حكاية ناي ♔
12-23-2023, 11:28 AM
لقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يَخرُج سيدنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم مهاجرًا من مكةَ المكرمة، أطيب بلد، وأحب البقاع إليه، إلى المدينة المنورة؛ حيث بناء الدولة الإسلامية التي أرسى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مبدأَ الأخوة الإيمانية في أسمى معانيها، فهي هجرة إلى الله في أبلغ صورة وأصدق تعبير لحب الله والتعلُّق به، هجرة مستصحَبة بالمدَد والعون الإلهي، من أجل نصرة هذا الدين، قال الله تعالى: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40].
إن حادثة الهجرة النبوية تُجسِّد بجلاء قيمًا ومعانيَ عظيمةً؛ فهي طافحة بالعِبر والدلالات، يُستفاد منها دروس وعبر عديدة في مختلف جوانب الحياة، كالأخذ بالأسباب، والتوكُّل على الله، والصبر، والإخلاص، واستلهام القيم النبيلة، من تضحية بالنفس، وسموٍّ في المقصد، ورقة في القلب، وثبات في الموقف، وقد تجلَّى ذلك واضحًا في حادثة الهجرة النبوية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مخاطبًا مكة: ((ما أطيبَك من بلد، وأحبَّك إليَّ! ولولا أن قومَك أخرجوني منك ما سكنتُ غيرك))[1].
إنَّ من تأمل حادثة الهجرة، ورأى دقة التخطيط فيها، ودقة الأخذ بالأسباب من ابتدائها إلى انتهائها، ومن مقدماتها إلى ما جرى بعدها - يُدرك أن التخطيط المسدَّد بالوحي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائمًا، وأن التخطيط جزء من السنَّة النبوية، وهو جزء من التكليف الإلهي في كل ما طُولب به المسلم، وأن الذين يميلون إلى العفوية، بحجة أن التخطيط وإحكام الأمور ليسا من السنَّة، أمثال هؤلاء مخطئون، ويجْنون على أنفسهم وعلى المسلمين.
فعندما حان وقت الهجرة للنبي صلى الله عليه وسلم، وشرع النبي صلى الله عليه وسلم في التنفيذ، نلاحظ الآتي:
♦ وجود التنظيم الدقيق للهجرة حتى نجحت، رغم ما كان يكتنفها من صعاب وعقبات؛ وذلك أن كل أمر من أمور الهجرة كان مدروسًا دراسةً وافيةً، فمثلًا:
أ- جاء صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر في وقتٍ شديد الحر، وهو الوقت الذي لا يخرج فيه أحد، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم من عادته الخروج فيه، فلماذا يخرج فيه؟! حتى لا يراه أحد.
ب- إخفاء شخصيته صلى الله عليه وسلم أثناء مجيئه للصدِّيق، وجاء إلى بيت الصديق متلثمًا؛ لأن التلثُّم يقلِّل من إمكانية معرفة معالم الوجه المتلثم.
ج- أمر صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يُخرِجَ مَنْ عنده، ولَمَّا تكلم لم يبيِّن إلا الأمر بالهجرة دون تحديد الاتجاه.
د - كان الخروج ليلًا، ومن باب خلفيٍّ في بيت أبي بكر.
هـ- بلغ الاحتياط مداه، باتخاذ طرق غير مألوفة للقوم، والاستعانة في ذلك بخبير يعرف مسالك البادية ومسارب الصحراء، ولو كان ذلك الخبير مشركًا، ما دام على خلق ورزانة، وهذا فيه دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يحجم عن الاستعانة بالخبرات مهما يكن مصدرها[2].
"ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن قريشًا سَتَجِدُّ في الطلب، وأن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظارُ لأول وهلة هو طريق المدينة الرئيسي المتجه شمالًا؛ فسلك الطريق الذي يضادُّه تمامًا، وهو الطريق الواقع جنوب مكة، والمتجه نحو اليمن، سلك هذا الطريق نحو خمسة أميال حتى بلغ جبلًا يُعرَف بجبل ثَوْر، وهذا جبل شامخ، وَعِر الطريق، صعب المرتقى، ذو أحجار كثيرة، فحفيت قَدَمَا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: بل كان يمشي في الطريق على أطراف قدميه؛ كي يُخفي أثره فحفيت قدماه"[3].
لقد كان التخطيط النبويُّ محكمًا قبل الشروع في الهجرة، على مستوى عالٍ من الجاهزية والتدبير، فما أحوج الأمةَ الإسلامية أن تقتفي أثر نبيِّها! وتستلهم الدُّرر اللامعة من عبقريته الفذَّة وتخطيطه الحكيم، الذي رسم معالم الهجرة الناجحة من خلال إعدادٍ للعدَّة، وأخذٍ بمبدأ الحيطة اللازمة في اختياره الوقتَ المناسب للخروج، واتخاذ طرق ومسالكَ غير مألوفة للقوم؛ وتلك هي الحيطة البالغة، كما تفرضها الضرورات المعتادة على أي إنسان.
