عازف الناي
10-08-2022, 08:50 AM
أمر الله سبحانه وتعالى آدم عليه السلام بأن يسكن وزوجه في الجنة، وأن يأكلا منها حيث شاءا، إلا شجرة معينة، بيد أن الشيطان لم يتركهما وشأنهما، لكن وسوس لهما، بالعصيان، حتى أكلا من تلك الشجرة التي حذرهما منها ربهما عز وجل، ليأتي الأمر الإلهي لهما بالهبوط من الجنة، والاستقرار في الأرض، عقابا لهما على المخالفة.
وبعد استقرار آدم وحواء في الأرض عقابا لهما على المعصية، تناسلت منهما ذرية البشر، وكان إبليس من المطرودين من الجنة بعد ما كان منه، وكان رد فعله على هذا الطرد أنه أقسم على نفسه بإغواء بني آدم، وصدهم عن سواء السبيل.
فجاء التحذير الإلهي لذرية آدم، من الغواية الشيطانية، بعد أن هيأ الله لبني آدم سبل العيش في الأرض، وسخر لهم كل شيئ، فقال الله تعالى في سلسلة من الأوامر والنواهي التي كانت أشبه بالروشتة الخالصة التي تصف لهم السعادة في الدارين الدنيا والأخرة.
التحذير الأول: ستر العورة
أول ما وجه الله سبحانه وتعالى لبني آدم من توجيهات حاسمة ربط فيها الله عز وجل بين سبب طرد آدم وزوجه من الجنة، وبين ما يحفظ لذريته أسباب السعادة في الأرض، بقوله تعالى:
"يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26 الأعراف).
الإنسان لا يتوجه إلى كشف عورته دون خجل أو شعور بالنقص إلا كان ذلك دليلاً على فساد فطرته، وكمال انحراف سلوكه؛ لأن سَتْر العورة مما استقر في الفطرة البشرية واتفقت معها الشريعة الإلهية فيه. وعدم الشعور بقبح ظهور العورة، دليل على السقوط في الطبيعة الحيوانية الشهوانية، ودليل أيضاً على تجرد المجتمع - الذي يصبح فيه كشف العورات ظاهرة - من أي مظهر من مظاهر الحضارة؛ لأن غلبة الطبيعة الحيوانية على الإنسان سقوط في درك الحيوانية.
وهذا الخروج عن الفطرة السليمة نذير شؤم على الحياة العامة للإنسان؛ لأنه خروج عن سنن الله - تعالى - التي تستقيم بها الحياة، وتَفسُد بغيابها كل صورة من صورة الحياة السليمة، بل هو مِعْوَل هدم لكل مظاهر الحياة، ودخول في دروب الشقاء والتعاسة التي تلازم الإنسان في كل منعطفات حياته؛ ولذلك ربط الله - سبحانه - حياة الإنسان بهذه الأرض التي إن استقام الإنسان معها استقامت له الحياة، وإن أفسدها بالانحراف شقي فيها أيما شقاء؛ لأن استقامة الحياة وسعادة الإنسان مرهونين بلزوم طريق الهدى. قال - تعالى - موضحاً علاقة الإنسان بالأرض: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} [الأعراف: ٥٢]، وقد جاءت هذه الآية مع الآيات سابقة الذكر في سياق واحد.
وإذا كانت حياتهم مرهونة بهذه الأرض فكأنه يأمرهم بحُسْنِ التعامل معها، ومن ذلك عمرانها بما يكسب لهم الحياة الطيبة
التحذير الثاني: فتنة الشيطان
قال تعالى: "يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ۗ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (30)
بعد أن ذكر الله - سبحانه - قصة آدم وحواء - عليهما السلام - في الأعراف توجه بالخطاب إلى بني آدم يحذرهم فتنة الشيطان الذي أغوى أبويهم، غير أنه ربط هذا التحذير بالتذكير بنعمة اللباس الذي يواري السوءات، وجعل ظهور سوءات آدم وحواء - عليهما السلام - مقروناً بالخروج من الجنة، فقال - تعالى -: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْـجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: ٦٢ - ٧٢]، ثم يعقب ذلك بقوله - تعالى -: {وَإذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٨٢].
