حكاية ناي ♔
12-23-2023, 11:45 AM
في شوال سنة ثمان من الهجرة، وبعد استقرار الأمر بمكة وصدور العفو عن أهلها في رمضان من تلك السنة، بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني سعد بن بكر من هوازن وثقيف قد أجمعوا أمرهم على محاربته، وأعدوا العدة لذلك، وخرجوا لملاقاته. فلما تحقق من صحة تلك الأنباء أعد جيشه الذي جاء به من المدينة وكان عشرة آلاف مقاتل من المهاجرين والأنصار وبقية قبائل العرب الملاقاة هذا العدو المشترك. ومعلوم أنه لا غنى لأهل مكة عن الطائف ولا عن مخالطة هوازن وثقيف لما بين البلدين من أواصر الجوار والنسب والقرابة. وكانوا قبل ذلك قد اعتدوا على رسول النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وقتلوه حين داهم إلى الإيمان به واتباعه وكان منهم. وإزاء تكرر عدوانهم، وخوفه على أهل مكة أن يفسدوا عليهم أمرهم ودينهم، وهم قوة هائلة؛ وشوكة في حلوق أهل مكة ما دام الفريقان على دينين مختلفين: إزاء تلك الأسباب المتقدمة خرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد انضم إلى جيشه ألفان من أهل مكة. وقد نظر الجيش بعضه إلى بضع وقالوا: لن نُغلب اليوم من قِلة.
سار جيش النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، وسار جيش العدو من الطائف، فالتقيا بوادٍ بين مكة والطائف سميت الغزوة باسمه؛ وهو وادي حنين.
كان وصوله صلى الله عليه وسلم الوادي ظهراً؛ فعسكر بباب الوادي مما يلي مكة؛ وقد كان جيش الطائف قد أخذ أماكنه واختار لنفسه أحسن المواقع التي يمكنه أن يقاتل فيها بقيادة مالك بن عوف النضري أمير الطائف. وقد جاؤوا بنسائهم وأموالهم ليكون ذلك باعثاً لهم على مواصلة القتال ول إلى الموت دون أن يتركوا أعراضهم وأموالهم أسلاباً في يد عدوهم.
وبعد انقضاء الليلة الأولى من وصول الجيش إلى حنين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بأصحابه أول وقتها ثم صفهم، وكذا فعل عدوه، وقد انكشف ضوء النهار، فالتحم الجيشان؛ فانهزم جيش الطائف أولاً، وأقبل المسلمون يجمعون الغنائم، فكرّ المشركون عليهم حاملين حملة رجل واحد؛ فانهزم المسلمون وتفرقوا، وإن كان كثير من المؤرخين لا يذكر هزيمة المشركين في غزوة حنين أولاً، ولكن هذا هو الحق الثابت في الصحيحين من حديث البراء بن عازب وغيره – لكنه صلى الله عليه وسلم في هذه الساعة الرهيبة تقدم نحو العدو ببغلته وهو يقول: إليّ عباد الله، أنا محمد رسول الله. وعن يمينه عمه العباس بن عبدالمطلب، وعن شماله أبو سفيان بن الحارث ابن عبدالمطلب ابن عمه .
كرر صلى الله عليه وسلم النداء في المسلمين، وأمر العباس وكان جهير الصوت أن ينادي في المسلمين بـ "يا أصحاب السمرة[1]" وربما ناداهم: "يا أهل سورة البقرة" يذكرهم بما فيها من آيات الجهاد التي خاطبهم الله بها أول ما شرع الجهاد – فاجتمع عليه صلى الله عليه وسلم قريب من مائة من أصحابه، فقال لهم احملوا حملة رجل واحد ثم قال "اللهم أنجز لي ما وعدتني" وكان بجانبه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فقال له "ناولني حفنة من تراب" فناوله إياها، فرمى بها صلى الله عليه وسلم في وجوه المشركين وقال "شاهت الوجوه" عند ذلك انهزم المشركين تاركين كل ما لهم من نساء وأبناء وأموال.
وقد أيد الله رسوله في هذه الغزوة بالملائكة كمان كان في بدر. وفي نزول المدد أحاديث وآثار فسرت بعض ما كان يصنعه الملائكة كإرسال أسواط حادة على المشركين من جميع الجهات.. وتثقيل أكتاف المشركين بضربها.
ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تلك الغزوة إلى مكة، ووضع غنائمه بالجعرانة. وانتزر هوازن وثقيف أربع عشرة ليلة، فلما لم يقدروا عليه قسم الغنائم بين أصحابه. وعلى أثر ذيوع قسمة الغنائم حضر وفد ثقيف تائبين مسلمين؛ فخيّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين نسائهم وأبنائهم، وبين أموالهم، فاختاروا نساءهم وأبناءهم.
هذا مجمل ما وقع في تلك الغزوة. أما العبر التي تستخلص منها فمنها ما يأتي:
1- تنبيه الله تعالى عباده المؤمنين على طرح الغرور بكثرة عددهم في الحروب ومهام الأمور المحتاجة إلى قوة، وأن المعول عليه هو الالتجاء إلى الله والاستنصار به وأنه كثيراً ما نصر الفئة القليلة من المؤمنين على عدوها الكثير؛ سواء في أمة نبينا صلى الله عليه وسلم أو فيمن سبقها. سنة الله التي قد خلت من قبل ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249]، على شرط أن تهتدي بسنن الله ما استطاعت في إعداد العدة لعدوها، والمحافظة على دينها وأخلاقها.
2- وعلى قدر ما تتعلق النفوس بجمع متاع الدنيا من غنائم الحروب، منصرفة عن الاحتياط لنفسها من عدوها؛ تكون خسارتها، كما أنها على قدر احتياطها وحرصها على إعزازها واعتزازها بقوتها ودينها وأخلاقها يكون ربحها. يوضح تلك العبرة ما وقع للمسلمين في تلك الغزوة وغيرها من انتصارهم أولاً ثم انهزامهم بعد ذلك بانصرافهم إلى جمع الغنائم.
3- عدم محاباة القوة لقوته ولا ضياع حق الضعيف لضعفه. يوضح ذلك ما وقع لأبي قتادة مع خالد بن الوليد رضي الله عنهما. قاتل أبو قتادة رضي الله عنه رجلاً من المشركين تغلب على رجل من المسلمين، فناصر أبو قتادة أخاه بضربة المشرك بالسيف، فالتفت المشرك إلى أبي قتادة فضمه ضمة وجد أبو قتادة منها ريح الموت، ولكنه ضعف ثم مات من ضربة ثم مات من ضربة أبي قتادة؛ وكان سلمة الذي معه شيئاً كثيراً ولكن أبا قتادة انشغل بالقتال، فجاء خالد بن الوليد فأخذ سلب قتيل أبي قتادة، وأبو قتادة ينظر إليه. فلما انتهت الغزوة قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه قبل قسمة الغنائم "من قتل قتيلاً له عليه بينة أعطي سلبه" فقام أبو قتادة ثم جلس، فكرر صلى الله عليه وسلم حديثه ثلاث مرات وهو يقوم ثم يجلس، فقام خالد بن الوليد وقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة القتيل والسلب وطلب أن يتركه أبو قتادة، فقال أبوبكر رضي الله عنه ما معناه: لا والله لا يؤخذ سلب أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطى إلى غيره. فأخذ أبو قتادة سلب قتيله فاشترى به بستاناً من بني سلمة بالمدينة.
4- ما تضمنته قصة شيبة بن عثمان من الحمية والعزة القومية.
5- تصريف الله القلوب بالهداية بعد الضلالة وإخراج أصحابها من الظلمات إلى النور ومن الشقاوة إلى السعادة.
6- قد تظهر خوارق العادات للكافر أكثر مما تظهر للمؤمن.
وإلى الفراء قصة شيبة بن عثمان صاحب قصة مفتاح الكعبة:
قال شيبة رضي الله عنه "لما خرج قومي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال أهل حنين خرجت معهم لا يخرجني إسلام ولا حب لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولكن خرجت لأدافع عن قومي مخافة أن يظهر ثقيف على قريش. فلما انهزم المسلمون وانكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم تذكرت أهلي الذي قُتلوا بيد أصحابه من أبي وعمي، وما كان من قتل علي وحمزة لهما يوم بدر، فقلت الآن آخذ بالثأر، فاقتربت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت عن يمينه ويساره العباس وأبا سفيان بن الحارث، فقلت: عمه وابن عمه لا يخذلانه فجئت خلفه، فلما هممت بتحقيق ما جال في نفسي حيل بيني وبينه بشواظ من نار كاد يصيب أنفي وكاد بريقه يخطف بصري، فابتعدت عنه ثم قلت يا رسول الله: أرى خيلاً بُسلقا نازلة من السماء، فقال لي: تقدم يا شيبة، فلما دنوت منه قال: لا يرى هذه الخيل إلا كافر، ثم مسح على صدري وقال: اللهم اهد شيبة. فلم يكن أحد من أهل الأرض أحب إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك".
