حكاية ناي ♔
11-30-2023, 11:33 AM
لكل قائد عظيم رجال يلتفون حوله؛ بعضهم يطمع في السلطان. وبعضهم في الحظوة. وبعضهم يقوده المال. وآخرون لغير ذلك من مآرب النفس. علت أم هبطت في ميزان الأخلاق. والرجولة!
ولكن الرجال حول محمد بن عبد الله؛ رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم كانوا من نوع آخر.؟
فرسول الله. لم يكن عنده مال، ولا مناصب، ولم تكن له دولة في بداية دعوته.
وقد عذب بعض أتباعه حتى الموت!
واضطهد آخرون. وقوطعوا في شِعْب أبي طالب سنوات ثلاث، وأخرجوا من وطنهم. واغتربوا في الآفاق..!!
والذين التفوا حول رسول الله. إنما آمنوا بالله. وبرسوله، وبالإسلام دينا من عند الله. بعث به محمد. بشيرًا ونذيرًا إلى الناس كافة.
منها المساواة بين الناس، في مجتمع كان يجعل في الناس: عبدًا، وسيدًا، ومولى. ويضع كل واحد في سلم من تفاوت الطبقات لا يتجاوزه.
ومنهم من وجد فيه الغَناء عن أصنام لا تسمع، ولا تنفع. وإنما كانت لصغار العقول وقاصري الأفهام من الناس. فلما وجد الحق تعلق به. وترك تلك الحجارة الصماء!
ومنهم من سحره ذلك القرآن الرائع العظيم في فصاحته وبلاغته وبيانه. وسموه عن كلام البشر، وحقائقه المقنعة ورهبته التي تأخذ بمجامع القلوب. فاستشعر الصدق الذي يشع منه. فأسلم. وتابع رسول الإسلام. على دعوته.
وفي النفس البشرية تَوْقٌ إلى الحقيقة والعدل. والانعتاق من العبودية للبشر. وإعلانها لخالق الكون. الواحد الأحد. لا إله إلا هو!
ويلبي نداء الأنبياء دائمًا. من خلصت قلوبهم من الكبر. وخلصت نفوسهم من الآفات. وتاقت إلى الحق. والعدل. واستشعروا رحمة الخالق سبحانه. الرحمن الرحيم. وصار للحياة معنى. يجدونه في الرابطة الرائعة. بالسماء. والآخرة. والبعث. والنعيم الدائم في ظل رب الكون. سبحانه!
كان من الرجال الذين بهرهم كتاب الإسلام. هذا القرآن الكريم. كلام الله.
رجل متعصب لقومه وأحسابهم. وأصنامهم، هو عمر بن الخطاب!
أجمع أمره يومًا أن يذهب إلى رسول الله.ليقتله!
((لقد فرق أمر قريش، وعاب آلهمتهم، وسفه أحلامهم. يريدهم أن يتركوا دين آبائهم وأجدادهم))!
كان ذلك رأيه، كما كان رأي كثيرين من أهل مكة. في صاحب الدعوة إلى الإسلام.
ويلقاه من يسأله. إلى أين يا عمر؟
إلى هذا.!!
أصلح أهلك أولا. فقد تابع محمدًا على دينه. أختك فاطمة. وابن عمك سعيد بن زيد!
وينثني عمر راجعًا. ويطرق الباب على أخته وزوجها. وكان معهما أحد المسلمين (خباب بن الأرت) يقرأ. فاختبأ!
ويدخل عمر في شجار مع أخته وابن عمه (زوجها) ويؤذيهما. ثم أخذ الصحيفة وراح يقرأ.
فإذا فيها ﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 1 - 3]
ويقول عمر: إلى أن بلغت ﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ * وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الحديد: 7، 8] فقلت: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله))!!.
وأمثال هذا مما كان يسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو أحد الدعاة. للناس. يدعوهم به للإسلام. وما كان لذلك من أثر في السامعين. فتحولوا من الكفر إلى الإيمان. عدها د. شوقي ضيف، صاحب كتابي: ((الوجيز في تفسير القرآن)) و((محمد: سيد المرسلين)) معجزة للقرآن الكريم. أسماها: ((معجزة الاستماع، لم يتنبه إليها القدماء))!
إرهاصات سابقة؟؟؟
حاول عمر مرة وهو مشرك أن يتصدى لرسول الله وهو في طريقه إلى الكعبة. فقام خلف رسول الله مستترًا منه، فاستفتح رسول الله يتلو سورة الحاقة، وعمر يسمع، فجعل يعجب من تأليف القرآن.