ولعل الآيات القرآنية توحي بأن التعري الذي صاحب الخروج من الجنة من أعظم الفتن التي يتعرض لها الإنسان في الحياة، بدليل قوله - تعالى -: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْـجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: ٧٢]، والشيطان قد لا يكون على علم بما يترتب على الأكل من الشجرة من ظهور السوءات، ولكن الله - تعالى - جعل الشيطان كأنه قصد إلى ذلك؛ لأن انكشاف السوءات مما يرضي الشيطان، بل ذلك من أعظم الوسائل التـي يسعى الشيطان مـن ورائهـا لفتنـة بنـي آدم. وأهم ما سعى إليـه الشيطان ابتـداءً هو إيقاعهما في المعصية، مع رغبته في ما يترتب على ذلك من العقوبة، ومن سوء الحال في الجملة؛ فكان من أهم مظاهر السوء إبداءُ السوءات التي كانت بالنسبة لبني آدم مفتاح شر مستطير، ولَـمَّا جُبِل الإنسان على سَتْر نقائصه عند سلامة فطرته، كان ظهور العورة عند آدم وحواء من النقائص؛ ولذلك بادر بسترها، كما قال - تعالى -: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْـجَنَّةِ} [الأعراف: ٢٢].
وكلمة {يابني ءَادَمَ} لفت إلى أن تتذكروا ماضي أبيكم مع عدوكم المبين، إبليس، أنتم أولاد آدم، والشيطان موجود، فانتبهوا. لقد أنزل الحق عليكم لباسا يواري سوءاتكم؛ لأن أول مخالفة حدثت كشفت السوءة.
ثم نبه الله عز وجل للباس التقوى؛ إنّه خير من لباس الزينة والرياش لأنكم تحمون به أنفسكم من القتل، أو ذلك اللباس- لباس التقوى- خير من اللباس المادي وهو من آيات الله، أي من عجائبه، وهو من الأشياء اللافتة؛ فالإِنسان منكم مكون من مادة لها احتياجات مادية وعورات مادية، وهناك أمور قيمية لا تنتظم الحياة إلا بها، وقد أعطاك الحق مقومات الحياة المادية، وزينة الحياة المادية، وأعطاك ما تحيا به في السلم والحرب، ومنهج التقوى يحقق لك كل هذه المزايا. فخذ الآيات مما تعلم ومما تحس لتستنبط منها ما يغيب عنك مما لا تحس.
التحذير الثالث: من حرم زينة الله؟
يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)
قل أي لهؤلاء المشركين الذي يحرمون ما يحرمون بآرائهم الفاسدة وابتداعهم "من حرم زينة الله " أي من الثياب وسائر ما يتجمل به التي أخرج لعباده " من النبات كالقطن والكتان، والحيوان كالحرير والصوف، والمعادن كالدروع، هكذا عمم المفسرون هنا، ووجهه أن تخصيصه يغني عنه ما مر والطيبات من الرزق " أي المستلذات من المآكل والمشارب.
قل إنما حرم ربي الفواحش التي تخالف الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والفواحش عبارة عن الكبائر ؛ لأنه قد تفاحش قبحها أي تزايد ، والإثم عبارة عن الصغائر ، فكان معنى الآية : أنه حرم الكبائر والصغائر ، وقيل إن الفاحشة هي الزنا.
أما الإثم فيجب تخصيصه بالخمر ؛ لأنه تعالى قال في صفة الخمر : ( وإثمهما أكبر من نفعهما ) ( البقرة : 219 ) وبهذا التقدير فإنه يظهر الفرق بين اللفظين .
كما حرم الله ( البغي بغير الحق ) والبغي والشرك لا بد وأن يكونا داخلين تحت الفواحش وتحت الإثم ، إلا أن الله تعالى خصهما بالذكر تنبيها على أنهما أقبح أنواع الذنوب .
و قوله تعالى : ( وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ) وفيه سؤال : وهو أن هذا يوهم أن في الشرك بالله ما قد أنزل به سلطانا ، وجوابه : المراد منه أن الإقرار بالشيء الذي ليس على ثبوته حجة ، ولا سلطان ممتنع ، فلما امتنع حصول الحجة والتنبيه على صحة القول بالشرك ، فوجب أن يكون القول به باطلا على الإطلاق ، وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن القول بالتقليد باطل .