وهذا ميزان من موازين الإيمان لا يتم إيمان العبد بدونه كما في الحديث المتفق عليه أنه صلى الله عليه وسلم قال "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وماله والناس أجمعين".
هذا ولما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى المدينة لم يكن قد أعطى الأنصار شيئاً من الغنائم، كثر منهم الكلام حتى قيل: آثر أهله علينا ونحن لا تزال سيوفنا تقطر من دمائهم؛ وقد أبلغ عبدالله بن مسعود رضي الله عنه مقال الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يزيل ما في نفوسهم. فجمعهم في أصحابه ثم قال "يا معشر الأنصار، ما حديث بلغني عنكم؟ قالوا كان ذلك يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه مخافة أن يكبه الله في النار على وجهه. لو شئتم لقلتم: كان طريداً فآويناه، وكان ضعيفاً فقويناه، وكان مخذولاً فنصرناه. فبكوا بكاءاً شديداً وقالوا: الله ورسوله أمنّ، لو شئت لقلت: كنتم ضلالاً فهداكم الله بي؛ وكنتم متفرقين فجمعكم الله بين؛ وكنتم أعداء فأصبحتم بي أحباء. فقال صلى الله عليه وسلم: الأنصار شعارى والناس دثارى؛ أما ترضون أن يرجع الناس بالغنائم وترجعوا برسول الله إلى دياركم، لو سلك الناس وادياً أو شعباً، وسلك الأنصار وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار، أو شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار".
وكان السبب فيما وقع من الأنصار ظنهم أن النبي سيقيم بمكة، ولا يرجع معهم إلى المدينة، فلما سمعوا منه ما حدثهم به طابت نفوسهم وفرحوا بما سمعوا.
وبعد فتح حصن الطائف في ذي القعدة من تلك السنة رجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بأصحابه فرحين بما أنعم الله عليهم به.
وفي قتاله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف في ذي القعدة سنة ثمان دليل على أن القتال في الأشهر الحرام غير ممنوع، وأن تحريمه فيها منسوخ.
سقنا هذه الغزوة بما فيها من العبر للمسلمين رجاء أن يقتدوا برسولهم وأصحابه في سلمهم وحربهم، وقوتهم وضعفهم، وليعلموا أنه لا دواء لما اكتنفهم من الأدواء إلا اتباعهم لنبيهم ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].
مجلة الهدي النبوي: المجلد الخامس، العدد 18-19، شوال 1360هـ
سار جيش النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، وسار جيش العدو من الطائف، فالتقيا بوادٍ بين مكة والطائف سميت الغزوة باسمه؛ وهو وادي حنين.
كان وصوله صلى الله عليه وسلم الوادي ظهراً؛ فعسكر بباب الوادي مما يلي مكة؛ وقد كان جيش الطائف قد أخذ أماكنه واختار لنفسه أحسن المواقع التي يمكنه أن يقاتل فيها بقيادة مالك بن عوف النضري أمير الطائف. وقد جاؤوا بنسائهم وأموالهم ليكون ذلك باعثاً لهم على مواصلة القتال ول إلى الموت دون أن يتركوا أعراضهم وأموالهم أسلاباً في يد عدوهم.
وبعد انقضاء الليلة الأولى من وصول الجيش إلى حنين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بأصحابه أول وقتها ثم صفهم، وكذا فعل عدوه، وقد انكشف ضوء النهار، فالتحم الجيشان؛ فانهزم جيش الطائف أولاً، وأقبل المسلمون يجمعون الغنائم، فكرّ المشركون عليهم حاملين حملة رجل واحد؛ فانهزم المسلمون وتفرقوا، وإن كان كثير من المؤرخين لا يذكر هزيمة المشركين في غزوة حنين أولاً، ولكن هذا هو الحق الثابت في الصحيحين من حديث البراء بن عازب وغيره – لكنه صلى الله عليه وسلم في هذه الساعة الرهيبة تقدم نحو العدو ببغلته وهو يقول: إليّ عباد الله، أنا محمد رسول الله. وعن يمينه عمه العباس بن عبدالمطلب، وعن شماله أبو سفيان بن الحارث ابن عبدالمطلب ابن عمه .
