عازف الناي
07-08-2022, 12:51 AM
خطبةُ عيدِ الأضحَى المبارك بتاريخ: 10 ذي الحجة 1443هــ – 9 يونيو 2022م.
تحت عنوان ( الاستسلام والانقياد لأمر الله في قصة الذبيح )
اقرا في هذه الخطبة
اولا : الاستسلام لامر لله ثانيا : أمر الله لإبراهيم بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام
ثالثا : نماذج من التضحية في الاسلام
الخطبة الاولي
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكوراً.
وتبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدّره تقديراً.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
الله أكبر ما توالت علينا النعم والخيرات، الله أكبر ما تنسَّم العباد نفحات أشهر الحج المعلومات، بدءا من شوال شهر الجائزة تمنح لمن صام رمضان وقام لياليه المباركات، وانتهاء بذي الحجة، حيث ترتفع فيه الأصوات بألوان التلبيات، مكبرين ومهللين رب الأرض والسماوات ، فطوبى لمن تعرض لنفحات أيامه العشر الزكيات، وتزود لعامه بصوم يوم عرفات، وتوَّج خاتمة العشر الفضيل منه يومَ النحر بالتقرب بالهدايا والأضحيات.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المعروف بدليله، الهادي إلى سبيله، المشكور على كثير الإنعام وقليله ، الصادق في قيله ، شهادة تلهج بها ألسنتنا وقت اليسر ادخارا ليوم العسر، سبحانه أقسم في محكم تنزيله بالدهر، إعلاء لشرف الزمن والعمر، فأقسم سبحانه بالضحى والليل إذا يسر، وبأول النهار وآخره، فأقسم بالفجر والعصر، وأعلى من شأن يوم عرفة والنحر، فسبحان القائل: ((والفجر وليال عشر، والشفع والوتر، والليل إذا يسر، هل في ذلك قسم لذي حجر)).
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه من خلقه وخليله صاحب الجبين الأنور، والوجه الأزهر، والمقام الأكبر، أكرمه الله بنهر الكوثر، وجعل طريقه إليه تعظيمَه ليوم النحر، فقال عز من قائل: ((إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر)) ، صل اللهم وسلم عليه وعلى أصحابه صلاة وسلاما أكملين متلازمين إلى يوم العرض الأكبر.
أما بعد:
فهذا يوم الحج الأكبر، والموسم الأشهر، جعله الله عيدا للمسلمين، وشرع فيه ما شرع من شعائر الدين، تزكية للنفوس، وتبصرة للعقول، وتحسينا للأعمال، وتذكيرا بعهد إمام الموحدين، وشيخ الأنبياء والمرسلين، إبراهيم الخليل عليه وعليهم الصلاة والسلام أجمعين.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله الله اكبر الله اكبر ولله الحمد
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله الله اكبر الله اكبر ولله الحمد
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله الله اكبر الله اكبر ولله الحمد
اولا : الاستسلام لامر لله
إن الله خلق الخلق بقدرته، وقدر أقدار الخلائق قبل خلقها، وعلى الإنسان أن يسلم لقضاء الله تعالى وقدره، وذلك بأن يعمل بما أمره الله، وينتهي عما نهى الله عنه، ثم يسلم لما حكم الله به وقدره عليه.
والذي ينظر إلى القرآن الكريم والسنة المطهرة، يلحظ طرفاًَ من حكمة الله تعالى في القضاء والقدر، مما يدفعه إلى التسليم والخضوع لله.
اعلم ان الإسلام هو الاستسلام والانقياد: قال تعالي ( أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)ال عمران
إنه الامتحان الذي ظهرت نتيجته الباهرة فإبراهيم صدّق الرؤيا وإسماعيل صدّق أباه، والأمر شاق وصعب، إبراهيم شيخ كبير مهاجر ترك الأرض والوطن، رزقه الله غلاما حليما، ما كاد يستأنس به حتى أمره ربه بذبحه، والإبن تلقى الأمر في طاعة واستسلام ورضى فَلَمَّا ( أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَن ياإِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات:103-105]، هذا هو الإسلام، إنه الإستسلام لأمر الله، إنه الطاعة والتسليم والتنفيذ وذاك ما يريده الله من عبده، فلما ظهر ذلك منهما فدى الله هذه النفس المسلمة بذبح عظيم.
وها أنتم معاشر المسلمين ستذبحون ضحاياكم ذكرى لهذا الحادث العظيم، ذكرى لعظمة الإستسلام والطاعة لرب العالمين، فاحمدوا الله على نعمه، واشكروه على أن وفقكم لطاعته، واذكروا أبا الأنبياء الذي هو أبو هذه الأمة المسلمة التي كتب الله عليها أن تقود البشرية بالقرآن على ملة إبراهيم عليه السلام، فأبشروا بالثواب الجزيل والخير الذي لا يحصر، الله أكبر.
قال الله تعالى: وَمَن يَرْغَبُ عَن مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِى الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ [البقرة:130، 131].
وقد سمي إبراهيم حنيفا لأنه مال إلى دين الله وهو الإسلام والإسلام هو الخضوع والطاعة والخشوع لله.
فإبراهيم كان مسلما، وقد سمى الله تعالى من اتبع دينه وأطاع أمره مسلما، قال تعالى: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَاذَا [الحج:78]، فسمانا الله تعالى مسلمين من قبل نزول القرآن وفي القرآن فالمسلم حقا من اتبع ملة إبراهيم وآمن بجميع الرسل وبخاتمهم وإمامهم نبينا محمد سيد البشر، الله أكبر.
والمسلم المستسلم الخاضع لأمر الله لا يرضى إلا بشرع الله، ولا يطبق إلا أمر الله،ولا يذبح الا لله فقد هداه الله إلى الدين الحق، والصراط المستقيم، والمنهج القويم قال تعالي ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) [الأنعام:161 :163] أما من زهد في دين الله وشرعه وهجر أحكامه، فقد جهل أمر نفسه وأهلكها.
ثانيا : أمر الله لإبراهيم الخليل بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام
اخوتى يتبادر الينا سؤال ما الحكمة في امر ابراهيم عليه السلام بذبح ولده
يجيب ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب (زاد المعاد) يقول: "لما سأل إبراهيم عليه السلام ربه الولد ووهبه له، تعلقت شعبة من قلبه بمحبته. والله تعالى قد اتخذه خليلاً؛ والخلة منصب يقتضي توحيد المحبوب بالمحبة وأن لا يشارك بينه وبين غيره فيها. فلما أخذ الولد شعبة من قلب الوالد، جاءت غيرة الخلة تنتزعها من قلب الخليل فأمره بذبح المحبوب. فلما أقدم على ذبحه وكانت محبة الله أعظم عنده من محبة الولد، خلُصَت الخلة حينئذ من شوائب المشاركة فلم يبقَ في الذبح مصلحة إذ كانت المصلحة إنما هي في العزم وتوطين النفس عليه فقد حصل المقصود فنُسِخ الأمر، وفُدِي الذبيح، وصدق الخليل الرؤيا، وحصل مراد الرب.