وانطلق مشركو مكة في آثار المهاجرين يرصدون الطرق، ويفتشون كل مهرب، وراحوا يُنقِّبون في جبال مكة وكهوفها، حتى وصلوا - في دأبهم - قريبًا من غار ثور، وأنصت الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبُه إلى أقدام المطارِدين، تخفق إلى جوارهم، فأخذ الروعُ أبا بكر، وهمس يحدِّث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟!))[4].
لقد كان صلى الله عليه وسلم واثقًا بربه، متوكلًا عليه، ومتيقنًا بأن الله ناصره وحافظه، لكن هذا لا يتعارض مع مبدأ الأخذ بالأسباب؛ حيث أعدَّ صلى الله عليه وسلمخطةً محكمةً، ثم قام بتنفيذها بكل سرِّية وإتقان.
ونرى احتياجات الرِّحلة قد دُبِّرت تدبيرًا محكمًا:
أ- علي رضي الله عنه: ينام في فراش الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ليخدع القوم، ويُسلِّم الودائع، ويلحق بالرسول.
ب- وعبدالله بن أبي بكر: صاحب المخابرات الصادق، وكاشف تحرُّكات العدو.
جـ- وأسماء ذات النطاقين: تحمل التموين من مكة إلى الغار، وسط جنون المشركين بحثًا عن محمد صلى الله عليه وسلم ليقتلوه.
د- وعامر بن فهيرة: الراعي البسيط الذي قدَّم اللحم واللبن إلى صاحبَي الغار، وبدَّد آثار أقدام المسيرة التاريخية بأغنامه؛ كي لا يتفرسها القوم، لقد كان هذا الراعي يقوم بدور الإمداد والتموين.
هـ- وعبدالله بن أريقط: دليل الهجرة الأمين، وخبير الصحراء البصير، ينتظر في يقظةٍ إشارةَ البدء من الرسول؛ ليأخذ الركب طريقه من الغار إلى يثرب.
فهذا تدبير للأمور على نحو رائع دقيق، واحتياطٌ للظروف بأسلوب حكيم، ووضعٌ لكل شخص من أشخاص الهجرة في مكانه المناسب، وسدٌّ لجميع الثغرات، وتغطيةٌ بديعة لكل مطالب الرحلة، واقتصارٌ على العدد اللازم من الأشخاص من غير زيادة ولا إسراف[5].
إن حدث الهجرة النبوية لَقَمِينٌ بأن يدفع عقولَنا إلى التفكُّر والإعمال، وقلوبَنا إلى التفقُّه والإيمان، فهي شاهدة على عبقريته وحكمته صلى الله عليه وسلم، وفيها دعوة للأمة إلى أن تحذُوَ حذوه في حسن التخطيط والتدبير، وإتقان العمل، واتخاذ أفضل الأسباب، مع الاعتماد على الله مسبِّب الأسباب أولًا وآخرًا.
إن حادثة الهجرة النبوية تُجسِّد بجلاء قيمًا ومعانيَ عظيمةً؛ فهي طافحة بالعِبر والدلالات، يُستفاد منها دروس وعبر عديدة في مختلف جوانب الحياة، كالأخذ بالأسباب، والتوكُّل على الله، والصبر، والإخلاص، واستلهام القيم النبيلة، من تضحية بالنفس، وسموٍّ في المقصد، ورقة في القلب، وثبات في الموقف، وقد تجلَّى ذلك واضحًا في حادثة الهجرة النبوية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مخاطبًا مكة: ((ما أطيبَك من بلد، وأحبَّك إليَّ! ولولا أن قومَك أخرجوني منك ما سكنتُ غيرك))[1].
إنَّ من تأمل حادثة الهجرة، ورأى دقة التخطيط فيها، ودقة الأخذ بالأسباب من ابتدائها إلى انتهائها، ومن مقدماتها إلى ما جرى بعدها - يُدرك أن التخطيط المسدَّد بالوحي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائمًا، وأن التخطيط جزء من السنَّة النبوية، وهو جزء من التكليف الإلهي في كل ما طُولب به المسلم، وأن الذين يميلون إلى العفوية، بحجة أن التخطيط وإحكام الأمور ليسا من السنَّة، أمثال هؤلاء مخطئون، ويجْنون على أنفسهم وعلى المسلمين.
فعندما حان وقت الهجرة للنبي صلى الله عليه وسلم، وشرع النبي صلى الله عليه وسلم في التنفيذ، نلاحظ الآتي:
♦ وجود التنظيم الدقيق للهجرة حتى نجحت، رغم ما كان يكتنفها من صعاب وعقبات؛ وذلك أن كل أمر من أمور الهجرة كان مدروسًا دراسةً وافيةً، فمثلًا:
أ- جاء صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر في وقتٍ شديد الحر، وهو الوقت الذي لا يخرج فيه أحد، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم من عادته الخروج فيه، فلماذا يخرج فيه؟! حتى لا يراه أحد.
ب- إخفاء شخصيته صلى الله عليه وسلم أثناء مجيئه للصدِّيق، وجاء إلى بيت الصديق متلثمًا؛ لأن التلثُّم يقلِّل من إمكانية معرفة معالم الوجه المتلثم.