وقال في نفسه: ((هذا والله ما قالت قريش إنه شاعر))، وإذا محمد يتلو: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ ﴾ [الحاقة: 40، 41]!!! فقال عمر في نفسه: ((إنه قول كاهن)). فقرأ رسول الله: ﴿ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الحاقة: 42] إلى آخر السورة.
قال عمر: (( فوقع الإسلام في قلبي كل موقع))!!
هذه المحاورة الصامتة بين عمر. وقول الحق سبحانه وتعالى. كأنها تدبير لنقض تلك الخطرات؟؟ حتى تنهار مقاومة عمر. أو بعضها للإسلام!.
وجاءت اللحظة التي أنقذت عمر، وكسب الإسلام رجلا عظيما؟؟
ويبدأ عمر بن الخطاب مشواره في الإسلام.
عمر المبدع. على غير منوال؟؟!
صاغ الإسلام المجتمع الجديد على أفكاره ونظامه وشريعته.
ونقل الناس من حال إلى حال. وكان من أثر ذلك: أن كشف عن معادن رجال عظام في كل ميادين الحياة!
رجال فقهوا مبادى الإسلام، فصاروا له جنودًا مخلصين، أعطوه أروع ما عندهم. وأعظم ما تفتحت عليه قرائحهم. حتى تحققت مبادئه في الحياة!
وكان ابن الخطاب أحد أولئك الجنود الذين صاغهم على مبادئه. فكان من أعظم رجال الإسلام!!
وتأتي إليه خلافةُ المسلمين وتسيير شؤون حياتهم. فيسير بهم على طريق الإسلام لا يحيد عنها. ويستشعر مسؤوليته عن كل من في أرجاء الدولة المترامية ويقول: لو أن عنزة عثرت على شاطئ الفرات لظننت أني مسؤول عنها!!
كان يتفقد أحوال الناس، في عاصمة الخلافة ليلا ومعه تابعُه، وفي أثناء مروره بأحد الأزقة سمع بكاء طفل. فأمر تابعه أن يطرق الباب على أهله لتصحو أمه له. ويفعل التابع. ويتابعان سيرهما. وفي عودته يطرق الباب. ويسألها.؟
وتجيب المرأة: إني أحاول فطامه.
ولماذا؟
لأن عمر يفرض للطفل الفطيم! (يخصص راتبًا للطفل إذا فطم)؟
وينقل التابع، ما سمعه من المرأة فيضرب عمر جبهته: ((إذن أنا المسؤول))!
ويأمر المرأة أن ترضع طفلها!
وفي الصباح كان المنادي يعلن في المدينة ((أن أمير المؤمنين يفرض لكل طفل في الإسلام، فلا ترغموا أطفالكم على الفطام))!
وطارت الكتب تأخذ طريقها إلى أنحاء الدولة تخبر بهذه الرغبة العمرية!
إن الكثير من الدول، وفي هذا العصر الذي يضع (حقوق الإنسان) على سلم أولوياته وبعد 1400 عام من فعل عمر، لا تعرف هذا الواجب نحو أطفالها!
وفي واقعة أخرى.
كان عمر بن الخطاب يجول في أسواق المدينة فيلقى رجلا ضريرًا يسأل الناس. ويسأله أمير المؤمنين: من الرجل؟ ويجيب: يهودي من أهل الذمة لا يجد طعامًا!
ويستشعر عمر، الحاكم المسلم، مسؤوليته عن إنسان من أبناء الدولة من أهل الذمة. ويقول: "ما أنصفناه؛ أكلنا شبابه. وتركناه في عجزه"، ويجعل له عطاء من بيت مال المسلمين يكفيه حاجته!!
. ليكون عوناً للإنسان في شيخوخته. عندما لا يقدر على العمل فيحفظ كرامته. ويصونه عن الحاجة!!
ولا تزال المبادرات العمرية. تترى!!
عمر بن الخطاب هو صاحب الاقتراح: أن تكون الهجرة "بدء تاريخ الإسلام"، وابن الخطاب هو صاحب اقتراح جمع القرآن. دخل على أبي بكر بعد عامين من خلافته، فقال: إن أصحاب رسول الله يتهافتون في المعارك تهافت الفراش على النار، وإني أخشى أن تأتي عليهم وهم حملة القرآن، ويضيع منه كثير، فلو جمعته!!؟
وأمر أبو بكر زيد بن ثابت أن يكتب القرآن، فكتب، وبقي عند أبي بكر، ثم عمر، ثم حفصة بنت عمر.
القرآن الكريم يوافق رأي عمر!!