قال ابن كثير رحمه الله: "وهذا اختبار من الله لخليله في أن يذبح هذا الوزير العزيز الذي جاءه على كبر". [تفسير ابن كثير
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله الله اكبر الله اكبر ولله الحمد
نام إبراهيم عليه السلام ليلة من الليالي فإذا به يرى في المنام أمراً مفزعاً ما الأمر الذي رآه إبراهيم؟! وتخيل ذلك الموقف! يرى إبراهيم في المنام أنه يحمل سكيناً، ويأتي إلى ابنه إسماعيل فيذبحه بهذا السكين إنا لله وإنا إليه راجعون! قال القرطبي: قال مقاتل: "رأى ذلك إبراهيم ثلاث ليال متتابعات". [تفسير القرطبي: 15/101] رآه ليلة الثامن فتروى فسمي يوم التروية ورآه لية التاسع فعرف انه حق فسمي يوم عرفه ورآه ليلة النحر فهم بنحر ولده فسمي يوم النحر
وأخرج الطبري بسند حسن أيضاً عن قتادة: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [الصافات: 102] قال: رؤيا الأنبياء حق إذا رأوا في المنام شيئًا فعلوه". [جامع البيان: 22608].
ولكنه كان مستسلماً لأمر الله جلَّ وعلا، فإنه وحي من الله: يا إبراهيم! اذبح ابنك الذي ظالما انتظرته، ولطالما اشتقت إليه وتعلق قلبك به! لم يقل الله: أرسله للجهاد ليموت، ولم يخبره الله أنه سوف يموت بمرض أو بقتل قاتل، لا.
قال سبحانه: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) الصافات
انظر إلى الأسلوب! الأب يكلم ابنه ويقول: يا بني! وقد كان صغيراً في السن {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ} [الصافات:102] ورؤيا الأنبياء حق ووحي من الرحمن جل وعلا.
ماذا ترى يا أبي؟ {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:102] يا أبي! ماذا تقول؟ فيقول: أمرني الله في المنام أن أضجعك على الأرض وأحمل سكيناً فأنحرك بيدي.
الأمر صعب -يا أخي- وقد تقول: إنه لابد من الاستسلام لله جل وعلا، ولكن لو وقع عليك الأمر فهل تستسلم؟
{قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [الصافات:102] يأمر الله تعالى بذبحه وعلى يد أبيه، وهو يقول: إن شاء الله انظر إلى الأدب مع الله عز وجل، وانظر إلى الاستسلام الكامل لله تبارك وتعالى، يقول: سوف أصبر، لكن ليس بحولي ولا بقوتي ولا بشجاعتي، فالقضية ليست شجاعة، ولا قوة، وليست جرأة؛ إن القضية إيمان بالله جلَّ وعلا، وتوكل على الرحمن تبارك وتعالى {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102]
ولا ندري والله بأيهما أكثر أعجابًا نحن بالوالد الذي يكلفه ربه بأمر لا تكاد تطيقه نفس بشرية بأن يذبح ولده، أم الإعجاب بهذا الولد النجيب الذي لم يبد تذمرًا، ولا اعتراضًا، ولا تلكؤًا، ولا تباطؤا، ولا عقوقًا، بل شجع والده على التنفيذ، وتعهد بالصبر، واستثنى بمشيئة الله لتحصل البركة، ولم يغتر بذلك، ولم يزعم، ولم يدع ادعاء بل صدق حتى شهد الله له بالصدق؟
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ[الصافات: 103]، لما تشهدا وذكرا الله ماذا حدث؟ ولماذا ذكر الله هنا فَلَمَّا أَسْلَمَاإبراهيم يسمي على الذبح، والولد يتشهد لأنه قبل الموت لا بدّ من النطق بالشهادة، فَلَمَّا أَسْلَمَا ذكر الله إبراهيم ذكر على الذبح، وإسماعيل على وداع الدنيا.
وقيل: أَسْلَمَا، يعني: استسلما، وانقادا، وامتثلا للأمر رغبة، فيما عند الله، خوفًا من عقاب الله، ووطن الولد نفسه على أنه مذبوح، والأب احتسب الأجر في ذهاب فلذة كبده بيده، ولم يقل له: سأرسل ملكًا يذبحه، أو هو سيموت سآخذه يموت حتم أنفه، لا، أنت تذبحه بيدك.
وقرأ ابن مسعود وابن عباس وعلي فَلَمَّا أَسْلَمَا، يعني: فوضا أمرهما إلى الله.
وقال ابن عباس: استسلما.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: أسلما هذا نفسه لله، وأسلم هذا ابنه لله. [جامع البيان: 21/76].
وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ [الصافات: 103] قلبه، قلب إبراهيم إسماعيل على جبينه ليضجعه فيذبحه منكبًا على وجهه لئلا ينظر إليه وقت الذبح، فلعله يرى من ألم الولد وتغير وجهه عند الذبح ما يجعله يتراجع، أو يتلكأ، أو لا يكمل الذبح، فقلبه على وجهه ليكون هذا أهون على تنفيذ المقصود.
قال قتادة: وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ: أي وكبه لفيه، يعني: قلبه على فمه، وأخذ الشفرة.
وجاء في بعض الروايات -والله أعلم بصحتها- أن الابن قال: "يا أبت اشتد رباطي حتى لا اضطرب، واكفف ثيابك لئلا يتنضح عليها شيء من الدم فتراه أمي فتحزن، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون الموت أهون، واقذفني للوجه لئلا تنظر إلى وجهي فترجمني، ولئلا أنظر إلى الشفرة فأجزع، وإذا أتيت أمي فأقرئها مني السلام". [الجامع لأحكام القرآن: 15/104].
فلما جر إبراهيم السكين ضرب الله عليه صفيحة من نحاس فيما قال، ولكن الذي عرفنا من الآية أن الذبح لم يتم مع أن الشروع فيه حصل، لكن عطل الله خاصية القطع في السكين كما عطل خاصية الإحراق في النار، فلما لم تحرق إبراهيم النار ومن خواصها الإحراق عندما ألقي فيها كذلك لم تقطع سكينه مع أن من خواص السكين القطع، وقد اختار شفرة قوية حادة لسرعة إنجاز المهمة،) وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وكبه، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات: 104-105]، فالتفت التفت فإذا هو كبش.
وقد يقال: إنه ما دام أنه لم تثبت صحة تعطل السكين عند القطع فيكفي في الامتثال أنه تهيأ، وأنه استعد، وقلب الولد على جبينه، وما عنده أي تردد في الذبح والتنفيذ.
وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ [الصافات: 104].
