حكاية ناي ♔
11-18-2023, 10:31 AM
قال الله تعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].
وقال تعالى: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى: 43].
وفي الباب: الأحاديث السابقة في الباب قبله.
♦ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي قرابةً أَصِلُهم ويقطعوني، وأُحسِن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ! فقال: ((لئن كنتَ كما قلتَ فكأنما تُسِفُّهُمُ المَلَّ، ولا يزال معك من الله تعالى ظهيرٌ عليهم ما دمتَ على ذلك))؛ رواه مسلم. وقد سبق شرحه في (باب صلة الأرحام).
قَالَ سَماحةُ العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
قال المؤلِّف رحمه الله تعالى: باب الصبر على الأذى.
الأذى: هو ما يتأذى به الإنسان من قول أو عمل أو غير ذلك، والأذى إما أن يكون في أمرٍ دينيٍّ أو أمر دنيوي، فإذا كان في أمرٍ ديني بمعنى أن الرجل يؤذى من أجل دينه، كان في هذا الصبرِ على الأذى أسوة بالرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛ لأن الله يقول: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [الأنعام: 34]، أُوذوا حتى أتاهم نصر الله عز وجل.
والإنسان إذا كان معه دِين، وكان معه أمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر، فلا بد أن يؤذى، ولكن عليه بالصبر، وإذا صبر، فالعاقبةُ للمتقين، وقد يبتلى المرء على قدر دينه، فيسلِّط الله عليه من يؤذيه امتحانًا واختبارًا، كما قال الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ﴾ [العنكبوت: 10]، يعني إذا أوذي في الله من جهة دينه وأمرِه بالمعروف ونهيِه عن المنكر ودعْوتِه للخير، جعل هذه الفتنةَ كالعذاب، فنكص على عقبيه والعياذ بالله.
وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11].
يعني أن بعض الناس يعبد الله على طرف، وليس عنده عبادةٌ متمكنة، فإن أصابه خيرٌ ولم يأته فتنة ولا أذية استمرَّ، مشى واطمأنَّ، وإن أصابته فتنة من شبهة أو أذية أو ما أشبه ذلك، انقلب ذلك؛ انقلب على وجهه - والعياذ بالله - خسر الدنيا والآخرة.
فالواجب الصبر على الأذى في ذات الله عز وجل.
وأما الأذى فيما يتعلق بأمور الدنيا ومعاملة الناس، فأنت بالخيار إن شئت فاصبر، وإن شئت فخُذْ بحقِّك، والصبرُ أفضل، إلا إذا كان في الصبر عدوانٌ واستمرار في العدوان، فالأخذ بحقِّك أَولى.
ولنفرض أن لك جارًا يؤذيك؛ بأصوات مزعجة، أو دق الجدار، أو إيقاف السيارة أمام بيتك، أو ما أشبه ذلك، فالحقُّ إذًا لك، وهو لم يؤذِك في ذات الله، فإن شئت فاصبر وتحمَّل وانتظر الفرج، والله سبحانه وتعالى يجعل لك نصيرًا عليه، وإن شئت فخُذْ بحقك؛ لقول الله تعالى: ﴿ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ [الشورى: 41]، ولكن الصبر أفضل ما لم يحصل بذلك زيادةُ عدوان من المعتدي، فحينئذٍ الأفضل أن يأخذ بحقِّه؛ ليردعه عن ظلمه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله آيتين سبق الكلام عليهما؛ قوله تعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]، ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى: 43].
ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه في رجلٍ قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لي قرابةً أصلهم ويقطعوني، وأُحسِن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عليهم ويجهلون عليَّ، يعني: فماذا أصنع؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لئن كنتَ كما قلتَ فكأنما تُسِفُّهُمُ المَلَّ، ولا يزال لك من الله تعالى ظهيرٌ عليهم ما دمتَ على ذلك)) يعني ناصر، فينصرك الله عليهم ولو في المستقبل.
لأن هؤلاء القرابة والعياذ بالله يصلهم قريبُهم لكن يقطعونه، ويُحسِن إليهم فيسيئون إليه، ويحلم عليهم ويعفو ويصفح ولكن يجهلون عليه ويزدادون، فهؤلاء قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فكأنما تُسِفُّهُمُ المَلَّ))، المَلُّ: الرماد الحار، وتسفُّهم: يعني تلقمهم إياه في أفواههم، وهو كناية عن أن هذا الرجلَ منتصرٌ عليهم.
وليس الواصل لرحمه من يكافئ مَن وصَله، ولكن الواصل حقيقة هو الذي إذا قَطَعتْ رحمُه وصَلَها، هذا هو الواصل حقًّا، فعلى الإنسان أن يصبر ويحتسب على أذية أقاربه وجيرانه وأصحابه وغيرهم، فلا يزال له من الله ظهيرٌ عليهم، وهو الرابح، وهم الخاسرون، وفَّقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (3/ 611- 614)
وقال تعالى: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى: 43].