والنوع الخامس من المحرمات المذكورة في هذه الآية : قوله تعالى : ( وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) .
وبعد استقرار آدم وحواء في الأرض عقابا لهما على المعصية، تناسلت منهما ذرية البشر، وكان إبليس من المطرودين من الجنة بعد ما كان منه، وكان رد فعله على هذا الطرد أنه أقسم على نفسه بإغواء بني آدم، وصدهم عن سواء السبيل.
فجاء التحذير الإلهي لذرية آدم، من الغواية الشيطانية، بعد أن هيأ الله لبني آدم سبل العيش في الأرض، وسخر لهم كل شيئ، فقال الله تعالى في سلسلة من الأوامر والنواهي التي كانت أشبه بالروشتة الخالصة التي تصف لهم السعادة في الدارين الدنيا والأخرة.
التحذير الأول: ستر العورة
أول ما وجه الله سبحانه وتعالى لبني آدم من توجيهات حاسمة ربط فيها الله عز وجل بين سبب طرد آدم وزوجه من الجنة، وبين ما يحفظ لذريته أسباب السعادة في الأرض، بقوله تعالى:
"يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26 الأعراف).
الإنسان لا يتوجه إلى كشف عورته دون خجل أو شعور بالنقص إلا كان ذلك دليلاً على فساد فطرته، وكمال انحراف سلوكه؛ لأن سَتْر العورة مما استقر في الفطرة البشرية واتفقت معها الشريعة الإلهية فيه. وعدم الشعور بقبح ظهور العورة، دليل على السقوط في الطبيعة الحيوانية الشهوانية، ودليل أيضاً على تجرد المجتمع - الذي يصبح فيه كشف العورات ظاهرة - من أي مظهر من مظاهر الحضارة؛ لأن غلبة الطبيعة الحيوانية على الإنسان سقوط في درك الحيوانية.
وهذا الخروج عن الفطرة السليمة نذير شؤم على الحياة العامة للإنسان؛ لأنه خروج عن سنن الله - تعالى - التي تستقيم بها الحياة، وتَفسُد بغيابها كل صورة من صورة الحياة السليمة، بل هو مِعْوَل هدم لكل مظاهر الحياة، ودخول في دروب الشقاء والتعاسة التي تلازم الإنسان في كل منعطفات حياته؛ ولذلك ربط الله - سبحانه - حياة الإنسان بهذه الأرض التي إن استقام الإنسان معها استقامت له الحياة، وإن أفسدها بالانحراف شقي فيها أيما شقاء؛ لأن استقامة الحياة وسعادة الإنسان مرهونين بلزوم طريق الهدى. قال - تعالى - موضحاً علاقة الإنسان بالأرض: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} [الأعراف: ٥٢]، وقد جاءت هذه الآية مع الآيات سابقة الذكر في سياق واحد.
وإذا كانت حياتهم مرهونة بهذه الأرض فكأنه يأمرهم بحُسْنِ التعامل معها، ومن ذلك عمرانها بما يكسب لهم الحياة الطيبة
التحذير الثاني: فتنة الشيطان
قال تعالى: "يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ۗ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (30)
بعد أن ذكر الله - سبحانه - قصة آدم وحواء - عليهما السلام - في الأعراف توجه بالخطاب إلى بني آدم يحذرهم فتنة الشيطان الذي أغوى أبويهم، غير أنه ربط هذا التحذير بالتذكير بنعمة اللباس الذي يواري السوءات، وجعل ظهور سوءات آدم وحواء - عليهما السلام - مقروناً بالخروج من الجنة، فقال - تعالى -: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْـجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: ٦٢ - ٧٢]، ثم يعقب ذلك بقوله - تعالى -: {وَإذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٨٢].