قال ابن عباس رضي الله عنهما رفعه إلى النبي ﷺ: لما أتى إبراهيم خليل الله صلوات الله عليه وسلامه المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض قال ابن عباس رضي الله عنهما: الشيطان ترجمون، وملة أبيكم إبراهيم تتبعون"، رواه ابن خزيمة في صحيحه، والحاكم واللفظ له، وقال صحيح على شرطهما، وفي صحيح الترغيب والترهيب للألباني. [المستدرك: 1713، وصحيح الترغيب: 1156].
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما أمر إبراهيم ﷺ بالمناسك عرض عليه الشيطان عند السعي فسابقه، فسبقه إبراهيم ﷺ، ثم ذهب به جبريل ﷺ إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع، وثم وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ[الصافات:103] وعلى إسماعيل ﷺ قميص أبيض، فقال له: يا أبت إنه ليس لي ثوب تكففني فيه غيره فأخلع حتى تكففني فيه، فعالجه ليخلعه، فنودي من خلفه أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات: 103] فالتفت إبراهيم، فإذا بكبش أبيض أقرن أعين، عيون كبيرة، كبش جميل، قال ابن عباس: لقد رأيتنا نتتبع ذلك الضرب من الكباش". [رواه أحمد يعني: في الأضاحي وغيرها نبحث عن مثل هذه الصفات.
ونَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات: 104-105]، ناديناه في تلك الحال المزعجة، والأمر المدهش، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات: 105] حصل المقصود من رؤياك بإضجاعك ولدك للذبح، ويكفي هذا يكفي في تنفيذك لما في الرؤيا، ما حصل إلى الآن حققت ما أوحينا به إليك، وفعلت ما أمكنك، وبالتالي فإن الابتلاء قد تم، والطاعة ظهرت.
( ان هذا لهو البلاء المبين ) ولكنه الخليل إبراهيم الذي أسكن ولده الرضيع وأمه بواد غير ذي زرع، لا حسيس ولا أنيس، ولا زرع ولا ضرع، امتثالا لأمر الله عز وجل، ثم توجه إلى بيت الله فقال: رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصلاةَ [إبراهيم:37].
يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه (الداء والدواء): "ليس المراد من الابتلاء أن نُعذب، ولكنا نبتلي لنُهذب، وليس العجب من أمر الخليل بذبح ولده، وإنما العجب من مباشرة الذبح بيده، ولولا استغراق حب الأمر لما هان مثل هذا المأمور".
بلاء مبين عباد الله، ولكنه الخليل إبراهيم الذي مدحه عز وجل بقوله: وَإِبْراهِيمَ الَّذِى وَفَّى [النجم:37].
بلاء مبين عباد الله ، ولكنه الخليل إبراهيم الذي قال الله عز وجل فيه: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة:124].
بلاء مبين عباد الله ، أبٌ قد رزق ولدا على كبر، هو بكره ووحيده ، ولما صار الولد يسعى مع أبيه، يرى الأب في المنام أنه يؤمر بذبح ولده، ورؤيا الأنبياء وحي، واستجاب الأب لأمر الله وآثر رضاه على هوى نفسه، وأخبر الولد تطييبا لخاطره، وحتى لا يأخذه قسرا ويذبحه قهرا، فما كان جواب الولد عباد الله؟ ما قال: ما ذنبي؟ ما قال: وهل تطاوعك نفسك أن تقتلني؟ فيحرك في أبيه عاطفة الأبوة، بل قال الولد الحليم: ( ياأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) جواب سديد من غلام الحليم.
فالوالد هو إبراهيم الخليل والولد إسماعيل عليه السلام جد نبينا ( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) استسلم الابن للقتل وهمّ الوالد أن ينفذ أمر الله عز وجل، ووجه الغلام إلى الأرض، حتى لا يرى وجهه وهو يذبحه ، الله عز وجل لا يستفيد منا شيئا: ( لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَاكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ) [الحج:37].
وتدرك رحمة الرحمن الأب المكلوم، والابن البار، فيُفتدى الذبيح بكبش من الجنة عظيم، وتبقى سنة باقية إلى يوم الدين، فسلام على إبراهيم وإسماعيل في العالمين.
أرأيتم قلبا أبويا *** يتقبل أمرًا يأباه ؟؟
أرأيتم ابنًا يتلقى *** أمرًا بالذبح ويرضاه؟
ويجيب الابن بلا فزع *** افعل ما تؤمر أبتاه
لم أعصي لإلهي أمرًا *** من يعصي يومًا مولاه؟
واستل الوالد سكينًا *** واستسلم ابن لرداه
ألقاه برفق لجبين *** كي لا تتلقى عيناه
وتهز الكون ضراعات *** ودعاء يقبله الله
تتضرع للرب الأعلى *** أرض وسماء ومياه
ويجيب الحق ورحمته *** سبقت في فضل عطاياه
صدَّقتَ الرؤيا لا تحزن *** يا إبراهيم فديناه
أيها الأحبة الكرام! ما أحوج الأمة في هذه الأيام، وفي هذا اليوم العظيم الكريم أن تتعلم هذا الدرس الكبير - درس التضحية والفداء- من خليل الله إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام. إن إبراهيم عليه السلام قد قدم للبشرية كلها أغلى وأعلى دروس التضحية والفداء، نعم أيها المسلمون! إنه موقف فريد في تاريخ البشرية، إننا أمام موقف من أعظم مواقف الإيمان، وأروع وأنبل مشاهد الطاعة وأعظم لحظات الاستسلام والانقياد لله جل وعلا.
العنصر الثالث : نماذج من التضحية في الاسلام
ان صور التضحية في حياتنا أكثر من أن تعد :
ففي الصلوات الخمس تضحية بكل ما يشغلنا عن الصلاة من كسب مادي أو طعام أو لهو أو غير ذل.
وفي الصيام تضحية بمتعة الطعام والشراب والشهوة.
وفي الزكاة تضحية بالمال الذي تميل إليه النفس.
وفي الحج تضحية بمفارقة الوطن والأهل، وبتحمل مشاق السفر، وبالإنفاق لأداء المناسك.
لذلك فنحن مدعوّون إلى التضحية وبذل النفس والنفيس، والغالي قبل الرخيص من أجل إعلاء كلمة الله، والتمكين لدينه في الأرض، وأداء الأمانة التي كلفنا الله بها، مثلما كان حال السابقين، والسلف الصالح، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. ألا فليضح كل منكم بما في استطاعته ، وبما يقدر عيله ويملكه ، من ماله ،أو وقته ،أو علمه ،أو صحته ، أو غير ذلك وليحتسب عند الله تضحيته ، ليعتق الله بها رقبته من النار يوم نلقى الله العزيز الغفار
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله الله اكبر الله اكبر ولله الحمد
عباد الله ليس القرآن للتسلية، ولا للتمتع في أوقات الفراغ، وإنما هو منهاج للدعاة على طريق هذا الدين وإلى يوم القيامة في اقتفاء أثر سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم سيد الخلق أجمعين ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر))، ومع ذلك ؛ كان صاحب اكبر تضحية وفداء وهو كما يقول - في الحديث الصحيح - ((لقد أوذيت في الله، وما يؤذى أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون من بين يوم وليلة، وما لي ولبلال ما يأكله ذو كبد إلا ما يواري إبط بلال من الطعام)). هذا الحديث حسن صحيح رواه الترمذي وأحمد وغيره.
