت عن شرطٍ مُقدَّر؛ أي: إذا كان كل قليل وكثير نُجَازِي عليه، فكيف حال هؤلاء الكُفَّار أو صنيعهم إذا جئنا من كل أمة بِنَبِيِّهم يشهد على كفرهم، وجئنا بك يا خاتم النبيين على هؤلاء الشهداء شهيدًا فتشهد على صدقهم؛ لعِلْمك بما أُرسلوا به، وتأييدك بكتابٍ -لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- قد أخبرك بهذا.
قال عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه: فقرأت النساء حتى إذا بلغت هذه الآية، رفعت رأسي، أو قال ابن مسعود رضي الله عنه: غمزني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله وسلم عليه لِيُنَبِّهني على بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم فرفعت رأسي؛ هذا شك من الراوي عن ابن مسعود (وليس ابن مسعود) هل قال: "رفعت رأسي"أو قال: "غمزني رجل فرفعت رأسي"؟على أي حال فقد تنبَّه لبكاء الرسول صلى الله عليه وسلم إمَّا من تلقاء نفسه أو من غَمْز الرجل له، فرأى دموع الرسول صلى الله عليه وسلم تسيل؛ فكان بكاءالرسول صلى الله عليه وسلم إمَّا إشفاقًا ورحمةً بالمُفرِّطِين من أمته، حيث يشهد على بعضٍ من أمته بالتكذيب، والجحود والكفر، فيُؤخذون بهذه الشهادة، ويقادون إلى النار؛ فرَقَّ قلبه عند ذلك، وإمَّا بكاء فرحٍ لا بكاء جَزَع؛ لأنه تعالى جعله شهيدًا على الأنبياء كما جعل أمته شهداء على الأُمَم، فبكى سرورًا وفرحًا من أجل ذلك، والسرور إذا اشتدَّ جدًّا أبكى الإنسان! وكما ذكر الحافظ ابن القيم رحمه الله: "البكاء أنواع: منه ما يكون بسبب الفرح، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها في واقعة الهجرة، لما عرض النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر أن يرافقه في هجرته، فبكى أبو بكر رضي الله تعالى عنه فرحًا"، أو بكى تأثرًا من سماع القرآن لِعِظم ما تضمنته الآية، فيحتمل أن يكون البكاء بسبب رهبة ذلك الموقف، وعظم ذلك الموقف، وهول المطلع، فيؤتى بالأمم، ويؤتى بالنبي صلى الله عليه وسلم يشهد على أمته.
ويمكن أن يجتمع هذا وهذا، لكنه موقف عظيم، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
وفى هذا الحديث فوائد منها:
• استحباب طلب القراءة من غيره ليستمع له، وهو أبلغ في التفهُّم والتدبُّر من قراءته بنفسه.
• وتواضُع أهل العلم والفضل ولو مع أتباعهم.
• والاستماع إلى قارئ القرآن، ولو كان المستمع من حُفَّاظه؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباعًا لسُنته.
• وأن سماع القرآن فيه ثواب كما في تلاوته.
• والبكاء عند سماع القرآن.
• والأمر بقطع تلاوة القرآن للمصلحة.
الشرح:
عبدالله: هو عبدالله بن مسعود بن غافل الهُذلِي أبو عبدالرحمن الكوفي، أحد السابقين الأوَّلين وصاحب النعلَين[1] شهد بدرًا والمَشَاهِد، وروى عنه خَلْقٌ من الصحابة والتابعين، تَلَقَّن من النبي صلى الله عليه وسلم سبعين سورةً، قال عَلْقَمَة:كان يُشبه النبي صلى الله عليه وسلم في هَدْيِه ودَلِّه[2] وسَمْته[3]، مات بالمدينة سنة 32 عن بضع وستين سنة[4]، وهو ليس من العبادلة الأربعة[5]؛لتَقَدُّمِ وفاتهُ عنهم، ومع ذلك إذا قال العلماء: "عن عبدالله" فالمقصود على الإطلاق هو عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
"اقرأْ عليَّ القرآن": يُصدق على القرآن بالبعض كما يُصدق بالكل.