في الحديث أن عمر رضي الله عنه، لما سمع قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 14]
قال عمر متعجباً: فتبارك الله أحسن الخالقين!!
وتبسم النبي لنطق عمر، فلما سأله عمر عن سر بسمته، قال: إن الله ختم الآية بما نطقت. وقد فرح عمر بذلك وقال: وافقت ربي، ووافقني ربي!!
وفي واقعة أسرى بدر درس عظيم في مبدأ الشورى. واتخاذ القرار!
ويظل الاجتهاد البشري محكوماً بالرأي الإنساني. تحف به تصورات كثيرة تأخذ مداها بين الرأفة في أقصى اليمين. والشدة في أقصى اليسار!!!
أسر المسلمون في معركة بدر سبعين من رجال قريش. وكان فيهم العباس بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، فشاور الرسول أصحابه في أمر الأسرى؟؟
قال أبو بكر: يا رسول الله إنهم قومك وأهلك، واستبْقِهم (لا تقتلهم)؛ لعل الله أن يتوب عليهم، وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك.
وقال عمر: كذبوك وأخرجوك، فقدمهم واضرب أعناقهم. فإن هؤلاء أئمة الكفر، وإن الله أغناك عن الفداء، فمكن علياً من أخيه عقيل، وحمزة من أخيه العباس، ومكني من فلان (نسيب له) فنضرب أعناقهم!!
وهكذا صار هناك رأيان.
ويأمر رسول الله بالفداء. ومن لم يستطيع الفداء وكان يعرف القراءة والكتابة. كان فداؤه أن يعلم عشرة من صبيان المسلمين.
ويصر عمر على رأيه. وكان معه الأنصاري: سعد بن معاذ.
وينزل من السماء قرآن: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 67، 68]
ويبكى رسول الله. ومن عنده.
ويدخل عمر. فيراهم في ذلك الحال!!
ويسأل عمر.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكي على أصحابك لأخذهم الفداء ولو نزل عذاب من السماء، لما نجا منه أحد. إلا عمر وسعد بن معاذ!!!
عمر يغالب نفسه!!
كان عمر يحاسب نفسه، حتى خطراتها!!
يخشى أن تغلبه. في لحظة من لحظات الضعف فينساق لها.
يجمع الناس يوماً في المسجد، ويعتلي المنبر ويقول: كنت أرعى إبل الخطاب في شعاب مكة، ومعها إبل لخالتي. وكنت ألبس الصوف (الخشن) من الملابس، وكان الخطاب يرهقني (ضرباً ومساءلة) ثم نزل عن المنبر ويقترب منه ابنه (عبدالله): ما هذا يا أمير المؤمنين!؟. والله ما زدت أن حقرت نفسك.
وينظر عمر إليه. دعني. يا عبد الله. رأيتُ نفسي ليس بينها وبين الله أحد. فأحببت أن أحقرها.وانصرف!!
يا لعظمة النفس في تواضعها. وفي عبوديتها لله سبحانه وتعالى. كم هو عظيم ذلك الشعور الذي يرد النفس. ويكبح جماحها حتى في خواطرها!!. فلا تجعل لشهواتها ورغباتها طريقاً على سلوك صاحبها فتشقيه بها!!!
بصيرة. نافذة؟؟؟
كان عمر يخطب على المنبر في يوم جمعة، وفجأة قطع حديثه وصاح بأعلى صوته (يا سارية. الجبل. الجبل). ثم واصل خطبته. وبعد أن أتم الصلاة، سئل عن ذلك؟. فقال رأيت جيش المسلمين في موقع كذا وكذا، يؤتى من ناحية الجبل. فحذرتهم من ذلك، وسئل بعض الجيش فيما بعد عن الواقعة. فقالوا: نعم، يصدقون كلام عمر!!
ويقول العقاد في هذه الواقعة: لا داعي للجزم بنفي هذه القصة استناداً إلى العقل أو إلى العلم أو إلى التجربة الشائعة، فإن العقل لا يمنعها. والعلماء النفسانيون في عصرنا لا يتفقون على نفيها ونفي أمثالها، بل منهم من مارسوا "التلباثي" (التخاطب عن بعد)، وسجلوا مشاهداته، وهم ملحدون لا يؤمنون بدين.!!
عمر أمة وحده!!
قال له أبو بكر، وقد تولى الخلافة: اقض بين الناس فإني في شغل!
