حكاية ناي ♔
11-30-2023, 11:29 AM
في أسلوب حصري يحدد الإسلام في كتابه الكريم وظيفةَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أنه رحمةٌ لكل العالمين، لقد خاطب الله نبيَّه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بقوله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وبقوله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 28].
فإن على المسلمين - مهما كانت أجناسُهم أو أوطانهم - أن يتنبهوا إلى أنهم حَمَلةُ راية العدل والرحمة بعد أستاذهم ومعلِّمهم محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وعليهم أن يتنبهوا إلى أن الأمانةَ التي ائتمنهم الله عليها - وهي البلاغ للناس بالقرآن - إنما هي نور للناس جميعًا إذا آمَنوا بها، لا فَرْق بين أسودَ وأبيض؛ يقول الله -تعالى-: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16].
ويستنتج من هذا أن المسلمين مسؤولون عن إنقاذ البشرية جميعها، فحتى لو تأججت الأحقاد والعنصريات في صدور أعدائنا؛ فالمسلمون لم يبعثهم اللهُ ليواجهوا حقدًا بحقد، ولا عنصرية بعنصرية، بل عليهم أن يحافظوا على راية العدل والتسامح والرحمة مع الإنسانية، وألا يخضعوا لاستفزازاتِ أعدائهم التي يرومون من خلالها إلى زحزحتهم عن مبادئهم.
ولعل من أكبر آيات التسامح الإسلامي والشعور بالمسؤولية الإنسانية، أن العلماءَ والدعاة المسلمين عندما يَعْرِضون لقضايا الخلل الإنساني، لا يَصدُرون عن شعور عنصري يحصر علاجهم في المحيط الإسلامي أو القومي، بل يعملون على حلِّ مشكلات حضارات العصر الحديث كلها، دون أن يحصروا حل المشكلات في الدائرة الإسلامية أو العربية وحدها، إنما يَعرِضونها ليحلوا بها الحضارة (المادة) و(المنفعة) و(النسبي)، وأصبحت عاجزةً عن إدراك الكمال والجمال في الرُّوح والمطلق والغيب، وضرورة الإيمان بالكينونة الإنسانية، والعمل المشترك على استمرار التحضر الإنساني العام، الذي يضمُّ المسلمين وغير المسلمين، ولقد أدرك المسلمون أن هناك خللاً وقَع في المسيرة الإنسانية؛ نتيجة التحيز للمادة على حساب الرُّوح أو العكس، ولقد أصاب هذا العجزُ الحضارة الإنسانية بالشلل النِّصفي؛ لأن الرُّوح أو الغيب أو المطلق لا تنفصل عن العقل والمادة والنسبي، ولأن (المطلق) هو (المعيار) الأساس للحق، ورفضُ التعامل معه يعني رفضَ السَّير في طريق الحق، تحت ضغط الإيمان المشلول بالمادة والنسبي، وهو الممر المؤدِّي إلى عبادة الإنسان لنفسه، بديلاً عن عبادة الله الذي يؤمِنُ المسلمون بأنه وضَع للكون والإنسان نظامًا من خلال الوحي والأنبياء، وهو نظامٌ متطابق مع فطرة الإنسان.
لقد كان الإسلامُ - لأنه دين الفطرة والحق - حافزًا على تشكيل كِيان متميز لم تستطعْ تقلُّبات الزمن والاحتكاك بالحضارات المختلفة أن تفُتَّ في عضده على مر العصور؛ فإن كل شيء في الإسلام يشكِّل وحدة، ويعبر في الوقت نفسه عن وحدة؛ ففروض العبادة تعبِّر بطريقة ظاهرة، بل بطريقة مادية، عن التماسك والالتحام؛ فالمسلمون يسجدون في صلواتهم خمس مرات يوميًّا في ساعات متماثلة تقريبًا، وفي اتجاه واحد مكة، وتعبِّر النيةُ الدينية المصاحبة للعبادات لكل شعيرة عن وحدة الإنسان روحيًّا وماديًّا، ويسهم الإيمانُ - أيضًا - كما تسهم الشعائر في تضامن الجماعة الإسلامية وتجانسها، وتدفعها جميعًا نحو تحقيق عالميتها.
إن جماعة المؤمنين - وإن قامت على الدين - فإنها نجحت في الصمود أمام التفكُّك السياسي، كما أن الروابطَ الدينية فوق التخوم والحدود بين الدول، لم تتأثر كثيرًا بذلك التفكك السياسي[1].