وعندما جاءت قريش تساوم أبا طالب أن يكف ابن أخيه عن إذايتهم، وأرسل عقيلاً وراءه يذكره أن قومه راجعوه حتى يكف عن أذيتهم ((والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أدع هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك دونه) فلما راي عمه تضحيته وفداءه في سبيل دعوته نافح ودافع عنه
قال تعالي ( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ۖ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) الانعام
قال ابن عباس ومقاتل نزلت في أبي طالب كان ينهى الناس عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم ويمنعهم وينأى عن الإيمان به ، أي : يبعد ، حتى روي أنه اجتمع إليه رءوس المشركين وقالوا : خذ شابا من أصبحنا وجها ، وادفع إلينا محمدا ، فقال أبو طالب : ما أنصفتموني أدفع إليكم ولدي لتقتلوه وأربي ولدكم؟ وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه إلى الإيمان ، فقال : لولا أن تعيرني قريش لأقررت بها عينك ، ولكن أذب عنك ما حييت . وقال فيه أبياتا :
وَاللَهِ لَن يَصِلوا إِلَيكَ بِجَمعِهِم حَتّى أُوَسَّدَ في التُرابِ دَفينا
فَاِصدَع بِأَمرِكَ ما عَلَيكَ غَضاضَةٌ وَاِبشِر بِذاكَ وَقَرَّ مِنهُ عُيونا
وَدَعَوتَني وَزَعَمتَ أَنَّكَ ناصِحٌ وَلَقَد صَدَقتَ وَكُنتَ ثَمَّ أَمينا
وَعَرَضتَ ديناً قَد عَلِمتُ بِأَنَّهُ مِن خَيرِ أَديانِ البَرِيَّةِ دينا
لَولا المَلامَةُ أَو حِذاري سُبَّةً لَوَجَدتَني سَمحاً بِذاكَ مُبينا
ان الأثر الذي تركه الرسول عليه الصلاة والسلام في أصحابه لكبير جدا تضحية وفداءا فهذا علي ابن ابي طالب اسد الله الغالب وليث المشارق والمغرب كيف ضحي بنفسه يوم الهجرة فنام في فراش رسول الله لي الله عليه وسلم فكان اول فدائي في الاسلام
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر . الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله الا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد
يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع العرب ويربيهم، فالواحد منهم يطعن بالرمح في ظهره ويخرج من صدره فيقول: فزت ورب الكعبة!
انه حرام بن ملحان فقد روى الشيخان واللفظ لمسلم عن أنس بن مالك قال : جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم القراء فيهم خالي حرام يقرؤون القرآن ويتدارسون بالليل يتعلمون وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا، قال وأتى رجل حراما خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه فقال حرام: فزت ورب الكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إن إخوانكم قد قتلوا، وإنهم قالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا.
وحنظلة بن ابي عامر يترك زوجه ليلة عرسه فتغسله الملائكة واستشهد حنظلة يوم أحد، قتله شداد بن الأسود مع أبو سفيان اشتركا في قتله، لحق بأحد صبيحة عرسه فاستشهد وغسلته الملائكة بنص الحديث، ولما علم رسول الله بمقتله، قال: «إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضة » قال أبو أسيد الساعدي: فذهبنا فنظرنا إليه فإذا رأسه يقطر ماء. ولما سئلت زوجته عن ذلك قالت: خرج وهو جنب لما سمع منادي الجهاد، فقال:»لذلك غسلته الملائكة»، فلقب من يومها بـ «غسيل الملائكة».
ان الحج والاضحية يرسخان كل معاني التضحية في قلوب الحجاج، فالتضحية بالمال، إذ إنه يجمع الأموال الكثيرة ليؤدي فريضة الله عز وجل، والتضحية بالوقت الطويل، والتضحية بالجهد، والتضحية بمتع الحياة المختلفة، ولن ينصر هذه الأمة إلا من تدرب على التضحية بكل معانيها، تضحية بكل شيء في سبيل إعلاء كلمة الله عز وجل، والحج من أعظم المدارس في ذلك.
عباد الله: إِنَّ هَذَا اليَوْمَ يَومُ عِبادَةٍ وَنُسُكٍ وَدُعاءٍ، إنه يَومُ الصَّفَاءِ والصِّدْقِ، يومُ الحُبِّ والوَفاءِ، يومُ البَذْلِ والعَطَاءِ، يومُ الإنفاقِ والعَطْفِ عَلَى الفُقَراءِ، هَذَا يَوْمٌ تُمْسَحُ فيهِ دَمْعَةُ اليَتيمِ، هذَا يَوْمُ بِرِّ الوَالدينِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُوصَلُ فيهِ الأَرْحامُ ابتغاءَ مرضاةِ ربِّ الأَنَامِ، ويومُ تفقدِ الـمَسَاكينِ، وزيارةِ قبور المسلمين، وَزِيارةِ الـمَرْضَى، وإِدْخالِ البَهْجَةِ والسُّرُورِ عَلَى الأَهْلِ والجِيرانِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تَتَصَافَحُ فيهِ الأَيْدِي، وَتَتَآلَفُ فيهِ القُلُوبُ، ويَسْعَى فيهِ السَّاعُونَ للإصلاحِ بينَ الـمُتخاصمينَ.
عبادَ اللهِ: تَرَاحَمُوا وتَعَاطَفُوا، وتَصَافَحُوا وتَسَامَحُوا، وتَزَاوَرُوا وتَهَادَوْا، وبَرُّوا آباءَكُم، وصِلُوا أرحامَكُم، فإنَّ صِلةَ الأرحامِ ثوابُهَا معجَّلٌ فِي الدنيَا ونعيمٌ مُدَّخَرٌ فِي الآخرةِ، وتَبْسُطُ الأرزاقَ، وتُبَارِكُ فِي الأعمارِ.
اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، اللهُمَّ اجْعَلْ سَعادَتَنَا برِضاكَ، وارضَ عنَّا يَوْمَ نَلْقاكَ، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبَرُ وللهِ الحَمْدُ.
ألا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على الهادي البشير والسراج المنير كما أمركم بذلك اللطيف الخبير، فقال عز من قائل: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [الأحزاب:56] .
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله.
وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مُطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اقول قولي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ.