كرر صلى الله عليه وسلم النداء في المسلمين، وأمر العباس وكان جهير الصوت أن ينادي في المسلمين بـ "يا أصحاب السمرة[1]" وربما ناداهم: "يا أهل سورة البقرة" يذكرهم بما فيها من آيات الجهاد التي خاطبهم الله بها أول ما شرع الجهاد – فاجتمع عليه صلى الله عليه وسلم قريب من مائة من أصحابه، فقال لهم احملوا حملة رجل واحد ثم قال "اللهم أنجز لي ما وعدتني" وكان بجانبه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فقال له "ناولني حفنة من تراب" فناوله إياها، فرمى بها صلى الله عليه وسلم في وجوه المشركين وقال "شاهت الوجوه" عند ذلك انهزم المشركين تاركين كل ما لهم من نساء وأبناء وأموال.
وقد أيد الله رسوله في هذه الغزوة بالملائكة كمان كان في بدر. وفي نزول المدد أحاديث وآثار فسرت بعض ما كان يصنعه الملائكة كإرسال أسواط حادة على المشركين من جميع الجهات.. وتثقيل أكتاف المشركين بضربها.
ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تلك الغزوة إلى مكة، ووضع غنائمه بالجعرانة. وانتزر هوازن وثقيف أربع عشرة ليلة، فلما لم يقدروا عليه قسم الغنائم بين أصحابه. وعلى أثر ذيوع قسمة الغنائم حضر وفد ثقيف تائبين مسلمين؛ فخيّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين نسائهم وأبنائهم، وبين أموالهم، فاختاروا نساءهم وأبناءهم.
هذا مجمل ما وقع في تلك الغزوة. أما العبر التي تستخلص منها فمنها ما يأتي:
1- تنبيه الله تعالى عباده المؤمنين على طرح الغرور بكثرة عددهم في الحروب ومهام الأمور المحتاجة إلى قوة، وأن المعول عليه هو الالتجاء إلى الله والاستنصار به وأنه كثيراً ما نصر الفئة القليلة من المؤمنين على عدوها الكثير؛ سواء في أمة نبينا صلى الله عليه وسلم أو فيمن سبقها. سنة الله التي قد خلت من قبل ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249]، على شرط أن تهتدي بسنن الله ما استطاعت في إعداد العدة لعدوها، والمحافظة على دينها وأخلاقها.
2- وعلى قدر ما تتعلق النفوس بجمع متاع الدنيا من غنائم الحروب، منصرفة عن الاحتياط لنفسها من عدوها؛ تكون خسارتها، كما أنها على قدر احتياطها وحرصها على إعزازها واعتزازها بقوتها ودينها وأخلاقها يكون ربحها. يوضح تلك العبرة ما وقع للمسلمين في تلك الغزوة وغيرها من انتصارهم أولاً ثم انهزامهم بعد ذلك بانصرافهم إلى جمع الغنائم.
3- عدم محاباة القوة لقوته ولا ضياع حق الضعيف لضعفه. يوضح ذلك ما وقع لأبي قتادة مع خالد بن الوليد رضي الله عنهما. قاتل أبو قتادة رضي الله عنه رجلاً من المشركين تغلب على رجل من المسلمين، فناصر أبو قتادة أخاه بضربة المشرك بالسيف، فالتفت المشرك إلى أبي قتادة فضمه ضمة وجد أبو قتادة منها ريح الموت، ولكنه ضعف ثم مات من ضربة ثم مات من ضربة أبي قتادة؛ وكان سلمة الذي معه شيئاً كثيراً ولكن أبا قتادة انشغل بالقتال، فجاء خالد بن الوليد فأخذ سلب قتيل أبي قتادة، وأبو قتادة ينظر إليه. فلما انتهت الغزوة قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه قبل قسمة الغنائم "من قتل قتيلاً له عليه بينة أعطي سلبه" فقام أبو قتادة ثم جلس، فكرر صلى الله عليه وسلم حديثه ثلاث مرات وهو يقوم ثم يجلس، فقام خالد بن الوليد وقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم قصة القتيل والسلب وطلب أن يتركه أبو قتادة، فقال أبوبكر رضي الله عنه ما معناه: لا والله لا يؤخذ سلب أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطى إلى غيره. فأخذ أبو قتادة سلب قتيله فاشترى به بستاناً من بني سلمة بالمدينة.