وهو أول من وضع نظام الدواوين في دولة الإسلام، وهو النظام الذي يعنى بمصالح الناس وتوثيق المعاملات. وحفظ أسماء الجند. وهو أول من جعل نظاماً للعطاء: فجعل الرواتب الشهرية ورتب الناس على قدر سوابقهم وحاجتهم.
(وعمر سن سنناً للقضاء صارت دستوراً: منها أن القاضي لا يحكم بعلمه، ولا يقبل هدية، ولا يعمل بالتجارة).
وعمر مؤسس ديوان الوقف الخيري!
(أنشأ عمر بيت الدقيق لإغاثة الجياع الذين لا يجدون الطعام وأصاب قبل خلافته أرضاً بخيبر، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فاستحسن له أن يحبس أصلها ويتصدق بريعها فجعلها عمر صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث، وينفق منها على الفقراء والغزاة).
عمر: المهندس النجيب!!!
لعمر رضي الله عنه فراسة لا تخيب!!
كان يعنى بالأسماء. ويتفاءل بحسنها.
وكان ينظر في وجوه الرجال. فيدرك ما أصاب النفوس والأجساد!!!
كان حريصاً على المسلمين. فيدفعه ذلك للسؤال عن أحوالهم.
فيوجه بما يصلح شأنهم.
جاءه بعض جند العراق. فنظر في وجوههم. فرأى فيهم هزالا. وتغيراً في ألوانهم. فسأل سعد بن أبي وقاص عن ذلك؟؟؟
قال سعد: وخومة المدائن. ودجلة (سوء جو المنطقة وبيئتها).
ويرسل إليه: إن العرب لا يوافقها إلا ما وافق إبلها من البلدان!!!
فابعث سليمان وحذيفة ليرتادوا منزلاً برياً بحرياً، ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر (تبنى هناك مدينة) وأمر أن تبلغ مناهج المدينة (طرقها) أربعين ذراعاً، وما يليها ثلاثين ذراعاً. وما بين ذلك عشرين ذراعاً. وأن لا تنقص الأزقة عن سبعة أذرع، ليس دونها شيء!. وأن لا يرتفع بناء الدور. فبنيت الكوفة على هذا التخطيط! فأي مهندس. عمر؟!!
إيداع. متفرد!!
يقول العقاد: (وندر في الدولة الإسلامية، من نظام، لم تكن له أولية فيه!!. فافتتح تاريخاً. واستهل حضارة وأنشأ حكومة ورتب لها الدواوين، ونظم فيها أصول القضاء والإدارة، واتخذ لها بيت مال، ووصل بين أجزائها بالبريد، وحمى ثغورها بالمرابطين، وصنع كل شيء في الوقت الذي ينبغي أن يصنع فيه وعلى الوجه الذي يحسن به الابتداء)!!!
امتياز العقيدة!!
يقول الفيلسوف (شبنجلر): إن الأمم في نهوضها تعبر طريقين مختلفين: طريق العقيدة وقوة النفس، وتلازمه بساطة الظواهر وعظمة الضمائر، وطريق الفخامة المادية والوفرة العددية. وفيه تنحل الضمائر وتخلفها العظمة التي تقاس بالباع والذراع. وتقدر بالقنطار والدينار. وكانت قبل ذلك تقاس بما لا يحس من العزائم والأخلاق.
وكانت أمة الإسلام، بحكم العقيدة، وسهولة الحياة. ممن سلك الطريق الأول - لا شك - والفكرة ولسان الحال)!!
إنه عمر بن الخطاب!!
كتب محمد حسين هيكل عن عمر رائعته: الفاروق عمر.
وكتب الشرقاوي: (الفاروق عمر).
وكتب الطنطاويان (علي وشقيقه): أخبار عمر.
وكتب المسيحي القبطي نظمى لوقا: عمر بن الخطاب: البطل والمثل والرجل!!!
وكتب العقاد: عبقرية عمر.
وكتب كثيرون عن عمر.
ولا تزال سيرته نبعاً ثراً وثرياً. لمن يريد أن يعطي الناس، من مسلمين ومن غيرهم. نموذجاً في العدل. والتنظيم. والحرص على المال العام. ورعاية شؤون المواطنين. والنموذج الأكمل في الحاكم الصالح.!!
ولن نستطيع في هذه العجالة. إلا أن نعرض. لمعا من نور عمر بن الخطاب. فأينما وليت وجهك في قراءة واسترجاع. ما فعل عمر. وجدت النفس معجبة أيما إعجاب. بعظمة هذه الشخصية المبدعة. التي صدقت مع الله. ومع رسوله الكريم. ومع رسالة الإسلام والمسلمين.