جمع وترتيب - ثروت سويف – امام وخطيب بالأوقاف المصرية
تحت عنوان ( الاستسلام والانقياد لأمر الله في قصة الذبيح )
اقرا في هذه الخطبة
اولا : الاستسلام لامر لله ثانيا : أمر الله لإبراهيم بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام
ثالثا : نماذج من التضحية في الاسلام
الخطبة الاولي
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكوراً.
وتبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدّره تقديراً.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
الله أكبر ما توالت علينا النعم والخيرات، الله أكبر ما تنسَّم العباد نفحات أشهر الحج المعلومات، بدءا من شوال شهر الجائزة تمنح لمن صام رمضان وقام لياليه المباركات، وانتهاء بذي الحجة، حيث ترتفع فيه الأصوات بألوان التلبيات، مكبرين ومهللين رب الأرض والسماوات ، فطوبى لمن تعرض لنفحات أيامه العشر الزكيات، وتزود لعامه بصوم يوم عرفات، وتوَّج خاتمة العشر الفضيل منه يومَ النحر بالتقرب بالهدايا والأضحيات.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المعروف بدليله، الهادي إلى سبيله، المشكور على كثير الإنعام وقليله ، الصادق في قيله ، شهادة تلهج بها ألسنتنا وقت اليسر ادخارا ليوم العسر، سبحانه أقسم في محكم تنزيله بالدهر، إعلاء لشرف الزمن والعمر، فأقسم سبحانه بالضحى والليل إذا يسر، وبأول النهار وآخره، فأقسم بالفجر والعصر، وأعلى من شأن يوم عرفة والنحر، فسبحان القائل: ((والفجر وليال عشر، والشفع والوتر، والليل إذا يسر، هل في ذلك قسم لذي حجر)).
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه من خلقه وخليله صاحب الجبين الأنور، والوجه الأزهر، والمقام الأكبر، أكرمه الله بنهر الكوثر، وجعل طريقه إليه تعظيمَه ليوم النحر، فقال عز من قائل: ((إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر)) ، صل اللهم وسلم عليه وعلى أصحابه صلاة وسلاما أكملين متلازمين إلى يوم العرض الأكبر.
أما بعد:
فهذا يوم الحج الأكبر، والموسم الأشهر، جعله الله عيدا للمسلمين، وشرع فيه ما شرع من شعائر الدين، تزكية للنفوس، وتبصرة للعقول، وتحسينا للأعمال، وتذكيرا بعهد إمام الموحدين، وشيخ الأنبياء والمرسلين، إبراهيم الخليل عليه وعليهم الصلاة والسلام أجمعين.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله الله اكبر الله اكبر ولله الحمد
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله الله اكبر الله اكبر ولله الحمد
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله الله اكبر الله اكبر ولله الحمد
اولا : الاستسلام لامر لله
إن الله خلق الخلق بقدرته، وقدر أقدار الخلائق قبل خلقها، وعلى الإنسان أن يسلم لقضاء الله تعالى وقدره، وذلك بأن يعمل بما أمره الله، وينتهي عما نهى الله عنه، ثم يسلم لما حكم الله به وقدره عليه.
والذي ينظر إلى القرآن الكريم والسنة المطهرة، يلحظ طرفاًَ من حكمة الله تعالى في القضاء والقدر، مما يدفعه إلى التسليم والخضوع لله.
اعلم ان الإسلام هو الاستسلام والانقياد: قال تعالي ( أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)ال عمران
إنه الامتحان الذي ظهرت نتيجته الباهرة فإبراهيم صدّق الرؤيا وإسماعيل صدّق أباه، والأمر شاق وصعب، إبراهيم شيخ كبير مهاجر ترك الأرض والوطن، رزقه الله غلاما حليما، ما كاد يستأنس به حتى أمره ربه بذبحه، والإبن تلقى الأمر في طاعة واستسلام ورضى فَلَمَّا ( أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَن ياإِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات:103-105]، هذا هو الإسلام، إنه الإستسلام لأمر الله، إنه الطاعة والتسليم والتنفيذ وذاك ما يريده الله من عبده، فلما ظهر ذلك منهما فدى الله هذه النفس المسلمة بذبح عظيم.
وها أنتم معاشر المسلمين ستذبحون ضحاياكم ذكرى لهذا الحادث العظيم، ذكرى لعظمة الإستسلام والطاعة لرب العالمين، فاحمدوا الله على نعمه، واشكروه على أن وفقكم لطاعته، واذكروا أبا الأنبياء الذي هو أبو هذه الأمة المسلمة التي كتب الله عليها أن تقود البشرية بالقرآن على ملة إبراهيم عليه السلام، فأبشروا بالثواب الجزيل والخير الذي لا يحصر، الله أكبر.
قال الله تعالى: وَمَن يَرْغَبُ عَن مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِى الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ [البقرة:130، 131].
وقد سمي إبراهيم حنيفا لأنه مال إلى دين الله وهو الإسلام والإسلام هو الخضوع والطاعة والخشوع لله.
فإبراهيم كان مسلما، وقد سمى الله تعالى من اتبع دينه وأطاع أمره مسلما، قال تعالى: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَاذَا [الحج:78]، فسمانا الله تعالى مسلمين من قبل نزول القرآن وفي القرآن فالمسلم حقا من اتبع ملة إبراهيم وآمن بجميع الرسل وبخاتمهم وإمامهم نبينا محمد سيد البشر، الله أكبر.
والمسلم المستسلم الخاضع لأمر الله لا يرضى إلا بشرع الله، ولا يطبق إلا أمر الله،ولا يذبح الا لله فقد هداه الله إلى الدين الحق، والصراط المستقيم، والمنهج القويم قال تعالي ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) [الأنعام:161 :163] أما من زهد في دين الله وشرعه وهجر أحكامه، فقد جهل أمر نفسه وأهلكها.
ثانيا : أمر الله لإبراهيم الخليل بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام
اخوتى يتبادر الينا سؤال ما الحكمة في امر ابراهيم عليه السلام بذبح ولده
يجيب ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب (زاد المعاد) يقول: "لما سأل إبراهيم عليه السلام ربه الولد ووهبه له، تعلقت شعبة من قلبه بمحبته. والله تعالى قد اتخذه خليلاً؛ والخلة منصب يقتضي توحيد المحبوب بالمحبة وأن لا يشارك بينه وبين غيره فيها. فلما أخذ الولد شعبة من قلب الوالد، جاءت غيرة الخلة تنتزعها من قلب الخليل فأمره بذبح المحبوب. فلما أقدم على ذبحه وكانت محبة الله أعظم عنده من محبة الولد، خلُصَت الخلة حينئذ من شوائب المشاركة فلم يبقَ في الذبح مصلحة إذ كانت المصلحة إنما هي في العزم وتوطين النفس عليه فقد حصل المقصود فنُسِخ الأمر، وفُدِي الذبيح، وصدق الخليل الرؤيا، وحصل مراد الرب.