ولعل الآيات القرآنية توحي بأن التعري الذي صاحب الخروج من الجنة من أعظم الفتن التي يتعرض لها الإنسان في الحياة، بدليل قوله - تعالى -: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْـجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: ٧٢]، والشيطان قد لا يكون على علم بما يترتب على الأكل من الشجرة من ظهور السوءات، ولكن الله - تعالى - جعل الشيطان كأنه قصد إلى ذلك؛ لأن انكشاف السوءات مما يرضي الشيطان، بل ذلك من أعظم الوسائل التـي يسعى الشيطان مـن ورائهـا لفتنـة بنـي آدم. وأهم ما سعى إليـه الشيطان ابتـداءً هو إيقاعهما في المعصية، مع رغبته في ما يترتب على ذلك من العقوبة، ومن سوء الحال في الجملة؛ فكان من أهم مظاهر السوء إبداءُ السوءات التي كانت بالنسبة لبني آدم مفتاح شر مستطير، ولَـمَّا جُبِل الإنسان على سَتْر نقائصه عند سلامة فطرته، كان ظهور العورة عند آدم وحواء من النقائص؛ ولذلك بادر بسترها، كما قال - تعالى -: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْـجَنَّةِ} [الأعراف: ٢٢].
وكلمة {يابني ءَادَمَ} لفت إلى أن تتذكروا ماضي أبيكم مع عدوكم المبين، إبليس، أنتم أولاد آدم، والشيطان موجود، فانتبهوا. لقد أنزل الحق عليكم لباسا يواري سوءاتكم؛ لأن أول مخالفة حدثت كشفت السوءة.
ثم نبه الله عز وجل للباس التقوى؛ إنّه خير من لباس الزينة والرياش لأنكم تحمون به أنفسكم من القتل، أو ذلك اللباس- لباس التقوى- خير من اللباس المادي وهو من آيات الله، أي من عجائبه، وهو من الأشياء اللافتة؛ فالإِنسان منكم مكون من مادة لها احتياجات مادية وعورات مادية، وهناك أمور قيمية لا تنتظم الحياة إلا بها، وقد أعطاك الحق مقومات الحياة المادية، وزينة الحياة المادية، وأعطاك ما تحيا به في السلم والحرب، ومنهج التقوى يحقق لك كل هذه المزايا. فخذ الآيات مما تعلم ومما تحس لتستنبط منها ما يغيب عنك مما لا تحس.
التحذير الثالث: من حرم زينة الله؟
يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)
قل أي لهؤلاء المشركين الذي يحرمون ما يحرمون بآرائهم الفاسدة وابتداعهم "من حرم زينة الله " أي من الثياب وسائر ما يتجمل به التي أخرج لعباده " من النبات كالقطن والكتان، والحيوان كالحرير والصوف، والمعادن كالدروع، هكذا عمم المفسرون هنا، ووجهه أن تخصيصه يغني عنه ما مر والطيبات من الرزق " أي المستلذات من المآكل والمشارب.
قل إنما حرم ربي الفواحش التي تخالف الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والفواحش عبارة عن الكبائر ؛ لأنه قد تفاحش قبحها أي تزايد ، والإثم عبارة عن الصغائر ، فكان معنى الآية : أنه حرم الكبائر والصغائر ، وقيل إن الفاحشة هي الزنا.
أما الإثم فيجب تخصيصه بالخمر ؛ لأنه تعالى قال في صفة الخمر : ( وإثمهما أكبر من نفعهما ) ( البقرة : 219 ) وبهذا التقدير فإنه يظهر الفرق بين اللفظين .
كما حرم الله ( البغي بغير الحق ) والبغي والشرك لا بد وأن يكونا داخلين تحت الفواحش وتحت الإثم ، إلا أن الله تعالى خصهما بالذكر تنبيها على أنهما أقبح أنواع الذنوب .
و قوله تعالى : ( وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ) وفيه سؤال : وهو أن هذا يوهم أن في الشرك بالله ما قد أنزل به سلطانا ، وجوابه : المراد منه أن الإقرار بالشيء الذي ليس على ثبوته حجة ، ولا سلطان ممتنع ، فلما امتنع حصول الحجة والتنبيه على صحة القول بالشرك ، فوجب أن يكون القول به باطلا على الإطلاق ، وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن القول بالتقليد باطل .
والنوع الخامس من المحرمات المذكورة في هذه الآية : قوله تعالى : ( وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) .