ويكفيه قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. شهادة لا تعدلها شهادة. عندما قال في عمر: لم أر عبقرياً يفري فريه!!!!
والحمد لله رب العالمين.
ولكن الرجال حول محمد بن عبد الله؛ رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم كانوا من نوع آخر.؟
فرسول الله. لم يكن عنده مال، ولا مناصب، ولم تكن له دولة في بداية دعوته.
وقد عذب بعض أتباعه حتى الموت!
واضطهد آخرون. وقوطعوا في شِعْب أبي طالب سنوات ثلاث، وأخرجوا من وطنهم. واغتربوا في الآفاق..!!
والذين التفوا حول رسول الله. إنما آمنوا بالله. وبرسوله، وبالإسلام دينا من عند الله. بعث به محمد. بشيرًا ونذيرًا إلى الناس كافة.
منها المساواة بين الناس، في مجتمع كان يجعل في الناس: عبدًا، وسيدًا، ومولى. ويضع كل واحد في سلم من تفاوت الطبقات لا يتجاوزه.
ومنهم من وجد فيه الغَناء عن أصنام لا تسمع، ولا تنفع. وإنما كانت لصغار العقول وقاصري الأفهام من الناس. فلما وجد الحق تعلق به. وترك تلك الحجارة الصماء!
ومنهم من سحره ذلك القرآن الرائع العظيم في فصاحته وبلاغته وبيانه. وسموه عن كلام البشر، وحقائقه المقنعة ورهبته التي تأخذ بمجامع القلوب. فاستشعر الصدق الذي يشع منه. فأسلم. وتابع رسول الإسلام. على دعوته.
وفي النفس البشرية تَوْقٌ إلى الحقيقة والعدل. والانعتاق من العبودية للبشر. وإعلانها لخالق الكون. الواحد الأحد. لا إله إلا هو!
ويلبي نداء الأنبياء دائمًا. من خلصت قلوبهم من الكبر. وخلصت نفوسهم من الآفات. وتاقت إلى الحق. والعدل. واستشعروا رحمة الخالق سبحانه. الرحمن الرحيم. وصار للحياة معنى. يجدونه في الرابطة الرائعة. بالسماء. والآخرة. والبعث. والنعيم الدائم في ظل رب الكون. سبحانه!
كان من الرجال الذين بهرهم كتاب الإسلام. هذا القرآن الكريم. كلام الله.
رجل متعصب لقومه وأحسابهم. وأصنامهم، هو عمر بن الخطاب!
أجمع أمره يومًا أن يذهب إلى رسول الله.ليقتله!
((لقد فرق أمر قريش، وعاب آلهمتهم، وسفه أحلامهم. يريدهم أن يتركوا دين آبائهم وأجدادهم))!
كان ذلك رأيه، كما كان رأي كثيرين من أهل مكة. في صاحب الدعوة إلى الإسلام.
ويلقاه من يسأله. إلى أين يا عمر؟
إلى هذا.!!
أصلح أهلك أولا. فقد تابع محمدًا على دينه. أختك فاطمة. وابن عمك سعيد بن زيد!
وينثني عمر راجعًا. ويطرق الباب على أخته وزوجها. وكان معهما أحد المسلمين (خباب بن الأرت) يقرأ. فاختبأ!
ويدخل عمر في شجار مع أخته وابن عمه (زوجها) ويؤذيهما. ثم أخذ الصحيفة وراح يقرأ.
فإذا فيها ﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحديد: 1 - 3]
ويقول عمر: إلى أن بلغت ﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ * وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الحديد: 7، 8] فقلت: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله))!!.
وأمثال هذا مما كان يسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو أحد الدعاة. للناس. يدعوهم به للإسلام. وما كان لذلك من أثر في السامعين. فتحولوا من الكفر إلى الإيمان. عدها د. شوقي ضيف، صاحب كتابي: ((الوجيز في تفسير القرآن)) و((محمد: سيد المرسلين)) معجزة للقرآن الكريم. أسماها: ((معجزة الاستماع، لم يتنبه إليها القدماء))!
إرهاصات سابقة؟؟؟
حاول عمر مرة وهو مشرك أن يتصدى لرسول الله وهو في طريقه إلى الكعبة. فقام خلف رسول الله مستترًا منه، فاستفتح رسول الله يتلو سورة الحاقة، وعمر يسمع، فجعل يعجب من تأليف القرآن.
وقال في نفسه: ((هذا والله ما قالت قريش إنه شاعر))، وإذا محمد يتلو: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ ﴾ [الحاقة: 40، 41]!!! فقال عمر في نفسه: ((إنه قول كاهن)). فقرأ رسول الله: ﴿ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الحاقة: 42] إلى آخر السورة.