قال ابن كثير رحمه الله: "وهذا اختبار من الله لخليله في أن يذبح هذا الوزير العزيز الذي جاءه على كبر". [تفسير ابن كثير
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله الله اكبر الله اكبر ولله الحمد
نام إبراهيم عليه السلام ليلة من الليالي فإذا به يرى في المنام أمراً مفزعاً ما الأمر الذي رآه إبراهيم؟! وتخيل ذلك الموقف! يرى إبراهيم في المنام أنه يحمل سكيناً، ويأتي إلى ابنه إسماعيل فيذبحه بهذا السكين إنا لله وإنا إليه راجعون! قال القرطبي: قال مقاتل: "رأى ذلك إبراهيم ثلاث ليال متتابعات". [تفسير القرطبي: 15/101] رآه ليلة الثامن فتروى فسمي يوم التروية ورآه لية التاسع فعرف انه حق فسمي يوم عرفه ورآه ليلة النحر فهم بنحر ولده فسمي يوم النحر
وأخرج الطبري بسند حسن أيضاً عن قتادة: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [الصافات: 102] قال: رؤيا الأنبياء حق إذا رأوا في المنام شيئًا فعلوه". [جامع البيان: 22608].
ولكنه كان مستسلماً لأمر الله جلَّ وعلا، فإنه وحي من الله: يا إبراهيم! اذبح ابنك الذي ظالما انتظرته، ولطالما اشتقت إليه وتعلق قلبك به! لم يقل الله: أرسله للجهاد ليموت، ولم يخبره الله أنه سوف يموت بمرض أو بقتل قاتل، لا.
قال سبحانه: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) الصافات
انظر إلى الأسلوب! الأب يكلم ابنه ويقول: يا بني! وقد كان صغيراً في السن {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ} [الصافات:102] ورؤيا الأنبياء حق ووحي من الرحمن جل وعلا.
ماذا ترى يا أبي؟ {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:102] يا أبي! ماذا تقول؟ فيقول: أمرني الله في المنام أن أضجعك على الأرض وأحمل سكيناً فأنحرك بيدي.
الأمر صعب -يا أخي- وقد تقول: إنه لابد من الاستسلام لله جل وعلا، ولكن لو وقع عليك الأمر فهل تستسلم؟
{قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [الصافات:102] يأمر الله تعالى بذبحه وعلى يد أبيه، وهو يقول: إن شاء الله انظر إلى الأدب مع الله عز وجل، وانظر إلى الاستسلام الكامل لله تبارك وتعالى، يقول: سوف أصبر، لكن ليس بحولي ولا بقوتي ولا بشجاعتي، فالقضية ليست شجاعة، ولا قوة، وليست جرأة؛ إن القضية إيمان بالله جلَّ وعلا، وتوكل على الرحمن تبارك وتعالى {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102]
ولا ندري والله بأيهما أكثر أعجابًا نحن بالوالد الذي يكلفه ربه بأمر لا تكاد تطيقه نفس بشرية بأن يذبح ولده، أم الإعجاب بهذا الولد النجيب الذي لم يبد تذمرًا، ولا اعتراضًا، ولا تلكؤًا، ولا تباطؤا، ولا عقوقًا، بل شجع والده على التنفيذ، وتعهد بالصبر، واستثنى بمشيئة الله لتحصل البركة، ولم يغتر بذلك، ولم يزعم، ولم يدع ادعاء بل صدق حتى شهد الله له بالصدق؟
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ[الصافات: 103]، لما تشهدا وذكرا الله ماذا حدث؟ ولماذا ذكر الله هنا فَلَمَّا أَسْلَمَاإبراهيم يسمي على الذبح، والولد يتشهد لأنه قبل الموت لا بدّ من النطق بالشهادة، فَلَمَّا أَسْلَمَا ذكر الله إبراهيم ذكر على الذبح، وإسماعيل على وداع الدنيا.
وقيل: أَسْلَمَا، يعني: استسلما، وانقادا، وامتثلا للأمر رغبة، فيما عند الله، خوفًا من عقاب الله، ووطن الولد نفسه على أنه مذبوح، والأب احتسب الأجر في ذهاب فلذة كبده بيده، ولم يقل له: سأرسل ملكًا يذبحه، أو هو سيموت سآخذه يموت حتم أنفه، لا، أنت تذبحه بيدك.
وقرأ ابن مسعود وابن عباس وعلي فَلَمَّا أَسْلَمَا، يعني: فوضا أمرهما إلى الله.
وقال ابن عباس: استسلما.
وأخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة: أسلما هذا نفسه لله، وأسلم هذا ابنه لله. [جامع البيان: 21/76].
وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ [الصافات: 103] قلبه، قلب إبراهيم إسماعيل على جبينه ليضجعه فيذبحه منكبًا على وجهه لئلا ينظر إليه وقت الذبح، فلعله يرى من ألم الولد وتغير وجهه عند الذبح ما يجعله يتراجع، أو يتلكأ، أو لا يكمل الذبح، فقلبه على وجهه ليكون هذا أهون على تنفيذ المقصود.
قال قتادة: وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ: أي وكبه لفيه، يعني: قلبه على فمه، وأخذ الشفرة.
وجاء في بعض الروايات -والله أعلم بصحتها- أن الابن قال: "يا أبت اشتد رباطي حتى لا اضطرب، واكفف ثيابك لئلا يتنضح عليها شيء من الدم فتراه أمي فتحزن، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون الموت أهون، واقذفني للوجه لئلا تنظر إلى وجهي فترجمني، ولئلا أنظر إلى الشفرة فأجزع، وإذا أتيت أمي فأقرئها مني السلام". [الجامع لأحكام القرآن: 15/104].
فلما جر إبراهيم السكين ضرب الله عليه صفيحة من نحاس فيما قال، ولكن الذي عرفنا من الآية أن الذبح لم يتم مع أن الشروع فيه حصل، لكن عطل الله خاصية القطع في السكين كما عطل خاصية الإحراق في النار، فلما لم تحرق إبراهيم النار ومن خواصها الإحراق عندما ألقي فيها كذلك لم تقطع سكينه مع أن من خواص السكين القطع، وقد اختار شفرة قوية حادة لسرعة إنجاز المهمة،) وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وكبه، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات: 104-105]، فالتفت التفت فإذا هو كبش.
وقد يقال: إنه ما دام أنه لم تثبت صحة تعطل السكين عند القطع فيكفي في الامتثال أنه تهيأ، وأنه استعد، وقلب الولد على جبينه، وما عنده أي تردد في الذبح والتنفيذ.
وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ [الصافات: 104].