ج- أمر صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يُخرِجَ مَنْ عنده، ولَمَّا تكلم لم يبيِّن إلا الأمر بالهجرة دون تحديد الاتجاه.
د - كان الخروج ليلًا، ومن باب خلفيٍّ في بيت أبي بكر.
هـ- بلغ الاحتياط مداه، باتخاذ طرق غير مألوفة للقوم، والاستعانة في ذلك بخبير يعرف مسالك البادية ومسارب الصحراء، ولو كان ذلك الخبير مشركًا، ما دام على خلق ورزانة، وهذا فيه دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يحجم عن الاستعانة بالخبرات مهما يكن مصدرها[2].
"ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن قريشًا سَتَجِدُّ في الطلب، وأن الطريق الذي ستتجه إليه الأنظارُ لأول وهلة هو طريق المدينة الرئيسي المتجه شمالًا؛ فسلك الطريق الذي يضادُّه تمامًا، وهو الطريق الواقع جنوب مكة، والمتجه نحو اليمن، سلك هذا الطريق نحو خمسة أميال حتى بلغ جبلًا يُعرَف بجبل ثَوْر، وهذا جبل شامخ، وَعِر الطريق، صعب المرتقى، ذو أحجار كثيرة، فحفيت قَدَمَا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: بل كان يمشي في الطريق على أطراف قدميه؛ كي يُخفي أثره فحفيت قدماه"[3].
لقد كان التخطيط النبويُّ محكمًا قبل الشروع في الهجرة، على مستوى عالٍ من الجاهزية والتدبير، فما أحوج الأمةَ الإسلامية أن تقتفي أثر نبيِّها! وتستلهم الدُّرر اللامعة من عبقريته الفذَّة وتخطيطه الحكيم، الذي رسم معالم الهجرة الناجحة من خلال إعدادٍ للعدَّة، وأخذٍ بمبدأ الحيطة اللازمة في اختياره الوقتَ المناسب للخروج، واتخاذ طرق ومسالكَ غير مألوفة للقوم؛ وتلك هي الحيطة البالغة، كما تفرضها الضرورات المعتادة على أي إنسان.
وانطلق مشركو مكة في آثار المهاجرين يرصدون الطرق، ويفتشون كل مهرب، وراحوا يُنقِّبون في جبال مكة وكهوفها، حتى وصلوا - في دأبهم - قريبًا من غار ثور، وأنصت الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبُه إلى أقدام المطارِدين، تخفق إلى جوارهم، فأخذ الروعُ أبا بكر، وهمس يحدِّث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟!))[4].
لقد كان صلى الله عليه وسلم واثقًا بربه، متوكلًا عليه، ومتيقنًا بأن الله ناصره وحافظه، لكن هذا لا يتعارض مع مبدأ الأخذ بالأسباب؛ حيث أعدَّ صلى الله عليه وسلمخطةً محكمةً، ثم قام بتنفيذها بكل سرِّية وإتقان.
ونرى احتياجات الرِّحلة قد دُبِّرت تدبيرًا محكمًا:
أ- علي رضي الله عنه: ينام في فراش الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ليخدع القوم، ويُسلِّم الودائع، ويلحق بالرسول.
ب- وعبدالله بن أبي بكر: صاحب المخابرات الصادق، وكاشف تحرُّكات العدو.
جـ- وأسماء ذات النطاقين: تحمل التموين من مكة إلى الغار، وسط جنون المشركين بحثًا عن محمد صلى الله عليه وسلم ليقتلوه.
د- وعامر بن فهيرة: الراعي البسيط الذي قدَّم اللحم واللبن إلى صاحبَي الغار، وبدَّد آثار أقدام المسيرة التاريخية بأغنامه؛ كي لا يتفرسها القوم، لقد كان هذا الراعي يقوم بدور الإمداد والتموين.
هـ- وعبدالله بن أريقط: دليل الهجرة الأمين، وخبير الصحراء البصير، ينتظر في يقظةٍ إشارةَ البدء من الرسول؛ ليأخذ الركب طريقه من الغار إلى يثرب.
فهذا تدبير للأمور على نحو رائع دقيق، واحتياطٌ للظروف بأسلوب حكيم، ووضعٌ لكل شخص من أشخاص الهجرة في مكانه المناسب، وسدٌّ لجميع الثغرات، وتغطيةٌ بديعة لكل مطالب الرحلة، واقتصارٌ على العدد اللازم من الأشخاص من غير زيادة ولا إسراف[5].
إن حدث الهجرة النبوية لَقَمِينٌ بأن يدفع عقولَنا إلى التفكُّر والإعمال، وقلوبَنا إلى التفقُّه والإيمان، فهي شاهدة على عبقريته وحكمته صلى الله عليه وسلم، وفيها دعوة للأمة إلى أن تحذُوَ حذوه في حسن التخطيط والتدبير، وإتقان العمل، واتخاذ أفضل الأسباب، مع الاعتماد على الله مسبِّب الأسباب أولًا وآخرًا.