قال عمر: (( فوقع الإسلام في قلبي كل موقع))!!
هذه المحاورة الصامتة بين عمر. وقول الحق سبحانه وتعالى. كأنها تدبير لنقض تلك الخطرات؟؟ حتى تنهار مقاومة عمر. أو بعضها للإسلام!.
وجاءت اللحظة التي أنقذت عمر، وكسب الإسلام رجلا عظيما؟؟
ويبدأ عمر بن الخطاب مشواره في الإسلام.
عمر المبدع. على غير منوال؟؟!
صاغ الإسلام المجتمع الجديد على أفكاره ونظامه وشريعته.
ونقل الناس من حال إلى حال. وكان من أثر ذلك: أن كشف عن معادن رجال عظام في كل ميادين الحياة!
رجال فقهوا مبادى الإسلام، فصاروا له جنودًا مخلصين، أعطوه أروع ما عندهم. وأعظم ما تفتحت عليه قرائحهم. حتى تحققت مبادئه في الحياة!
وكان ابن الخطاب أحد أولئك الجنود الذين صاغهم على مبادئه. فكان من أعظم رجال الإسلام!!
وتأتي إليه خلافةُ المسلمين وتسيير شؤون حياتهم. فيسير بهم على طريق الإسلام لا يحيد عنها. ويستشعر مسؤوليته عن كل من في أرجاء الدولة المترامية ويقول: لو أن عنزة عثرت على شاطئ الفرات لظننت أني مسؤول عنها!!
كان يتفقد أحوال الناس، في عاصمة الخلافة ليلا ومعه تابعُه، وفي أثناء مروره بأحد الأزقة سمع بكاء طفل. فأمر تابعه أن يطرق الباب على أهله لتصحو أمه له. ويفعل التابع. ويتابعان سيرهما. وفي عودته يطرق الباب. ويسألها.؟
وتجيب المرأة: إني أحاول فطامه.
ولماذا؟
لأن عمر يفرض للطفل الفطيم! (يخصص راتبًا للطفل إذا فطم)؟
وينقل التابع، ما سمعه من المرأة فيضرب عمر جبهته: ((إذن أنا المسؤول))!
ويأمر المرأة أن ترضع طفلها!
وفي الصباح كان المنادي يعلن في المدينة ((أن أمير المؤمنين يفرض لكل طفل في الإسلام، فلا ترغموا أطفالكم على الفطام))!
وطارت الكتب تأخذ طريقها إلى أنحاء الدولة تخبر بهذه الرغبة العمرية!
إن الكثير من الدول، وفي هذا العصر الذي يضع (حقوق الإنسان) على سلم أولوياته وبعد 1400 عام من فعل عمر، لا تعرف هذا الواجب نحو أطفالها!
وفي واقعة أخرى.
كان عمر بن الخطاب يجول في أسواق المدينة فيلقى رجلا ضريرًا يسأل الناس. ويسأله أمير المؤمنين: من الرجل؟ ويجيب: يهودي من أهل الذمة لا يجد طعامًا!
ويستشعر عمر، الحاكم المسلم، مسؤوليته عن إنسان من أبناء الدولة من أهل الذمة. ويقول: "ما أنصفناه؛ أكلنا شبابه. وتركناه في عجزه"، ويجعل له عطاء من بيت مال المسلمين يكفيه حاجته!!
. ليكون عوناً للإنسان في شيخوخته. عندما لا يقدر على العمل فيحفظ كرامته. ويصونه عن الحاجة!!
ولا تزال المبادرات العمرية. تترى!!
عمر بن الخطاب هو صاحب الاقتراح: أن تكون الهجرة "بدء تاريخ الإسلام"، وابن الخطاب هو صاحب اقتراح جمع القرآن. دخل على أبي بكر بعد عامين من خلافته، فقال: إن أصحاب رسول الله يتهافتون في المعارك تهافت الفراش على النار، وإني أخشى أن تأتي عليهم وهم حملة القرآن، ويضيع منه كثير، فلو جمعته!!؟
وأمر أبو بكر زيد بن ثابت أن يكتب القرآن، فكتب، وبقي عند أبي بكر، ثم عمر، ثم حفصة بنت عمر.
القرآن الكريم يوافق رأي عمر!!
في الحديث أن عمر رضي الله عنه، لما سمع قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 14]
قال عمر متعجباً: فتبارك الله أحسن الخالقين!!