قال ابن عباس رضي الله عنهما رفعه إلى النبي ﷺ: لما أتى إبراهيم خليل الله صلوات الله عليه وسلامه المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض قال ابن عباس رضي الله عنهما: الشيطان ترجمون، وملة أبيكم إبراهيم تتبعون"، رواه ابن خزيمة في صحيحه، والحاكم واللفظ له، وقال صحيح على شرطهما، وفي صحيح الترغيب والترهيب للألباني. [المستدرك: 1713، وصحيح الترغيب: 1156].
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما أمر إبراهيم ﷺ بالمناسك عرض عليه الشيطان عند السعي فسابقه، فسبقه إبراهيم ﷺ، ثم ذهب به جبريل ﷺ إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع، وثم وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ[الصافات:103] وعلى إسماعيل ﷺ قميص أبيض، فقال له: يا أبت إنه ليس لي ثوب تكففني فيه غيره فأخلع حتى تكففني فيه، فعالجه ليخلعه، فنودي من خلفه أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات: 103] فالتفت إبراهيم، فإذا بكبش أبيض أقرن أعين، عيون كبيرة، كبش جميل، قال ابن عباس: لقد رأيتنا نتتبع ذلك الضرب من الكباش". [رواه أحمد يعني: في الأضاحي وغيرها نبحث عن مثل هذه الصفات.
ونَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات: 104-105]، ناديناه في تلك الحال المزعجة، والأمر المدهش، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا [الصافات: 105] حصل المقصود من رؤياك بإضجاعك ولدك للذبح، ويكفي هذا يكفي في تنفيذك لما في الرؤيا، ما حصل إلى الآن حققت ما أوحينا به إليك، وفعلت ما أمكنك، وبالتالي فإن الابتلاء قد تم، والطاعة ظهرت.
( ان هذا لهو البلاء المبين ) ولكنه الخليل إبراهيم الذي أسكن ولده الرضيع وأمه بواد غير ذي زرع، لا حسيس ولا أنيس، ولا زرع ولا ضرع، امتثالا لأمر الله عز وجل، ثم توجه إلى بيت الله فقال: رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصلاةَ [إبراهيم:37].
يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه (الداء والدواء): "ليس المراد من الابتلاء أن نُعذب، ولكنا نبتلي لنُهذب، وليس العجب من أمر الخليل بذبح ولده، وإنما العجب من مباشرة الذبح بيده، ولولا استغراق حب الأمر لما هان مثل هذا المأمور".
بلاء مبين عباد الله، ولكنه الخليل إبراهيم الذي مدحه عز وجل بقوله: وَإِبْراهِيمَ الَّذِى وَفَّى [النجم:37].
بلاء مبين عباد الله ، ولكنه الخليل إبراهيم الذي قال الله عز وجل فيه: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة:124].
بلاء مبين عباد الله ، أبٌ قد رزق ولدا على كبر، هو بكره ووحيده ، ولما صار الولد يسعى مع أبيه، يرى الأب في المنام أنه يؤمر بذبح ولده، ورؤيا الأنبياء وحي، واستجاب الأب لأمر الله وآثر رضاه على هوى نفسه، وأخبر الولد تطييبا لخاطره، وحتى لا يأخذه قسرا ويذبحه قهرا، فما كان جواب الولد عباد الله؟ ما قال: ما ذنبي؟ ما قال: وهل تطاوعك نفسك أن تقتلني؟ فيحرك في أبيه عاطفة الأبوة، بل قال الولد الحليم: ( ياأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) جواب سديد من غلام الحليم.
فالوالد هو إبراهيم الخليل والولد إسماعيل عليه السلام جد نبينا ( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) استسلم الابن للقتل وهمّ الوالد أن ينفذ أمر الله عز وجل، ووجه الغلام إلى الأرض، حتى لا يرى وجهه وهو يذبحه ، الله عز وجل لا يستفيد منا شيئا: ( لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَاكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ) [الحج:37].
وتدرك رحمة الرحمن الأب المكلوم، والابن البار، فيُفتدى الذبيح بكبش من الجنة عظيم، وتبقى سنة باقية إلى يوم الدين، فسلام على إبراهيم وإسماعيل في العالمين.
أرأيتم قلبا أبويا *** يتقبل أمرًا يأباه ؟؟
أرأيتم ابنًا يتلقى *** أمرًا بالذبح ويرضاه؟
ويجيب الابن بلا فزع *** افعل ما تؤمر أبتاه
لم أعصي لإلهي أمرًا *** من يعصي يومًا مولاه؟
واستل الوالد سكينًا *** واستسلم ابن لرداه
ألقاه برفق لجبين *** كي لا تتلقى عيناه
وتهز الكون ضراعات *** ودعاء يقبله الله
تتضرع للرب الأعلى *** أرض وسماء ومياه
ويجيب الحق ورحمته *** سبقت في فضل عطاياه
صدَّقتَ الرؤيا لا تحزن *** يا إبراهيم فديناه
أيها الأحبة الكرام! ما أحوج الأمة في هذه الأيام، وفي هذا اليوم العظيم الكريم أن تتعلم هذا الدرس الكبير - درس التضحية والفداء- من خليل الله إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام. إن إبراهيم عليه السلام قد قدم للبشرية كلها أغلى وأعلى دروس التضحية والفداء، نعم أيها المسلمون! إنه موقف فريد في تاريخ البشرية، إننا أمام موقف من أعظم مواقف الإيمان، وأروع وأنبل مشاهد الطاعة وأعظم لحظات الاستسلام والانقياد لله جل وعلا.
العنصر الثالث : نماذج من التضحية في الاسلام
ان صور التضحية في حياتنا أكثر من أن تعد :
ففي الصلوات الخمس تضحية بكل ما يشغلنا عن الصلاة من كسب مادي أو طعام أو لهو أو غير ذل.
وفي الصيام تضحية بمتعة الطعام والشراب والشهوة.
وفي الزكاة تضحية بالمال الذي تميل إليه النفس.
وفي الحج تضحية بمفارقة الوطن والأهل، وبتحمل مشاق السفر، وبالإنفاق لأداء المناسك.
لذلك فنحن مدعوّون إلى التضحية وبذل النفس والنفيس، والغالي قبل الرخيص من أجل إعلاء كلمة الله، والتمكين لدينه في الأرض، وأداء الأمانة التي كلفنا الله بها، مثلما كان حال السابقين، والسلف الصالح، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. ألا فليضح كل منكم بما في استطاعته ، وبما يقدر عيله ويملكه ، من ماله ،أو وقته ،أو علمه ،أو صحته ، أو غير ذلك وليحتسب عند الله تضحيته ، ليعتق الله بها رقبته من النار يوم نلقى الله العزيز الغفار
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله الله اكبر الله اكبر ولله الحمد
عباد الله ليس القرآن للتسلية، ولا للتمتع في أوقات الفراغ، وإنما هو منهاج للدعاة على طريق هذا الدين وإلى يوم القيامة في اقتفاء أثر سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم سيد الخلق أجمعين ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر))، ومع ذلك ؛ كان صاحب اكبر تضحية وفداء وهو كما يقول - في الحديث الصحيح - ((لقد أوذيت في الله، وما يؤذى أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون من بين يوم وليلة، وما لي ولبلال ما يأكله ذو كبد إلا ما يواري إبط بلال من الطعام)). هذا الحديث حسن صحيح رواه الترمذي وأحمد وغيره.