(أقرأ عليك وعليك أنزل؟): بحذف همزة الاستفهام اكتفاء بنبرات الصوت، وضبطها القسطلَّاني في شرحه لصحيح البخاري بمدِّ الهمزة وأصلها (أأقرأ عليك؟)، وعليك أُنزِل: جملة حالية من ضمير المخاطب في الجملة الأولى؛ أي:أقرأ عليك القرآن، والحال أنه أُنْزِل عليك ولم يُنزَّل على غيرك؟ فالجملة الثانية فيها قصر إنزال القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم من قَصْر الصفة على الموصوف، فهو في استفهامه رضي الله عنه يتعَجَّب من أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بالقراءة عليه، مع ثبوت هذا الحال! ولأنه فهم أن المطلوب ليس هو تصحيح التلاوة، فأخبره صلى الله عليه وسلم بما يزيل تعجُّبه إذ قال: "إني أشتهي أن أسمعه من غيري":وفي الرواية الثانية: "إني أحب أن أسمعه من غيري"، و"أشتهي" من الاشتهاء؛ وهو نزوة النفس وميلها إلى ما تحب، وإذا كانت شهوة الطعام عند الجوع ممَّا يحمي البدن من الاختلال، فإن الشهوة لسماع القرآن مما يزين النفس بالفضيلة، ويحميها من الرذيلة، ويُشبعها بتعاليم الله وهُداه، وإنما اشتهى صلى الله عليه وسلم سماع القرآن من غيره؛ لأنه أبلغ في التدبُّر والتفهُّم؛ إذ يُتيح للفكر أن يجول في المعاني من غير أن يشتغل بالقراءة وكيفية أدائها، وليكون عَرْض القرآن سُنة يسنُّها لأمته صلى الله عليه وسلم.
فقرأت النساء: الظاهر أن ابن مسعود رضي الله عنه هو الذي اختار هذه السورة، وما زال يقرأ والرسول صلى الله عليه وسلم يستمع لقراءته حتى بلغ الآية الكريمة: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، وفي هذه الآية الكريمة الفاء فصيحة أفصحت عن شرطٍ مُقدَّر؛ أي: إذا كان كل قليل وكثير نُجَازِي عليه، فكيف حال هؤلاء الكُفَّار أو صنيعهم إذا جئنا من كل أمة بِنَبِيِّهم يشهد على كفرهم، وجئنا بك يا خاتم النبيين على هؤلاء الشهداء شهيدًا فتشهد على صدقهم؛ لعِلْمك بما أُرسلوا به، وتأييدك بكتابٍ -لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- قد أخبرك بهذا.
قال عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه: فقرأت النساء حتى إذا بلغت هذه الآية، رفعت رأسي، أو قال ابن مسعود رضي الله عنه: غمزني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله وسلم عليه لِيُنَبِّهني على بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم فرفعت رأسي؛ هذا شك من الراوي عن ابن مسعود (وليس ابن مسعود) هل قال: "رفعت رأسي"أو قال: "غمزني رجل فرفعت رأسي"؟على أي حال فقد تنبَّه لبكاء الرسول صلى الله عليه وسلم إمَّا من تلقاء نفسه أو من غَمْز الرجل له، فرأى دموع الرسول صلى الله عليه وسلم تسيل؛ فكان بكاءالرسول صلى الله عليه وسلم إمَّا إشفاقًا ورحمةً بالمُفرِّطِين من أمته، حيث يشهد على بعضٍ من أمته بالتكذيب، والجحود والكفر، فيُؤخذون بهذه الشهادة، ويقادون إلى النار؛ فرَقَّ قلبه عند ذلك، وإمَّا بكاء فرحٍ لا بكاء جَزَع؛ لأنه تعالى جعله شهيدًا على الأنبياء كما جعل أمته شهداء على الأُمَم، فبكى سرورًا وفرحًا من أجل ذلك، والسرور إذا اشتدَّ جدًّا أبكى الإنسان! وكما ذكر الحافظ ابن القيم رحمه الله: "البكاء أنواع: منه ما يكون بسبب الفرح، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها في واقعة الهجرة، لما عرض النبي صلى الله عليه وسلم على أبي بكر أن يرافقه في هجرته، فبكى أبو بكر رضي الله تعالى عنه فرحًا"، أو بكى تأثرًا من سماع القرآن لِعِظم ما تضمنته الآية، فيحتمل أن يكون البكاء بسبب رهبة ذلك الموقف، وعظم ذلك الموقف، وهول المطلع، فيؤتى بالأمم، ويؤتى بالنبي صلى الله عليه وسلم يشهد على أمته.
ويمكن أن يجتمع هذا وهذا، لكنه موقف عظيم، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
وفى هذا الحديث فوائد منها:
• استحباب طلب القراءة من غيره ليستمع له، وهو أبلغ في التفهُّم والتدبُّر من قراءته بنفسه.
• وتواضُع أهل العلم والفضل ولو مع أتباعهم.
• والاستماع إلى قارئ القرآن، ولو كان المستمع من حُفَّاظه؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباعًا لسُنته.
• وأن سماع القرآن فيه ثواب كما في تلاوته.
• والبكاء عند سماع القرآن.
• والأمر بقطع تلاوة القرآن للمصلحة.