وتبسم النبي لنطق عمر، فلما سأله عمر عن سر بسمته، قال: إن الله ختم الآية بما نطقت. وقد فرح عمر بذلك وقال: وافقت ربي، ووافقني ربي!!
وفي واقعة أسرى بدر درس عظيم في مبدأ الشورى. واتخاذ القرار!
ويظل الاجتهاد البشري محكوماً بالرأي الإنساني. تحف به تصورات كثيرة تأخذ مداها بين الرأفة في أقصى اليمين. والشدة في أقصى اليسار!!!
أسر المسلمون في معركة بدر سبعين من رجال قريش. وكان فيهم العباس بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، فشاور الرسول أصحابه في أمر الأسرى؟؟
قال أبو بكر: يا رسول الله إنهم قومك وأهلك، واستبْقِهم (لا تقتلهم)؛ لعل الله أن يتوب عليهم، وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك.
وقال عمر: كذبوك وأخرجوك، فقدمهم واضرب أعناقهم. فإن هؤلاء أئمة الكفر، وإن الله أغناك عن الفداء، فمكن علياً من أخيه عقيل، وحمزة من أخيه العباس، ومكني من فلان (نسيب له) فنضرب أعناقهم!!
وهكذا صار هناك رأيان.
ويأمر رسول الله بالفداء. ومن لم يستطيع الفداء وكان يعرف القراءة والكتابة. كان فداؤه أن يعلم عشرة من صبيان المسلمين.
ويصر عمر على رأيه. وكان معه الأنصاري: سعد بن معاذ.
وينزل من السماء قرآن: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 67، 68]
ويبكى رسول الله. ومن عنده.
ويدخل عمر. فيراهم في ذلك الحال!!
ويسأل عمر.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكي على أصحابك لأخذهم الفداء ولو نزل عذاب من السماء، لما نجا منه أحد. إلا عمر وسعد بن معاذ!!!
عمر يغالب نفسه!!
كان عمر يحاسب نفسه، حتى خطراتها!!
يخشى أن تغلبه. في لحظة من لحظات الضعف فينساق لها.
يجمع الناس يوماً في المسجد، ويعتلي المنبر ويقول: كنت أرعى إبل الخطاب في شعاب مكة، ومعها إبل لخالتي. وكنت ألبس الصوف (الخشن) من الملابس، وكان الخطاب يرهقني (ضرباً ومساءلة) ثم نزل عن المنبر ويقترب منه ابنه (عبدالله): ما هذا يا أمير المؤمنين!؟. والله ما زدت أن حقرت نفسك.
وينظر عمر إليه. دعني. يا عبد الله. رأيتُ نفسي ليس بينها وبين الله أحد. فأحببت أن أحقرها.وانصرف!!
يا لعظمة النفس في تواضعها. وفي عبوديتها لله سبحانه وتعالى. كم هو عظيم ذلك الشعور الذي يرد النفس. ويكبح جماحها حتى في خواطرها!!. فلا تجعل لشهواتها ورغباتها طريقاً على سلوك صاحبها فتشقيه بها!!!
بصيرة. نافذة؟؟؟
كان عمر يخطب على المنبر في يوم جمعة، وفجأة قطع حديثه وصاح بأعلى صوته (يا سارية. الجبل. الجبل). ثم واصل خطبته. وبعد أن أتم الصلاة، سئل عن ذلك؟. فقال رأيت جيش المسلمين في موقع كذا وكذا، يؤتى من ناحية الجبل. فحذرتهم من ذلك، وسئل بعض الجيش فيما بعد عن الواقعة. فقالوا: نعم، يصدقون كلام عمر!!
ويقول العقاد في هذه الواقعة: لا داعي للجزم بنفي هذه القصة استناداً إلى العقل أو إلى العلم أو إلى التجربة الشائعة، فإن العقل لا يمنعها. والعلماء النفسانيون في عصرنا لا يتفقون على نفيها ونفي أمثالها، بل منهم من مارسوا "التلباثي" (التخاطب عن بعد)، وسجلوا مشاهداته، وهم ملحدون لا يؤمنون بدين.!!
عمر أمة وحده!!
قال له أبو بكر، وقد تولى الخلافة: اقض بين الناس فإني في شغل!
وهو أول من وضع نظام الدواوين في دولة الإسلام، وهو النظام الذي يعنى بمصالح الناس وتوثيق المعاملات. وحفظ أسماء الجند. وهو أول من جعل نظاماً للعطاء: فجعل الرواتب الشهرية ورتب الناس على قدر سوابقهم وحاجتهم.