وعندما جاءت قريش تساوم أبا طالب أن يكف ابن أخيه عن إذايتهم، وأرسل عقيلاً وراءه يذكره أن قومه راجعوه حتى يكف عن أذيتهم ((والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أدع هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك دونه) فلما راي عمه تضحيته وفداءه في سبيل دعوته نافح ودافع عنه
قال تعالي ( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ۖ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) الانعام
قال ابن عباس ومقاتل نزلت في أبي طالب كان ينهى الناس عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم ويمنعهم وينأى عن الإيمان به ، أي : يبعد ، حتى روي أنه اجتمع إليه رءوس المشركين وقالوا : خذ شابا من أصبحنا وجها ، وادفع إلينا محمدا ، فقال أبو طالب : ما أنصفتموني أدفع إليكم ولدي لتقتلوه وأربي ولدكم؟ وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه إلى الإيمان ، فقال : لولا أن تعيرني قريش لأقررت بها عينك ، ولكن أذب عنك ما حييت . وقال فيه أبياتا :
وَاللَهِ لَن يَصِلوا إِلَيكَ بِجَمعِهِم حَتّى أُوَسَّدَ في التُرابِ دَفينا
فَاِصدَع بِأَمرِكَ ما عَلَيكَ غَضاضَةٌ وَاِبشِر بِذاكَ وَقَرَّ مِنهُ عُيونا
وَدَعَوتَني وَزَعَمتَ أَنَّكَ ناصِحٌ وَلَقَد صَدَقتَ وَكُنتَ ثَمَّ أَمينا
وَعَرَضتَ ديناً قَد عَلِمتُ بِأَنَّهُ مِن خَيرِ أَديانِ البَرِيَّةِ دينا
لَولا المَلامَةُ أَو حِذاري سُبَّةً لَوَجَدتَني سَمحاً بِذاكَ مُبينا
ان الأثر الذي تركه الرسول عليه الصلاة والسلام في أصحابه لكبير جدا تضحية وفداءا فهذا علي ابن ابي طالب اسد الله الغالب وليث المشارق والمغرب كيف ضحي بنفسه يوم الهجرة فنام في فراش رسول الله لي الله عليه وسلم فكان اول فدائي في الاسلام
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر . الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله الا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد
يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع العرب ويربيهم، فالواحد منهم يطعن بالرمح في ظهره ويخرج من صدره فيقول: فزت ورب الكعبة!
انه حرام بن ملحان فقد روى الشيخان واللفظ لمسلم عن أنس بن مالك قال : جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلا من الأنصار يقال لهم القراء فيهم خالي حرام يقرؤون القرآن ويتدارسون بالليل يتعلمون وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا، قال وأتى رجل حراما خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه فقال حرام: فزت ورب الكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إن إخوانكم قد قتلوا، وإنهم قالوا: اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا.
وحنظلة بن ابي عامر يترك زوجه ليلة عرسه فتغسله الملائكة واستشهد حنظلة يوم أحد، قتله شداد بن الأسود مع أبو سفيان اشتركا في قتله، لحق بأحد صبيحة عرسه فاستشهد وغسلته الملائكة بنص الحديث، ولما علم رسول الله بمقتله، قال: «إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضة » قال أبو أسيد الساعدي: فذهبنا فنظرنا إليه فإذا رأسه يقطر ماء. ولما سئلت زوجته عن ذلك قالت: خرج وهو جنب لما سمع منادي الجهاد، فقال:»لذلك غسلته الملائكة»، فلقب من يومها بـ «غسيل الملائكة».
ان الحج والاضحية يرسخان كل معاني التضحية في قلوب الحجاج، فالتضحية بالمال، إذ إنه يجمع الأموال الكثيرة ليؤدي فريضة الله عز وجل، والتضحية بالوقت الطويل، والتضحية بالجهد، والتضحية بمتع الحياة المختلفة، ولن ينصر هذه الأمة إلا من تدرب على التضحية بكل معانيها، تضحية بكل شيء في سبيل إعلاء كلمة الله عز وجل، والحج من أعظم المدارس في ذلك.
عباد الله: إِنَّ هَذَا اليَوْمَ يَومُ عِبادَةٍ وَنُسُكٍ وَدُعاءٍ، إنه يَومُ الصَّفَاءِ والصِّدْقِ، يومُ الحُبِّ والوَفاءِ، يومُ البَذْلِ والعَطَاءِ، يومُ الإنفاقِ والعَطْفِ عَلَى الفُقَراءِ، هَذَا يَوْمٌ تُمْسَحُ فيهِ دَمْعَةُ اليَتيمِ، هذَا يَوْمُ بِرِّ الوَالدينِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُوصَلُ فيهِ الأَرْحامُ ابتغاءَ مرضاةِ ربِّ الأَنَامِ، ويومُ تفقدِ الـمَسَاكينِ، وزيارةِ قبور المسلمين، وَزِيارةِ الـمَرْضَى، وإِدْخالِ البَهْجَةِ والسُّرُورِ عَلَى الأَهْلِ والجِيرانِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تَتَصَافَحُ فيهِ الأَيْدِي، وَتَتَآلَفُ فيهِ القُلُوبُ، ويَسْعَى فيهِ السَّاعُونَ للإصلاحِ بينَ الـمُتخاصمينَ.
عبادَ اللهِ: تَرَاحَمُوا وتَعَاطَفُوا، وتَصَافَحُوا وتَسَامَحُوا، وتَزَاوَرُوا وتَهَادَوْا، وبَرُّوا آباءَكُم، وصِلُوا أرحامَكُم، فإنَّ صِلةَ الأرحامِ ثوابُهَا معجَّلٌ فِي الدنيَا ونعيمٌ مُدَّخَرٌ فِي الآخرةِ، وتَبْسُطُ الأرزاقَ، وتُبَارِكُ فِي الأعمارِ.
اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، اللهُمَّ اجْعَلْ سَعادَتَنَا برِضاكَ، وارضَ عنَّا يَوْمَ نَلْقاكَ، اللهُ أكبرُ اللهُ أكبَرُ وللهِ الحَمْدُ.
ألا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على الهادي البشير والسراج المنير كما أمركم بذلك اللطيف الخبير، فقال عز من قائل: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [الأحزاب:56] .
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله.
وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مُطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اقول قولي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ.
جمع وترتيب - ثروت سويف – امام وخطيب بالأوقاف المصرية