وفي الباب: الأحاديث السابقة في الباب قبله.
♦ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي قرابةً أَصِلُهم ويقطعوني، وأُحسِن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ! فقال: ((لئن كنتَ كما قلتَ فكأنما تُسِفُّهُمُ المَلَّ، ولا يزال معك من الله تعالى ظهيرٌ عليهم ما دمتَ على ذلك))؛ رواه مسلم. وقد سبق شرحه في (باب صلة الأرحام).
قَالَ سَماحةُ العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
قال المؤلِّف رحمه الله تعالى: باب الصبر على الأذى.
الأذى: هو ما يتأذى به الإنسان من قول أو عمل أو غير ذلك، والأذى إما أن يكون في أمرٍ دينيٍّ أو أمر دنيوي، فإذا كان في أمرٍ ديني بمعنى أن الرجل يؤذى من أجل دينه، كان في هذا الصبرِ على الأذى أسوة بالرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛ لأن الله يقول: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [الأنعام: 34]، أُوذوا حتى أتاهم نصر الله عز وجل.
والإنسان إذا كان معه دِين، وكان معه أمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر، فلا بد أن يؤذى، ولكن عليه بالصبر، وإذا صبر، فالعاقبةُ للمتقين، وقد يبتلى المرء على قدر دينه، فيسلِّط الله عليه من يؤذيه امتحانًا واختبارًا، كما قال الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ ﴾ [العنكبوت: 10]، يعني إذا أوذي في الله من جهة دينه وأمرِه بالمعروف ونهيِه عن المنكر ودعْوتِه للخير، جعل هذه الفتنةَ كالعذاب، فنكص على عقبيه والعياذ بالله.
وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11].
يعني أن بعض الناس يعبد الله على طرف، وليس عنده عبادةٌ متمكنة، فإن أصابه خيرٌ ولم يأته فتنة ولا أذية استمرَّ، مشى واطمأنَّ، وإن أصابته فتنة من شبهة أو أذية أو ما أشبه ذلك، انقلب ذلك؛ انقلب على وجهه - والعياذ بالله - خسر الدنيا والآخرة.
فالواجب الصبر على الأذى في ذات الله عز وجل.
وأما الأذى فيما يتعلق بأمور الدنيا ومعاملة الناس، فأنت بالخيار إن شئت فاصبر، وإن شئت فخُذْ بحقِّك، والصبرُ أفضل، إلا إذا كان في الصبر عدوانٌ واستمرار في العدوان، فالأخذ بحقِّك أَولى.
ولنفرض أن لك جارًا يؤذيك؛ بأصوات مزعجة، أو دق الجدار، أو إيقاف السيارة أمام بيتك، أو ما أشبه ذلك، فالحقُّ إذًا لك، وهو لم يؤذِك في ذات الله، فإن شئت فاصبر وتحمَّل وانتظر الفرج، والله سبحانه وتعالى يجعل لك نصيرًا عليه، وإن شئت فخُذْ بحقك؛ لقول الله تعالى: ﴿ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ [الشورى: 41]، ولكن الصبر أفضل ما لم يحصل بذلك زيادةُ عدوان من المعتدي، فحينئذٍ الأفضل أن يأخذ بحقِّه؛ ليردعه عن ظلمه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله آيتين سبق الكلام عليهما؛ قوله تعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]، ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى: 43].
ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه في رجلٍ قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لي قرابةً أصلهم ويقطعوني، وأُحسِن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عليهم ويجهلون عليَّ، يعني: فماذا أصنع؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لئن كنتَ كما قلتَ فكأنما تُسِفُّهُمُ المَلَّ، ولا يزال لك من الله تعالى ظهيرٌ عليهم ما دمتَ على ذلك)) يعني ناصر، فينصرك الله عليهم ولو في المستقبل.
لأن هؤلاء القرابة والعياذ بالله يصلهم قريبُهم لكن يقطعونه، ويُحسِن إليهم فيسيئون إليه، ويحلم عليهم ويعفو ويصفح ولكن يجهلون عليه ويزدادون، فهؤلاء قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فكأنما تُسِفُّهُمُ المَلَّ))، المَلُّ: الرماد الحار، وتسفُّهم: يعني تلقمهم إياه في أفواههم، وهو كناية عن أن هذا الرجلَ منتصرٌ عليهم.
وليس الواصل لرحمه من يكافئ مَن وصَله، ولكن الواصل حقيقة هو الذي إذا قَطَعتْ رحمُه وصَلَها، هذا هو الواصل حقًّا، فعلى الإنسان أن يصبر ويحتسب على أذية أقاربه وجيرانه وأصحابه وغيرهم، فلا يزال له من الله ظهيرٌ عليهم، وهو الرابح، وهم الخاسرون، وفَّقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (3/ 611- 614)