يقول الكاتب والصحافي السويسري الكبير الذي هداه الله إلى الإسلام (روجيه دي باسكيه): لقد جاء الإسلامُ إلى الناس لمساعدتهم على عبور هذه المرحلة الأخيرة من التاريخ العالمي دون أن يتعرَّضوا للضياع، وباعتباره الوحيَ الأخير في سلسلة النبوات، فإنه يقدِّم وسائل لمقاومة الفوضى التي تسود العالم حاليًّا، وإقرارِ النظام والنقاء في داخل الإنسان، وإيجاد التآلُف والانسجام في العلاقات الإنسانية، وتحقيقِ الهدف الأسمى الذي من أجله دعانا الخالقُ إلى هذه الحياة.
إن الإسلامَ يخاطب الإنسانَ الذي يعرفه معرفة عميقة ودقيقة، محددًا بالضبط وضْعَه بين المخلوقات وموقفه أمام الله[2].
بينما الفكر الحديث - كما يتابع باسكيه حديثه - على العكس من ذلك؛ إذ ليس لديه معلوماتٌ دقيقة متفق عليها تتعلَّق بعِلم الإنسان، ولم يحدث في حضارة أخرى غير هذه الحضارة الأوربية المادية ما حدث من تجاهل - بطريقة منظمة وشاملة - للتساؤل عن الأسباب التي من أجلها نُولَد ونعيش ونموت، ذلك هو التناقض الذي وقعت فيه هذه الحضارةُ التي ارتأت منذ نشأتها أن تكون إنسانية، بمعنى أنها جَعلت من الإنسان مصدرَ كلِّ شيء ونهايتَه، عن هذه الحضارة التي أريد أن تكونَ إنسانية، بينما تقود في الوقت نفسه إلى نظام يحتقر الإنسانَ ويخدعه، ثم يدمِّرُه في نهاية المطاف.
إن الإسلامَ بأبعاده الأفقية والرأسية قادرٌ على عمل توافُق قويٍّ بين الإنسان والكون المحيط به، وكذلك بين الإنسان واللهِ خالقِ كل شيء ومبدعِه، إن الإسلام عالمي بكل معنى الكلمة[3].
فإن على المسلمين - مهما كانت أجناسُهم أو أوطانهم - أن يتنبهوا إلى أنهم حَمَلةُ راية العدل والرحمة بعد أستاذهم ومعلِّمهم محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وعليهم أن يتنبهوا إلى أن الأمانةَ التي ائتمنهم الله عليها - وهي البلاغ للناس بالقرآن - إنما هي نور للناس جميعًا إذا آمَنوا بها، لا فَرْق بين أسودَ وأبيض؛ يقول الله -تعالى-: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16].
ويستنتج من هذا أن المسلمين مسؤولون عن إنقاذ البشرية جميعها، فحتى لو تأججت الأحقاد والعنصريات في صدور أعدائنا؛ فالمسلمون لم يبعثهم اللهُ ليواجهوا حقدًا بحقد، ولا عنصرية بعنصرية، بل عليهم أن يحافظوا على راية العدل والتسامح والرحمة مع الإنسانية، وألا يخضعوا لاستفزازاتِ أعدائهم التي يرومون من خلالها إلى زحزحتهم عن مبادئهم.
ولعل من أكبر آيات التسامح الإسلامي والشعور بالمسؤولية الإنسانية، أن العلماءَ والدعاة المسلمين عندما يَعْرِضون لقضايا الخلل الإنساني، لا يَصدُرون عن شعور عنصري يحصر علاجهم في المحيط الإسلامي أو القومي، بل يعملون على حلِّ مشكلات حضارات العصر الحديث كلها، دون أن يحصروا حل المشكلات في الدائرة الإسلامية أو العربية وحدها، إنما يَعرِضونها ليحلوا بها الحضارة (المادة) و(المنفعة) و(النسبي)، وأصبحت عاجزةً عن إدراك الكمال والجمال في الرُّوح والمطلق والغيب، وضرورة الإيمان بالكينونة الإنسانية، والعمل المشترك على استمرار التحضر الإنساني العام، الذي يضمُّ المسلمين وغير المسلمين، ولقد أدرك المسلمون أن هناك خللاً وقَع في المسيرة الإنسانية؛ نتيجة التحيز للمادة على حساب الرُّوح أو العكس، ولقد أصاب هذا العجزُ الحضارة الإنسانية بالشلل النِّصفي؛ لأن الرُّوح أو الغيب أو المطلق لا تنفصل عن العقل والمادة والنسبي، ولأن (المطلق) هو (المعيار) الأساس للحق، ورفضُ التعامل معه يعني رفضَ السَّير في طريق الحق، تحت ضغط الإيمان المشلول بالمادة والنسبي، وهو الممر المؤدِّي إلى عبادة الإنسان لنفسه، بديلاً عن عبادة الله الذي يؤمِنُ المسلمون بأنه وضَع للكون والإنسان نظامًا من خلال الوحي والأنبياء، وهو نظامٌ متطابق مع فطرة الإنسان.