4- ما تضمنته قصة شيبة بن عثمان من الحمية والعزة القومية.
5- تصريف الله القلوب بالهداية بعد الضلالة وإخراج أصحابها من الظلمات إلى النور ومن الشقاوة إلى السعادة.
6- قد تظهر خوارق العادات للكافر أكثر مما تظهر للمؤمن.
وإلى الفراء قصة شيبة بن عثمان صاحب قصة مفتاح الكعبة:
قال شيبة رضي الله عنه "لما خرج قومي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال أهل حنين خرجت معهم لا يخرجني إسلام ولا حب لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولكن خرجت لأدافع عن قومي مخافة أن يظهر ثقيف على قريش. فلما انهزم المسلمون وانكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم تذكرت أهلي الذي قُتلوا بيد أصحابه من أبي وعمي، وما كان من قتل علي وحمزة لهما يوم بدر، فقلت الآن آخذ بالثأر، فاقتربت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت عن يمينه ويساره العباس وأبا سفيان بن الحارث، فقلت: عمه وابن عمه لا يخذلانه فجئت خلفه، فلما هممت بتحقيق ما جال في نفسي حيل بيني وبينه بشواظ من نار كاد يصيب أنفي وكاد بريقه يخطف بصري، فابتعدت عنه ثم قلت يا رسول الله: أرى خيلاً بُسلقا نازلة من السماء، فقال لي: تقدم يا شيبة، فلما دنوت منه قال: لا يرى هذه الخيل إلا كافر، ثم مسح على صدري وقال: اللهم اهد شيبة. فلم يكن أحد من أهل الأرض أحب إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك".
وهذا ميزان من موازين الإيمان لا يتم إيمان العبد بدونه كما في الحديث المتفق عليه أنه صلى الله عليه وسلم قال "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وماله والناس أجمعين".
هذا ولما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى المدينة لم يكن قد أعطى الأنصار شيئاً من الغنائم، كثر منهم الكلام حتى قيل: آثر أهله علينا ونحن لا تزال سيوفنا تقطر من دمائهم؛ وقد أبلغ عبدالله بن مسعود رضي الله عنه مقال الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يزيل ما في نفوسهم. فجمعهم في أصحابه ثم قال "يا معشر الأنصار، ما حديث بلغني عنكم؟ قالوا كان ذلك يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه مخافة أن يكبه الله في النار على وجهه. لو شئتم لقلتم: كان طريداً فآويناه، وكان ضعيفاً فقويناه، وكان مخذولاً فنصرناه. فبكوا بكاءاً شديداً وقالوا: الله ورسوله أمنّ، لو شئت لقلت: كنتم ضلالاً فهداكم الله بي؛ وكنتم متفرقين فجمعكم الله بين؛ وكنتم أعداء فأصبحتم بي أحباء. فقال صلى الله عليه وسلم: الأنصار شعارى والناس دثارى؛ أما ترضون أن يرجع الناس بالغنائم وترجعوا برسول الله إلى دياركم، لو سلك الناس وادياً أو شعباً، وسلك الأنصار وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار، أو شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار".
وكان السبب فيما وقع من الأنصار ظنهم أن النبي سيقيم بمكة، ولا يرجع معهم إلى المدينة، فلما سمعوا منه ما حدثهم به طابت نفوسهم وفرحوا بما سمعوا.
وبعد فتح حصن الطائف في ذي القعدة من تلك السنة رجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بأصحابه فرحين بما أنعم الله عليهم به.
وفي قتاله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف في ذي القعدة سنة ثمان دليل على أن القتال في الأشهر الحرام غير ممنوع، وأن تحريمه فيها منسوخ.
سقنا هذه الغزوة بما فيها من العبر للمسلمين رجاء أن يقتدوا برسولهم وأصحابه في سلمهم وحربهم، وقوتهم وضعفهم، وليعلموا أنه لا دواء لما اكتنفهم من الأدواء إلا اتباعهم لنبيهم ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].
مجلة الهدي النبوي: المجلد الخامس، العدد 18-19، شوال 1360هـ