(وعمر سن سنناً للقضاء صارت دستوراً: منها أن القاضي لا يحكم بعلمه، ولا يقبل هدية، ولا يعمل بالتجارة).
وعمر مؤسس ديوان الوقف الخيري!
(أنشأ عمر بيت الدقيق لإغاثة الجياع الذين لا يجدون الطعام وأصاب قبل خلافته أرضاً بخيبر، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فاستحسن له أن يحبس أصلها ويتصدق بريعها فجعلها عمر صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث، وينفق منها على الفقراء والغزاة).
عمر: المهندس النجيب!!!
لعمر رضي الله عنه فراسة لا تخيب!!
كان يعنى بالأسماء. ويتفاءل بحسنها.
وكان ينظر في وجوه الرجال. فيدرك ما أصاب النفوس والأجساد!!!
كان حريصاً على المسلمين. فيدفعه ذلك للسؤال عن أحوالهم.
فيوجه بما يصلح شأنهم.
جاءه بعض جند العراق. فنظر في وجوههم. فرأى فيهم هزالا. وتغيراً في ألوانهم. فسأل سعد بن أبي وقاص عن ذلك؟؟؟
قال سعد: وخومة المدائن. ودجلة (سوء جو المنطقة وبيئتها).
ويرسل إليه: إن العرب لا يوافقها إلا ما وافق إبلها من البلدان!!!
فابعث سليمان وحذيفة ليرتادوا منزلاً برياً بحرياً، ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر (تبنى هناك مدينة) وأمر أن تبلغ مناهج المدينة (طرقها) أربعين ذراعاً، وما يليها ثلاثين ذراعاً. وما بين ذلك عشرين ذراعاً. وأن لا تنقص الأزقة عن سبعة أذرع، ليس دونها شيء!. وأن لا يرتفع بناء الدور. فبنيت الكوفة على هذا التخطيط! فأي مهندس. عمر؟!!
إيداع. متفرد!!
يقول العقاد: (وندر في الدولة الإسلامية، من نظام، لم تكن له أولية فيه!!. فافتتح تاريخاً. واستهل حضارة وأنشأ حكومة ورتب لها الدواوين، ونظم فيها أصول القضاء والإدارة، واتخذ لها بيت مال، ووصل بين أجزائها بالبريد، وحمى ثغورها بالمرابطين، وصنع كل شيء في الوقت الذي ينبغي أن يصنع فيه وعلى الوجه الذي يحسن به الابتداء)!!!
امتياز العقيدة!!
يقول الفيلسوف (شبنجلر): إن الأمم في نهوضها تعبر طريقين مختلفين: طريق العقيدة وقوة النفس، وتلازمه بساطة الظواهر وعظمة الضمائر، وطريق الفخامة المادية والوفرة العددية. وفيه تنحل الضمائر وتخلفها العظمة التي تقاس بالباع والذراع. وتقدر بالقنطار والدينار. وكانت قبل ذلك تقاس بما لا يحس من العزائم والأخلاق.
وكانت أمة الإسلام، بحكم العقيدة، وسهولة الحياة. ممن سلك الطريق الأول - لا شك - والفكرة ولسان الحال)!!
إنه عمر بن الخطاب!!
كتب محمد حسين هيكل عن عمر رائعته: الفاروق عمر.
وكتب الشرقاوي: (الفاروق عمر).
وكتب الطنطاويان (علي وشقيقه): أخبار عمر.
وكتب المسيحي القبطي نظمى لوقا: عمر بن الخطاب: البطل والمثل والرجل!!!
وكتب العقاد: عبقرية عمر.
وكتب كثيرون عن عمر.
ولا تزال سيرته نبعاً ثراً وثرياً. لمن يريد أن يعطي الناس، من مسلمين ومن غيرهم. نموذجاً في العدل. والتنظيم. والحرص على المال العام. ورعاية شؤون المواطنين. والنموذج الأكمل في الحاكم الصالح.!!
ولن نستطيع في هذه العجالة. إلا أن نعرض. لمعا من نور عمر بن الخطاب. فأينما وليت وجهك في قراءة واسترجاع. ما فعل عمر. وجدت النفس معجبة أيما إعجاب. بعظمة هذه الشخصية المبدعة. التي صدقت مع الله. ومع رسوله الكريم. ومع رسالة الإسلام والمسلمين.
ويكفيه قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. شهادة لا تعدلها شهادة. عندما قال في عمر: لم أر عبقرياً يفري فريه!!!!
والحمد لله رب العالمين.