لقد كان الإسلامُ - لأنه دين الفطرة والحق - حافزًا على تشكيل كِيان متميز لم تستطعْ تقلُّبات الزمن والاحتكاك بالحضارات المختلفة أن تفُتَّ في عضده على مر العصور؛ فإن كل شيء في الإسلام يشكِّل وحدة، ويعبر في الوقت نفسه عن وحدة؛ ففروض العبادة تعبِّر بطريقة ظاهرة، بل بطريقة مادية، عن التماسك والالتحام؛ فالمسلمون يسجدون في صلواتهم خمس مرات يوميًّا في ساعات متماثلة تقريبًا، وفي اتجاه واحد مكة، وتعبِّر النيةُ الدينية المصاحبة للعبادات لكل شعيرة عن وحدة الإنسان روحيًّا وماديًّا، ويسهم الإيمانُ - أيضًا - كما تسهم الشعائر في تضامن الجماعة الإسلامية وتجانسها، وتدفعها جميعًا نحو تحقيق عالميتها.
إن جماعة المؤمنين - وإن قامت على الدين - فإنها نجحت في الصمود أمام التفكُّك السياسي، كما أن الروابطَ الدينية فوق التخوم والحدود بين الدول، لم تتأثر كثيرًا بذلك التفكك السياسي[1].
يقول الكاتب والصحافي السويسري الكبير الذي هداه الله إلى الإسلام (روجيه دي باسكيه): لقد جاء الإسلامُ إلى الناس لمساعدتهم على عبور هذه المرحلة الأخيرة من التاريخ العالمي دون أن يتعرَّضوا للضياع، وباعتباره الوحيَ الأخير في سلسلة النبوات، فإنه يقدِّم وسائل لمقاومة الفوضى التي تسود العالم حاليًّا، وإقرارِ النظام والنقاء في داخل الإنسان، وإيجاد التآلُف والانسجام في العلاقات الإنسانية، وتحقيقِ الهدف الأسمى الذي من أجله دعانا الخالقُ إلى هذه الحياة.
إن الإسلامَ يخاطب الإنسانَ الذي يعرفه معرفة عميقة ودقيقة، محددًا بالضبط وضْعَه بين المخلوقات وموقفه أمام الله[2].
بينما الفكر الحديث - كما يتابع باسكيه حديثه - على العكس من ذلك؛ إذ ليس لديه معلوماتٌ دقيقة متفق عليها تتعلَّق بعِلم الإنسان، ولم يحدث في حضارة أخرى غير هذه الحضارة الأوربية المادية ما حدث من تجاهل - بطريقة منظمة وشاملة - للتساؤل عن الأسباب التي من أجلها نُولَد ونعيش ونموت، ذلك هو التناقض الذي وقعت فيه هذه الحضارةُ التي ارتأت منذ نشأتها أن تكون إنسانية، بمعنى أنها جَعلت من الإنسان مصدرَ كلِّ شيء ونهايتَه، عن هذه الحضارة التي أريد أن تكونَ إنسانية، بينما تقود في الوقت نفسه إلى نظام يحتقر الإنسانَ ويخدعه، ثم يدمِّرُه في نهاية المطاف.
إن الإسلامَ بأبعاده الأفقية والرأسية قادرٌ على عمل توافُق قويٍّ بين الإنسان والكون المحيط به، وكذلك بين الإنسان واللهِ خالقِ كل شيء ومبدعِه، إن الإسلام عالمي بكل معنى الكلمة[3].